المديرة عبلة الشيخ حسن ومدرسة الناقورة – نضال حمد
كل بنات ونسوة مخيم عين الحلوة منذ الخمسينيات وحتى مابعد دخولنا في الألفية الثانية عرفن ويعرفن المديرة عبلة، المناضلة والأم والأخت والصديقة والزميلة والرفيقة، الأسيرة والمحررة والحاجة قبل وفاتها العام الفائت وتحديداً في شهر آذار – مارس من سنة 2020.
كانت المديرة عبلة نشطة، دائمة الحركة والتنقل. مثل فراشة متحركة، تنتقل بخفة من مكان الى آخر، بين البيوت والأزقة والحارات والصفوف والمدارس، تزور التلميذات وعائلاتهن وتتحدث لأمهاتهن وأخواتهن ولأهاليهن، تقدم لهن النصح والإرشاد وملاحظات عن طريقة التعامل معهن وتدريسهن ومساعدتهن في تحصيل المعلومات، وعن أسلوب حل الوظائف البيتية لتشجيعهن على مواصلة رحلة التعليم والمغامرة الدراسية. وصولاً الى الدراسات الجامعية والعليا أن أمكن ذلك. وتطلع الأهل على وضع التلميذة وما تحتاجه وما ينقصها وما يجب القيام به.
آلاف التلميذات والطالبات تتلمذن ودرسن وتخرجن من مدرسة الناقورة للبنات في مخيم عين الحلوة، حيث كانت المديرة عبلة على مدار سنين طويلة تقود الهيئة التدريسية والتعليمية في المدرسة. لقد قادتها بنجاج وحنكة وخبرة وضمير وانتماء. تعاملت مع طالبتها كأم وأخت وكصديقة ورفيقة لهن، فأحببنها وأعجبن بها وأحترمنها كثيراً. كثيرات منهن انتظمن في صفوف مكتب المرأة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبعضهن في فرعها الخارجي، بسبب إعجابهن بها ولأنها كانت من نسوة ورفيقات الجبهة المتألقات. فقد كانت من رفيقات ليلى خالد وشادية أبو غزالة ورسمية عودة وناديا شحادة دعيبس وسهيلة أندراوس ومئات وربما آلاف الرفيقات، شهيدات وأسيرات ومُحررات ومناضلات وفدائيات، فلسطينيات وعربيات وأمميات.
ولدت المديرة عبلة أحمد الشيخ حسن في مدينة حيفا الفلسطينية قبل النكبة. ثم على أثر سقوط حيفا بعد معارك عنيفة بيد العصابات الارهابية اليهودية الصهيونية المسلحة، اضطرت عائلتها للفرار الى لبنان، حيث استقرت في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. في المخيم واصلت طريق العلم والثقيف الذاتي والتحصيل الدراسي والعلمي. فيما بعد أصبحت مديرة لمدرسة الناقورة للإناث في مخيمنا عين الحلوة. وخلال تلك الفترة أكملت رسالتها الأكاديمية عبر التخرج الجامعي في بيروت.
كانت مقتنعة أن مسؤوليتها تضاعفت بعد أن أصبحت مديرة، فمهتمها الآن بناء جيل من الفتيات متعلمات وأيضاً مناضلات. فسلاح العلم هو السلاح القوي وهو الى جانب سلاح الثقافة والإنتماء الوطني من أقوى الأسلحة في مسيرة النضال الفلسطيني لأجل تحرير الأرض والانسان، ولأجل الحرية والتقدم والعودة الى فلسطين حرة.
سيحفظ التاريخ للمعلمة والمديرة عبلة، الشابة الطموحة، فالمرأة المثقفة، القوية، الواثقة من نفسها، القادرة والصلبة، ذات الشخصية المتماسكة، والقلب الطيب، والحسم وقت يتطلب الأمر ذلك. انها بنت وأسست لجيل من الفتيات الملتزمات بكامل تراب فلسطين. فقد كانت مقتنعة بضرورة بناء وتأسيس جيل نسائي فلسطيني قوي وواثق يمكنه المساعدة في عملية بناء المجتمع وعملية الثورة والتحرير. سيكتب ويحفظ التاريخ لها مساعدتها الجادة والكبرى في تأسيس جيل من المناضلات الفلسطينيات المتعلمات والمنتميات الى فلسطين وثورة شعب فلسطين. وسوف تتذكر التلميذات والطالبات المناضلات معلمتهن ومديرتهن المناضلة. وسوف تتذكرنها رفيقاتها – تلميذاتها يوم إلتقين بها في معتقل النبطية النسوي، الذي أقامه الاحتلال الصهيوني صيف سنة 1982، خاصة للفتيات وللنساء، وكان يتبع إدارياً لمعتقل أنصار ولمصلحة السجون الصهيونية ويحمل الرقم “33”. فقد قام الاحتلال باعتقال المديرة عبلة من منزلها في المخيم، ولم يتمكنوا من اعتقال زوجها المناضل الوطني الكبير سالم أبو سالم. مارسوا التعذيب النفسي والجسدي بحقها لكنهم لم يتمكنوا من كسر إرادتها أو انتزاع اعترافات منها، وهي التي كانت كنز معلومات لا ينضب، خاصة فيما يخص الجبهة الشعبية وتنظيمها فرع المجال الخارجي.
للأسف بعد اندحار الاحتلال وتدهور الوضع الفلسطيني في مخيمات لبنان من الناحية التنظيمية والثقافية والتعليمية والخ، هاجمها البعض نتيجة جهل بدورها الوطني الرائد أو حقداً عليها لأنها كانت سيدة مستنيرة ومنفتحة، ولم تكن خادمة لأي كان من أصحاب العقلية الذكورية وما أكثرهم في بلادنا. فالمديرة عبلة لم تلتفت ولم تأبه لتلك الأصوات وواصلت مسيرتها بصمت ونكران ذات. سافرت في موسم الحج الى مكة المكرمة حيث أدت فريضة الحج، وعادت الى المخيم، حيث بيتها المؤقت بإنتظار العودة الى حيفا. لكنها للأسف توفيت العام الفائت في مخيم عين الحلوة ودفنت هناك بعيداً عن حيفا من حيث كانت قد بدأت المشوار.
سلام عليك يوم ولدت ويوم ناضلت ويوم رحلت ويوم سنعيد رفاتك الى مقابر العائلة والأجداد في فلسطين حيث ستكون حيفا حرة.
أتمنى على الجميع تزويدي بأية معلومات مميزة يملكونها أو يعرفونها عن المديرة عبلة وبصورة شخصية لها.. أو صور من مدرسة الناقورة ولتلميذاتها إن أمكن ذلك.
نضال حمد
8-8-2021