المخيمات والمخدرات وشاتيلا وحيّ فرحات – نضال حمد
منذ النكبة وانشاء المخيمات الفلسطينية في لبنان وهذه المخيمات تعاني من كل أشكال الاضطهاد والحرمان والقمع والقهر والحصار، بالإضافة للمجازر والحروب والجوع والبطالة ثم تركها عرضة للمجهول سنة 1982 واستمر الحال الى يومنا هذا. تتذكرون بعد خروج الفلسطينيين من لبنان صيف سنة 1982 بقيت المخيمات بلا حراسها. إذ اعتمدت القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية على وعود أمريكية بحمايتها. لكن ذلك لم يحدث ابدا فقد اقتحم شارون ومعه ميليشيات بشير الجميل بيروت الغربية والمخيمين، حيث ارتكبوا مجزرة بشعة مروعة في شاتيلا وصبرا منتصف ايلول سبتمبر 1982 ذهب ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين وعشرات الفقراء اللبنانيين.
ما كادت دماء هؤلاء تجف حتى اندلعت حرب دموية عدوانية أخرى على المخيمات وتم حصارها لنحو سنتين من قبل ميليشيا حركة أمل. عرفت تلك السنوات بحرب المخيمات. في تلك الحرب ابتدعت القيادة الفلسطينية المتنفذة شعار القرار الفلسطيني المستقل. مستقل عن من؟ .. مادامت قضية فلسطين قضية عربية تخص كل العرب ولا يمكن تحريرها بدونهم من السذاجة طرح شعار القرار المستقل. فالمستقل بقراره ليس بحاجة لاشهار ذلك. أعماله وكلامه وتصرفاته وقراراته تترجم ذلك على الأرض وفي الميادين والساحات.
بعد تلك الحروب والمجازر هاجرت أعداد كبيرة من سكان المخيمين الى مخيمات أخرى في لبنان فيما هاجر الشباب الفلسطيني الى أوروبا والغرب عموما. لتشهد المخيمات تطورات جديدة تمثلت في دخول الأجانب وفقراء اللبنانيين والسوريين والأسيويين والأفارقة وغيرهم على خط السكن فيها. ليس من الصعب على العارفين بالأمور والضالعين بالشأن المخيماتي ان يلحظوا ذلك خلال تجوالهم في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
أراد المقبور بشير الجميل حليف شارون وبيغن وكل الصهاينة المجرمين أن يحول مخيمي صبرا وشاتيلا الى حديقة للحيوانات كما وعد قبل مصرعه غير مأسوف عليه. لم يتمكن من فعل ذلك بالرغم من المذبحة والمجزرة وما تلا ذلك من ويلات. لكن تحولت المخيمات الى حديقة لمروجي المخدرات الأكثر شراسة وحيوانية من الحيوانات نفسها. عصابات التجارة بالمخدرات ليست فلسطينية فحسب فهي مشتركة لبنانية، فلسطينية وربما من جنسيات أخرى، والضحايا أولا من سكان المخيمات والجوار. خاصة حي فرحات حيث حدود المخيم وحيث الأرض الحرام التي يستخدمها أولاد الحرام في تجارة المخدرات.
الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني ساهم بدوره في غياب المرجعية وترك المخيمات للضياع وللقوانين اللبنانية العنصرية الجائرة ضد الفلسطينيين. فغالبية السياسيين في لبنان شخصيات غير مبدئية وغير محترمة ومنافقة وطائفية ومذهبية وبعضها عنصرية ومتصهينة. تستخدم اللاجئين والمخيمات شماعة لفشلها وفشل سياسات البرلمانات والسلطات والحكومات اللبنانية التي تعاني من وباء الطائفية ومن جائحة المذهبية ومن أزمات ومشاكل تاريخية. نفس الشيء ينطبق على غالبية وسائل الاعلام اللبنانية المرئية والمسموعة والمقروؤة والرقمية الالكترونية.
من المفيد والمنطقي أن يعلم الجميع بأن تجار المخدرات ليسوا فقط فلسطينيين من المخيم وأن المخيمين صبرا وشاتيلا لم يعدا كما كانا في السابق أي مخيمين يأويان فقط اللاجئين الفلسطينيين. ففي المخيمين هناك لبنانيين وسوريين وأجانب من جنسيات مختلفة وكل معدومي وفقراء وبؤساء بيروت ولبنان.
يقول أمنيون فلسطينيون وسياسيون من المخيم أن غالبية حوادث المخدرات تحدث على حدود المخيم وحي فرحات. يعني ليس ضمن السيطرة الفلسطينية في المخيم هذا اذا صح التعبير واذا كانت هناك سيطرة فعلية للفلسطينيين على مخيميهما. فمسؤولية الأمن في حي فرحات تعود للبنانيين ولسلطتهم الأمنية ولا يحق للفلسطينيين التدخل هناك.
قرأت في وقت سابق عن اشكال مشابه تشكلت على اثره قوة أمنية فلسطينية من المنظمة والتحالف استطاعت اعتقال 5 مروجي مخدرات وسلمتهم للدولة اللبنانية لكن السلطات اللبنانية بحجج غير مقنعة مثل عدم وجود أماكن في السجون وبسبب جائحة كورونا اطلقت سراحهم. كل هذه الأمور والأسباب والوقائع تؤكد بؤس الحالة في المخيمين وفي المخيمات الأخرى مثل برج البراجنة والرشيدية حيث جرت حوادث مشابهة.
على من أدت سياستهم وسذاجتهم الى التخلي عن اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم سنة 1982 أن لا يتخلوا عنهم الآن سنة 2020. ففي السابق نتيجة التخلي حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا ثم حرب المخيمات والخ . أما الآن فنتيجة التخلي ربما تحدث دمار أجيال كاملة من الشباب والأطفال الفلسطينيين بسبب المخدرات وتجارها. لم يفت الأوان بعد لإنقاذ ما تبقى. لكن للأسف لا أتصور بأن الذين ذهبوا أبعد مما كنا لا نستطيع تخيله أو تحمله حتى في الاحلام، أي الاعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين والتخلي عن 78% من أرضنا للمحتلين، والآن الاحتلال يضم 30% من مساحة ال 78% تلك، قد يستطيعون تصحيح الأخطاء وتغيير المسار وانقاذ أي شيء. كذلك الفصائل الفلسطينية المعارضة المتخبطة والعاجزة لم تستطع تغيير الواقع اليومي في المخيمات. كما يبدو أنها عجزت أيضا عن مواجهة عصابات المخدرات..
صدق أهل المخيم ومن قال منهم اذن كيف سيواجهون الاحتلال؟..
وصدقت امراة من شاتيلا حين أضافت: يا ريت يعملوا بمقولة الحكيم الراحل جورج حبش ” من تعب فليسترح” …
في الختام لا يسعنا القول إلا أن وضع المخيمات صعب جدا جدا جدا، مثل وضع الفصائل الفلسطينية مجتمعة..
علينا أن لا ننسى بأن كل ما يحصل هناك بصمت أو تآمر بعض المعنيين يهدف الى انهاء وجود المخيمات وتهجير الفلسطينيين.. كل ذلك من أجل شطب حقهم في العودة. إذن كل الذي يحصل له علاقة أو من أجل تطبيق خطة صفقة القرن. لكن عليهم أن يتذكروا:
ذهب المتآمرون والقتلة والمجرمون الى الجحيم وبقي المخيم لأنه أحد أهم عناوين الصراع مع العدو الصهيوني وأعداء القضية الفلسطينية… وسوف يبقى كذلك حتى التحرير والعودة.
نضال حمد في 12 حزيران – يونيو 2020
المخيمات والمخدرات وشاتيلا وحي فرحات