*الفيلم الأسباني “اليوم المثالي”/2015: مهند النابلسي
*البعد الانساني/البيروقراطي الواقعي المرير للحرب الأهلية بلا مشاهد وحشية قتالية مع كوميديا سوداء شيقة ومفاجأة في نهاية القصة:
*الحبل المتقطع والجثة المتعفنة وحوارات لافتة ومساعي فريق الاغاثة!
A Perfect Day*:”يوم مثالي”هو فيلم درامي كوميدي/اجتماعي/انساني إسباني لعام 2015 من تأليف وإخراج فرناندو ليون دي أرانوا. وهو يستند إلى رواية Dejarse Llover للكاتبة “باولا فارياس”Paula Farias وقد تم عرضه في قسم Fortnight للمخرجين في مهرجان كان السينمائي 2015 وهو أول ظهور للمخرج باللغة الإنجليزية.
*حيث يحاول عمال الإغاثة الإنسانية المخضرمون”مامبرو وبي” Mambrú (Benicio del Toro) و B (Tim Robbins) والوافدة الجديدة صوفي Sophie (Mélanie Thierry) ، برفقة مترجمهم دامير (Fedja Štukan) ، استعادة جثة من بئر في مكان ما في يوغوسلافيا السابقة في النهاية الحروب اليوغوسلافية في تسعينات القرن المنصرم.
*ثم فشلت محاولتهم الأولى لأن حبلهم تمزق ، لذلك شرعوا في العثور على حبل آخر ، والذي تبين أنه “الحصول عليه” أصعب مما كان متوقعًا. وقد انضمت إليهم في مساعيهم كاتيا (أولغا كوريلينكو) العاشقة السابقة لمامبرو وصبي محلي متفاعل يدعى نيكولا.
*استقبال نقدي عام:
*على موقع “الطماطم الفاسدة” السينمائي النقدي Rotten Tomatoes ، فقد حصل الفيلم على نسبة موافقة تبلغ 71٪ ، بناءً على 58 تعليقًا. يقول الإجماع: “يحصل عمال الإغاثة على ما يستحقونه في يوم مثالي ، وهو أمر مختلف تمامًا عن المتوقع من اسم الشريط…كما يحفز الفيلم سلوكيات حسن التصرف بما يكفي للتغلب على وتيرته المنطقية المتوقعة والكليشيهات السردية”. وعلى مقياس ميتاكريتيك ، حصل الفيلم على 59 درجة من أصل 100 ، مأخوذة من 15 ناقدًا ، مما يشير إلى “مراجعات مختلطة أو متوسطة”. لكني اعتقد أن الفيلم يستحق بحق علامة تزيد عن سبعة بالعشرة لكثرة المزايا التي يتمتع بها وقدرته التشويقية وانسيابية السرد وطرافة الملابسات والأحداث وبعدها الانساني العالمي وربما غرابتها احيانا!
*قال “مانوهلا دارجيس” من أوقات نيويورك أن الفيلم “فيلم يمكن مشاهدته بشغف ويمكن الاستمتاع بمشاهدته أيضا”. قارن كل من Lou Lumenick من New York Post و Henry Barnes of The Guardian روح الدعابة في الفيلم المشابهة بتلك الخاصة بـ M * A * S * H “الفيلم الحربي الشهير”، بينما انتقد كريس ناشاواتي من Entertainment Weekly الشخصيات النسائية مثل:ميلاني واولغاMélanie Thierry و Olga Kurylenko بسبب كونها “هزيلة وسطحية بشكل مخيب للآمال”…لكني بصراحة لم أجدها كذلك بل معبرة وواقعية وضمن حدود رسم الشخصيات لاغناء السرد المشهدي وعدم التجاوز.
*يحاول عمال الإغاثة (بينيشيو ديل تورو ، وتيم روبينز ، وأولغا كوريلينكو) في البلقان استعادة جثة رجل من بئر قبل أن تتلوث المياه للقرويين المجاورين ويصعب عليهم استخدامها.
*فقرات وصفية نقدية مختصرة:
*دي أرانوا مخرج ذكي مبدع يتعامل هنا مع الأشياء الصغيرة “المنسية عادة” التي يمكن أن تجعل الفيلم رائعًا – مهتم بما يبقي الناس معًا عندما يتم تفجير كل شيء من حولهم. إنها هدية سينمائية رائعة لجميع عشاق السينما وأستغرب تجاهل عرضه في نوادي السينما العربية.
*حيث يلتقط كل من “ديلتورو وروبينز” Del Toro و Robbins ببراعة روح الدعابة المظلمة للدراما الانسانية ، ومشاهدتهما معًا عبارة عن جواهر ممتعة من الكوميديا الكئيبة.
*انها دراما هزلية مشدودة ومظلمة حول معضلات التدخل الدولي في الحرب الأهلية الطاحنة ، حيث يرمز إليها بدقة “بطول حبل ضروري بعيد المنال”. إنه أيضًا ، للأسف ، فيلم شابه الكثير من “التحيز الجنسي” المقصود الاستفزازي، وربما طرافة التعبيرات الجنسية بصراحة لافتة.
*ما يفعله الفيلم جيدًا هو أن يغوصنا في الغرابة المأساوية لمنطق زمن الحرب ، حيث لا شيء يعمل كما نتوقع. إنه فيلم قوي وجذاب حول مدى صعوبة صنع السلام في اجواء ما بعد الحرب.
*”يوم مثالي” هي قصة حرب يتم سردها مجازا على نطاق ضيق ومعبر وانساني حميم. إنها أكثر قوة لدقتها وانغماسها اللافت بالتفاصيل.
*هذا واحد من أفلام الحرب النادرة والمدروسة التي لا تؤكد فقط على الوحشية المتوقعة في مثل هذه النزاعات الجامحة.
*تم تصويره بشكل جميل لافت من قبل المصور السينمائي “أليكس كاتالان”.
*حيث يزيل المخرج تفاصيل الصراع البوسني المعقد ، ويهدف بوعي إلى اختزاله إلى قصة عالمية “خالدة”.
*يجمع الفيلم الجديد لفرناندو ليون دي أرانوا بين الفكاهة والدراما والحنان والإثارة ، دون التخلي عن الأمل في عالم انساني مسالم أفضل.
*إنها كوميديا تراجيدية تسعى إلى إظهار الجانب الآخر من الحرب ، لكن ينتهي بها الأمر بالاعتماد على نقد فارغ مكرر لا طائل من ورائه… ولم يتحسن إلا من خلال العمل الجيد المخلص لممثليها.
*بينيشيو ديل تورو وتيم روبينز متميزان في أدوار كل منهما ، مما يدل على شعور بالخروج عن المألوف والتميز وربما التفوق في الأداء.
*يوازن المخرج “ليون دي آرانوس” León de Aranoa بدقة بين النغمات المتفاوتة ليصنع فيلمًا بشريًا دافئًا يسلط الضوء على الحقائق الصارخة للحرب – بما في ذلك الكثير من الأمور ذات الصلة بأزمات اللاجئين العالميةالحاليةالمتزايدة في كل مكان.
*تفاصيل قصة الفيلم الشيقة:
*في حين أن المسعفين في فيلم “M * A * S * H” لروبرت ألتمان قد يكونون عبارة عن مجموعة فظيعة لامبالية ، فإن هذا الفيلم وضع أيضًا نموذجًا لتصوير عمال الإغاثة في سينما ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنهم متفاعلون ذوو قلوب ذهبية و”مدمني الأدرينالين” ومتعاطفين الذين ربما يبقون من دون تغيير الملابس لمدة ثلاثة أيام أو أكثر. “هل هذه جثتك الأولى؟” يسأل “ب” صوفي في وقت مبكر. يتابع: “أتذكر المرة الأولى التي أنهيت فيها مهماتي بنجاح ، لكن جثتي الأولى …!” لا تنغمس الشخصيات في “اليوم المثالي” “A Perfect Day” في الكثير من الغرابة والفلسفة لأنهم مشغولون جدًا باثبات إرادتهم الميدانية ضد البلاهة البيروقراطية. خاصة عندما يصر خبير الصرف الصحي لدى صوفي على ضرورة تنظيف البئر حتى بعد جدولة المشاريع من قبل المنسقين. فيقوم “مامبرو” Mambrú مستعجلا ببعض التفاصيل اللوجستية التي ستمكن (نظريًا) الطاقم من إكمال المهمة ، لكن “قانون مورفي” يستمر في التدخل ، بمساعدة كل من السكان الأصليين وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وهناك مشهد مشؤوم يغلق فيه بعض البوسنيين المسلحين طريقًا بينما يقف بعض السجناء المحكوم عليهم رافعين أيديهم من بين العديد من المشاهد الحية المؤثرة. “وفقًا لاتفاقية السلام ، كان من المفترض أن يتم تسريح هؤلاء الرجال الآن” ، بغضب تقول كاتيا. “هل تريد أن تذهب وتقول لهم ذلك ؟” هذه هي ردود مامبرو الواقعي. إنها تفعل ذلك باستمرار ، لكنها لا تحقق الكثير من المصلحة بهذا التدخل المتطفل على مجرى الأحداث “القتالي-الصارم”.
*
*هذه السخافات المروعة هي جزء من الحقائق اليومية لهذا الطاقم ، على الرغم من أن ما يحصل عليه المشاهد ، تماشياً مع عنوانه ، هو الوقائع لكل ما يحدث كل ساعة في هذه الأجواء المتواترة الغامضة. ثم تتعلق المعضلات الأخرى بوصول مسؤولة تنفيذية للتقييم تُدعى كاتيا (الجميلة أولغا كوريلينكو) على الأرض للمشاركة عمليا ، والذي كان لمامبرو علاقة عاطفية سابقة معها. مامبرو ليس فقط منزعج من وجودها ولكن من التأثير الذي يخشى أن يكون لوجودها على صديقته المتروكة في المنزل – حيث تنتقل القيل والقال بسرعة في هذه الدوائر. ثم هناك نيكولا (إلدار ريسيدوفيتش) الفتى المشاغب قبل سن المراهقة الذي سرقت كرة قدمه من قبل بعض زملائه المتغولين الأكبر سنًا بقليل ، وكان أحدهم مصمم على حماية نهبه بقطعة أخرى من المسروقات المفترضة … كالمسدس الذي يشهره في وجه مامبرو بجرأة كبيرة مخيفة. لكن رغبة “مامبرو” Mambrú في تجاهله يجعل الصبي “المسالم” صلبًا وعنيدا وفضوليا ، لذا يأخذه تحت جناحه في رحلاتهم المكوكية.
*أول مهمة غير جذابة نشاهدها في البداية حيث مامبرو : Benicio Del Toro ومترجمه دامير (Fedja Stukan) يحاولان انتشال جثة من بئر إحدى القرى. حيث تم إسقاط الجثة المتعفنة عن قصد من قبل الأطراف المعادية ، على أمل تلويث إمدادات المياه المحلية. ثم ينقطع الحبل المتهالك الذي يحمل الجثة ، مما دفع مامبرو Mambrú إلى إعطاء المتوفى لقبًا دنيئًا خياليا ومريرًا معبرا. في غضون ذلك ، يقوم زملائه في مجموعة :”المساعدة عبر الحدود” Aid Across Borders ما يبدو أنه مزيج من عدد من المنظمات الحقيقية ، وزميل من جونزو يحمل الاسم بي “B” انه تيم روبينز والمبتدئة المثالية المتحمسة صوفي (ميلاني تييري) بالتعاون معا في هذا الصدد…ثم أثناء القيادة في الطريق للقرية، عندما يتصادف وجود بقرة ميتة في منتصف الطريق. يتعرف “بي” على هذه البقرة باعتبارها فخًا مقصودا: حيث إن مركبتهم مصممة للالتفاف يمينًا تجنبا للغم أرضي مدسوس ربما. ولكن هل يأمل الأشخاص الذين زرعوا اللغم أن ينحرفوا إلى اليسار أو اليمين؟ لا يستطيع “ب” إجراء هندسة عكسية لمنطقهم الاجرامي الارهابي ، وفي النهاية يلفق حلًا مبتكرا (أو ربما ليس جديدًا) فيما يتعلق “بعقدة غورديان البقرية” فيدوس في المنتصف على جثة البقرة بسرعة كبيرة مسببا الهلع الشديد لزميلته المذعورة.
*يقولون أن الحرب جحيم. لا تبدو الإغاثة من الحرب مثل أي نوع من النزهة ، وحتى قبل أن يقود إرنست همنغواي سيارة إسعاف في الحرب العالمية الأولى ، فإن قصص التطهير “العرقي” أثناء أو بعد نزاع مسلح تستحوذ على الخيال بطريقة مختلفة عن حكايات الخروج والخروج من القتال. وقد اندهشت واستأت لعدم قدرة صانعي أفلام الربيع العربي الوثائقية على كثرتهم من انجاز شريط واحد موضوعي انساني مؤثر وحيادي، وخاصة هؤلاء اللذين انغمسوا بالقصص السورية المأساوية “الميلودرامية” على كثرتها…وربما يعزى السبب لتحيزهم لطرف ما بفضل تأثيرات التمويل الاشتراطية المشبوهة التي سعت لشيطنة طرف محدد بشكل سافر ومبالغ فيه… حتى أن المرء يكاد يستاء من كثرة تكرار القصص المتشابهة،ولا يتأثر حتى بمشاهد التدمير والأنقاض والجثث المستخرجة لأنه يشعر بانه تم تشكيل واستخدام المشاهد الواقعية هذه لغرض سياسي دعائي موجه!
*فيلم “اليوم المثالي” “A Perfect Day” للمخرج فرناندو دي ليون دي أرونوا ، والذي ظهر لأول مرة (في الغالب) باللغة الإنجليزية ، تم تمثيله “في مكان ما في البلقان” ويتبع مجموعة صغيرة من عمال الإغاثة المنتسبين إلى المنظمات غير الحكومية في أعقاب الحرب البوسنية.
*في المحصلة فراعية بقر بوسنية مثابرة ومجهولة/تقود أربع بقرات في البرية/هي التي قادتهم بالصدفة أخيرا للخروج في طريق آمن بعدأن وجدوا جثة بقرة ميتة في وسط الطريق والتبس عليهم الأمر بالنسبة لطريقة تلغيمها “يمينا او يسارا او حتى تحتها”،وتجمدوا في مسيرتهم حتى انقذتهم راعية البقر المثابرة هذه للطريق الآمن ببساطة تلقائية وكان ذلك بمثابة هدية ربانية لانقاذهم من هذا الفخ “الغير متوقع”…ثم تزامن وصول هذه المرأة البسيطة “المباركة” لقرية البئر نفسها مع مطر غزير هائل مما أدى أخيرا لفيضان البئر ذاتها وطفو الجثة المتعفنة وخروجها بلا جهود وحبال ومعاناة وبيروقراطية جوفاء…هكذا تم ايجاد الحلول بأبسط الطرق الطبيعية والقدرية،(وهناك نظرية يابانية تحث على ما يسمى “تدليك المشكلة” والصبر بانتظار أن تنحل تلقائيا لوحدها مع الزمن)! وقد وجدت في ذلك مغزى كبير وحكمة بليغة نجح المخرج الفذ بانهاء هذا الشريط الانساني التفاعلي الشيق الجميل الحافل بالكوميديا السوداء والمفارقات البيروقراطية المعقدة والبعد الواقعي لمآسي الحروب الأهلية والكراهية ومعاناة المدنيين…بواسطتها، وقد نجح بتقديم شريط معبر ميداني باقتدار،يتضمن فنا سينمائيا رفيعا ورسالة انسانية لافتة!
*مهند النابلسي/كاتب وناقد سينمائي “اردني-فلسطيني”