المتخاذلون – زهير كمال
(إذا شفتوا واحد حامل صاروخ طخوه(
( أي إذا رأيتم مقاوماً يحمل صاروخاً اقتلوه! (
هذه العبارة التي قيلت باللهجة الفلسطينية قالها محمود عباس لقواته الأمنية في وقت ما من التاريخ عندما كان يشعر بالقوة وكانت المفاوضات الفلسطينية (الإسرائيلية) تجري على قدم وساق وكان يشعر أن الدولة قاب قوسين أو أدنى. أما آخر عبارة قالها بخصوص رأيه في المقاومة فقد كانت أثناء محادثات إنهاء الانقسام، فقد قال إنه لا يريد تجربة حزب الله أن تتكرر في غزة.
غريبة هذه العبارة (تجربة حزب الله) المرفوضة والتي يكررها عرب (الاعتدال) فقد قالها محمد سلمان ولي العهد السعودي وهو يتحدث عن أنصار الله في اليمن.
استمرت مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى شهر إبريل 2014 حيث قامت إسرائيل بإيقافها من طرف واحد ، وخلال إحدى وعشرين سنة كانت السلطة تقدم التنازلات تلو التنازلات وعندما أدركت (إسرائيل) أن الأمر استتب لها وأن السلطة قد استنفدت أغراضها ولم يعد لها ما تقدمه حسمت الأمر رغم همهمات المجتمع الدولي.
وكانت هذه هي النقطة الفاصلة بين موقفين وخيارين.
تلك اللحظة من التاريخ، كانت السلطة على مفترق طرق حقيقي .
إغلاق إسرائيل مفاوضات الحل النهائي يعني بوضوح أن على الجانب الفلسطيني اتخاذ مسار آخر، فرفضها لليد الفلسطينية الممدودة بغصن الزيتون والتنازل الطوعي عن 78% من أرض فلسطين التاريخية من أجل إنهاء النزاع يحل السلطة من التزاماتها ويعيدها الى المربع الأول أي مرحلة الصراع المسلح لتحصيل حقوق شعبها.
أما الطريق الثاني وهو ما اتخذته السلطة في الصراخ والبكاء والشكوى الى الدول الكبرى والتوسل لإعادة (إسرائيل) الى طاولة المفاوضات.
وسبب اتخاذ السلطة لهذا الطريق معروف فمعظم القائمين عليها قدم من خارج الضفة الغربية وقد تشكل خلال هذه الفترة الطويلة طبقة مستفيدة من الوضع القائم وليس من مصلحتها أو باستطاعتها أن تقلب الطاولة وأن تقول لا للاحتلال، كيف لا وهي غارقة في الفساد حتى أذنيها وتعمل كوسيط أو ممثل للشركات (الإسرائيلية) لغزو الاسواق العربية.
وزيادة في التوضيح ففي مسار الثورات الشعبية مثل الثورة الفلسطينية يستشهد المخلصون المؤمنون بالثورة، يتشردون أو يعتقلون ولا يبقى فيها إلا الجبناء والمتخاذلون والضعفاء والانتهازيون.
ومسيرة الثورة الفلسطينية كانت طويلة فعلاً ولكنها ثورة لم تستطع تحقيق أهدافها فورثها هؤلاء الذين يتغنون بأمجاد الماضي وهو ماضٍ لم يشاركوا فيه فعلاً، مهما علا صراخهم دفاعاً عن مسيرتهم الفاشلة فمصلحتهم مبنية على بقائهم في مناصبهم باستمرار خداعهم لشعبهم أنهم سيحققون له شيئاً ما.
هو نفسه الشعب الذي يشاركون في تضييق الحصار عليه ويقومون بتجويعه في قطاع غزة ويقطعون الكهرباء عنه من أجل إخضاع منافسيهم في الفصائل الأخرى.
وربما تكون هذه النقطة هي الفيصل في الحكم عليهم ، فهم لا يبالون أو يفكرون أو يحسبون حساباً لهذا الشعب المبتلى بالحصار والتضييق والتجويع فيساهمون في زيادة شقائه بسبب المماحكات سياسية ومن أجل فرض السيطرة بأية وسيلة.
وليس مستغرباً أن لا نسمع صوتاً واحداً يعترض على هذه السياسة الحمقاء من رموز السلطة هؤلاء الذين تمتلئ بهم الفضائيات يتغنون بحبهم لشعبهم وتفانيهم في العمل لمصلحته.
ولكن تزداد الغرابة عندما لا نسمع من محمود عباس تصريحاً واحداً أو إشارة في خطبه الطويلة والمملة الى موضوع إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وأنه صانع هذا الحدث العظيم عدا تصريحه بأنه لا يريد تكرار تجربة حزب الله.
وفي نفس الوقت لم نسمع من (إسرائيل) ما يفيد باعتراضها على مباحثات إنهاء الانقسام وإعادة السلطة الى غزة.
فبالنسبة لها فإن عودة السلطة لممارسة مهامها في غزة يعني استطاعتها إدخال جواسيسها الى القطاع الذي أصبح حصناً منيعاً بعد أن كان يمتلئ بهم قبل خروجها وربما نتذكر كيف كان بعضهم يضع الإحداثيات الدقيقة لاصطياد قادة المقاومة واغتيالهم، وبعد تطهير القطاع من هؤلاء استطاعت المقاومة الاحتفاظ بالأسير جلعاد شاليط لسنوات دون مشاكل كما أنها تحتفظ اليوم ببعض أسرى حرب عام 2014 ، و(إسرائيل) تحتاج لعيون يساعدونها في الحروب القادمة.
أما عباس ذو النزعة النرجسية فهو يريد الانتقام ممن انقلبوا عليه في غزة قديماً، هذا إذا أحسنا الظن به. وهكذا تتلاقى مصلحة الطرفين في دخول غزة ثانية.
وللأسف لا نستطيع أن نحسن الظن بالسلطة وهي تتجسس على شعبها في الضفة الغربية على ما يعرف باسم التنسيق الأمني وتريد تطبيق ذلك على القطاع.
وربما كانت محاولة اغتيال مدير أمن غزة هي أولى ثمرات دخول السلطة الى القطاع.
والعجيب أن فصائل المقاومة ستستمر في مد طوق النجاة لهؤلاء المتخاذلين بعد ثبوت أنهم لا يريدون تخفيف الحصار على غزة.
كان قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة ل(إسرائيل) بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على السلطة الفلسطينية .
إذ لم يعد لهم أهمية أو اعتبار بعد أن قدموا كل شيء باسم السلام المزعوم وهو في الحقيقة ليس سوى استسلام كامل منتظرين رحمة عدوهم أن يمنحهم ما وعدوا به على ما عرف بحل الدولتين، وهكذا انكشفوا أمام جماهيرهم بعد أن خلع ترامب ورقة التوت الاخيرة التي تغطي نهجاً خاطئاً استمر لفترة طويلة.
كان أفضل رد لمحمود عباس على قرار ترامب هو الاستقالة من جميع مناصبه وكان هذا ليحدث هزة كبيرة في كل الأوساط ويعطي ثقلاً للرد الفلسطيني على قرار ترامب.
ولكن خطوة كهذه لا يستطيعها سوى رجل يحب فعلاً وطنه ويحس بوطأة المسؤولية الملقاة على عاتقه ، لو اتخذ خطوة كهذه كنا سنقول إن الرجل مخلص ولكنه جاهل أخطأ في تحليل الواقع وتحليل العدو.
ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد أضر بقضية شعبه أيما ضرر.
ولكن ستظل شعلة الكفاح متقدة، وستظل القضية الفلسطينية حاضرة لا تنطفئ مهما أساء لها بعض أهلها، كيف لا ونحن نرى شجاعة الجيل الرابع من الفلسطينيين، إذ لا يقل عمن سبقهم ونرى تضحياتهم كل يوم، ونراهم أشد غضباً وأشد توهجاً في مقارعة العدو (الإسرائيلي) والنصر دائماً حليف الشعوب مهما طال الزمن.