المثقف هو ملح الأرض ومائها المقدس! – حسني الحايك
المثقف هو ملح الأرض ومائها المقدس! – حسني الحايك
الحقيقة أن معظم الكتب التي كشفت عن حقيقة المشروع (التوراتي) إن كان في فلسطين أو كان في بقية بلدان العالم, عبرت في معظمها عن ثلاثة أنواع من الآراء المختلفة. أولها آراء إستسهل أصحابها البحث في مجال المعلومات المتداولة أو المسموح تداولها, أو الممكن الحصول عليها من مراكز محددة تروج لصالح المشروع (التوراتي), من دون أن تعرض الباحث في إيطارها لنوع من المسائلة أو الملاحقة القانونية. فلذك نستطيع القول أن الباحث في هذا الإيطار لعب دور ساعي البريد الذي إستخدم مهاراته العقلية في إيصال المعلومات المسموح بتداولها الى اكثر عدد من المهتمين أو المروجين. وأعتقد من الخطأ الكبير تصنيف هذه المجموعة من الباحثين على أنها رجال معرفة, أو أنهم مثقفين. لأن المعرفة التي لا تأتي بمبادرة فردية نابعة من الذات المدركة والمتفاعلة بمصداقية مع محيطها, والموجهة من أصالة وعمق الإنتماء, والمتواصلة مع جزورها الحضارية.
هيّ جهالة أو تجهيل مقصود وإن لبست ثوب المعرفة التي تروج لها مؤسسات الهيمنة, او تتداولها هيئات الترويض, او ترددها بعض المراكز البحثية الممولة من المرابين, او يطلقها خبراء مأجورين وبعض الأكادميين والفلاسفة أصحاب النزوات والعقد النفسية. وثانيها آراء لأقلام مأجورة موظفة في مراكز أبحاث ممولة من السلطات الحاكمة, أو مؤسسات إعلامية وصحافية حكومية تعمل كشرطي حامي للنظام المحلي الموظَف, أوللنظام العالمي الموظِف, وتروج لمصطلح أو لفكرة يقصد منها التمهيد لهمجية جديدة ضد شعوب العالم الذي لا تصادفه شرائع حقوق الإنسان في طريقها, أو لتنفيذ مرحلة من مراحل تهجين البشرية في مخطط إحكام السيطرة عليها. لذلك نجد هذه المجموعة من المأجورين هي أقرب إلى سماسرة الثقافة المبتذلة, وتجار شنطة العمالة التي تروج للإفساد والخنوع والإستسلام, منها الى مثقفي الأمة الذين شربوا حليب الكبرياء والتحدي من وحيّ أصالتها. كما نجد أن أصحاب هذه الآراء تروج لمخططات الأعداء بفهلوية الإنتهازي الذي يبحث عن مكانة, أو عن مرتب يأتيه بذلة في آخر الشهر, وهذا هو حال عملاء للتنسيق الأمني الذين يروجون لبضاعة بضع وطن قائم على الفساد والفجور والتفريط بكله. لذلك أعتقد أن مثل هذه المجموعة من الآراء لا يمكن أن يصنف أصحابها من ضمن مجموعة المثقفين, كون أن ما يسوقون له يتعارض مع تراث الأمة الحضاري الذي حافظت عليه ثقافة الرباط. وأسمح لنفسي أن أطلق على هذ المجموعة المروضة والتي تتعاطى بالثقافة المضادة لثقافة الرباط بمجموعة الهمجيين, كون أن ما يتعارض مع الثقافة منطقيا أن يكون همجي.
وهناك مجموعة ثالثة من الآراء, رفض أصحابها البحث في المعلومات المتداولة والمهجنة, ولم تروج أقلامها لنظريات وفلسفات تتنافى مع حقيقة توازنهم الفطريّ. ولم يقبل أصحابها إلا تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية, كما هيّ الحقيقة في تسمية التنسيق الأمني مع المحتل بأنه هو العمالة والخيانة بعينها. وكما هي الحقيقة بأن الحقد اليهودي ضد أهل فلسطين هو من صلب المعتقد (التوراتي), ومنطقيا لا يمكن للقاتل ان يكون في يوم من الأيام صديق ضحيته. لذلك وقف أصحاب هذه الآراء وقفة توازن مع أنفسهم وشعوبهم, ومع غيرهم من الشعوب العالم المضطهدة. فبحثوا كاشفين خلفية هذا المشروع (التوراتي) الذي ينفذ بشكل سادي وحاقد إن كان في فلسطين أو كان في بقية بلدان العالم. وبينوا أن الفلسفة التي فرضها المرابون اليهود على الشرعية الدولية, هيّ المسؤولة عن سقوط ملايين الضحايا التي قتلت أو تقتل في الشوارع والمستشفيات, او في جبهات القتال والمعتقلات. كما بينوا أن الهمجية (التوراتية) هيّ المسؤولة عن تشريد عشرات الملايين من البشر التي مازالت حتى اليوم تبحث عن الأمان.
وهيّ المسؤولة عن الملايين من البشر الجائعة والتي تنام تحت الجسور وعلى الطرقات, أو في خيم يطلق عليها تسمية مخيمات. كما كانوا هم المسؤولين عن حرمان الملايين من حقها الطبيعي في التعلم, أو في الطبابة, أو في المسكن الآمن, أو في حرية العيش الكريم. كما بينوا أن المحتل الصهيوني لا يسعى للسلام كما يروج له العملاء, لأن هذا المحتل يؤمن (بالتوراة), الذي يحثه على الآتي:” حين سمع الشعب صوت البوق هتف هتافاً عظيماً فسقط السور في مكانه, وصعد الشعب إلى المدينة وذبحوا كل ما في المدينة من رجل وإمرأة ومن طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف”. وعلى الآتي:” لا تشفق أعينكم, ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا حتى الهلاك”. كما يحثه على الآتي:
“إضرب أهل تلك المدينة بحد السيف بجميع ما فيها حتى بهائمها”. قال إيتان كليبنوت المقدم في الجيش الإجتياح الصهيوني للبنان, في شهادته التي نشرتها جريدة هعولام هزيه في 7 \7\ 1982, بأن هناك ضباطا وجنوداً تعمدوا قتل مدنيين عزلاً وأبرياء داخل المخيمات الفلسطينية, وقال أنه شاهد كيف كان الجنود يطلقون النار بأمر من ضباطهم الكبار على العجزة والنساء والأطفال داخل الملاجئ في مخيم عين الحلوة. وقال:” لقد شاهدت أطفالاً فلسطينيين يبكون ويصرخون بعد أن قتل الجنود أمهاتهم على مرأى منهم. كما أن بعض الجنود ألقوا قنابل حارقة داخل ملاجئ عين الحلوة, وكان فيها عشرات السكان المدنيين الذين لم يخرج منهم أحد”(غازي السعدي – عمان- دار الجليل – 1984- أحاديث الغزاة- ص-87).
ولعل عشرات الآلاف من المجازر التي ارتكبت في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا والسودان, وفيما كان يعرف سابقا بيوغسلافية أو في أفغانستان أو في القارة الأفريقية, أو في الصراعات الدينية في أوروبا, أو في إبادة سكان أمريكا الأصليين وخصوصا الهنود الحمر, أو في الحروب العالمية التي خطط لها محفل الشيطان بعناية شديدة, تؤكد طبيعة هذا النهج الهمجي المتوارث والمستمد من كتاب (التوراة).
والذي يكرسه اليوم المحتل الصهيوني فوق أرض فلسطين المحتلة. لذلك أقول أن المثقف الحقيقي هو ذاك المثقف الذي يمثل ملح الأرض ومائها المقدس, وغيره من مدعي الثقافة, ما هم إلا همجيون وتجار تجهيل قبلوا ان يكون بضع وطن على حجم مصالحهم, وعلى مساحات قصورهم وشققهم وبيوتهم التي ينتهك المحتل حرمتها كل يوم, بعد أن إعترفوا بأن أكثر من 80 بالمائة من أرض فلسطين هيّ دولة (إسرائيل)…
*مهندس حسني الحايك