الكلاب..وبيوت ميكي ماوس! – رشاد أبوشاور
كنت أتوقع أن أرى ناطحات سحاب حيثما توجهت في أميركا، وأن الناس يعيشون في شققهم المستقلة المكدسة فوق بعضها، ولكن خاب ظني، فالواقع غير ذلك.
في مدينة ( سيكرامنتو) ، وهي عاصمة ولاية كاليفورنيا _ التي يصفونها بالولاية الذهبية لثرائها، ففيها الزراعة والصناعة_ شارعان : شارع يذكرك بأفلام الكاوبوي، فبيت للشريف، وبيت للمحكمة، و محال تجارية، وفندق،و..شارع حديث يضم بنايات مرتفعة وكبيرة لحاكم الولاية، والمحكمة، والإدارة ، وأشياء أخرى..ثم بيوت لا تنتهي ، متشابهة، متجاورة، تتكون، غالبا، من دور واحد، ونادرا من دورين، وهي رصاصية اللون، أو رمادية، وهي تبنى على قاعدة من الحديد والإسمنت، أما هيكل البيت فمن الخشب، ويقال أن السبب في ذلك الخشية من الزلازل، وربما رخص التكلفة.
تلك البيوت الممتدة التي لا تنتهي، حول كل المدن التي زرتها في كاليفورنيا، ونيوجرسي، متشابهة، بسيطة، محاطة بمساحات كافية لتكون حديقة صغيرة لطيفة، وكلها في أجزاء من غابات تغطي أغلب مساحات أميركا، فالأشجار تحيط بالبيوت، وتحف بالشوارع.
صديقي المهندس توفيق أبورشيد، والذي تعلّم وعاش في ألمانيا، أخبرني بأن الألمان يتندرون على بيوت الأمريكيين ، بوصفهم لها بأنها بيوت ( ميكي ماوس)!..وفعلاً هي تشبه بيوت الميكي ماوس في أفلام الكارتون!
إذا كانت ( البدانة) المتفشية في أبدان الأمريكيين قد استوقفتني، فإن ظاهرة تربية الكلاب قد استرعت انتباهي، ودفعتني للتساؤل عن ( سر) ولع الأمريكيين بتربية الكلاب.
في أمريكا ( الأسرة) لا تستمر، وأفرادها يتفرقون مبكرا، فالأبناء والبنات يستقلون، ويمكن لهم أن يستقلوا بمجرد أن يبلغوا سن الثامنة عشرة.
البنت والشاب يختاران ( البوي فرند) و(الغيرل فرند)، الصديق، والصديقة، بمجرد بلوغ الثامنة عشرة، ولا يمكن للأبوين الاعتراض، وقد يستقل الشاب، أو الفتاة، وينتقل واحدهما للعيش بعيدا عن الأبوين، دون اعتراض منهما، لأن القانون يكفل لكل فرد أن يكون حرا مع بلوغه سن الثامنة عشرة.
ينجب الأمريكيون ولدا، أو بنتا، ولا يميزون بينهما، ويكتفون بإنجاب فرد واحد، لأن تربية الطفل مكلفة، ولأنهم يريدون العيش براحتهم، وليس لإنجاب وتربية الأبناء والبنات، وعندما يغادرهما من أنجبوه، بنتا، أو ولدا، فإن الأبوين يعيشان منفردين.
الكلاب مختلفة الأشكال، فمنها الضخم، ومنها الصغير بحجم القط، ومنها الرشيق، ومنها القبيح الوجه، وهي كلها مدللة، ولها في المولات الكبيرة أجنحة خاصة للطعام، والمشهيات، وبعض مدعمات الغذاء!
في الحي الذي يعيش فيه ابني فهد يكثر المتقاعدين، والمتقاعدات، وهؤلاء يعيشون جميعا وحيدين، بسبب رحيل الشريك، أو الطلاق، أو لأن الإبن، أو الإبنة، يعيشان ويعملان في ولاية بعيدة، وهم يلتقون في عيد ( الشكر)، وهو العيد الذي احتفل به أوائل الغزاة إلى ولاية بليموث، والذين بعد أن أولم لهم ( الهنود الحمر) وأحسنوا وفادتهم، مالوا عليهم وذبحوهم جميعا!! وهم يشكرون الله ، ربهم، على توفيقهم في ذبح وإبادة أولئك المنكودي الحظ، أصحاب البلاد الأصليين الذين دفعوا ثمن سذاجتهم وغفلتهم!!
في قصة قصيرة مدهشة للكاتب الروسي العظيم أنطون تشيخوف بعنوان( الحوذي)، نلتقي بحوذي عجوز يعاني من الوحشة، ولا يجد من يبثه همومه، فيلجأ للشكوى لحصانه الهزيل العجوز مثله، فنتألم لعزلة الإنسان، ووحشة أيامه، ونحن نصغي لشكوى الحوذي لحصانه الهرم، في آخر الليل، وهو ينتظر أن يقل أحدا، علّه يجني شيئا من المال لشراء طعام له ولحصانه الهرم مثله، ولكن…
ولأن بيوت الأمريكيين البسيطة تلك، تفصل بينها حواجز من عوارض خشبية، فقد كنت أصغي لحديث السيدات المتقاعدات لكلابهن، وكنت طيلة الوقت أستذكر قصّة ( الحوذي) لتشيخوف. إنهن ، وإنهم، يحتاجون لأحد يحكون معه، وإلاّ فإنهن، وإنهم، سيُجنّون من الوحدة، والوحشة، والفراغ، والصمت…
الأسرة العربية كبيرة، وأكبر مما يجب، وهي تستنزف حياة الأبوين، وإذا كنت أرى أن إنجاب طفل واحدغير كاف، فإنني أرى أن ( فوضى) إنجاب عديد الأطفال في الأسرة العربية بات عبئا، يستهلك الحياة، ويتسبب في انتشار الفقر، والبطالة ، والأميّة، وأشكال من الفوضى الاجتماعية ، والتفكك…
في أميركا: يعيشون في بيوت الميكي ماوس، وكل في حاله، ويشكرون ربهم على توفيقهم في إبادة أصحاب البلاد، و..يقتنون الكلاب ليحكوا لها عن متاعبهم، وليمضوا معها ما تبقّى من حياتهم!!