الفلسطيني اليافاوي ألفرد عودة – أبو يعقوب- يمضي بلا وداع … نضال حمد
يبدو أن هذا الأسبوع وهو الأخير في السنة الحالية لن يتركنا نودع ما تبقى فيه من أيام بأمان وسلام. فها هو يختطف الأصدقاء واحداً تلو الآخر ويمضي بهم الى حيث لا عودة. فالموت لا يسأل الذين يأتي لأخذهم عن جنسيتهم ولا ديانتهم ولا لون بشرتهم… إنه بانتطارنا كلنا وسوف يأتينا ذات يوم وبدون ميعاد. فيوم أول أمس كان له لقاء مع ابن يافا، ألفرد الذي عاش ليلة عيد الميلاد كما عاشها مع أهله وفي كنائس يافا منذ ولادته. لم يمكنه الموت من قضاء العيد مع عائلته ولا أحبته، فمات في عيد ميلاد السيد المسيح، السيد النصراوي، الذي كان ألفرد يصفه للناس في أوسلو بأنه سيده الفلسطيني الكنعاني.
بعدما كتبت اليوم وأمس في وداع الصديقين سامي زغلول في الأردن ومحمد عطالله في مخيم عين الحلوة بلبنان، ها أنا الآن أكتب كلماتي هذه في وداع صديقي أبو يعقوب عودة، ابن مدينة يافا الفلسطينية الساحرة، الذي تعمد برمل شط بحرها وشب على حبها ..
صديقي ألفرد عاد أول أمس من المغرب الى فلسطين، عاد بروحه المحلقة الى يافا، تاركاً خلفه ذكريات كثيرة في أوسلو حيث قضى عشرات السنين في النرويج. قضى العمر هناك بعدما أصبحت فلسطين تحت الاحتلال. حمل الجنسية النرويجية في جواز سفره الثاني وبقي يحمل فلسطين ويافا في قلبه وعقله وايمانه.
كان ألفرد عودة غادر يافا شاباً في ريعان العمر قبل نحو 50 عاماً من الآن ليستقر في النرويج، فلسطينياً لاجئاً بجواز سفر “اسرائيلي” إضطر أن يحمله لأنه فلسطيني وجد نفسه كما كل شعبه وعائلته ومدينته فجأة سنة 1948 تحت احتلال صهيوني، استعماري واستئصالي، خَيّر عائلته بين الموت أو الاقتلاع والترانسفير أو حمل المواطنة “الاسرائيلية” التي لا تشرف أحداً من أبناء شعبنا الفلسطيني، حتى أنها لا تصلح لمسح مؤخراتهم وبرازهم. فألفرد الفلسطيني اليافاوي كما عائلته الفلسطينية اليافاوية ولدوا قبل ولادة دولة الكيان الصهيوني. هم أكبر منها سناً وقدراً وشآناً. إذ لهم تاريخ ووجود وحضور بينما الصهاينة اليهود المحتلين لا تاريخ لهم ولا وجود ولا حضور. لأنهم غزاة ولَمَم مثل الذين أبادوا الهنود الحَمر في أمريكا.
في أوسلو عمل ألفرد في بيع الثياب والتحف على أكبر شارع في العاصمة النرويج “كارلس يوهان غاته”. كان فلسطينياً معروفاً للجميع نرويجيين وعرب ومهاجرين أجانب. كما كان شخصاً مرحاً ومحبوباً من غالبية الناس. تعرفت عليه هناك قبل نحو ثلاثين سنة وأحببته منذ اللقاء الأول.
جرت العادة أن تأتي فرق فلسطينية للعب في دورة كأس النرويج لكرة القدم وهي دورة عالمية تقام صيف كل عام. اكتشفت لاحقاً أن ألفرد كان يقدم هدايا للفرق عبارة عن ثياب رياضية. فعل ذلك دون ضجيج وبلا تبجح واستعراضات، حتى أنا نفسي بالصدفة عرفت ذلك. لم يقل لي في يوم من الأيام أنه كان يفعل ذلك. مع أنني في ذلك الوقت كنت رئيساً للجالية الفلسطينية في النرويج. تلك التي التحق ألفرد بها وكان يشارك في نشاطاتها التي أقمناها وفي التظاهرات أيضاً. كما كان كذلك يسدد اشتراكه السنوي في الجالية عملاً بدستورها ولوائحها الداخلية وبقوانين المنظمات النرويجية. كان يعرف القوانين ويعرف الانتماء ويحترمهما.
في السنوات الأخيرة قضى معظم الوقت في المغرب حيث كان هناك عند صديق له يملك فندقاً في إحدى المدن المغربية. توفي ألفرد عودة في المغرب بعيداً عن يافا وفلسطين، كما توفي هناك أيضا قبل شهور الصديق الحميم وليد أبو جاموس بعيداً عن بلدته عمقا ووطنه المحتل فلسطين. عرفت اليوم من الصديق طلعت غباين في أوسلو بوفاة ألفرد أبو يعقوب، الذي جمعني وإياه أيضاً لقب أبو يعقوب فكلانا نحمل نفس اللقب، لأن إبنه البكر إسمه يعقوب وإبني البكر إسمه أيضا يعقوب. مع السلامة يا ألفرد عودة… مع السلامة يا صاحبي…
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
27-12-2021