القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني- د. غازي حسين
المقدمة: قبل أن تسمى فلسطين بفلسطين كانت تسمى بأرض كنعان نسبة للكنعانيين العرب الذين كانوا أول من استوطن في هذه البقعة من الأرض . وعرفت عبر التاريخ بجنوب سورية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لإقامة “إسرائيل” فيها .
-
مقدمة ص 5-9.
-
المزاعم الصهيونية والقانون الدولي ص 11- 21.
-
وعد بلفور ص 23- 31.
-
فلسطين والتقسيم ص 33- 36.
-
عقد الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ص 37- 39.
-
تشكيل لجنة التحقيق الدولية ص 41- 44.
-
الفلسطينيون واللجنة ص 45- 48.
-
اللجنة توصي بالتقسيم ص 49- 55.
-
موافقة الجمعية العامة على تقسيم فلسطين ص 57- 59.
-
الموقف العربي من التقسيم ص 61- 64.
-
عدم شرعية قرار التقسيم ص 65- 68.
-
الشعب العربي الفلسطيني والنكبة ص 69- 78.
-
مخاطر الهجرة اليهودية ص 79- 88.
-
الاستعمارالاستيطاني اليهودي ص 89- 96.
-
قرار التقسيم وتأسيس “إسرائيل” ص 97- 102.
-
“إسرائيل” والتوسع ص 103- 108.
-
نكبة فلسطين ص 109- 116.
-
الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى ص 117- 121.
-
الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ص 123- 132.
-
حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم ص 133- 143.
-
المصادر.
القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني
المقدمة:
قبل أن تسمى فلسطين بفلسطين كانت تسمى بأرض كنعان نسبة للكنعانيين العرب الذين كانوا أول من استوطن في هذه البقعة من الأرض . وعرفت عبر التاريخ بجنوب سورية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لإقامة “إسرائيل” فيها .
عندما قام نابليون بحملته المشهورة على الشرق واحتل مصر وتوجه إلى عكا وحاصرها وفشل باحتلالها , وجه نداءه المشهور إلى يهود آسيا وإفريقيا وطالبهم فيه بدعم حملته لتأسيس “إسرائيل” في فلسطين .
وكان الخلاف بين فرنسا وبريطانيا على أشده حول مصر والهند, فأيقظ نداء نابليون دهاقنة الإمبراطورية البريطانية ومنهم اللورد شافتسبري واللورد اليهودي منتفيوري فأعلنوا أن لدى اليهود المال والرجال لاستعمار فلسطين وجعلها قاعدة لخدمة مصالح الإمبراطورية البريطانية , وتأمين قناة السويس .
وجاء تيودور هرتسل وأسس الحركة الصهيونية بعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 والذي أقر تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها وإقامة “إسرائيل” فيها .
تبلور المخطط الاستعماري والصهيوني لفلسطين وبقية الوطن العربي في تقرير كامبل( نبرمان) عام 1907, وفي اتفاقية سايكس بيكو, ووعد بلفور عام 1917 , ومؤتمر الصلح في فرساي عام 1919, ومؤتمر الحلفاء في سان ريمو عام 1922 الذي قرر وضع فلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني وسورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
بدأت الهجرة اليهودية والاستيطان اليهودي وتهويد الأرض الفلسطينية تحت إشراف حكومة الانتداب البريطاني , حيث جرى تعيين الصهيوني هربرت صموئيل المندوب السامي الأول في فلسطين .
وقامت الأيدلوجية الصهيونية على أن اليهودية ليست مجرد ديانة , وإنما هي قومية , واليهودية هي الوجه الديني للصهيونية , والصهيونية هي الوجه الديني والسياسي ليهود العالم, وإن الكيان الصهيوني هو التجسيد العملي للصهيونية , وللوجهين الديني والسياسي لليهودية , ودولة جميع اليهود في العالم .
حدد هرتسل في كتابه دولة اليهود الذي ظهر عام 1896 أن الحل الوحيد للمسألة اليهودية هو تأسيس دولة اليهود بدعم من الدول الاستعمارية ,وان العداء للسامية حركة مفيدة وأبدية , ووضع القوة فوق الحق .
ورسم المؤتمر الصهيوني الأول دولة اليهود بأدق تفاصيلها . وقرر إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين .
وتنطلق الصهيونية من مقولة أن العرب ينسون, ولا يفهمون إلاّ لغة القوة, وان الزمن كفيل بإجبارهم على قبول الأمرالواقع الذي فرضته بالقوة العسكرية والتهويد والاستيطان وترحيل العرب , وتجنيد الدول الغربية لحمل العرب حكومات ومواطنين على نسيان الماضي والإذعان والرضوخ للمشروع الصهيوني . إن التحليل العلمي للصراع العربي الصهيوني ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل , ولا يجوز الخضوع لإرادة الخصم الناتجة عن استخدام القوة ونسيان الماضي , والانطلاق من الأمر الواقع الذي كرسته الصهيونية والامبريالية باستخدام القوة والاحتلال وتوقيع اتفاقات الإذعان .
ويتضمن هذا الصراع كافة جوانب الصراعات المعاصرة من ارض وحقوق وثروات وعقيدة وعادات وتقاليد وعلاقات دولية وتسخير القوة الغاشمة من مجازر وإبادة جماعية لكسر الإرادات الفلسطينية و العربية .
بدأ المشروع الصهيوني كجزء من المشروع الاستعماري للهيمنة على الوطن العربي , ولكنه يعمل حالياً لخدمة مشروعه الاستعماري الخاص به أولاً , والمشروع الامبريالي ثانياً , على الرغم من أنه عمل في المرحلة الماضية على خدمة أهداف المشروع الاستعماري أولاً والمشروع الصهيوني ثانياً . وبالفعل قامت “إسرائيل” بحروب واعتداءات وادوار ضد العرب لا تستطيع أي دولة استعمارية القيام بها .
وتعمل حالياً بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الولايات المتحدة الأميركية على تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات عرقية وطائفية وقيادة هذه الدويلات من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير لأمركة المنطقة وصهينتها ومسح هويتها العربية – الإسلامية .
ويواجه الكيان الصهيوني العديد من الأزمات والمشاكل بسبب طبيعته العنصرية والاستعمارية والإرهابية , منها مشاكل بين العرب واليهود داخل “إسرائيل” وخارجها , وبين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين , وبين العلمانيين والمتدينين, ومشاكل مع الشعوب العربية والإسلامية ومع بقية شعوب العالم جرّاء المحاولات والمساعي لفرض هيمنة الصهيونية على العالم .
المزاعم الصهيونية والقانون الدولي
إن فلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ , سكنتها القبائل الكنعانية منذ العصر الحجري , وجاء العبرانيون إليها فيما بعد , في القرن الثالث عشر قبل الميلاد,وغزوها, ولكن لم يستطيعوا الاستيلاء إلاّ على أجزاء منها وأقاموا لهم فيها دولة ما لبثت أن انقسمت إلى دولتين , وتم القضاء عليهما بعد الغزو الآشوري والبابلي, ثم جاء الرومان وقضوا نهائياً على الوجود اليهودي في فلسطين .
تعاقبت على فلسطين بعد ذلك أمم كثيرة إلى أن جاء العرب مرة ثانية أيام عمر بن الخطاب واستعادوها وأصبحت فلسطين مقاطعة عربية ,واحتلتها بريطانيا عام 1917 .
طالب الاستعمار والصهيونية بتأسيس دولة لليهود في فلسطين انطلاقاً من المزاعم التالية :-
-
أسطورة أرض الميعاد .
-
الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين .
-
اعتبار اليهودية قومية وربطها بالقدس وفلسطين .
-
التخلص من الاضطهاد الذي لاقاه اليهود في أوروبا .
تزعم الصهيونية أن فلسطين هي ارض الميعاد وتستند في زعمها إلى نصوص وردت في كتبهم الدينية , لا دليل عليها إلاّ في مزاعمهم .
إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي ارض الميعاد هو زعم أو ادعاء له طابع ديني, والدين بلا منازع ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي , لذلك لا يجوز للصهيونية أن تستند إليه في المطالبة بفلسطين طبقاً للقانون الدولي . (1)
وتنطلق الصهيونية لدعم مزاعمها من الوعود الإلهية واستيطان اليهود في فلسطين في إحدى حقب التاريخ ومكانة فلسطين وخاصة حائط المبكى في الديانة اليهودية , إن علماء التاريخ والاثنوغرافيا في العالم الغربي استنتجوا أنه ” لا تجمع الأغلبية الساحقة من يهود اليوم أي صلة انتروبولجية مع سكان مملكة “إسرائيل” ومملكة يهودا القديمتين , صحيح أن أسلافهم اعتنقوا في مرحلة تاريخية محددة الدين اليهودي , هكذا كان حال يهود الخزر ” .(2)
يقول البروفسور فاجنر مؤلف كتاب ” النزاع العربي الإسرائيلي في القانون الدولي ” إن جميع الأسباب التي يوردها الصهاينة لا تشكل حقاً من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائداً في الماضي أو في الحاضر , إن الوعود الآلهية والنفي واستمرار روابط اليهود في فلسطين , هذا كله لا يمكن له أن يشكل حقاً من الحقوق ” .(3)
والحق التاريخي هو الزعم الثاني للصهيونية للمطالبة بفلسطين العربية, ويعني الحق التاريخي في القانون الدولي “الحق الذي اكتسب نتيجة تقادم الزمن على ممارسته واستعماله فاستعمال الحق والاستمرار باستعماله فترة طويلة من الزمن يجعل من ذلك حقاً تاريخياً ” , أي يفرض فيه استعماله , فترة طويلة من الزمن فهل لليهود حق تاريخي في فلسطين ؟ .
هل مارس اليهود السيادة على فلسطين واستمروا بممارستها إلى أن قامت الحركة الصهيونية ؟ .
إن الجواب القاطع هو بالنفي .
إن مجيء اليهود إلى فلسطين أي القبائل العبرانية لم يكن سوى موجة من موجات الهجرة التي تعاقبت على فلسطين العربية, ولم تتمكن مملكة اليهود من المحافظة على سيادتها في فلسطين إلا لفترة محدودة جداً .
كانت فلسطين قبل وصول العبرانيين إليها كنعانية , أي عربية , واعتنق سكانها الديانة المسيحية إبان الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية , ولم يغير ذلك من طابعها العربي .
واحتفظت فلسطين بطابعها العربي بعد الانتصارات العربية في القرن السابع . وان اليهود لم يكونوا أول من سكن فلسطين وإنما هم دخلاء عليها غرباء عنها , جاؤوا إليها من كلديا ولم يستولوا عليها بأسرها وانتهى كيانهم السياسي فيها منذ أن احتلها الرومان وأصبحوا فيها أقلية ضئيلة جداً .
يقول أستاذ القانون الدولي العربي محمد طلعت الغنيمي عن الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين ما يلي :-
” إن أجداد اليهود لم يكونوا من أصل فلسطيني بل هم كلدانيون هاجروا مع إبراهيم إلى النقب في جنوبي فلسطين , ولم يكونوا أول من سكن فلسطين بل وفدوا على البلاد وفيها أهلها الأصليون الكنعانيون وغيرهم وظلوا قلة بالنسبة إلى مجموع السكان ” .(4)
لقد فقدت مملكة اليهود كيانها السياسي منذ القرن الأول الميلادي , عندما احتل الرومان سورية بما فيها فلسطين وتفرق اليهود خارجها .
” ومنذ ذلك الزمن البعيد لم يبق لهم صلة بفلسطين ولم يفكروا في العودة إليها , بل أنهم على العكس من ذلك قد تفرّقوا في كل مكان لا ينشدون شيئاً غير استيطان المدن التجارية الزاهرة طلباً للربح الوفير ” . (5)
إن هذه الحقائق تسقط الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين , وبالتالي تقضي على أية علاقة يزعمها الصهاينة بالنسبة إلى فلسطين , ويعني هذا أن أسباب فقدان الإقليم هي الترك والتقادم في القانون الدولي قد توفرت بالنسبة لليهود تجاه فلسطين , أي أن اليهود تنازلوا عن سيادتهم على فلسطين في غمرة البحث عن المال .
ويتذرع الصهاينة بأن اليهود قد استمروا في المطالبة ببناء الهيكل في القدس في صلواتهم , ولكن هذا العنصر عنصر ديني وليس سياسياً , وبالتالي لا قيمة قانونية له .
ويقوم الصهاينة بتبرير مطالبتهم بفلسطين بوجود الأماكن المقدسة عند اليهود فيها , أي حائط المبكى , فهل استغلال الصهاينة لوجود حائط المبكى يبرر احتلالهم لفلسطين ومدينة القدس ؟ .
” يبدو المنطق الصهيوني أكثر عجباً عندما يستند إلى وجود الأماكن المقدسة عند اليهود بفلسطين , لان هذا يكون بمثابة من يقول لاندونيسيا حق امتلاك إقليم الحجاز لان به الأماكن المقدسة عند الشعب الاندونيسي المسلم ,ولكن المزاعم الدينية لا ترتب حقوقاً في القانون الدولي ” . (6)
وتذرعت الصهيونية بالاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لتأسيس دولة لهم في فلسطين , فهل يحق لليهود أن يضطهدوا الشعب العربي الفلسطيني ويقتلعوه من أرضه ووطنه ليؤسسوا دولة لهم لحل مسالة اضطهادهم ؟ .
هل يمكن القضاء على اضطهاد اليهود باضطهاد اليهود العرب ؟ .
هل يحق لألمانيا أن تدعم و تؤيد اضطهاد اليهود العرب للتكفير عن اضطهاد النازية لليهود ؟ .
هل يحق لألمانيا أن تؤيد إقامة دولة اليهود في فلسطين أم في بافاريا أو سكسونيا, لان ألمانيا النازية هي التي اضطهدت اليهود وليس الشعب العربي ؟ .
إن مبادئ القانون الدولي والتفكير العلمي والشعور الإنساني لا تقر ابدأ إزالة اضطهاد اليهود باضطهاد اليهود باضطهاد اليهود للعرب .
إن العاطفة الدينية والعاطفة الإنسانية الصادرة عن الاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لا تشكل سبباً قانونياً لتأسيس دولة لليهود في فلسطين العربية , فالقانون الدولي لا ينطلق ابدأ في تأسيس الدول لأسباب دينية أو إنسانية.
إن القضاء على النازية وجميع مؤسساتها في ألمانيا وتأييد ألمانيا للصهيونية و”إسرائيل” وسيطرة اليهود على صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية وعلى جميع البلدان الغربية لم يبق للصهيونية أي سبب للتذرع بالاضطهاد أو اللاسامية كسبب لتأسيس “إسرائيل” ولدعم سياستها التوسعية والعدوانية والعنصرية .
ولا يجوز على الإطلاق استغلال الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست “الإسرائيلي” على الشعب الفلسطيني . فلو اعتمد أصحاب الديانات الأخرى على مثل هذه التصورات لأدى ذلك إلى اندلاع حروب متواصلة وصراعات مسلحة في معظم أنحاء العالم .
إن الزعم الديني الذي تدعيه الصهيونية هو وهم من الأوهام لا أساس قانوني له , ولكن يجد فيه العنصريون اليهود حقاً يحلمون به , ويجد فيه السياسيون الصهاينة أداة لتحريك مشاعر اليهود الدينية لتحقيق حلم الصهيونية بإقامة الإمبراطورية الإسرائيلية أي ا”إسرائيل” العظمى الاقتصادية في الوطن العربي من النيل إلى الفرات .
وهنا يبرز السؤال التالي : لماذا تكون المزاعم اليهودية موضع اهتمام وتأييد ولا تلقى الحقوق الدينية والتاريخية للعرب من مسيحيين ومسلمين موضع قبول واهتمام . إن مبادئ القانون الدولي لا تسلم ولا تقر ابدأ بأي صلة أو علاقة بين إنشاء الدول وبين الدين والاضطهادات. إن حقوق العرب في فلسطين تعتمد على أنهم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون وعلى العوامل التي تؤدي إلى اكتساب ملكية الإقليم في القانون الدولي كحق الفتح والتنازل والتقادم .
لقد انتصر العرب على الروم في منتصف القرن السابع للميلاد واستولوا على فلسطين وكانت الحرب في تلك الفترة وسيلة مشروعة لعقد المنازعات , والفتح وسيلة من وسائل اكتساب الإقليم , كما أن أهل القدس عن طريق البطريرك صقر ونيوس طلبوا أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب ليتسلم المدينة .
” إن العرب لم يكتسبوا فلسطين عن طريق الفتح والضم فحسب بل إن فتح العرب لفلسطين اقترن بتنازل أهل البلاد عنها لهم ” . (7)
أن مرور مئات السنين من الزمن لا يمكن أن يضفي الشرعية على كيان غير مشروع , لذلك يرفض الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية الوجود الصهيوني في فلسطين العربية الذي استند في إقامته على المزاعم والخرافات والأساطير وأقيم بالقوة والعدوان وتكريس الأمر الواقع الناتج عن القوة .
إن العنصر الجوهري في الحق التاريخي , هو سمته التاريخية ويعني ذلك أن على الدولة أن تمارس سيادتها على المنطقة لفترة طويلة وتكون السيادة هادئة ومستمرة .
إن صلة اليهود قد انقطعت عن فلسطين منذ أن شتتهم الرومان , أي منذ أكثر من ثمانية عشر قرناً وبالتالي سقط حقهم التاريخي , حتى لو كان لهم حق , ولكن لا حق تاريخي لهم .
فلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ .وغزا اليهود أجزاء منها في فترة من الزمن , وتم القضاء على الدولتين اليهوديتين فيها ,ونفي اليهود خارجها . وتحققت عودتهم من بابل ,ولا ينص العهد القديم على عودة ثانية.
إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي ارض الميعاد ,هو زعم صهيوني ,له طابع ديني, والدين بلا منازع ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي ,لذلك لا يحق للصهيونية المطالبة بفلسطين انطلاقاً من القانون الدولي .
إن الحق التاريخي هو الزعم الثاني للصهيونية لتبرير استيلائها على فلسطين, ويعني في القانون الدولي الحق الذي اكتسب نتيجة تقادم الزمن على ممارسته واستعماله , فاستعماله فترة طويلة ومستمرة من الزمن , يجعل منه حقاً تاريخياً .
إن اليهود لم يكونوا أول من سكن فلسطين ,وإنما هم غرباء عنها , جاءوا إليها من كلديا , وانتهى كيانهم السياسي فيها منذ أن احتلها الرومان واعتنق سكانها المسيحية ولم يغير ذلك من طابعها العربي . واحتفظت بطابعها العربي , بعد الانتصارات العربية في القرن السابع . وانقطعت صلة اليهود بفلسطين , واستقروا في المدن التجارية في أوروبا بحثاً عن الربح الوفير والمال الكثير .
وهكذا توفرت أسباب فقدان الإقليم بالنسبة لليهود , أي عدم صحة الحق التاريخي لهم بسبب الترك والتقادم في القانون الدولي.
وعلى العكس من ذلك يمثل الحق التاريخي للعرب في فلسطين حقاً مشروعاً , لأنهم أول من سكن في فلسطين , ولا يزالون يسكنون فيها , وهي ارض آبائهم وأجدادهم .
ويتذرع الصهاينة بالاضطهاد الذي عانوه في أوروبا كأوروبيين وعلى أيدي الأوروبيين وفي أوروبا . فهل يجوز القضاء على اضطهاد اليهود في أوروبا باضطهاد اليهود للعرب في فلسطين ؟ .
فهل يحق للمضطهدين اليهود أن يضطهدوا الشعب العربي الفلسطيني لحل مشكلة اضطهادهم ؟.
هل يجوز استغلال معزوفة الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست “الإسرائيلي” على الشعب الفلسطيني وإقامة “(إسرائيل) العظمى الاقتصادية” والشرق الأوسط الجديد ؟ .
عن مبادئ القانون الدولي , والعاطفة الإنسانية الصادرة عن الاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لا تشكل سببا قانونياً لتأسيس دولة لليهود في فلسطين العربية . فالقانون الدولي لا ينطلق في تأسيس الدول من أسباب دينية أو إنسانية .
وعد بلفور
ظهر تقرير كامبل نبرمان حول الإستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط عام 1907 و جاء فيه : ” إن البحــــــر الأبيض المتوسط شريان حيوي لمصالح بريطانيا الآنية و المقبلة 000 وكل حماية ناجحة للمصالح الأوربية المشتركة لا بد لها من السيطرة عليه و على شطآنه الجنوبية و الشرقية , وكل من يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على العالم 0 وان الخطر في هذه المنطقة يكمن في تحريرها و تثقيف شعوبها و تطوير و توحيد اتجاهاتها , و على الـــــــدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخرها و تجزأتها وإبقاء شعوبها متفككة جاهلة متناحرة وعلى محاربة اتحاد هـــذه الجماهير , وإيجاد الوسائل العملية لفصلها عن بعضها البعض ما أمكن 0ويجب إقامة حاجز بشري قوي مانع غريب لفصل البلدان العربية الآسيوية عن البلدان العربية و الإفريقية و ذلك بشكل قوة صديقة لبريطانيا و عدوة لشعوبها 0″ (8)
و طالب التقرير بضرورة إقامة “إسرائيل” في فلسطين 0
و عندما جرت المباحثات بين فرنسا و بريطانيا و روسيا القيصرية عام 1916 لاقتسام مناطق النفوذ لم تتوصل هذه الدول في اتفاقية سايكس- بيكو إلى اتفاق حول مصير فلسطين لان كل دولة من هذه الدول كانت تطمع بالاستيلاء عليها , لذلك نصت الاتفاقية على وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية 0
أخذت بريطانيا بكل ما لديها من أساليب للسيطرة على فلسطين , فوجدت في الحركة الصهيونية ضالتها المنشودة , كما رأت الحركة الصهيونية بدورها في بريطانيا البلد الوحيد في ذلك الوقت الذي بمقدوره أن يساعد الحركة الصهيونية بعد فشل مساعيها لدى تركيا و ألمانيا و روسيا و فرنسا و بإقامة “إسرائيل” في فلسطين العربية 0
و جرى الاتفاق بين د0حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية و المسؤولين البريطانيين على أن تتعهد بريطانيا بمنح فلسطين لليهود مقابل أن تعمل الحركة الصهيونية على فرض الانتداب البريطاني على فلسطين 0 و تعهد وايزمان بتجنيد ما لدى الصهيونية من نفوذ سياسي و اقتصادي لفرض الانتداب البريطاني على فلسطين 0
و عندما تولى لويد جورج رئاسة الوزراء تحمّس لوضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية و ذلك للمحافظة على المصالح البريطانية في الشرق الأوسط وبشكل خاص قناة السويس و تامين مواصلات بريطانيا بالهند و جنوب غرب آسيا , ولان تأسيس الدولة اليهودية سيحول دون تحقيق الوحدة العربية التي تهدد مصالح الاستعمار البريطاني في المنطقة 0
وهكذا تلاحمت مصالح الاستعمار البريطاني والصهيونية وتم تجسيد هذا التلاحم في وعد بلفور الاستعماري وغير القانوني.
سلم الصهيوني و ايزمان بتاريخ 18 آب 1917 مسودة الوعد إلى بلفور وزير الخارجية البريطاني ليعرضها على مجلس الوزراء و جاء فيها :
” 1- تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إعادة قيام فلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي.
2- ستنسق جهودها لتحقيق هذه الغاية مع المنظمة الصهيونية العالمية ” . (9)
وعرض بلفور صيغة الوعد عدة مرات على مجلس الوزراء إلى أن وافق عليها المجلس في التاسع من تشرين الأول عام 1917و اعترفت بريطانيا رسميا في الوعد بتاريخ الثاني من تشرين الثاني بشكل رسالة ووجهها بلفور إلى المليونير اليهودي روتشيلد 0وجاء في هذه الرسالة ما يلي :” إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف على تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين , على أن يفهم جلياً انه لن يؤتى بعمل من شانه أن ينتقص من الحقوق المدنية و الدينية التي يتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين 00″ . (10)
إن هذه الرسالة التي وجهها بلفور إلى المليونير روتشيلد لا تعتبر في نظر القانون الدولي تصريحا أو معاهدة دولية لأنها وحيدة الطرف و لا قيمة حقوقية لها 0
فالقانون الدولي يعّرف التصريح بأنه يصدر عن دولتين او أكثر تحددان به موقفهما من قضايا سياسية او اقتصادية او حقوقية معينة ووجهات النظر في هذه القضايا 0
ووعد بلفور لم يكن اتفاقا بين دولتين و إنما عبارة عن تصريح وحيد الطرف أعطي لشخص ليست له صفة دولية0
و التصريح لم يوقع عليه شخصيتان حقوقيتان دوليتان و لم يوقع عليه رسميون من جانب تلك الشخصيتين الحقوقيتين فاللورد روتشيلد شخص عادي ليس له صفة حقوقية دولية 0
و أما فحوى رسالة بلفور فهو مخالف لأبسط مبادئ القانون الدولي و حتى الوعود الرسمية التي وعدتها بريطانيا للعرب كما إن فلسطين ليست بأرض بريطانية و سكانها ليسوا برعايا بريطانيين فلا يحق لبريطانيا ان تنتزع فلسطين من أكثرية سكانها الساحقة لتعطيها لأقلية مستوردة من خارج البلاد 0
و خلال انعقاد مؤتمر السلام عام 1919 في باريس طالبت الحركة الصهيونية بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني كي يتم تحقيق وعد بلفور وقد مت مشروعا لنظام الانتداب في فلسطين 0
وأعلنت عصبة الأمم صك الانتداب على فلسطين بتاريخ 6 تموز 1921 , و صودق عليه في 24 تموز عام 1922 , ووضع موضع التنفيذ في 29 أيلول من نفس العام 0وجاء في نص المادة الثانية من صك الانتداب ما يلي :
” تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية و إدارية و اقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وفقا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك , وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنية و الدينية لجميع سكان فلسطين بغض النظر عن الجنس و الدين ” .(11)
وهكذا استطاع الاستعمار و الصهيونية تجسيد أهدافهما في وعد بلفور و نظام الانتداب الذي تضمن تنفيذ هذا الوعد.
إن نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى كان وسيلة من وسائل الاستعمار لإعادة توزيع المستعمرات و مناطق النفوذ التي كانت خاضعة تحت السيطرتين التركية و الألمانية و كانت عصبة الأمم أداة في يد الدول الاستعمارية لخدمة مصالح هذه الدول 0
و عينت بريطانيا الصهيوني صموئيل كأول مندوب سامي على فلسطين لكي يعمل على خلق أجواء لتنفيذ وعد بلفور و إقامة الدولة اليهودية 0
وخلال فترة الانتداب عملت بريطانيا على جعل الوكالة اليهودية حكومة داخل حكومة وفتحت أبواب فلسطين للهجرة اليهودية وشجعت الصهاينة على الاستيلاء على الأراضي العربية وسمحت للوكالة اليهودية بإنشاء قوات مسلحة كعصابة الهاتماناة شيرن و الارفون 0
وكانت قوات الانتداب البريطاني تقمع انتفاضات الشعب العربي الفلسطيني بمنتهى الوحشية 0
و بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خرجت بريطانيا من الحرب اضعف مما كانت عليه بعكس الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت أقوى مما كانت عليه و لاحظت الحركة الصهيونية مركز بريطانيا الآخذ في التدهور فتوجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية و ارتمت في أحضان الاستعمار الأمريكي و حولت مركزها من لندن إلى واشنطن و استغل الاستعمار الأمريكي هذا التحول و اخذ يتدخل في القضية الفلسطينية لصالح الحركة الصهيونية العالمية و صالح الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط 0
وأخذت الولايات المتحدة تزيد من اهتمامها بالشرق الأوسط لوجود كميات هائلة من النفط ولموقعه الاستراتيجي الهام و اخذ النفوذ الأمريكي يزداد في المنطقة بينما أصبحت فرنسا و بريطانيا عاجزتين عن المحافظة على مصالحهما الاقتصادية و الإستراتيجية في المنطقة 0
انطلق وعد بلفور الاستعماري , ونظام الانتداب البريطاني , الذي كان شكلا جديدا من أشكال الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى من الأطماع. و الخرافات و الأكاذيب التي رسخها كتبة التوراة و التلمود لإقامة دولة اليهود في فلسطين العربية , لخدمة مصالح الاستعمار البريطاني و الصهيونية العالمية و عرقلة الوحدة العربية و معاداة العروبة و الإسلام 0
وتستند الأمة العربية في موقفها من عروبة فلسطين إلى الأسباب التالية :
-
الحق التاريخي للعرب منذ بدء التاريخ و حتى اليوم فالعرب سكان فلسطين الأصليون و أصحابها الشرعيون.
-
بطلان وعد بلفور و نظام الانتداب البريطاني 0
-
عدم شرعية تقسيم فلسطين 0
-
حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير , وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم و استعادة أرضهم و ممتلكاتهم انطلاقا من مبادئ القانون الدولي و العهود و المواثيق و القرارات الدولية , وأسوة في التعامل الدولي 0
بنَت الأمة رفضها للتقسيم لاعتبارات تاريخية و قانونية و اقتصادية و جغرافية و قومية , لأنه جاء نتيجة تخطيط و تنسيق و تعاون استعماري – صهيوني موجه ضد العرب لتقويض عروبة فلسطين , وإنشاء دولة لليهود غريبة عن المنطقة , دخيلة عليها و معادية لشعوبها و صديقة للدول الاستعمارية 0
وتصر الأمة على أن فلسطين ارض عربية , وان وعد بلفور و نظام الانتداب باطلان , لان فلسطين ليست بأرض بريطانية كي تمنحها بريطانيا إلى اليهود الغرباء عنها و الدخلاء عليها 0
فلسطين والتقسيم
ظهرت فكرة تقسيم فلسطين لأول مرة عام 1937 على اثر اندلاع ثورة 1936 في فلسطين و الإضراب الذي دام ستة أشهر حيث أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق الملكية المعروفة باسم لجنة بيل و أوصت اللجنة في تقريرها بتقسيم فلسطين , ولكن بريطانيا فشلت في فرض التقسيم لرفض الأمة و الشعب العربي الفلسطيني و الذي استأنف ثورته ضد بريطانيا 0
و لكن على اثر ارتفاع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين من جراء اتفاق ألمانيا النازية مع الحركة الصهيونية بموجب اتفاقية هافارا لتهجير يهود ألمانيا و أوروبا و استغلال الصهيونية لمعزوفة الهولوكوست قررت الحكومة البريطانية عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة ففي 26 شباط 1947 ألقى وزير الخارجية البريطاني آرنست بيغن خطابا في مجلس العموم أعلن فيه ان قضية فلسطين أصبحت معقدة نتيجة لتشبث كل من العرب و اليهود بمطالبهم ونتيجة للضغط الذي تقوم به الحكومة الأميركية و استنادا إلى ذلك تقرر رفع الأمر إلى الأمم المتحدة 0 و قررت الحكومة البريطانية إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة , و ذلك بعد ان لمست ان الوجود اليهودي في فلسطين قد تعزز من جراء الهجرة اليهودية من اوربا بسبب تعاون و جرائم ألمانيا النازية , فأرادت ان تحقق سياستها في فلسطين عن طريق الأمم المتحدة بالانسحاب من فلسطين و إعلان تأسيس “إسرائيل” 0
وبذلك تكون بريطانيا قد قررت استخدام الأمم المتحدة , لتحقيق سياستها في الشرق الأوسط , للاعتبارات التالية:-
-
ان قرارات الامم المتحدة تعفي بريطانيا من وعودها تجاه العرب , ومن واجباتها تجاههم المنصوص عليها في صك الانتداب.
-
ان قيمة القرار الصادر عن الامم المتحدة اكبر من قيمة أي قرار تصدره بريطانيا. و تجنبت بريطانيا إغضاب العرب و المسلمين بإصدار قرار التقسيم من الأمم المتحدة , نظرا لعلاقاتها الاقتصادية و السياسية مع الكثير منهم 0
-
تخلصت بريطانيا من القاء العرب و المسلمين المسؤولية على عاتقها , و تحميل الأمم المتحدة مسؤولية تقسيم فلسطين 0
و بتاريخ 8 نيسان 1947 بعثت الحكومة البريطانية بكتاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة تريغفلي , طلبت فيه :-
“-إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة 0
– دعوة الجمعية العامة الى عقد دورة استثنائية لتشكيل لجنة خاصة للنظر في قضية فلسطين , ووضع تقرير ورفعه الى الجمعية العامة في الدورة العادية المقبلة 0(12)
عقد الدورة الاستثنائية للجمعية العامة
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية في 27/ نيسان 1947 , تلبية لطلب الحكومة البريطانية 0 و عند افتتاح الدورة طلب الوفد البريطاني ان يقتصر جدول الأعمال على الاقتراح البريطاني الذي نص على تشكيل لجنة للتحقيق , ولكن الدول العربية الاعضاء في الامم المتحدة آنذاك تقدمت بطلب إدراج إنهاء الانتداب على فلسطين و إعلان استقلالها في جدول اعمال الدورة , كما قدم وفد الاتحاد السوفييتي طلبا بادراج تعيين لجنة تعمل على تحقيق استقلال فلسطين و إلغاء الانتداب في جدول الأعمال 0
قاومت بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية كلا من الاقتراحين العربي و السوفييتي وعند التصويت سقطا و فاز اقتراح بريطانيا بموافقة الأكثرية على تشكيل لجنة خاصة للأمم المتحدة بشان فلسطين 0
تشكيل اللجنة:
أحالت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها الى اللجنة السياسية ( اللجنة الاولى ) للبحث في تشكيل اللجنة , وعقدت اللجنة السياسية عدة اجتماعات سادها انحياز الدول الغربية للمزاعم الصهيونية , و مقاومتهم للحق العربي بقيادة بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية , ونجحوا في ابعاد الدول العربية عن عضوية اللجنة 0
وقررت اللجنة السياسية أن تتألف لجنة التحقيق من إحدى عشرة دولة , هي إيران و الهند و السويد , ارغواي , استراليا , كندا , يوغسلافيا , هولندا , بيرو , لوكسمبورغ , و غواتمالا 0(13)
وجاء تشكيل اللجنة ضربة للموقف العربي إذ أنها ضمت ثماني دول من الكتلة الغربية و دولتين آسيويتين و دولة محايدة وهي يوغسلافيا 0
ومن الجدير بالذكر انه تم انتخاب غواتيمالا و ارغواي في اللجنة لأنهما أظهرتا انحيازاً سافرا خلال مناقشات الجمعية العامة للصهيونية و تأييدهما للتقسيم 0
ورفعت اللجنة السياسية قرارها بشان تشكيل اللجنة الى الجمعية العامة , فأقرته و انتهت الدورة الاستثنائية في 22 أيار 1947 0
و جاءت الصلاحيات و الاختصاصات التي حددتها الجمعية العامة للجنة , ضربة قوية لقضية فلسطين و المواقف العربية , إذ تم إعطاء اللجنة (( أوسع السلطات لتسجل و تتأكد من الحقائق 000 وتفحص جميع القضايا و المسائل التي لها علاقة بمسالة فلسطين 0000 و درس قضية فلسطين من جميع وجوهها و درس أحوال اليهود المشردين في أوروبا و الموجودين في مخيمات الاعتقال )) 0(14)
و بالتالي تكون الجمعية العامة قد ربطت بين قضية فلسطين و مسالة المهاجرين اليهود في أوروبا و المسألة اليهودية 0
الفلسطينيون و اللجنة
عقدت اللجنة جلستها الأولى في نيويورك برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة الأميركي تريغفلي , المعروف بنزعته الاستعمارية و ميوله للصهيونية , و الذي اظهر تحيزاً سافراً للصهيونية , خلال مناقشات الدورة الاستثنائية , مما حمل وفدي سورية و فلسطين على الاحتجاج رسميا على تصرفاته 0
وانتقلت اللجنة إلى لندن وزارت بعض البلدان الأوربية و اللاجئين اليهود واستمعت الى آراء زعمائهم و ممثليهم ثم عقدت اجتماعا لها في بيروت استمعت فيه إلى رأي موحد للدول العربية قدمه إلى اللجنة حميد فرنجية وزير خارجية لبنان آنذاك0
قرر الفلسطينيون بالإجماع مقاطعة اللجنة و عدم التعاون معها لأنهم لمسوا بأنها ستقدم بمشروع لتقسيم فلسطين , وللربط بين قضية فلسطين و مشكلة اليهود في أوربا , ولانحياز الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا و الأمين العام للأمم المتحدة السافر للصهيونية 0
وطالب الفلسطينيون من الدول العربية مقاطعة اللجنة, ولكن الدول العربية لم توافق على هذا الطلب , فقاطعها الفلسطينيون عندما جاءت إلى فلسطين .
و خلال إقامة اللجنة في فلسطين نزل العديد من أعضائها في فنادق يهودية و قضوا سهراتهم في تل أبيب , وزاروا العديد من المستعمرات و المراكز اليهودية , و أعلنوا تأييدهم لليهود , ورحبوا في مقابلاتهم بفكرة التقسيم 0
اللجنة توصي بالتقسيم :
اختلف أعضاء اللجنة حول التوصيات التي سيقدمونها الى الجمعية العامة , وانقسموا الى فريقين 0
فريق الأكثرية ونص في تقريره على التوصية بتقسيم فلسطين الى دولة عربية و أخرى يهودية , ووضع القدس و منطقتها تحت الوصاية الدولية , وعقد معاهدة اقتصادية بين الدولتين , وضم هذا الفريق سبع دول و هي : السويد, وارغواي , بيرو , غواتمالا , هولندا , كندا , لوكسمبورغ , وفريق الأقلية , وتضمن تقريره التوصية بإقامة دولة اتحادية من دول عربية و اخرى يهودية و ضم ثلاث دول وهي إيران و الهند و يوغسلافيا 0
و انعقدت الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من ايلول 1947 , و أدرج في جدول الأعمال تقرير لجنة التحقيق و التوصيات 0
وفي الثالث من أيلول شكلت الجمعية العامة لجنة عامة من جميع الدول الاعضاء , و شكلت لجنتين فرعيتين , وقدمت كل من اللجنتين الفرعيتين الاولى و الثانية توصياتها الى اللجنة العامة , وجاء تقرير اللجنة الفرعية الاولى مؤيدا لتقرير فريق الاكثرية أي مؤيدا للتقسيم , بينما اوصت اللجنة الفرعية الثانية بانهاء الانتداب و استقلال فلسطين و استطلاع رأي المحكمة الدولية ,فيما اذا يحق للامم المتحدة فرض حل على فلسطين لا يوافق عليه أكثرية السكان 0
وناقشت اللجنة العامة تقريري اللجنتين الفرعيتين حيث عارضت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي تقرير اللجنة الفرعية الثانية 0 و بشكل خاص استطلاع راي المحكمة الدولية 0 وفاز تقرير اللجنة الفرعية الأولى بأكثرية 25 صوتا ضد 13 صوتا و امتناع 17 دولة عن التصويت وغياب دولتين 0
وأحيل قرار اللجنة العامة الى الجمعية العامة للبحث و التصويت في 26 تشرين الثاني 1947 , حيث مارس الصهاينة و الولايات المتحدة ابشع انواع الضغط و الابتزاز على العديد من الدول مما حمل بعض الدول على تعديل مواقفها وتأييد التقسيم.
وكتب هاري ترومان الرئيس الأميركي آنذاك في مذكراته يقول :
((لقد أعطيت تعليمات إلى وزارة الخارجية بأن تؤيد أميركا مشروع التقسيم )) . (15)
واخذ مندوبو الولايات المتحدة في الامم المتحدة يطلبون من كل وفد اتخاذ موقف ايجابي و تأييد التقسيم مستعملين التهديد و الوعيد , مما حمل العديد من الدول على تغيير موقفها مثل بلجيكا و فرنسا و ليبيريا وبراغواي و الفلبين و هولندا و لوكسمبورغ0
و مارس الصهاينة ابشع انواع الضغوط على الوفود المعارضة للتقسيم متهمين بعض الوفود باللاسامية 0 فعندما كان احد الوفود يثير مصير الشعب الفلسطيني او حقوقه او مدى صلاحية الامم بفرض التقسيم على الرغم من معارضة اكثرية السكان لتقسيم وطنهم ,وكانت الصهيونية تتهم مثل هذه الوفود باللاسامية. و لقد اعترف الرئيس ترومان في مذكراته بالضغوط التي مارستها الصهيونية و كتب يقول : (( في الواقع لم تكن الامم المتحدة وحدها التي أُخضعت لضغوط لم تعرفها من قبل , بل ان البيت الابيض نفسه تحمل دفعا من الضغط 0 و لا اعتقد انني تعرضت يوما لحملة دعائية بهذه الشدة 0 و كان يزعجني و يضايقني اتهام بعض الزعماء الصهيونيين المتطرفين الذين كانت تحركهم دوافع سياسية و يستعملون التهديد السياسي 0 وقد اقترح بعضهم أن تستخدم نقودنا لنحمل دولا ذات سيادة على التصويت الى جانبهم في الجمعية العامة )) 0(16)
لقد تعرضت عواصم الدول التي تعارض وفودها التقسيم في عشية إقراره إلى ضغوط أميركية و يهودية هائلة وشكل زعماء اليهود و مؤيديهم من السياسيين الأميركيين لجنة الطوارئ للتقسيم من عدد أصحاب النفوذ الكبير في داخل الولايات المتحدة و خارجها 0 وتولت السيدة روزفلت الاتصال برجال السياسة الأميركية و الرئيس ترومان , وتعهد برنارد باروخ عضو اللجنة للوفد الفرنسي بتقديم مساعدات أميركية وفيرة لفرنسا بموجب مشروع مارشال , ومارس عضو اللجنة هارفي فايرستون نفوذه الاقتصادي على ليبيريا وضغط على حكومتها 0
ومارست الولايات المتحدة ضغطا كبيرا على مندوب الفلبين الذي كان من اشد المعارضين للتقسيم ولكن حكومته نصحته بالتصويت إلى جانب التقسيم صيانة للصداقة الأميركية الفلبينية 0
وكان مندوب هاييتي معارضا للتقسيم , ولكنه تلقى تعليمات من حكومته نتيجة للضغط الذي وقع علبها إلى تأييد التقسيم , فوصل عدد الأصوات المؤيدة للتقسيم 32 , ولكن العدد ارتفع إلى 33 بعد أن غير مندوب ليبيريا موقفه من معارض للتقسيم الى مؤيد له نتيجة للضغط الأمريكي , وكانت السياسة الأميركية تحث بعض الدول المعارضة للتقسيم على الامتناع عن التصويت 0 ويمكن القول ان الولايات المتحدة لعبت الدور الأساسي في إنجاح مشروع التقسيم 0
وعندما لاحظ الصهاينة ان مساحة الدولة اليهودية اقل بكثير مما يريدون توجه حاييم وايزمان الى واشنطن و اجتمع مع الرئيس ترومان في 19/ 11/1947 0 و يقول وايزمان في مذكراته عن هذا الاجتماع :-
(( تحدثت اليه عن منطقة النقب و العقبة وانها يجب ان تكون من نصيب الدولة اليهودية 0000 و ابتهجت جدا عندما رايت الرئيس يرجع الى الخريطة و يدرسها بدقة و اهتمام ثم وعدني ان يتصل فورا بالوفد الاميركي 000 ان المستر ترومان كان صادقا في قوله , وانه بعد ساعات قليلة من اجتماعي به اصدر التعليمات اللازمة للوفد الاميركي لجعل النقب و العقبة من نصيب اليهود 0
ويؤكد وايزمان في مذكراته بان الفضل في اقرار مشروع التقسيم يعود الى حد كبير الى تدخل الرئيس ترومان وجهوده 0
موافقة الجمعية العامة على تقسيم فلسطين
اجتمعت الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 للتصويت على مشروع التقسيم و قال رئيس الجمعية العامة ازولدا ارانيا بان ثلثي الأصوات قد أصبحت متوفرة لإقراره 0
اقترح الوفد اللبناني كمحاولة أخيرة لمنع صدور قرار التقسيم , تشكيل دولة اتحادية في فلسطين , ولكن اقتراحه رفض و صوتت الجمعية العامة على التقسيم , ففاز 33 صوتا ضد 13 و امتناع عشرة عن التصويت و غياب دولة واحدة 0
وكانت الدول المؤيدة للتقسيم 33 وهي :
الولايات المتحدة الأميركية , الاتحاد السوفييتي , فرنسا, بلجيكا ,هولندا ,لوكسمبورغ ,تشيكوسلوفاكيا ,السويد البرازيل ,ليبيريا ,الفلبين ,كندا ,استراليا ,نيوزلندا, الدانمرك, النروج ,غواتمالا, باراغوي ,هاييتي, روسيا البيضاء ,أوكرانيا , بيرو, بولونيا, سان دوجنكو, إكوادور, بنما, فنزويلا ,نيكاراغوا ,كوستاريكا ,أيسلندا ,بولندا, اتحاد جنوب أفريقيا 0 (17)
و الدول المعارضة للتقسيم 13 دولة وهي :
سورية, لبنان, السعودية’, مصر , اليمن’ , العراق , الهند , باكستان , أفغانستان , اليونان , تركيا , كوبا 0
والدول الممتنعة عن التصويت و عددها 10 دول وهي :
بريطانيا , يوغسلافيا , إثيوبيا , تشيلي , الصين , كولومبيا , هندوراس , الأرجنتين , سلفادور , و المكسيك 0
و تغيبت دولة واحدة 0
الموقف العربي من التقسيم
أعلنت وفود الدول العربية في الأمم المتحدة رفضها لتقسيم فلسطين فور صدور القرار , كما أعلن الشعب العربي الفلسطيني استنكاره و رفضه الشديدين لقرار التقسيم , لأنه إنهاء لعروبة فلسطين و تقويض للكيان العربي فيها , ومقدمة لتهويدها , و اصدر رؤساء وممثلو الدول العربية عقب اجتماع عقدوه في القاهرة بتاريخ 17 كانون أول 1947 بيانا أعلنوا فيه رفضهم للتقسيم و استنكارهم له جاء فيه : –
(( لقد تنكرت الأمم المتحدة مع الأسف الشديد لذات المبادئ التي تضمنها ميثاقها , فأوصت بتقسيم فلسطين , وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب في تقرير مصيره , وأخلت بمبادئ الحق و العدل جميعا 000 وقد قرر رؤساء و ممثلو الدول العربية في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه , وقرروا كذلك عملا بإرادة شعوبهم , أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل بعون الله إحباط مشروع التقسيم الظالم ))0(18)
لقد جاء تقسيم فلسطين عام 1947 أفظع و اظلم من مشروع التقسيم الذي طرحته بريطانيا عام 1937 , وذلك لان الوجود اليهودي بفلسطين كان ضعيفا 0 ولكن على اثر التعاون بين ألمانيا النازية و الحركة الصهيونية في مسألة الهجرة اليهودية لتحقيق الهدفين النازي و الصهيوني بتنظيف ألمانيا وبقية أوروبا من اليهود , ازداد الوجود اليهودي في فلسطين وترسخ عن طريق يهود ألمانيا واستغلت الصهيونية معزوفة الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست اليهودي على الشعب العربي الفلسطيني .لذلك جاء التقسيم في عام 1947 ملائما لوضع اليهود في فلسطين والعالم , وضموا إلى الدولة اليهودية العقبة و النقب برمته 0
لقد بنى العرب رفضهم للتقسيم لاعتبارات تاريخية و قانونية وطنية و قومية و سياسية , فالتقسيم تمزيق لفلسطين العربية ,و انطلاقا من عروبة فلسطين و الحقوق الوطنية و القومية رفض العرب التنازل عن جزء من فلسطين العربية للحركة الصهيونية لمجموعة بشرية غريبة عن فلسطين دخيلة عليها لتقيم كيانا عنصريا عدوانيا و توسعيا على أنقاض أهله الشرعيين وسكانه الأصليين , فالتقسيم اعتداء صارخ على سيادة الشعب العربي الفلسطيني في وطنه و انتقاص لحريته و استقلاله , وانتهاك لحقه في تقرير المصير و إهدار لعزته و كرامته و أملاكه و ممتلكاته و تاريخه 0 إن التاريخ السياسي للعالم بأسره لم يعرف قط شعبا وافق على تقسيم وطنه وتنازل عن سيادته على جزء من هذا الوطن 0
لقد جاء التقسيم نتيجة تخطيط و تنسيق و تعاون استعماري – صهيوني لتقويض عروبة فلسطين و الكيان العربي فيها وإنشاء دولة يهودية عنصرية على أنقاضه , وجاء مخالفا لميثاق الأمم المتحدة و حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و حقوق الإنسان العربي , وتمت الموافقة عليه نتيجة للضغط و الابتزاز و الإغراء الأمريكي و الصهيوني 0
عدم شرعية قرار التقسيم
تم تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة و بدعم كامل من الدول الاستعمارية و بقوة السلاح و أساليب العنف و الإجرام 0 فهل يحق للأمم المتحدة أن تتخذ قرار ينص على تقسيم بلد من البلدان دون موافقة سكانه الشرعيين , لا سيما وان الشعب العربي الفلسطيني كان يشكل الأكثرية المطلقة من سكان فلسطين و يملك أكثر من 90% من أراضيها و أعلن رفضه للتقسيم و طالب بممارسة حقه في تقرير المصير و إعلان الاستقلال و إقامة الدولة الديمقراطية 0
إن قرار التقسيم قرار غير شرعي لان الأمم المتحدة تجاوزت مبادئ القانون الدولي و ميثاقها و الصلاحيات المخولة لها 0 فمبادئ القانون الدولي تقر للشعب العربي الفلسطيني حقه في الاستقلال و تقرير المصير , و لقد أعلن مرارا و تكرارا رفضه للتقسيم و طالب بجلاء القوات البريطانية و إعلان استقلال فلسطين , ويتماشى هذا الموقف مع ميثاق الأمم المتحدة , وخاصة الفقرة الثانية من المادة الأولى التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير 0
وتبين من دراسة ميثاق الأمم المتحدة انه ليس من صلاحيات المنظمة الدولية تقسيم بلد من البلدان دون رغبة أغلبية سكانه , ولكن الميثاق يخول المنظمة الدولية حق إعلان استقلال المستعمرات أو البلدان الواقعة تحت الانتداب بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم ويخولها أيضا تأييد رغبات الشعوب بممارسة حقها في تقرير المصير, لذلك كان من واجب الأمم المتحدة تطبيقا لميثاقها ومبادئ القانون الدولي أن تستجيب لرغبات شعبنا العربي الفلسطيني وتعلن استقلال فلسطين ولكنها لم تفعل ذلك بسبب سيطرة الولايات المتحدة الأميركية آنذاك على المنظمة الدولية .
وهكذا تكون الأمم المتحدة قد خالفت ميثاقها وكللت هذا الانتهاك الفاضح بمخالفة أفدح وهي الموافقة على تقسيم فلسطين رغم معارضة ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني للتقسيم .
وعلى اثر صدور قرار التقسيم , أعلن الشعب العربي الفلسطيني رفضه للقرار وأعلن الاضطراب العام واندلعت الاشتباكات المسلحة بينه وبين العصابات الصهيونية وذلك لان قرارا التقسيم قرار استعماري – صهيوني وغير شرعي وباطل لأنه يخالف الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ويخالف مبادئ القانون الدولي ورغبات الأكثرية الساحقة لسكان فلسطين .
الشعب العربي الفلسطيني والنكبة
منعت حكومة الانتداب البريطاني الشعب الفلسطيني من إقامة أي كيان سياسي خلافا لموقفها من المهاجرين اليهود,إذ اعترفت بالوكالة اليهودية ,وأصبحت حكومة داخل حكومة الانتداب البريطاني .
وبالمقابل لم يذعن الشعب الفلسطيني إلى هذا المنع ,فأسس “الجمعيات الإسلامية المسيحية” في أهم المدن الفلسطينية .وعقدت المؤتمرات الدولية التي كانت تنتخب اللجنة التنفيذية العربية لقيادة النضال الوطني الفلسطيني .
وعندما اندلعت ثورة 1936 وتشكلت بعض الأحزاب ,عمدت هذه الأحزاب إلى تشكيل تحالف بينها باسم “اللجنة العربية العليا” لتولي القيادة السياسية للثورة .ولكنها تعرضت للملاحقة من قبل سلطات الانتداب البريطاني التي اعتقلت معظم أعضائها ونفت البعض الآخر خارج فلسطين وتشكلت في عام 1946 الهيئة العربية العليا بمساعدة الجامعة العربية .
قادت حرب 1948 التي أشعلتها “إسرائيل” إلى ترحيل نحو ثلثي الشعب الفلسطيني من ديارهم وأراضيهم .
وفقدوا أملاكهم ومصادر رزقهم وتدهور مستوى حياتهم,وانتشرت بينهم الأمراض والبطالة , وانهارت البنى الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع .
وأجبرت “إسرائيل” عن طريق استخدام القوة والمجازر الجماعية إلى ترحيل حوالي مليون عربي فلسطيني من مدنهم وقراهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والى البلدان العربية المجاورة . واخذ اللاجئون يعملون بشكل أساسي على توفير المأوى و العمل والغذاء , حيث أدى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الذين اغتصبت “إسرائيل” منازلهم وأراضيهم وأملاكهم إلى تفاقم مشاكلهم الإنسانية وبروز مشاكل اقتصادية هائلة تولدت عن انعدام الموارد , وفقدان مصادر العيش إلى أن أقرت الأمم المتحدة في الثامن كانون الأول 1949 استحداث “الاونروا” أي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”.
وكان للنكبة أثرها المدمر على المجتمع الفلسطيني بسبب اغتصاب المنازل والأملاك والأرض ,وأصبح المجتمع الفلسطيني في حالة تفكك ومن دون مؤسسات وقيادة فلسطينية – وأدت النكبة والترحيل الإجباري إلى تشتت العائلة الواحدة, والى التشتت السكاني , وتفتيت جميع الشرائح الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني.
وتوجه الفلسطينيون إلى بعض بلدان الخليج للعمل فيها سعيا وراء الرزق وساهموا بشكل أساسي في بنائها وتطوير التعليم فيها . ولعب القوميون و العبثيون والناصريون وحركة القوميين العرب والحزب الشيوعي الأردني دورا في إحباط مشاريع التوطين , ودخول الأردن في الأحلاف العسكرية كحلف بغداد عام 1955 ,وفي طرد الضابط البريطاني كلوب باشا 1956 وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية 1957 .
نجح الفلسطينيون في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وبدوا مذ عام 1960 بتأسيس منظمات فدائية لتحرير أراضيهم والعودة إلى ديارهم .
وهنا أحب أن اجزم وأقول انه من الظلم الفادح للشعب الفلسطيني ونضاله وتضحياته ولحركاته الوطنية أن نعتبر هذا التاريخ بداية الكفاح الوطني الفلسطيني متناسين انتفاضاته في 1920و1921 وثورة البراق 1929 , وحركة عز الدين القسام 1933 وثورة 1936 ومواجهته عام 1948 .
تجلّت نكبة فلسطين ليس فقط بإقامة “إسرائيل” ,والمجازر الجماعية التي ارتكبتها, وفي الترحيل والأراضي التي احتلتها , وإنما أيضا في انهيار القيادة والمؤسسات ,وتفكك المجتمع وتجزئة الشعب . فوقع الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ونضاله الوطني في أربعة مناطق إقليمية وسياسية وهي :
“(إسرائيل) ,الأردن ,قطاع غزة , لبنان وسورية “.
وأدت هذه الحواجز الإقليمية والسياسية إلى تجزئة الحركة الوطنية الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض وإضعافها , كما عرقلت بلوّرة برنامج وطني موحد وقيادة للشعب كله .
اتخذت معظم الأنظمة العربية موقفا مزدوجا من قضية فلسطين فكانت تعلن تمسكها بعروبتها ووجوب تحريرها انطلاقا من اعتقادها . بخطورة “إسرائيل” على البلدان العربية و عدالة القضية أو خوفا من غضب الجماهير عليها .
وكانت بعض النظم ترى في القضية الفلسطينية عقبة تحول دون إقامة العلاقات الجيدة مع دول الغرب الاستعمارية .
وعملت بعض الأنظمة على قمع الحركة الوطنية الفلسطينية وشل حركتها بينما عمل آخرون على احتوائها .
فارتبط العمل الفلسطيني بالعمل العربي بسبب عروبة فلسطين , والإيمان بالوحدة العربية وخطورة المشروع الصهيوني على الوطن العربي وعلى الأمة العربية والإسلامية .
ولعب المد القومي والخطر الصهيوني دورا أساسيا في بروز العمل الفدائي .
بدأ العمل الفدائي في أعوام 1954و1955 و1956 بدعم من مصر انطلاقا من غزة وتوقف بعد العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956 , لان مصر تعهدت بعدم انطلاق العمليات الفدائية من قطاع غزة أو من الأراضي المصرية لقاء انسحاب القوات “الإسرائيلية” من سيناء عام 1957 .
وأعلن عبد الكريم قاسم في آذار عام 1960 تشكيل فوج التحرير الفلسطيني في العراق كنواة لجيش التحرير الفلسطيني وقامت شعبة فلسطين التابعة للمخابرات السورية بتنظيم عمليات واشتباكات مع القوات “الإسرائيلية”, وتحولت إلى كتيبة مقاتلة بعد الوحدة بين مصر وسورية , والى لواء حطين في جيش التحرير الفلسطيني بعد تأسيس منظمة التحرير .
وانتسب الفلسطينيون إلى الأحزاب والتنظيمات القومية والإسلامية واليسارية لخدمة قضيتهم . ولعبوا دورا بارزا في حزب البعث وحركة القوميين العرب , وحزب التحرير الإسلامي ,والإخوان المسلمون , والأحزاب الشيوعية .
أدت النجاحات التي أحرزتها الثورة الجزائرية ضد الاستيطان الفرنسي في الجزائر إلى الاعتقاد عند بعض النخب الفلسطينية و العربية إلى اخذ التجربة الجزائرية بعين الاعتبار .
ودعا الرئيس جمال عبد الناصر, والملك سعود والرئيس احمد بن بيلا في صيف 1962 الشعب الفلسطيني على أن يأخذ قضيته بيديه . وانطلاقا من ذلك انعقد مؤتمر القمة العربي الأول في 13 كانون الثاني 1964 في القاهرة واسند إلى الشقيري مهمة إظهار كيان سياسي فلسطيني . فقام الشقيري بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة القدس .
انطلقت حركة فتح عام 1965 من سورية , وأخذت تدرب مقاتليها على الأراضي السورية بدعم وتأييد كاملين من السلطات السورية انطلاقا من إيمان حزب البعث بعروبة فلسطين ووجوب تحريرها من الاغتصاب الصهيوني بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية . وتشكلت العديد من المنظمات الفدائية بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 .
انه من الظلم للشعب الفلسطيني ولنضاله وتضحياته وحركاته الوطنية أن نعتبر عام 1965 بداية الكفاح الوطني الفلسطيني متناسين انتفاضاته المتكررة في 1920و1921وثورة البراق 1929 وثورة عز الدين القسام عام 1933 وثورة 1936 وبطولاته في حرب 1948 التي أشعلتها “إسرائيل”
على اثر تدهور الوضع في فلسطين بعد النكبة , وعقد اتفاقات الهدنة بين “إسرائيل” و الدول العربية المحيطة بفلسطين عام 1949 أيدت دول الجامعة العربية باستثناء الأردن تشكيل حكومة فلسطينية , لتولي القضية بعد اغتصاب إسرائيل لأكثر من 78% من فلسطين 0
اجتمعت الجامعة العربية مع الهيئة العربية العليا بغزة في 30 أيلول 1948 0و انعقد المجلس الوطني الفلسطيني الذي ضم ((151 )) شخصية فلسطينية و اقر المجلس في 1/10/1948النظام المؤقت لحكومة عموم فلسطين , وأعلنت استقلال فلسطين ضمن حدودها من البحر حتى النهر ومن رأس الناقورة حتى رفح 0
وهكذا لم يتمكن الشعب الفلسطيني في المحافظة على كيانه السياسي تحت تأثير فداحة النكبة ودور بعض الأنظمة العربية.فجاء حزب البعث و القوميون العرب والناصريون وحافظوا على القضية ومنعوا وضعها في طي النسيان 0 وفتحت سورية أبوابها على مصراعيها لحركة فتح وقوى المقاومة الفلسطينية و كان الأردن ولبنان يخشيان من العمل الفدائي بحجة عدم توريطهما في حرب مع “إسرائيل” و يعتقد أن النظام العربي قد تحرك لاحتواء العمل الفدائي الفلسطيني و إجهاضه , لذلك جاء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية و التي ناصبتها حركة فتح العداء في بادئ الأمر بحجة الخوف على شعبيتها و عدم قدرتها على منافسة منظمة التحرير إلى إن نجحت بالاستيلاء على المنظمة عام 1968 0
تضمن إعلان تأسيس منظمة التحرير قيام منظمة التحرير الفلسطينية , قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني , لخوض معركة التحرير ودرعاً لحقوق شعب فلسطين , و أمانيه و طريقا للنصر, و المصادقة على الميثاق القومي و النظام الأساسي,و اللائحة الداخلية للمجلس الوطني , والصندوق القومي الفلسطيني. و انتخاب الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية, وتكليفه اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية , وعددها 15 عضوا , وتحويل المؤتمر بكامل أعضائه إلى المجلس الوطني الفلسطيني الأول 0
وكانت أهم المؤسسات الفلسطينية التي تشكلت في عهد الشقيري هي :المجلس الوطني , واللجنة التنفيذية و الصندوق القومي , و جيش التحرير الفلسطيني , ومركز الأبحاث الفلسطيني و إذاعة صوت فلسطين 0 وتشكلت فيما بعد جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني , ومركز التخطيط , ومؤسسة صامد الاقتصادية , و قوات التحرير الشعبية وعدد من مكاتب المنظمة 0
وساد الخلاف العميق بين الشقيري و بين الأردن و السعودية و تونس , و انتهى دوره بعد هزيمة 1967 و تصاعد دور العمل الفدائي 0 واتسم عهده بالفردية وجمع السلطتين التشريعية و التنفيذية في يده و بالإيمان القومي العميق بالوحدة العربية ,و عروبة فلسطين وتحريرها بالقوة العسكرية وعودة اللاجئين و بالعمل الجماعي العربي 0 واستمرت زعامته لمنظمة التحرير أكثر من ثلاث سنوات وقدم استقالته في 24 /12/ إلى الشعب الفلسطيني1967.
مخاطر الهجرة اليهودية
شكلت الهجرة اليهودية ولا تزال تشكل خطرا وجوديا للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين , حيث تعمل الحركة الصهيونية و الكيان الصهيوني على تهجير اكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى فلسطين , وبما أن مساحة “إسرائيل” محدودة فلا يمكن لها إن تستوعب مئات الآلاف من المهاجرين الجدد دون التوسع على حساب الأراضي العربية 0
وتهدف “إسرائيل” من تجميع اكبر عدد من يهود العالم فيها تحقيق نظرية المجال الحيوي للصهيونية بإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية , والهيمنة على المنطقة العربية الإسلامية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد 0
وترتبط الهجرة اليهودية بأهداف الدولة الصهيونية العدوانية و التوسعية و الاستيطانية و العنصرية و الإرهابية , وكلما ازدادت الهجرة استطاعت “إسرائيل” تحقيق إطماعها التوسعية باحتلال المزيد من الأراضي العربية , وكلما احتلت أراض عربية جديدة , ازدادت حاجتها إلى المزيد من الهجرة للاستيطان في الأراضي المحتلة , و استغلالها و المحافظة على احتلالها0
وتنطلق الإيديولوجية الصهيونية من وجود شعب يهودي عالمي , و يمتاز على غيره من الشعوب بالتفوق و الذكاء و تهجيره إلى فلسطين , و ترحيل العرب منها و الاستيطان فيها 0 ومن اجل تحقيق تهجير اليهود قاومت اندماجهم في الشعوب الأخرى و عزلتهم عنها , وتعاونت معه الحركات اللاسامية ومع النازية لتنظيف ألمانيا و أوروبا من اليهود و تهجيرهم إلى فلسطين 0
و تبين أقوال وأفعال زعماء الحركة الصهيونية مكانة الهجرة اليهودية في الحركة و في الكيان الصهيوني و الآمال التي يعقدونها عليها لإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية عن طريق الشرق أوسطية المتوسطية 0
أعلن بن غوريون , مؤسس الكيان الصهيوني عن دور الهجرة في انتصار “إسرائيل” مايلي :
” إن انتصار “إسرائيل” النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة , وان بقاء “إسرائيل” يعتمد فقط على توفر عامل هام و هو الهجرة الواسعة إلى “إسرائيل” “0(19)
وللتدليل على الأهمية القصوى للهجرة عند إسرائيل وعند مؤسسها بن غوريون قال :” إن مشكلة “إسرائيل” الرئيسية هي الأمن , وان هذا الأمن لا يمكن أن يحققه أي جيش مهما بلغ تسليحه , ولكن تحققه هجرة اليهود المستمرة و المتدفقة إلى ارض “إسرائيل” حتى يعود إليها جميع يهود العالم “0 (20)
وقال ليفي اشكول رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق عن مكانة الهجرة للكيان الصهيوني والحركة الصهيونية :
“ويبقى موضوع الهجرة مشكلة “إسرائيل” الأولى 0 إن حق الحركة الصهيونية في الحياة يعتمد على نجاحها في مجال الهجرة “(21)
وصرحت غولد مائير رئيسة وزراء العدو “الإسرائيلي” عن حاجة “إسرائيل” للرجال من Hجل الحروب وقالت :
“ما نحتاج إليه في الوقت الحاضر أكثر من أي شئ آخر هو الهجرة : توجد أمور كثيرة نحلم بها , ولكن لقلة الرجال وبسبب الحروب لا نستطيع أن ننجزها إلا إذا أتى المزيد من الرجال0” (22)
وقال أبا اييان وزير خارجية “إسرائيل” الأسبق عن أهمية الهجرة لإشعال الحروب و الاحتلال و الاستيطان مايلي :
“لو كنا أربعة ملايين يهودي في “إسرائيل” اليوم لكان لمطالبنا في الصراع السياسي القائم وزن اكبر , كما وان تنشيط الهجرة اليهودية من شأنه إن يعزز مكاسبنا في الحرب , وان احتلال الأراضي وحده ليس كافيا فنحن بحاجة إلى استيطان هذه الأراضي.” (23)
وقال ناحوم غولدمان , زعيم المنظمة الصهيونية العالمية السابق عن الهجرة ” إن مستقبل الصهيونية العالمية يتوقف على سياسة الهجرة اليهودية إلى “إسرائيل” 000 إذا حلت مشكلة الهجرة , وهي المشكلة الثانية , فلن يكون هناك مشكلة أولى وهي مشكلة الأمن 0″ (24)
وشعر الكيان الصهيوني من جراء هجرة اليهود السوفييت الجماعية بالفرح و الغطرسة و التنكر للحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني , وزاد من تمرده وعصيانه على مبادئ القانون الدولي و العهود و المواثيق الدولية , وصعد من الهولوكوست على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة 0
ووصف الرئيس “الإسرائيلي” حاييم هرتسوغ الهجرة السوفييتية ” بأنها المعجزة الكبرى ” وقال عنها الإرهابي اسحق شامير :” إن الهجرة الجماعية تتطلب أيضا “إسرائيل” كبرى , وهي تشبه كل المعجزات التي أنقذت الشعب اليهودي 000 كل شئ سيتغير , وسيكون اكبر وأقوى 0
العرب من حولنا في حالة يأس وذعر , يجتاحهم شعور بالفشل , أنهم لا يستطيعون وقف التدفق الطبيعي للشعب اليهودي نحو أرضه ,و في النهاية , فان هذا هو جوهر الصراع ” 0(25)
وجاءت موجة الهجرة السوفييتية بعد أن أفصح العدو الإسرائيلي عن حل المشكلة الديموغرافية عن طريق الترانسفير , أي ترحيل العرب خارج فلسطين , وتكثيف الاستعمار الاستيطاني في الضفة الغربية , والقضاء على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أرضهم و ممتلكاتهم , و توطينهم في أماكن تواجدهم و تحويل الأردن إلى وطن بديل لهم 0
وورد في النداء العالمي المشترك الذي وجهته الحكومة الإسرائيلية و الإدارة التنفيذية للحركة الصهيونية بعد حرب حزيران العدوانية خلال شهر تموز الحث على الهجرة الجماعية ليهود العالم إلى فلسطين , وورد فيه :
” من القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل ها نحن ندعوكم , هبوا وهاجروا وابنوا البلاد 0000 و الواجب المقدس الذي يقف الشعب ا ليهودي إمامه هو بناء وطنه بسرعة لضمان مستقبل دولة إسرائيل و الدعوة الكبرى و الضرورية للهجرة :هجرة الشعب اليهودي بشبابه و شيبه إلى بيت الشعب ( إسرائيل ) . (26)
وهكذا يظهر تصريحات الزعماء الصهاينة بجلاء أهمية الهجرة اليهودية المستمرة و الواسعة إلى إسرائيل , لتحقيق المشروع الصهيوني بالهيمنة على المنطقة العربي الإسلامية 0
وجاء في برنامج حزب الماياي ( العمل حاليا ) عام 1951 “أن مهمة الصهيونية كانت و لا تزال حل المشكلة اليهودية عن طريق جمع شتات الشعب اليهودي في أرضه 0” (27)
إن جمع ما يسمى بالشتات اليهودي يكشف بوضوح النوايا العدوانية المستمرة لإسرائيل , لأنه يعني المزيد من التوسع عن طريق الحروب و الاحتلال و الاستيطان , و المزيد من ترحيل العرب و تهويد الأرض العربية 0
وتشكل الهجرة اليهودية المستمرة مخاطر كبيرة على الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني و على الأمن و الاستقرار و التطور في المنطقة لأنها :
1 ) تقود إلى تغيير الميزان الديموغرافي في فلسطين لصالح اليهود الدخلاء عليها و الغرباء عنها 0
2 ) تعمل على تقوية طاقات الكيان الصهيوني الاقتصادية و العسكرية , مما يعرقل التنمية و التطور في المنطقة 0
3 ) دعم أهداف و مخططات إسرائيل العدوانية و التوسعية و العنصرية عن طريق الحروب العدوانية 0
4 )بناء المستعمرات اليهودية و توسيعها في الأراضي العربية المحتلة , لاستيعاب المزيد من المهاجرين الجدد 0
5 ) تعزيز الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة و استغلال أراضيها و مياهها و ثرواتها و تهويدها 0
6 ) استغلال الهجرة للتأثير على اليهود في الخارج فإما إن يهاجروا إلى إسرائيل أو يقدموا لها المساعدات المالية و السياسية و الإعلامية في حال عدم هجرتهم إليها 0
إن هجرة اليهود إلى فلسطين هي شكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني على غرار الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في جنوب إفريقيا 0 و تهدف بالدرجة الأولى إلى تهويد فلسطين , ونزع طابعها العربي الإسلامي , وتحقيق المجال الحيوي لليهودية العالمية في الوطن العربي 0
و تهدف الصهيونية من جراء تهجير اكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى فلسطين تحقيق يهودية العالم و ترحيل العرب منها و إقامة اكبر غيتو في العالم 0
إن النوايا الحقيقية للصهيونية من تهجير يهود العالم إلى فلسطين ليس حل المسألة اليهودية كما تزعم و إنما زيادة طاقات إسرائيل البشرية العسكرية و تحقيق التفوق الديموغرافي و تخليد احتلال الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس بشطريها المحتلين الغربي و الشرقي , و تحقيق التوسع على حساب الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وسيادة و استقلال و منجزات و ثروات البلدان العربية المحيطة بفلسطين 0
و تعني الهجرة اليهودية مصادرة المزيد من الأراضي و المياه , وإقامة المزيد من المستعمرات اليهودية 0 وترحيل المزيد من الفلسطينيين , وارتكاب المزيد من القمع و الإرهاب و العقوبات الجماعية 0
و تعاونت المنظمات الصهيونية مع الحركة اللاسامية ومع ألمانيا النازية , بل و عملت في يعص الأحيان على تأجيجها , لإدخال الخوف و الرعب في نفوس اليهود , وحملهم على ترك أوطانهم و الهجرة إلى فلسطين 0
وقدمت الدول الغربية ولا تزال تقدم جميع أنواع الدعم السياسي و المادي و الإسلامي للحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها في تهجير اليهود إلى فلسطين و ترحيل العرب منها 0
الاستعمار الاستيطاني اليهودي
انطلق الاستعمار الاستيطاني من مقولة الرجل الأبيض المتفوق , و الحضارة الأوروبية المتطورة , و تخلف شعوب آسيا و إفريقيا , ووجوب تحضيرهم بنشر الحضارة الغربية و الديانة المسيحية في أوساطهم 0
كانت الأرض و المياه و الثروات هي الهدف الأساسي للمستوطنين بدعم و تأييد كاملين من الدول الاستعمارية 0 و اتصفوا بالمعاملة الوحشية و العنصرية للسكان الأصليين لإذلالهم و كسر إرادتهم و إخضاعهم ودفعهم إلى الاستسلام
أمام غطرسة المستوطنين ووحشيتهم 0
و استغلت الدول الأوربية الاستعمار الاستيطاني كوسيلة لفرض هيمنتها و حضارتها على الشعوب الآسيوية0والافريقية 0
و اتسمت العلاقة بين المستوطنين و السكان الأصليين بإنكارهم حقوقهم في ملكية الأرض و حقوقهم السياسية و الإنسانية , و التصميم على إبادتهم و ترحيلهم خارج وطنهم 0
و الاستيطان هو إن يقوم غرباء باستيطان ارض لا تخضع بتأييد من الدول الأوربية , فالمستوطنون غرباء , جاؤا من وراء البحار , واستقروا في ارض ليست لهم , وهدفهم زيادة الهجرة و الأرض المغتصبة , وكسر إرادة السكان الأصليين بالقوة و الإرهاب و الإبادة العنصرية 0
وتزعم النظم الاستيطانية بأنها نظم ديمقراطية ,وهي في حقيقة الأمر ديمقراطية للمستوطنين فقط و عنصرية و إرهابية تجاه السكان الأصليين 0 وتتجلى عنصرية المستوطنين و إغراقهم في العنصرية و التمييز العنصري و الإبادة الجماعية باستخفافهم بحقوق و حياة وكرامة ة أملاك السكان الأصليين , فارتكاب المجازر الجماعية و مصادرة الأراضي حدث طبيعي في سلوكهم وممارساتهم 0
وثبت بجلاء التحالف الاستراتيجي بين أنظمة الاستعمار الاستيطاني و منها الكيان الصهيوني مع الدول الاستعمارية 0 “فالاستعمار الاستيطاني كجزء لا يتجزأ من الظاهرة الاستعمارية ينبع أساسا من المصالح الإستراتيجية و الاقتصادية التي تعمل على تعميم الحضارة الغربية “0(28)
وترافقت بعض حالات الاستعمار الاستيطاني الأولى مع بدء عهد الاكتشافات الجغرافية 0 ويستمد وجوده من مرحلة التوسع الاستعماري التقليدي 0
و اعتبر العنصريون الأوربيون من أمثال اللورد آرثر بلفور” إن الاستعمار الاستيطاني هو حق للرجل الأبيض في نقل الحضارة الغربية للشعوب المتخلفة , و ذلك باحتلال بلدانهم ,”ولو كان ذلك القضاء السكان الأصليين ” 0(29)
قام الاستعمار الاستيطاني اليهودي على أسس استعمارية و عنصرية تخالف مبادئ القانون الدولي0 وميثاق الأمم المتحدة وبقية العهود و المواثيق الدولية 0
اعتبر هرتسل أن هجرة اليهود إلى فلسطين و الاستيطان فيها , وترحيل العرب منها المرتكز الأساسي للحركة الصهيونية لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية 0 و طالب بترحيل العرب عن دولة اليهودية المزمع إقامتها , وطردهم عبر الحدود , وحرمانهم من العمل لتسهيل طردهم 0
ورفع شعار :” فلسطين وطن بلا شعب , لشعب بلا وطن ,” وذلك لتسهيل اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من وطنه و توطين المهاجرين اليهود محله 0
وأصبحت الهجرة اليهودية , و الاستيطان اليهودي , و ترحيل العرب المرتكز الأساسي في الفكر و الممارسة الصهيونية لتحقيق الاستعمار الاستيطاني بإقامة الكيان الصهيوني 0
تبلور الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين من خلال أربع مراحل :
المرحلة الأولى :تهجير اليهود إلى فلسطين0
المرحلة الثانية :الاستيطان فيها و بناء المستعمرات اليهودية و العصابات الإرهابية اليهودية المسلحة بمساعدة حكومة
الانتداب البريطاني 0
المرحلة الثالثة :استخدام سلطة الانتداب و المجازر و الإرهاب لمصادرة الأراضي و ترحيل العرب 0
المرحلة الرابعة: إشعال الحروب العدوانية و ارتكاب المجازر الجماعية و تدمير القرى و الإحياء العربية لتحقيق التوسع و الاحتلال و الضم و التهويد و الترحيل 0
المرحلة الخامسة : تحويل كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي و الإرهابي و العنصري الوحيد المتبقي في العالم إلى امبريالية يهودية في البلدان العربية عن طريق اتفاقات الإذعان و إسرائيل العظمى الاقتصادية و مشروع الشرق الأوسط الجديد 0
في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية ببناء القاعدة الديمغرافية اليهودية الغربية في فلسطين 0
واتصف سلوك المستوطنين اتجاه سكان فلسطين الأصليين بالعنصرية و الإرهاب و الازدراء و الكراهية و البغضاء من اجل ترحيلهم و جلب قطعان جديدة من المستوطنين اليهود 0
و أخذت الحركة الصهيونية بدعم من سلطات الانتداب البريطاني تقيم المستعمرات اليهودية لترسيخ الوجود اليهودي بخلق الأمر الواقع و اعتراف السكان الأصليين به بمساعدة بريطانيا العظمى 0
ورفع الصهاينة إطماعهم في الأرض و الثروات العربية و ممارساتهم للعنصرية و الإرهاب و الإبادة إلى مرتبة القداسة الدينية.
و تصاعدت الهجرة اليهودية من ألمانيا بعد استلام هتلر للحكم فيها , ووقعت الوكالة اليهودية مع وزارة الاقتصاد النازية اتفاقية هافارا لترحيل يهود ألمانيا فقط إلى فلسطين ودفع التعويضات للمهاجرين اليهود الذين يتوجهون إلى فلسطين 0
و لعب المهاجرون اليهود الألمان و أموال التعويضات التي دفعتها لهم ألمانيا النازية بموجب اتفاقية هافارا الدور الأساسي في ا نجاح الاستيطان و بلورة المجتمع اليهودي في فلسطين , لما ليهود ألمانيا من خيرات في مختلف مجالات الصناعة و التجارة و الخدمات و لأموال التعويضات التي تلقوها على شكل بضائع ألمانية استلمتها الوكالة اليهودية في تل أبيب 0
و انطلاقا من و وثائق التعاون بين النازية و الصهيونية يمكن القول أن النازية خدمت نجاح الاستيطان اليهودي في فلسطين عن طريق تعاونهما لتنظيف ألمانيا وأوربا من اليهود و إرسالهم إلى فلسطين 0
إن الاستعمار الاستيطاني بشكل عام و اليهودي بشكل خاص يتعارض مع مبادئ القانون الدولي المعاصر , التي أكدت على ضرورة إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله , وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع و اخطر أنواع الاستعمار , فأنظمة الاستعمار الاستيطاني بحكم نشأتها الاستعمارية , وطبيعتها العنصرية, و ممارساتها للإبادة و العقوبات الجماعية تنتهك أحكام و مبادئ القانون الدولي , و أهم العهود و المواثيق الدولية 0
و تشكل انتهاكا فاضحا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 و التي تنص على : ” لا يجوز لدولة الاحتلال إن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها 0″0 (30)
اثبت التاريخ البشري إن مصير الاستعمار التقليدي و الاستيطاني و النظم العنصرية إلى الزوال 0
زالت النازية من ألمانيا , والفاشية من ايطاليا و اسبانيا , والعنصرية من روسيا و البرتغال , و الابارتايد من جنوب إفريقيا , وسيكون مصير الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين و الجولان السوري المحتل إلى الزوال 0
قرار التقسيم و تأسيس إسرائيل
استغلت الصهيونية العالمية , و الولايات المتحدة الأمريكية جرائم النازية ضد اليهود غير الصهاينة و معزوفة الهولوكوسيت النازي لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية 0
فصدر قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 تشرين الثاني عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 0
رفض الشعب الفلسطيني تقسيم وطنه , وطالب بجلاء القوات البريطانية عنه , وإعلان استقلاله , وتأسيس حكومة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين الفلسطينيين من عرب من مسلمين ومسيحيين ويهود بالحقوق و الواجبات 0
إن ميثاق الأمم المتحدة لا يعطي الجمعية العامة صلاحية تقسيم بلد دون رغبة أكثرية سكانه , ولكن يخولها حق إعلان استقلال المستعمرات و البلدان الواقعة تحت الانتداب بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم المتحدة بمعالجة قضية فلسطين , لأنها تجاوزت ميثاقها و الصلاحيات المخولة لها و التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره 0فقرار التقسيم غير شرعي و لم تلتزم به إسرائيل وولد الحروب و الخراب و الدمار و القتل و الترحيل في فلسطين 0
وتزعم إسرائيل أنها نظام ديمقراطي ليبرالي مطلق , وواحة من الديمقراطية في قلب الصحراء العربية 0ولكن يبرز هنا السؤال التالي : كيف تكون ديمقراطيا تؤمن بالمساواة بين المواطنين , بينما يعرفك القانون الإسرائيلي دينيا , أي تفضيل اليهودي على غير اليهودي أي الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي 0
يؤكد الكاتب الإسرائيلي شلومو ا فنيري في يديعوت الصادرة في 5/3/2007:” إن أساس الشرعية الدولية لإقامة دولة إسرائيل يكمن في قرار التقسيم رقم 181 0″
و بالعودة إلى قرار التقسيم و الذي بموجبه أسست العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة إسرائيل نجد انه ينص قرار التقسيم على ضمان حقوق متساوية للسكان , لا تمييز فيها في الأمور المدنية و السياسية و الاقتصادية و الدينية 0
فالباب الثاني منه ينص على انه ” لا تمييز بين السكان من أي نوع, على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس 0
3- يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في حماية القانون بالتساوي 0000 8- لا يسمح بمصادرة أي ارض تخص عربيا في الدولة اليهودية , أو يهوديا في الدولة العربية , إلا للمنفعة العامة , وفي جميع الحالات المصادرة يدفع تعويض كامل قبل نزع الملكية تحدده ذلك المحكمة العليا 0″ (31)
و برر شلومو افنيري عدم وجود دستور في إسرائيل حتى الآن بالتمييز السائد فيها بقوله :” لأنه توجد فروق كبيرة جدا بين اليهود و اليهود , وبين العلمانيين و المتدينين , و بين اليهود العرب تجعل سن الدستور غير ممكن “0(32)
وجاء في ما سمي ببيان الاستقلال عام 1948 عند تأسيس إسرائيل ” إن مذهب الصهيونية سيكون الأساس للإيديولوجية و السياسة الإسرائيلية “0
و بالتالي أصبحت العنصرية و الاستعلاء و الانغلاق العنصري عقيدة رسمية لإسرائيل وللإيديولوجية السائدة فيها , و لجميع الأحزاب و المؤسسات الحكومية و التعليمية و الثقافية و العسكرية 0
إن عنصرية الصهيونية و الكيان الصهيوني التي تنطلق من النقاء العرقي عدوة لليهود و العرب و حقوق الإنسان وابسط المفاهيم و القيم الإنسانية و الحضارية 0
فالصهيونية ايديولجية عنصرية نجحت في تأسيس كيان عنصري لها , وأقامت منه مجتمعا عنصريا , و أصبحت العنصرية فيه سياسة رسمية لإسرائيل جسدتها و تجسدها في قوانين وممارسات و حروب عدوانية , و مجازر جماعية و استعمار استيطاني يهودي في فلسطين , وامبريالية إسرائيلية في الوطن العربي 0
إسرائيل و التوسع
أعلن بن غوريون في 15 أيار 1948 تأسيس إسرائيل استنادا إلى قرار التقسيم رقم 181 كدولة يهودية و صهيونية , وعلى مساحة تجاوزت المساحة التي حددها القرار وهي 54% ووصلت إلى 78% من مساحة فلسطين عن طريق استخدام القوة و المجازر الجماعية ومنها مجزرة دير ياسين 0
و ترافق الإعلان باحتلال اليهود لمساحة كبيرة حددها قرار التقسيم للدولة العربية , حيث تقلصت مساحتها من 45 % إلى 22% وجرى ضم الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن , ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية 0
و رافق تأسيس إسرائيل ترحيل حوالي 900 ألف فلسطيني من أراضي الدولة اليهودية و الأراضي العربية الأخرى التي احتلتها إسرائيل 0 وهكذا تسببت إسرائيل بنشوء مشكلة اللاجئين و عدم حلها حتى اليوم , كما احتلت الشطر الغربي من مدينة القدس العربية 0
وهكذا قامت إسرائيل بقوة السلاح , و المجازر الجماعية و الترحيل و بزرع المستعمرين اليهود محل العرب و بالتواطؤ بين الاستعمار و الصهيونية و بعض الحكام العرب 0
و بعد التأسيس مباشرة أعلن حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل قائلا :” اليوم تحقق الصهيونية أول خطوة في برنامجها “0 وأكد بن غوريون اول رئيس وزراء لإسرائيل أن ” هذه ليست نهاية كفاحنا , و علينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل إلى الفرات ” . (33)
وكتب مناحيم بيغن , زعيم حزب حيروت في كتابه “الثورة “إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة و لن يحظى هذا العمل باعتراف قانوني , وان تواقيع الأفراد و المؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها , وسوف تعود ارض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها و إلى الأبد ” 0 (34)
و كتب بن غوريون في مقدمة الكتاب القومي لحكومة إسرائيل عام 1952 بان دولة إسرائيل قد قامت فوق جزء من ارض إسرائيل 0
وجاء في نشرة الشباب الصهيوني ” بيتار” في عام 1953 ما يلي :
” لقد فشل التقسيم , وقد أخطأنا خطأ مميتا بقبوله منذ البداية 0 إن واجبنا المباشر هو إعادة توحيد القدس و القضاء على أضحوكة الدعاية المسماة المملكة الأردنية , وإعادة الحكم اليهودي إلى “إسرائيل” الكبرى بكاملها على ضفتي الأردن “0(35)
وعندما أعلن انطوني إيدن مقترحات التسوية الصراع بين “إسرائيل” و الدولة العربية وقال أن من الخطأ تجاهل قرارات الأمم المتحدة , أدلى بن غوريون في تشرين الثاني عام 1955 بتصريح أمام الكنيست رفض فيه المقترحات البريطانية , وزعم ( كعادة اليهود في الكذب ) إن دولته هي الدولة الوحيدة التي يحق لها المطالبة بالتعويض عن الحرب التي شنها العرب عام 1948 و قال بعنجهية : ” إذا” يجب على مصر مغادرة قطاع غزة في الحال , وعلى الأردن إخلاء فلسطين الغربية ( الضفة ) بكاملها “0 (36)
و عندما أممت مصر شركة قناة السويس بدأت “إسرائيل” حرب السويس العدوانية في 29 تشرين الثاني 1956 و احتلت قطاع غزة و صحراء سيناء 0 و اشتركت معها فيما بعد فرنسا و بريطانيا 0
و تابعت “إسرائيل” سياستها العدوانية , فقامت في مطلع الستينات من القرن العشرين بتحويل نهر الأردن , النهر العربي في منبعه و مجراه و مصبه 0
وأشعلت في الخامس من حزيران 1967 حرب حزيران العدوانية و احتلت قطاع غزة و سيناء و الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية و الجولان السوري , وذلك بالتنسيق و التعاون الكاملين مع الولايات المتحدة , ودفاع الولايات المتحدة عن الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية 0
قامت إسرائيل في فلسطين العربية و على أشلاء الشعب الفلسطيني و ترحيله , وتهجير يهود اوربا و إحلالهم محل اللاجئين الفلسطينيين 0 وأقرت الأمم المتحدة حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم و التعويض عن الخسائر و الأضرار التي لحقت بهم في القرار 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948 0
اشترطت الأمم المتحدة في قرار قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية رقم 273 بتاريخ 11 أيار 1949 تنفيذ قرار التقسيم رقم 181 و قرار حق العودة رقم194 و تعهدت “إسرائيل” أمام المنظمة الدولية بتنفيذ القرارين , أي الاعتراف بالدولة العربية في الحدود التي رسمها قرار التقسيم و تدويل القدس , وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الخسائر التي ألحقتها “إسرائيل” بهم .
ولكنها كعادتها في الخداع و المراوغة والكذب تنكرت لتنفيذ القرارين بعد أن أصبحت عضوا في المنظمة الدولية و حرمت الشعب العرب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير و السيادة و الاستقلال بالحربين العدوانيتين اللتين أشعلتهما في عامي 1948 و 1967 , وبتكريس الاحتلال و المستعمرات و تهويد القدس و الخليل 0
نكبة فلسطين
قادت حرب 1948 التي أشعلتها “إسرائيل” إلى ترحيل نحو ثلثي الشعب العربي الفلسطيني من ديارهم و أراضيهم 0 وفقدوا أملاكهم و مصادر رزقهم , وتدهور مستوى حياتهم و انتشرت بينهم الأمراض و البطالة و انهارت البني الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني 0وأجبرتهم عن طريق استخدام القوة و عشرات المجازر الجماعية على الرحيل من مدنهم و قراهم إلى الضفة الغربية و قطاع غزة و البلدان العربية المجاورة 0
واخذوا يعملون بشكل أساسي على توفير المأوى و العمل و الغذاء , حيث تفاقمت مشاكلهم الإنسانية و برزت مشاكل اقتصادية هائلة إلى أن أقرت الأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول 1949 استحداث وكالة الأمم المتحدة لإغاثة و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) 0
كان لنكبة 1948 أثرها المدمر على المجتمع الفلسطيني بسبب اغتصاب “إسرائيل” وعصاباتها الإرهابية المسلحة المنازل و الأملاك و الأرض 0 وأصبح المجتمع الفلسطيني في حالة تفكك , وبدون مؤسسات و قيادة فلسطينية 0
و أدت النكبة و الترحيل الإجباري إلى تشتت العائلة الواحدة ( في يافا و نابلس و غزة وعمان وغيرها ) , والى التشتت السكاني , و تفتيت جميع الشرائح الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني 0
توجه الفلسطينيون إلى بعض بلدان الخليج للعمل فيها سعيا وراء الرزق 0 وساهموا بشكل أساسي في تطوير التعليم و الإدارة فيها 0 و لعب القوميون البعثيون و الناصريون و حركة القوميين العرب و الحزب الشيوعي الأردني دورا كبيرا في إحباط مشاريع التوطين ودخول الأردن في الأحلاف العسكرية كحلف بغداد عام 1955 , وفي طرد رئيس أركان الجيش الأردني الضابط البريطاني كلوب باشا عام 1956 , وإلغاء المعاهدة البريطانية – الأردنية عام 1957 0
نجح الفلسطينيون في تحسين أوضاعهم الاقتصادية و العلمية و الاجتماعية , وبدأوا منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين بتأسيس منظمات فدائية لتحرير أراضيهم و العودة إلى ديارهم و استعادة أملاكهم 0
تجلت نكبة فلسطين ليس فقط بالمجازر الجماعية و الترحيل من الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” , و إنما أيضا في انهيار القيادة و المؤسسات , وتفكك المجتمع و العائلة , وتجزئة الشعب فوقع الشعب الفلسطيني و حركته الوطنية و نضاله الوطني في عدة مناطق إقليمية وهي : ” “إسرائيل” , والضفة الغربية ( أي الأردن ) , وقطاع غزة ,ولبنان و, سورية وأدت الحواجز الإقليمية السياسية إلى تجزئة الحركة الوطنية الفلسطينية و عزلها عن بعضها البعض و إضعافها , كما عرقلت بلورة برنامج وطني موحد وقيادة موحدة للشعب كله 0
اتخذت معظم الأنظمة العربية موقفا مزدوجا من قضية فلسطين , فكانت تعلن تمسكها بعروبتها ووجوب تحريرها , انطلاقا من عدالة القضية وخوفا من غضب الجماهير عليها و لاعتقادها بخطورة”إسرائيل” على البلدان العربية 0
وكانت بعض النظم ترى في القضية عقبة تحول دون إقامة العلاقات الجيدة مع دول الغرب الاستعمارية 0
وعملت بعض الأنظمة على قمع الحركة الوطنية الفلسطينية و شل حركتها , بينما عمل آخرون على احتوائها 0 فارتبط العمل الفلسطيني بالعمل العربي بسبب عروبة فلسطين , و إيمان العرب بالأمة الواحدة و الوحدة العربية و خطورة المشروع الصهيوني على الوطن العربي و على العروبة و الإسلام و مجمل حركة التحرر الوطني العربية 0
و لعب المد القومي و الخطر الصهيوني دورا أساسيا في بروز العمل الفدائي 0 وبدأ العمل الفدائي في أعوام 1954 و 1955 و 1956 انطلاقا من قطاع غزة و بدعم من مصر 0 و توقف بعد حرب السويس العدوانية عام 1956 0
وشكل عبد الكريم قاسم في آذار 1960 فوج جيش التحرير الفلسطيني في العراق كنواة لجيش التحرير الفلسطيني 0
وقامت شعبة فلسطين في المخابرات السورية بتنظيم عمليات و اشتباكات مع القوات “الإسرائيلية”, و تحولت إلى كتيبة مقاتلة بعد الوحدة بين مصر و سورية و إلى لواء حطين في جيش التحرير الفلسطيني بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 0
و انتسب الفلسطينيون إلى الأحزاب و التنظيمات القومية و الإسلامية و اليسارية لخدمة قضيتهم و بقية قضايا الأمة , و لعبوا دورا بارزا فيها 0
أدت النجاحات التي أحرزتها الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر إلى اعتقاد بعض النخب الفلسطينية و العربية إلى اخذ التجربة الجزائرية بعين الاعتبار 0
دعا الرئيس جمال عبد الناصر إلى عقد مؤتمر القمة العربي الأول في 13 كانون الثاني 1964 في القاهرة لمواجهة تحويل “إسرائيل” لمجرى نهر الأردن 0 و اسند المؤتمر إلى الشقيري مهمة إظهار كيان سياسي فلسطيني 0 فقام بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 0
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار 1964 في مدينة القدس 0 و أعلنت أن الهدف هو تحرير الوطن السليب و عودة اللاجئين إلى ديارهم 0 وأقرت الميثاق القومي ، و النظام الأساسي 0
و انبثقت عن المؤتمر اللجنة التنفيذية , و الصندوق القومي و جيش التحرير الفلسطيني و أجهزة إعلامية و إدارية و تنظيمية 0 وجاء تأسيسها في إطار الجامعة العربية و موافقة الدول الأعضاء فيها , وذلك لتصاعد الخطر الإسرائيلي على فلسطين و المنطقة بعد تحويل مجرى نهر الأردن , واستجابة لرغبات الشعب الفلسطيني للنضال تحت لوائها لعودته إلى دياره و استعادة أرضه وممتلكاته المغتصبة تنفيذا للقرار 194 0
نص ميثاق المنظمة في مادته الأولى على أن فلسطين وطن عربي , وفي مادته الثالثة على أن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية و اعتبرت المادة الرابعة عشرة إن تحرير فلسطين واجب قومي بينما اعتبرت المادة الثامنة عشرةأن وعد بلفور و صك الانتداب وما ترتب عليهما باطل 0 ورفضت المادة الثانية و العشرون التعايش مع الاحتلال و العدوان و الاستعمار.
وأعطت سورية العمل الفلسطيني السياسي و العسكري و بشكل خاص منظمة التحرير و فصائل المقاومة دعما و تأييدا كاملين 0 وانطلقت حركة المقاومة مجددا منها في 1/1/1965 0
واحتلت إسرائيل في الحرب المفاجئة و العدوانية التي أشعلتها في الخامس من حزيران 1967الضفةالغربية بما فيها القدس و قطاع غزة و سيناء و الجولان 0
و أخذت على الفور تعمل على تدمير أحياء و قرى و مخيمات لخدمة مخططاتها في تهويد القدس بشطريها المحتلين و أهم مناطق الضفة الغربية 0
فقامت بتدمير حي المغاربة وطرد أربعة ألاف مقدسي من منازلهم بأوامر من وزير الحرب موشي ديان 0 (37)
و قامت بمسح ثلاث قرى عربية من الوجود تشرف على اللطرون مدخل القدس الاستراتيجي وهي قرى : يالو , بيت نوبا , وعمواس , كما دمرت أربع قرى وهجرت سكانها وهي الجفتلك , بيت مرسيم , بيت عوا و حبله 0
ودمرت اكبر المخيمات في منطقة أريحا ومنها مخيم عقبة جبر , و مخيم عين السلطان , كما جرى تدمير مخيمات في لبنان منها مخيم جسر الباشا ومخيم تل الزعتر و أخيرا مخيم نهر البارد 0
و قامت “إسرائيل” بتدمير مخيم جنين عن بكرة أبيه 0
و ترتكب الهولوكوست و إغلاق المعابر في قطاع غزة استمرارا للهولوكوست (الإسرائيلي) على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستين عاماً 0
اشتعلت الانتفاضة الأولى عام 1987 و فشلت إسرائيل في وقفها لذلك لجأت إلى المفاوضات السرية في اوسلو ووقع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اوسلو المشؤوم في 9 أيلول 1993 ووضع حدا لها , كما وضع نقطة تحول في الصراع العربي – الصهيوني لصالح الصهيونية و الكيان الصهيوني 0
وتضمن الاتفاق الاعتراف ب”إسرائيل” و باغتصابها ل 78% من مساحة فلسطين وجعل إل 22% المتبقية مناطق متنازع عليها و تأخير مسألة القدس و اللاجئين و المستوطنات إلى مرحلة الحل النهائي 0
و اعتبر شمعون بيرس اتفاق أوسلو ” ثاني اكبر انتصار في تاريخ الصهيونية “
تعهدت المنظمة في رسالة الاعتراف بالتخلي عن الإرهاب ( أي المقاومة ) وعن أي عمل من أعمال العنف , و التعهد بمعاقبة عناصرها وموظفيها إذا خالفوا هذا التعهد 0و تلتزم بمسيرة السلام و المشاركة في إيجاد حل سلمي ينهي النزاع عن طريق التفاوض 0 (38)
وتؤكد الجملة الأخيرة من رسالة الاعتراف “إن مواد و نقاط الميثاق التي تنكر حق “إسرائيل” في الوجود و أيضا نقاط الميثاق التي لا تتعارض مع هذه التعهدات الواردة في الرسالة أصبحت عديمة الأثر و غير سارية المفعول “
شكل اتفاق أوسلو الظالم اختراقا استراتيجيا للصراع العربي – الصهيوني 0 وكان العدو يهدف من جرائه :
أولا” – نسف الميثاق الوطني الفلسطيني و برامج منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة والتي تنطلق من تطبيق حق العودة و استعادة الأرض و الممتلكات و إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني 0
ثانيا”- الاعتراف بالكيان الصهيوني دون قيد أو شرط و نبذ المقاومة و نعتها بالإرهاب 0
ثالثا”- تكريس الاحتلال تحت غطاء إعادة الانتشار و استمرار الاستيطان و بناء المستعمرات و تهويد المقدسات. و نجحت إسرائيل في جعل سقف أوسلو اقل من قرارات الشرعية الدولية 0 وأوقفت قيادة المنظمة الانتفاضة الأولى 0
و تصاعد الاستيطان و تهويد القدس و الخليل و نهب الأرض , والاستمرار في الهولوكوست على الشعب الفلسطيني , وتهويد المقدسات العربية الإسلامية منها و المسيحية 0 وتصاعدت العقوبات الجماعية و الحصار و إغلاق المعبر و منع التجول و الاعتقالات و الاغتيالات و التدمير 0
وتحولت سنغافورة غزة الموعودة إلى جحيم أسوأ من الجحيم الذي أوجدته ألمانيا النازية في المناطق التي احتلتها 0
أن التفرد و انفراد اللون الواحد بمنظمة التحرير و بالسلطة و المؤسسات و الأجهزة الأمنية و الشرطية و السفارات و الأموال الحق أفدح الأضرار بالشعب الفلسطيني و قضيته العادلة 0
و اندلعت الانتفاضة الثانية , انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 على اثر تدنيس السفاح شارون لحرمة المسجد الأقصى , إلا أن قيادة السلطة الفلسطينية قررت التخلي نهائيا عن مقاومة الاحتلال وإنهاء الانتفاضة واعتماد المفاوضات سبيلا وحيدا للتوصل لتسوية بتطبيق خريطة الطريق التي استوحاها الرئيس الأمريكي المتصهين بوش من مشروع شارون للتسوية 0
الشعب الفلسطيني و حقوقه الوطنية
ترسخ مبدأ حق الشعوب و الأمم في تقرير المصير, كمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي , و كأساس للعلاقات الودية بين الشعوب و الأمم بعد الحرب العالمية الثانية 0 و أصبح من صلب ميثاق الأمم المتحدة , و تنص عليه المادة الأولى من الميثاق في الفقرة الثانية و في المادة الخامسة و الخمسين (39) 0 ويعني حق الشعوب في تقرير المصير تمتع الشعوب بحقوقها الوطنية في الحرية و الاستقلال و السيادة , و دون أي تدخل خارجي , وحق كل شعب تأسيس دولة مستقلة و اختيار مصيره الوطني 0 وأصبح من المبادئ الأساسية في القانون الدولي المعاصر 0
عالجت الأمم المتحدة قضية فلسطين منذ صدور قرار التقسيم رقم 181 و قرار حق العودة و التعويض رقم 194 في نهاية عام 1949 كقضية لاجئين 0 وكانت إجراءات الأمم المتحدة تعمل على تنفيذ حقهم في العودة إلى ديارهم , وتامين النفقات المالية لوكالة إغاثة و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين 0
“يمكن القول بإيجاز , إن قضية فلسطين في تلك المرحلة كانت مشكلة لاجئين ” (40)0
و أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 627 بتاريخ كانون الأول عام 1952 على ” أن تسند جميع الدول الأعضاء في المنظمة مبدأ حرية تقرير المصير لجميع الشعوب و الأمم ” 0 (41)
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 كانون أول 1960 إعلان منح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة و جاء فيه : ” لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي و تسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي ” 0(42)
وأقرت الجمعية العامة في كانون أول 1966 ” الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية و السياسية 0 وتنص في المادة الأولى على انه لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها 0
و تضمن إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مبادئ القانون الدولي العام 1970 مفهوم الأمم المتحدة حول حق الشعوب في تقرير المصير وورد فيه مايلي :
-
لجميع الشعوب الحق في تحديد وضعها السياسي 0
ب- كل دولة ملزمة باحترام ودعم تحقيق مبدأ المساواة و حق الشعوب في تقرير مصيرها طبقا لميثاق الأمم المتحدة.
جـ – تحريم إخضاع الشعوب للسيطرة و الاستغلال الأجنبي 0
د – على جميع الدول الامتناع عن أية ممارسات قسرية تحرم الشعوب من حقها في تقرير المصير و المساواة 0
و يرتبط مبدأ حق تقرير المصير ارتباطا وثيقا مع المبادئ الرئيسية الخمسة الأخرى للقانون الدولي : كالمساواة , و السيادة , وحق الشعوب والدول في السيادة على ثرواتها الطبيعية , وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها , و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين , وعدم السماح بسياسة الهيمنة في العلاقات الدولية 0
وانطلاقا مما ورد فالشعب الفلسطيني يملك كامل الحق في تقرير مصيره , ولكن الاستعمار البريطاني و الصهيونية و الكيان الصهيوني حرموه حتى الآن من ممارسة هذا الحق 0
و بدأت الجمعية العامة تغير موقفها من قضية فلسطين كقضية لاجئين إلى الاعتراف بالحقوق الوطنية الثانية للشعب الفلسطيني , وذلك منذ عام 1969 0
وحدث تطور هام في الدورة الخامسة و العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة بالنسبة لقضية فلسطين حيث اتخذت القرار 2649 بتاريخ 30 تشرين ثاني 1970 وورد فيه :” أن الجمعية العامة 000 تدين تلك الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب المعترف لها بذلك الحق , وخصوصا شعوب إفريقيا الجنوبية وفلسطين 0 ” (43)
و اتخذت الجمعية العامة في نفس الدورة القرار رقم 2672 بتاريخ 8 كانون أول 1970 يأسف لعدم عودة اللاجئين إلى وطنهم وورد فيه :” إن الجمعية العامة 000 تلاحظ مع الأسف الشديد , انه لم تتم إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم أو تعويضهم كما هو منصوص عليه في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194 000″0
وجاء في القسم -ج- من القرار المذكور ” إن الجمعية العامة :-
1- تعترف لشعب فلسطين بالتساوي في الحقوق و بحق تقرير المصير , وفقا لميثاق الأمم المتحدة 0
2- و تعلن أن الاحترام التام لحقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف هو عنصر لا غنى عنه في إقامة سلم عادل و دائم في الشرق الأوسط “0
وجاء في الفقرة د من القرار :” و اقتناعا منها بان خير سبيل لتخفيف محنة المشردين هو الإسراع بإعادتهم إلى ديارهم و إلى المعسكرات التي كانوا يقيمون فيها من قبل , 1- ترى أن محنة المشردين مستمرة نظرا إلى أنهم لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم و معسكراتهم . 2- وتطلب مرة أخرى من حكومة إسرائيل أن تتخذ فورا و دون مزيد من التأخير خطوات فعالة لإعادة المشردين 0″ (44)
و اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 29 لعام 1974 القرارين 3236و 3237, وورد في القرار 3236 ما يلي”: إن الجمعية العامة 0000تؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين :
-
حق ممارسة تقرير المصير دون تدخل خارجي 0
-
حق الاستقلال الوطني و السيادة 0
-
حق الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم و ممتلكاتهم منذ عام 1947 العودة إليها , وتدعو إلى عودتهم في اقرب وقت ممكن “0(45)
وأعطى القرار رقم 2337 منظمة التحرير الفلسطينية وضع المراقب وجاء فيه :
” إن الجمعية العامة 000
1- تدعو منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاشتراك في دورات وفي أعمال الجمعية العامة بصفة مراقب 0
-
و تدعو منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاشتراك في دورات و أعمال كل المؤتمرات الدولية التي تعقد برعاية الجمعية العامة بصفة مراقب 0
-
و تعتبر أن من حق منظمة التحرير الفلسطينية الاشتراك بصفة مراقب في كل دورات وفي أعمال كل المؤتمرات الدولية و التي تعقد برعاية هيئات الأمم المتحدة الأخرى 0″ (46)
شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثلاثين عام 1975 ” اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف ” وكلفتها لوضع برنامج للتنفيذ و عقدت اللجنة في الفترة الواقعة من 29 أب إلى 7 أيلول 1983 مؤتمرا دوليا في جنيف 0
واعتمد المؤتمر إعلان جنيف بشان قضية فلسطين و برنامج العمل لأعمال الحقوق الفلسطينية 0
ونص على أن قضية فلسطين تتطلب تسوية سياسية شاملة و عادلة ودائمة 0 ويجب أن تقوم هذه التسوية على أساس تنفيذ القرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة بشان فلسطين , و نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف , بما في ذلك حقه في تقرير المصير و حقه في إقامة دولته المستقلة الخاصة به في فلسطين و المؤتمر على قناعة بان نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف , كما حددها قرار الجمعية العامة 3236 ( الدورة 29) المؤرخ في 22 تشرين الثاني 1974 سوف يسهم إسهاما كبيرا في تحقيق السلم و الاستقرار في الشرق الأوسط 0
ووضع مؤتمر جنيف الدولي المبادئ التوجيهية لحل قضية فلسطين وجاء فيها :
ا – نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف بما فيها الحق في العودة و الحق في تقرير المصير و الحق في إنشاء دولته المستقلة الخاصة به في فلسطين 0
ب – حق منظمة التحرير , ممثلة الشعب الفلسطيني في الاشتراك على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى في جميع الجهود و المداولات و المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط 0
ج- ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية , وفقا لمبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة ,وبالتالي ضرورة تأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام 1967 , بما فيها القدس 0
د – ضرورة معارضة ورفض السياسات و الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة , بما فيها القدس و أي وضع من أوضاع الأمر الواقع الذي أوجدته إسرائيل بما يتنافى مع القانون الدولي و القرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة , وخاصة إقامة المستوطنات 0
ه – ضرورة التأكيد من جديد بان جميع الإجراءات و التدابير التشريعية و الإدارية التي اتخذتها إسرائيل , سلطة الاحتلال , والتي غيرت أو قصدت بها أن تغير طابع مدينة القدس الشريف و مركزها بما في ذلك مصادرة الأراضي و الممتلكات الواقعة فيها , و بصورة خاصة ما يسمى القانون الأساسي, بشان القدس, وكذلك إعلان القدس عاصمة لإسرائيل هي إجراءات و تدابير لاغيه و باطلة 0
إن قضية فلسطين ملك للشعب الفلسطيني و الأمة العربية و الإسلامية 0 ويؤكد الشعب الفلسطيني تمسكه بحقوقه التاريخية و الوطنية الثابتة في وطنه , ومنها حق العودة إلى دياره و استعادة أرضه و ممتلكاته , وان مامن احد يملك تفويضا اوحقا بالمساومة أو بالتنازل عن حق عودة اللاجئ إلى دياره , لأنه حق فردي انطلاقا من حق المواطن في وطنه , وحقه في الملكية و حق جماعي انطلاقا من حق الشعوب في تقرير المصير 0
حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم
جرت الأعراف والتقاليد قبل تأسيس الأمم المتحدة وقبل الموافقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتبار أن حق كل شخص في العودة إلى منزله في وطنه من احد الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان .
وكان فقهاء القانون الدولي يولون تأمين حق أي شخص في مغادرة بلده بحرية والعودة إلى منزله اهتماما خاصا ويعتبرون حق العودة إلى منزله نتيجة طبيعية لحق المواطن الأساسي في حرية التنقل والعودة.
واعتبر الفقهاء إن حق العودة للأفراد الذين يرغمون على مغادرة وطنهم بسبب قوة قاهرة كالحرب ملزمة, ولا مجال للطعن في حقهم في العودة إلى منازلهم , وكان هذا المبدأ من المبادئ الطبيعية للإنسان ولحقه الأساسي في الحياة.
نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخطط الترحيل الصهيوني الذي وافق عليه المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في مدينة زيورخ عام 1937 , وعن لجان الترحيل شكلتها التي الوكالة اليهودية .
نشأت قضية اللاجئين الفلسطينيين من قرار التقسيم غير الشرعي ,والحرب العدوانية التي أشعلتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة عام 1948, والمجازر الجماعية التي ارتكبتها وتأسيس “إسرائيل” وترحيل الفلسطينيين .
واستغلت اليهودية العالمية جرائم النازية ضد اليهود الاندماجيين و معزوفة الهولوكوست النازي لتبرير اغتصاب فلسطين وترحيل شعبها الفلسطيني, وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ليصحح الظلم الفادح الذي سببته “إسرائيل” جراء الإبادة الجماعية والترحيل والتهويد والهجرة اليهودية ونص على حق العودة والتعويض . (47)
إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم حق أساسي من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, نابع من حرمة الملكية الخاصة وحق المواطن في وطنه, وهو حق شخصي لا تجوز فيه الإنابة أو التنازل , ولا يسقط بتقادم الزمن , وحق جماعي أيضا انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير . وبالتالي لا يجوز على الإطلاق لمنظمة التحرير الفلسطينية أو مؤتمرات القمم العربية المساومة عليه أو التنازل عنه .
خلافاً لمبادئ القانون الدولي, والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبقية العهود والمواثيق الدولية التي تكرّست قبل وبعد الحرب العالمية الثانية قررت الوكالة اليهودية وبعدها”إسرائيل” طرد جميع الفلسطينيين من أراضي الدولة اليهودية لإقامة غيتو يهودي عنصري خالص, واحتلت أراض أخرى واسعة من حدود الدولة الفلسطينية , وذلك انتهاكا لقرار التقسيم, ورافق عمليات الاحتلال ارتكاب عشرات المجازر الجماعية لإبادة الشعب الفلسطيني وترحيله من وطنه , مما أدى إلى استفحال مشكلة اللاجئين وتفاقمها .
جاء الوسيط الدولي الكونت برنادوت وأكد في توصياته إلى الأمم المتحدة وجوب إلزام “إسرائيل” بتنفيذ تعهداتها حول قرار التقسيم وحق العودة ,ولكن “إسرائيل” رفضت توصياته واغتالته عصابة اسحق شامير في 17 أيلول 1948 في الشطر الغربي المحتل من مدينة القدس ,وبالتالي دفع برنادوت حياته ثمناً لإصراره على إلزام “إسرائيل” بتنفيذ تعهداتها حول حق العودة والتعويض , ولكن الأمم المتحدة تبنت موقفه بعد اغتياله في موافقتها على القرار 194 .
وزادت أهمية تنفيذ القرار 194, لان الأمم المتحدة كانت تؤكد عليه سنويا ويصر الشعب الفلسطيني على تمسكه بالقرار وعلى وجوب تنفيذه , إلاّ أن الولايات المتحدة وضعت “إسرائيل” فوق القانون الدولي وفوق قرارات الشرعية الدولية , لذلك لم تقم بتنفيذه حتى اليوم .
نشأت الموجه الثانية من اللاجئين الفلسطيني نتيجة حرب الخامس من حزيران عام 1967 التي أشعلتها “إسرائيل” ,واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 237 في حزيران 1967 ويدعو “إسرائيل” إلى تسهيل عودتهم وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار مجلس الأمن بالقرار 2252 الذي أقرته في 4تموز 1967 ويتضمن حق اللاجئين (النازحين) الذين شردتهم “إسرائيل” بالعودة إلى ديارهم.
وعادت الأمم المتحدة وأكدت عام 1969أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف المقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ,وأكدت على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف والتمست من مجلس الأمن اتخاذ التدابير الفعالة لتأمين تنفيذ قراراتها .
ولكن مجلس الأمن الدولي فشل في القيام بواجباته تجاه الشعب الفلسطيني بسبب الفيتو الأميركي لحماية الاحتلال والإرهاب والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني .
إن مسؤولية الأمم المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني وحقه في العودة والتعويض وتوفير الحماية هي مسؤولية تاريخية وقانونية وأخلاقية وحضارية وثيقة الارتباط بالقرارات 181و194 وقرار مجلس الأمن 237 وبقية القرارات الأخرى المتعلقة بفلسطين .
وازدادت مسؤولية الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها بعد توقيع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ,والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام1966 ,والعهد الدولي حول تحريم العنصرية والتمييز العنصري ,وهكذا تلزم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية “إسرائيل” بتنفيذ حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم والتعويض عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها بهم وبممتلكاتهم ولكن الأمم المتحدة فشلت حتى اليوم في حمل “إسرائيل” على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية , لان “إسرائيل” أصبحت في عهد إدارة بوش هي أمريكا ,وأمريكا أصبحت هي “إسرائيل” , وبسبب الحرب الأميركية على العروبة والإسلام .
شردت “إسرائيل” اللاجئين الفلسطينيين تطبيقاً لمخططات الترحيل التي أقرتها المؤتمرات الصهيونية , باستخدام القوة العسكرية, والحروب العدوانية والمجازر الجماعية,وغرست في مناهجها الدراسية وأجهزتها الإعلامية وأدبياتها الصهيونية أن اللاجئين الفلسطينيين غادروا مدنهم وقراهم طوعاًُ ودون إكراه تنفيذاً لنداءات الحكام العرب .
وجاء المؤرخون الجدد فيها وعكفوا على دراسة وتحليل الوثائق الصهيونية ,وخرجوا برأي هزّ قادة “إسرائيل” وأعلنوا أن ترحيلاً جماعياً قسرياً قد ارتكبته “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني عام 1948.
ويعتبر الترحيل والتطهير العرقي والإبادة الجماعية من أفظع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني .
تجاهل اتفاق الإذعان في اوسلوا حق اللاجئين في العودة ورحلّته “إسرائيل” إلى مفاوضات الحل النهائي لكسب المزيد من الوقت للالتفاف عليه . وجاءت معاهدة وادي عربة ونصت على توطين اللاجئين والنازحين بموجب المادة الثامنة من المعاهدة.
إن التوطين هدف أساسي من أهداف “إسرائيل” لإلغاء حق العودة, وإلغاء الوضع القانوني والسياسي للاجئين الفلسطينيين , أي إلغاء الالتزام الدولي بقضية اللاجئين وبحقهم في العودة والتعويض ,لذلك يلحق التوطين أفدح الأضرار بماضي وحاضر ومستقبل خمسة ملايين لاجئ, وبمصيرهم الوطني وحقوقهم الوطنية والقومية والدينية , ويقضي على عروبة فلسطين ووجها الحضاري العربي الإسلامي .
إن القبول بالتوطين يعني القبول بإملاء “إسرائيل” لتصفية قضية فلسطين , وإلغاء مكانة اللاجئ والمخيم ,وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لإسرائيل ويجلب المزيد من قطعان المستعمرين .
وتعمل “إسرائيل” حالياً بمساعدة إدارة بوش المتصهينة وبعض العرب على إلغاء المرجعيات الدولية بخصوص حق العودة والقدس والمستعمرات وتطبيع العلاقات وإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع الدول العربية .
ويشجع الموقف الأميركي والأوروبي “إسرائيل” على الاستمرار في تمردها على قرارات الشرعية الدولية وفي طليعتها حق العودة , والانسحاب الكامل ,وتفكيك المستعمرات ودفع التعويضات .
إن حق العودة حق طبيعي قانوني ومقدس يجب أن ينفَذ, فاللاجئون هم أصحاب الأرض الشرعيون وسكانها الأصليون, واليهود دخلاء عليها, غرباء عنها , وبمثابة الجسم السرطاني الخبيث والغريب في المنطقة , المعادي لحقوق ومصالح شعوبها .
يرفض اللاجئون تشطيب حقهم في العودة, كما يرفض مشاريع التوطين والوطن البديل ويصرّون على التوقف الفوري للهجرة اليهودية.فحق العودة إلى الديار والوطن حق تاريخي مقدس ,ينطلق من حرمة الملكية الخاصة للأرض والديار والمقدسات والوطن التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على فلسطين , لذلك فان اتفاقات الإذعان التي يمكن أن توقعها “إسرائيل” من بعض الأطراف الفلسطينية و العربية وتسقط حق العودة باطلة قانونياً ومدانة أخلاقيا وخيانة وطنية وقومية ودينية , وان قضية اللاجئين واغتصاب أراضيهم وترحيلهم هي جوهر قضية فلسطين , وان لا حل للصراع إلاّ بعودة اللاجئين والأرض والحقوق المغتصبة وتفكيك جميع المستعمرات .
إن قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين لها صفة إلزامية إلى “إسرائيل” أكثر من أي دولة أخرى في العالم , لأنها قامت بحسب قرار التقسيم رقم 181, وتعهدت بعد تأسيسها بتنفيذ القرار والقرار 194, وبالتالي فإنها ملزمة أكثر من غيرها من الدول في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة .
إن الشعب الفلسطيني لم ولن يسلَم أبداً بالاحتلال وباغتصاب أرضه وحقوقه ومقدساته .
ويصر على إجبار “إسرائيل” تحمل المسؤولية التاريخية عن نكبته ومعاقبتها ومحاسبتها بموجب القانون الدولي مهما طال الزمن .
إن “إسرائيل” تتحمل المسؤولية القانونية عن الترحيل والتهجير والقتل والإبادة والاغتيالات التي مارستها وتمارسها بحق الشعب الفلسطيني , ويتحمل المجتمع الدولي وبالتحديد الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأمم المتحدة مسؤولية عدم تنفيذ القرار 194 ,واستمرار معاناة وعذابات ومصائب اللاجئين في مخيماتهم وفي أماكن تواجدهم لازدواجية المعايير ووضع “إسرائيل” فوق شعوب وبلدان المنطقة وفوق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية .
المصادر
-
انظر: د. طلعت الغنيمي، فلسطين أمام القانون الدولي، منشأة المعارف الإسكندرية 1967.
-
جريدة الثورة بتاريخ 21-11-1985.
-
مجلة الطلائع العدد 617، دمشق بتاريخ 14-12-1982، ص 23.
-
د.طلعت الغنيمي، فلسطين أمام القانون الدولي، مصدر سابق، ص216.
-
المصدر السابق نفسه ص 85.
-
المصدر السابق نفسه ص 60-61.
-
المصدر السابق نفسه ص 65.
-
انظر: وثائق فلسطين، دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية 1987، ص 81 نقلاً عن: منشورات المؤتمر السادس للثقافة العمالية في الوطن العربي وطرابلس 1983، الصراع العربي الصهيوني، د.غازي حسين، ص7.
-
ليونادر شتاين”وعد بلفور” بالانكليزية نقلاً عن وثائق فلسطين، دائر الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية 1987، ص 83.
-
وثائق فلسطين، مصدر سابق ص 84.
-
وثائق فلسطين، مصدر سابق ص 106.
-
المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، (كتب) إصدار الهيئة العربية العليا لفلسطين، بيروت 1961، ص5.
-
قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1973 ص3 (رقم القرار 106 الدورة الاستثنائية تاريخ 15 أيار 1947).
-
المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، مصدر سابق، ص6.
-
ندوة القانونيين العرب عن القضية الفلسطينية في الجزائر عام 1976، مؤسسة الدراسات الفلسطينية- بيروت 1968، ص 73، نقلاً عن مذكرات ترومان، الجزء الثاني، باريس 1965 ص 188.
-
ندوة القانونيين العربي، مصدر سابق ص 74.
-
قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947- 1972، مصدر سابق ص13.
-
المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، الهيئة العربية العليا لفلسطين، مصدر سابق، ص 14.
-
تيسير النابلسي، حركة الهجرة اليهودية بعد عدوان حزيران 1967، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت 1971، نقلاً عن نيويورك تايمس في 2-2-1952.
-
مجلة الشراع اللبنانية العدد 426، في 21-5-1990، ص 27.
-
تيسير النابلسي، حركة الهجرة اليهودية بعد عدوان حزيران 1967، مصدر سابق، ص 11.
-
دافار في 6-11-1970.
-
دافار في 11-9-1967.
-
تيسير النابلسي، حركة الهجرة اليهودية بعد عدوان حزيران، مصدر سابق ص 13.
-
القبس الكويتي في 7-2-1991.
-
تيسير النابلسي، حركة الهجرة اليهودية بعد عدوان حزيران، مصدر سابق، ص14.
-
عبد الوهاب الكيالي، المطامع الصهيونية التوسعية، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت 1966، ص 108.
-
د.مجدي حماد، النظام السياسي الاستيطاني في إسرائيل وجنوب إفريقيا، دار الوحدة بيروت، 1981، ص45.
-
المصدر السابق نفسه، ص 46.
-
اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب 1949، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف 1987، ص 204.
-
قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق ص 6-7.
-
يديعوت احرونوت في 5-3-2007.
-
د. غازي حسين، إسرائيل الكبرى والهجرة اليهودية، دمشق 1992، ص44.
-
مناحيم بيغن، الثورة، لندن 1950، ص 335.
-
د.اسعد رزوق، اسرائيل الكبرى، سلسلة كتب فلسطينية 13، بيروت 1968، ص 580.
-
دي جويش كرونكيل بتاريخ 18-10-1955.
-
نور الدين مصالحة، ارض أكثر وعرب أقل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1997، ص 101-104.
-
د. غازي حسين، النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية، دمشق 1994، ص97.
-
ميثاق الأمم المتحدة والنظام السياسي لمحكمة العدل الدولية، مكتب الإعلام العام، نيويورك، القاهرة 1991، ص8 وص46.
-
د.عزيز شكري، ود. فؤاد ديب القضية الفلسطينية والمشاكل المعاصرة، مطبعة الدوادي دمشق 1982 ص 143.
-
مجلة صوت فلسطين، العدد 72 دمشق، كانون الثاني 1974، ص31.
-
د.عزيز شكري و د.فؤاد ديب، القضية الفلسطينية والمشاكل المعاصرة، مصدر سابق ص144.
-
قرارات الامم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق ص 88.
-
المصدر السابق نفسه ص 89-90.
-
ترأس ياسر عرفات الوفد الفلسطيني إلى دورة 29 للجمعية العامة وكنت آنذاك عضوا في الوفد. انظر: فلسطين والامم المتحدة، منشورات الطلائع دمشق 1975ص 65.
-
فلسطين والامم المتحدة، منشورات الطلائع، مصدر سابق، ص65.
-
قرارات الامم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق، ص 15-16.