المثيل (2013) كوميديا سوداء صادمة وذكية! – مهند النابلسي
ضمن فعاليات اسبوع الفيلم البريطاني بعمان
بدا الناقد السينمائي البريطاني أيان سميث منبهرا كثيرا بهذا الفيلم الغريب واسمه “المثيل”، وقد طرح سؤالين بالبداية: كيف يشعركم الفيلم؟ ولماذا يشعركم بذلك؟! وبعد انتهاء العرض بدت لي الاجابة بسيطة ومقتبسة من طيات السيناريو المتداخل، فعندما نجا بطل الفيلم من الموت باعجوبة بعد ان أقدم على الانتحار بالقفز من طوابق عليا، قال لمرافقه ولفتاته وهو بسيارة الاسعاف: احب أن أشعر أني فريد، ولا احب ان تسرق مني شخصيتي! وهذا بالحق هو ملخص الشريط…كما انه يفيد بأنك اذا لم تكن مدعيا وجريئا ووقحا وانتهازيا فقد تعجز عن تحقيق طموحاتك بالحياة والعمل، وقد يسرق منك جهدك كما قد تسرق فتاة احلامك…وقد يكون هذا واقعا مريرا ومؤلما ، وقد عرض الفيلم هذه الحيثيات بطريقة فنية معبرة وربما صادمة!
قصة الفيلم الفريد هذا المقتبسة عن قصة قصيرة للروائي الروسي الشهير “ديستوفسكي”، تدور كلها حول نفس الموضوع، وتتحدث عن دور موظف مثابر بسيط (يلعب الدور الممثل جيسي أيزنبيرغ)، يلتقي بالصدفة بمن يعتقد أنه نسخة مطابقة له ويعمل بمكتبه تحديدا، وتحدث معه جملة تداعيات وتعقيدات وارهاصات تقوده اخيرا للجنون ومحاولة الانتحار، لاعتقاده بأن مثيله رئيس العمال “المتحذلق-المتعالي” هذا يحاول أن يهمشه وينتزع مكانته بالحياة والعمل! يعاني هذا الفيلم من افتقاده لهوية محددة فهو خليط متداخل من الخيال العلمي والسيكلوجيا والتشويق والفانتازيا الغرائبية ، ونجد السخرية المبطنة والكوميديا السوداء في الكثير من السلوكيات والمشاهد والأحداث التي يحفل بها هذا الفيلم المعقد، وتبدأ القصة بانحباس شنطة الموظف المثابر “سايمون جيمس” بباب القطار اثناء مغادرته، حيث لا يستطيع أن يعرف على شخصيته عند دخوله لمبنى العمل، كما يفاجىء بعدم تعرف “البواب” الصارم عليه بالرغم من تواجده لسبع سنوات بعمله الروتيني، ونلاحظ ان معظم الأحداث فيما بعد ترتبط بحالة “عدم التعرف عليه”، وكأنه كائن شبحي غير مرئي (او خشبي مثل اللعبة بينوكيو) ويبدو وكأنه خارج نفسه وكيانه، كما يبدو مديره المقيت “بابادوبولس” وكانه يقرعه دوما لسؤ الأداء والتقصير بالعمل، ويستمر ذلك حتى يظهر مثيله الانتهازي اللئيم الذي يسرق عمله وجهوده وحتى فتاته الجميلة، كما ينجح ببراعة من أن يحوز على اعجاب المدير وجميع العاملين! وبمشهد لافت نراه يدخل للمطعم مع مثيله، وحيث تتجاهل النادلة الوقحة طلبه البسيط المقتصر على مشروب غازي، بينما تقدم قهوة وبيضا مقليا لبديله نظرا لجرأته!
وحتى عندما تموت والدته بسكتة دماغية نرى البديل يسارع لتقمص شخصيته، وهنا يكاد المخرج “ريتشارد أيوادي” ان يفقد خيوط السيناريو فيدخلنا بمشاهد سيريالية جديدة ليستكمل “كوكتيل” السرد ابتداء من مشاهد الدجاجة المذبوحة الى حالة الدفن حيا بمنتصف الليل التزاما بوصية الوالدة المرحومة! وحتى عند حضوره الحفل يحدث ارباك واضح بين دوره ودور البديل وخاصة اثناء التفاعل مع صديقته الجميلة التي لا يتجرأ على اعلان حبه لها، فيما يدخل البديل على الخط ليسرق حبيبته وابنة مدير الشركة “ميلاني” وبجرأة وبلا تردد…بدا المخرج متأثرا بقصص كافكا السوداوية وروايات جورج اوريل المستقبلية حول نمذجة الوجود الانساني والحكومة العالمية القاسية التي تتجسس على البشر (تماما كقصص التجسس الأمريكي الراهنة على الانترنت والمكالمات الهاتفية والموبايلات!)، يتحدث الفيلم عن الوشاية وطباعة نسخ التقارير باسلوب فعال عصري لينتهي بمقولة “منافقة” تظهر بشكل تهريجي متناقض من فم مديره المتشدق “بابادوبولس “الناس هم المورد الأساسي” !
بدا بطل الفيلم خجولا ومتوحدا ومترددا، فهو يفكر بالانتحار، ويعاني من العزلة والوحدة، ويعرف بأعماق نفسه بأنه يحظى بالحياة مرة واحدة فقط، وتقوده عزلته ووحدته لكي يتلصلص على العالم من حوله بواسطة المنظار المركب بمحاذاة نافذته المطلة على السكان والشارع، حيث يرى حالات انتحار والغريب أن المنتحر يلحظ انه يراقبه فيسلم عليه بايماءة من يده قبل أن يقفز من الشرفة، كما نلاحظ انه يلجأ بنهاية الفيلم للانتحاربنفس الطريقة بعد ان يقهره بديله، والغريب انه ينجو بطريقة غير مفهومة ليلخص بسذاجة قصة حياته لفتاته الجميلة التي تصحبه بسيارة الاسعاف: احب ان اشعرأني فريد! ومن لا يحب ذلك؟ كما يعاني البطل من فوبيا المثلية المتفشية ببريطانيا كما يبدو فنراه يضع قواعد لركوب الدراجات وخاصة اذا كان السائق ذكرا! اقتبس المخرج مشاهد عدة من أفلام شهيرة وسلك طرقا متعرجة ومعقدة لايصال فكرته وكان بامكانه أن يلجأ لأساليب سينمائية مباشرة أكثر جاذبية ومرحا واقل غموضا وكآبة!
مهند النابلسي