الفنان العراقي حسيب الجاسم رفيق حصار بيروت
نضال حمد في -09-2013
عرفناه مناضلا وفنانا عربيا عراقيا عمل معنا في المقاومة الفلسطينية في لبنان، وكان ضمن الذين عملوا في إعلام جبهة التحرير الفلسطينية، ونتذكره من خلال رسوماته في جريدتي ( القاعدة ) و (الأفق ). اللتان كانتا تصدران عن إعلام الجبهة في لبنان وسورية.
حسيب الجاسم كما آلاف المناضلين والفنانين والمثقفين والشباب العربي الثائر، توجه كشاب يافع وابن 17 عاماً من العراق الى بيروت، حيث كانت تعلوا رايات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وحركتا التحرر العربية والعالمية. ليجد مكانه هناك مع رفاق درب من كافة الأقطار العربية ومن شرفاء واحرار وثوار دول العالم. ساهم في الاعلام الثوري الفلسطيني وشارك في الدفاع عن عروبة لبنان وعن الثورة الفلسطينية، وعمل في مجاله الفني فكان مبدعاً وحساساً وأوصل بفنه رسالته الانسانية النبيلة والعربية الأصيلة.
سنة 1951 ولد حسيب الجاسم في مدينة الموصل في العراق العربي الأبيّ والعصيّ على كل أصناف وأنواع الأعداء، من الأمريكان الذين احتلوه الى الدواعش الذين استباحوه واستباحوا الموصل مدينة فناننا الراحل. منذ صغره اهتم بالفن، وبعد ذلك عمل كرسّام ومصور في عددٍ من الدول لعل أهمها لبنان وقبرص والجزائر وأخيرا السويد التي انتقل اليها مهاجرا او لاجئا سنة 1988. وليرحل عن عالمنا فيها بعيدا عن أرض السواد وحيث الرافدين.
أثناء حصار بيروت الشهير سنة 1982 عمل حسيب الجاسم سوية مع الشهيد الفنان الكبير ناجي العلي ومع مجموعة من المثقفين العرب، وكتاب الثورة الفلسطينية والحركة التحررية العربية في جريدة المعركة اليومية، التي صدرت عن اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وكذلك اللبنانيين والكتاب العرب أثناء حصار بيروت الذي استمر 88 يوما. وذلك بعد أن غزت القوات الصهيونية لبنان ووصلت الى مشارف العاصمة بيروت وحاصرتها حصارا مطبقاً وشديدا بمساعدة كاملة ومفتوحة من قوات الانعزاليين والفاشيين اللبنانيين بقيادة بشير الجميل.
كان حسيب الجاسم واحدا من رواد الجريدة. فكاريكاتوراته ورسوماته الجميلة والمعبرة والملتزمة تحكي عن تجربة غنية ومثيرة للفنان حسيب الذي غادرنا منفيا ولاجئا في السويد مثل الكثيرين من مناضلي هذه الأمة. ولست هنا بوارد الحديث عن فناننا الجاسم إلا فيما يخص مرحلة لبنان والثورة الفلسطينية. إذ لا أعرف عن حياته في السويد إلا أنه عمل في جريدة “سندسفال”.
لازلت اذكر الرسم الشهير للجاسم اثناء حصارنا في بيروت حيث صور المسيح مصلوباً وحوله بيروت مدمرة فيما طفلة لبنانية او فلسطينية – لبنانية صغيرة تقول للسيد المسيح : لا تسامحهم …
عمل حسيب الجاسم في عددٍ من الصحف والمجلات: المعركة (بيروت 1982) – القاعدة والأفق الفلسطينيتان من بيروت ودمشق وقبرص ـ الثقافة العربية ـ الكاتب ـ أضواء اليمن – الاندلس ـ الحقائق ـ العودة ـ ابن رشد ـ كرمل ـ الملف ـ بيت الكاريكاتير ـ عراق الغد ـ راديو ارابيسك .. صوت العرب في المانيا. بالإضافة إلى رسوماته الكاريكاتورية التي كان ينشرها في جريدة “سندسفال” وجرائد سويدية وعربية.
حل حسيب الجاسم قبل سنوات ضيفاً على مركز المؤتمرات في العاصمة النمساوية فيينا، حيث عرضت أعماله في معرض ضخم ضم رسومات الفنان، التي نشرت في العديد من الصحف والمجلات العالمية والأوروبية تحت اسم ـ رسوم كاريكاتورية من أجل عراق موحد ـ وتناولت مواضيع مختلفة بينها النزاعات الدولية ووضع الشعب العراقي تحت الاحتلال والارهاب، وقضايا عالمية اخرى متعددة .
فحسيب الجاسم لم يكن انسانا هامشيا في الحياة السياسية والفنية العراقية والعربية وحتى العالمية، لأنه وصل الى ما وصل اليه بجهده وعمله وفنه. ولأنه كان حريصا في لوحاته ورسوماته وفنه على أهمية نشر مفاهيم وقيّم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية.
خلال اقامته في السويد منفاه الغربي بعدما رحل عن بيروت منفاه العربي، عمل الجاسم لموقع الجديدة العراقي، الذي بدوره نعاه بهذه الكلمات:
( فقد العراق يوم أمس الأحد فناناً كبيراً أخلص لبلده في الداخل والخارج، حسيب الجاسم، فنان الكاريكاتير وأحد أفراد عائلة الجديدة انتقل إلى رحمة الله في مقر إقامته في السويد، بعد أن جسد معاناة أبناء العراق على صفحات المجلات بريشته التي كانت تحمل الحنين والاشتياق لكل ذرة تراب في بلده العراق، تزخر رسوماته بالكثير من الرؤى والجماليات النضرة في تصوير الواقع بكل صدق وإحساس فهو لا يجامل ولا ينافق.. وقد عبر في رسوماته عن سخريته المريرة من أوضاع الوطن العربي عامة وبلده العراق خاصة. ).
ها هو حسيب الجاسم يلتحق برفيقه العراقي (الفلسطيني) الطيب الجميل، الشهم، المبدئي، المناضل، الفدائي، الرسام و الفنان والكاتب أمير الدراجي، الذي بدوره ومع حسيب وعراقيين كثيرين خاض النضال فدائيا في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية. وعانى ماعاناه مثل الكثيرين من الفدائيين العرب والفلسطينيين بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، حيث تقطعت به السبل واضطر مجبرا أن يطلب اللجوء من هيئة الأمم المتحدة، فحصل عليه في النرويج، تماما كما حصل عليه حسيب الجاسم في السويد. وبقي هناك لفترة من الزمن حيث عملنا معاً من جديد، وتذكرنا حسيب الجاسم وأبو الفهود العراقي، وآخرين ناضلوا معنا في لبنان ضمن صفوف الثورة الفلسطينية.
رحل أمير وحيدا في عزلته، حزينا على العراق الحزين وما حل به. إذ عاد من الناصرية التي زارها لأول مرة منذ اكثر من 35 سنة مكسورا، محطما ومهزوماً من داخله …
يومها قال لي لقد ضاع العراق…
وبعد ذلك اللقاء بأشهر فقدناه. وقبل سنوات قليلة واريناه تراب النرويج في مدينة كونسفينغر النرويجية بعيدا عن الناصرية في العراق المستباح.
وها هو حسيب الجاسم يوارى تراب السويد، بعد أن رحل ملتحقا بشهداء العراق في المنفى.