الفيلم الذي ذكرني بشهداء أبطال العودة – عادل سمارة
ليس هذا تحليل فني أو سياسي لفيلم “بوابة الفوقا The Upper Gate ” للمخرجة عرب لطفي والذي تم التصوير له عام 1990 ولم يُعرض سوى عام 2007. وطبعاً لست ضليعا في التحليل والنقد الفني
لكن ما شدني في النصف الثاني من الفيلم الحوار مع الأسير المحرر سكران سكران حيث اعادني إلى سنوات تأسيس منظمة أبطال العودة التي اسستها حركة القوميين العرب بالتعاون مع قيادة جيش التحرير الفلسطيني في فترة قيادة العقيد وجيه المدني
كان سكران سكران وهو محمد الهيب من عرب الهيب في شمال فلسطين المحتلة منطقة عكا ضمن إحدى مجموعات أبطال العودة. كانت هذه المجموعة مكونة من محمد رفيق عساف (أبو نظام –من قرية كفر لاقف قرب قلقيلية) وسعيد العبد سعيد من قرية دير عمار غرب رام الله، ومحمد اليماني شقيق ابو ماهر اليماني الذي استقر في بيروت بعد نكبة 1948
كانت تقيم هذه المجموعة في بيت في حارة حريك في بيروت.
في تلك الفترة لم تكن هناك آليات للتواصل السريع بين بلد وآخر.
بعد خروجي من السجن في الأردن وبعد أن إستعدت جواز سفري الأردني سافرت يوم 29 أكتوبر /تشرين ثاني 1966 إلى بيروت لإكمال دراستي وأخذت معي هدية للرفاق ومن ضمنها ورقتي توباكو لسيدة فلسطينينة في مخيم برج البراجنة وهي ام الرفيق احمد الأسمر الذي كان معنا في حركة القوميين العرب
وصلت في المساء إلى البيت الذي كان الرفاق يسكنون فيه. طرقت الباب كثيرا ولم اسمع أي جواب. جلست قليلا لأرتاح حيث كنت أحمل شنطاً إلى أن اقتنعت أن لا أحد في البيت، فمشيت إلى برج البراجنة إلى بيت أحمد الأسمر.
طرقت الباب واستقبلني أحمد وقلت له :
وين الشباب؟
قال: مين؟
قلت: ابو نظام وسعيد ذهبت إلى البيت ولم أجد أحدا!
قال: شو!!!! وما مسكك المكتب الثاني (مكتب المخابرات اللبناني.
قلت: لماذا؟
قال: المكتب الثاني يعتقل كل من يمر من هناك، لأن الشباب استشهدوا في فلسطين في مستوطنة “يفتاح” قرب عكا يوم 19 اكتوبر أي قبل عشرة أيام.
لم يكن يعرف أحمد ان سكران جُرح ولم يُستشهد.
وكان نفس المكتب الثاني قد “بشَّع” بأهل الشهيد خالد، قبل ذلك بسنة، أحد أعضاء ابطال العودة حيث سلمه الكيان للبنان إلى حد أن أهل الشهيد حاولوا تحاشي التعرف عليه من شدة القمع.
كانت صاعقة وقعت على راسي، لم يكن ذلك بالنسبة لي مجرد تخيُّل. لا زلت اذكر أنني قضيت طوال تلك الليلة جالساً بجمود الذهن والخيال
حينها نشرت جريدة المحرر في ملحقها “فلسطين” صور الشهداء الثلاثة والأسير سكران محمد سكران ما يلي:
“انا إن سقطتُ فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
واحمل جراحي لا يخفك دمي يسيل من الجراح
وانظر إلى شَفَتيَّ أطبقتا على وهج الرياح
أنا لم أمت أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح“
مضت الأيام، وبدات تطورات إغلاق مضائق تيران من قبل مصر عبد الناصر، وقررت منظمة أبطال العودة أن نقطع دراستنا ونعود للضفة الغربية لأن الحرب ستقع وعلينا أن نكون هناك للمقاومة، فعدت إلى الضفة الغربية يوم 3 حزيران 1967 أي قبل الحرب بيومين. وحصلت هزيمة 1967.
ومضت الأيام كما ذكرت ، وذات يوم كما اذكر عام 2002 كنت في زيارة لمكتب جبهة التحرير العربية في رام الله فدخل رجل بلباس عسكري وقدمه لي الرفيق راكاد سالم مسؤول الجبهة : الرفيق احمد الأسمر.
قلت هل كنت في برج البراجنة ؟
قال نعم.
فإذا به نفس الشخص الذي كنت أعرفه من بيروت.
بعد هزيمة 1967 واشتداد المقاومة إثر ذلك وتعاظم وجودها في لبنان بعد مجزرة أيلول في الأردن عام 1970 واقتلاع المقاومة من الأردن وبعد ذلك احتضان الجنوب اللبناني للمقاومة تورط كثير من قادة المقاومة في تصرفات أدت إلى النفور من المقاومة. بقول آخر، لم تستطع المقاومة الفلسطينية تثوير الشارع اللبناني سواء لعجزها وأخطائها أو لوجود التناقضات المركبة هناك طائفياً/ طبقياً وارتباط كثير من الطوائف والبرجوازية الكمبرادورية اللبنانية بالغرب خاصة وبعضها بالكيان الصهيوني علانية الأمر الذي انتهى بعد الغزو الصهييوني لجنوب لبنان ووصول بيروت إلى إصرار القيادات البرجوازية والطائفية اللبنانية على خروج المقاومة من لبنان.
وهناك كان مفترق الطرق القاتل للمقاومة الفلسطينية حيث انزاح معظمها إلى تونس واليمن وبقيت قلة في شمال لبنان او في سوريا ليتولد عن ذلك متغيرين نقيضين لبعضهما:
• المقاومة اللبنانبة التي حررت الجنوب بمعظمة
• والمساومة من قبل قيادة المقاومة الفلسطينية التي انتهت إلى اتفاق أوسلو التسووي.
شكرا عرب لطفي على كل هذا.
كنعان