المرأة في الفكر السلفي والاخواني – الدكتور عادل عامر
يرتبط الموقف السلفي من قضية المرأة، أو القضية النسائية بشكل عام، بأنماط محددة في التراث الفقهي الإسلامي ترى فيها عورة مكانها الطبيعي هو الشارع. فقد صاغ الخطاب السلفي التقليدي معادلة السفور والحجاب وفق منهجية دفعت إلى انتشار ثقافة وسط السلفيين تعتبر أن الحجاب يعني العزل أو الإقصاء، وليس مجرد قماش شرعي فقط، ولذلك ظل الاعتراف بمشاركة المرأة في الحياة العامة وخروجها من البيت نوعا من السفور.
إن التحريض على العنف والتمييز ضد المرأة في مصر تنفذه التيارات السلفية ويستثمره تنظيم الإخوان المسلمين. بينما مكتب الإرشاد والرئيس الإخواني كان يستخدمان خطابا ديماجوجيا لتضليل المصريين والمجتمع الدولي وخداع المؤسسات الدولية المانحة للحصول، ببساطة، على المساعدات والقروض والاستثمارات. وبالتالي تصبح المرأة فريسة للهرطقة الدينية للممسوسين والشواذ من جهة، ومن جهة أخرى للنفاق الاجتماعي والتشريعي لسلطة دينية أبوية تحكم قبضتها ببرجماتية تامة على المجتمع المصري باسم الشرعية وصندوق الانتخابات.
. المرأة المصرية التي ناضلت وساهمت بشكل واضح ومؤثر في استمرار الثورة المصرية لم تحصد إلى الانكسار والظلم والذل والتعرية وكشف العذرية والإقصاء من البرلمان الذي يفترض أنه برلمان ما بعد الثورة ــ الثورة التي كان أكثر من نصف المشاركين فيها من النساء والبنات ، وخصوصا في جميع المليونيات التي اختفى فيها تماما التواجد السلفي والأخواني لأنهم تركوا نساء مصر وشبابها يقتلون في الشوارع والميادين وانشغلوا بحصد المكاسب وعقد الصفقات في الحجرات المغلقة والموائد المستديرة ، وكانت النتيجة تمثيل مخزي وغير منصف وظالم للمرأة في برلمان ما بعد الثورة ، ولا يعبر إطلاقا عن الدور الذي لعبته المرأة المصرية في هذه الثورة التي لم يتحقق أي مطلب من مطالبها على الرغم أنها أخرجت معظم المصريين من حالة الخوف وكسرت داخلهم حاجز الرهبة والاستكانة والخنوع والخضوع والانبطاح ، إلا قلة قليلة أدمنت الانبطاح أمام السلطة والانكفاء تحت أقدام الحاكم ومعظمهم من التيارات الدينية التي ساهمت بشكل كبير جدا في تعطيل الثورة ، حتى لو كان على حساب الاعتداء على شرف بنات مصر ونسائها.
كان من بين أهم المظاهر التي كشفت عنها أحداث الربيع العربي هي بروز التيار السلفي كعنصر أساسي من العناصر المحركة للأحداث، حيث لوحظ الحضور الوازن لهذا التيار وأتباعه في الشوارع العربية، سواء على مستوى الحضور البشري المباشر، أو على مستوى حضور الخطاب والشعار. وشكلت تلك الأحداث فرصة للتيار السلفي لكي يؤكد حضوره في المشهد السياسي بعد غياب طويل، كما هو الأمر بالنسبة لتونس، أو لإعادة فرض موقعه في هذا المشهد كتيار مهيكل إلى جانب التيارات الأخرى، كما هو الأمر في مصر واليمين على سبيل المثال. غير أن انخراط التيار السلفي في مخاضات الربيع العربي لم يوازه تدقيق في المفاهيم والمبادئ التي رفعتها الثورة إبان الشهور الأولى وفي الفترات اللاحقة، مثل قضايا الديمقراطية والدولة والانتخابات والتعددية الحزبية والدستور، وغيرها من المفاهيم التي تشكل قاموس العمل السياسي في العالم العربي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن أحداث الربيع العربي شكلت»صدمة سياسية وإيديولوجية» لهذا التيار في بداياتها، وفرضت عليه الانخراط فيها دون إعادة جدولة منظومته الفكرية التقليدية مع التطورات الجديدة.
ولا شك أن عنصر المفاجأة هذا لم يكن مقتصرا على التيار السلفي وحده، فالواقع أن جميع التيارات السياسية في الدول العربية التي وصلها الربيع فوجئت بنفس الدرجة والقوة بانفجار الأحداث وانعطافاتها غير المتوقعة، غير أن الأمر بالنسبة للتيار السلفي كان أكثر حدة، نظرا لعاملين اثنين: العامل الأول مرتبط بغياب التجربة السياسية لدى هذا التيار، والعامل الثاني يتعلق بغياب المفاهيم الضابطة للعمل السياسي لديه، نتيجة لذاك الغياب.
وبالرغم من أن جميع التيارات السياسية المتواجدة في الساحات العربية شاركت بهذا القدر أو ذاك في الحراك العام للشارع، إلا أن المظهر الأكثر بروزا كان مشاركة السلفيين في هذا الحراك. ويمكن القول بأن التيار السلفي استقطب اهتماما أكبر، مقابل التيار الإخواني، نظرا لعنصر الجدة وضخامة المشاركة. ومن هذا المنطلق شكل الربيع العربي محكا حقيقيا للتيار السلفي، فيما يرتبط بالجهاز المفاهيمي القديم / الجديد الذي عمل على توظيفه في الساحة السياسية، كما شكل أول مناسبة من نوعها للتعرف على هوية هذا التيار وحدود التجديد والتحديث، وكيفية تفاعل النص والاجتهاد لديه. فهو أكثر الفصائل السياسية الدينية التي اتصف لديها التجديد بالبطء والمحافظة على القديم، وظل أكثر هذه الفصائل امتناعا عن الانفتاح على معطيات العصر، بل كان طيلة العقود الماضية يقدم نفسه حارسا للنص في مواجهة التيارات الدينية الأخرى التي اختارت الانخراط في العمل السياسي، ويرى أنه الأمين على الكتاب والسنة.
لقد انخرط التيار الإخواني في العمل السياسي منذ وقت مبكر من القرن الماضي، وتمكن خلال العقود الماضية من إعادة صياغة العديد من المفاهيم الدينية والأدبيات، مثل الديمقراطية والتعددية والانتخابات والدولة المدنية وقضية الأغلبية في الحكم والمسألة الدستورية وغيرها، صياغة اختلفت بين فصيل وآخر تقدما أو جمودا. وعمل هذا التيار على نسج علاقة مرنة بين النص والواقع وفق أصول الاجتهاد أو البراغماتية السياسية. وعندما جاء موعد الربيع العربي كان الاختبار الوحيد لهذا التيار هو اختبار تنزيل تلك المفاهيم والأدبيات النظرية، بينما كان الأمر بالنسبة للتيار السلفي مزدوجا، يرتبط في نفس الوقت بصياغة الأدبيات وبإمكانية تنزيلها أيضا. ومن القضايا التي شكلت اختبارا لهذا التيار إبان الربيع العربي قضية موقفه التقليدي من المرأة، إذ طرحت تساؤلات عدة من مثل: هل ذلك الخروج الكثيف للنساء إلى الشوارع، جزء منهن تحت يافطات السلفيين، يمكنه أن يكون بداية مراجعة الموقف السلفي تجاه المرأة؟ أم أن زوال رياح الربيع العربي سوف تنتج عنه إعادة رسم الحدود لحركة النساء في المجتمع؟.وقد ظهرت السلفية في شكل تيار متماسك عام 1300 من الهجرة، وقد تشكل هذا التيار كرد فعل للمؤسسات الدينية التقليدية والفساد الذي حل بالإيمان والممارسة الإسلامية كما يقول رواد هذا الفكر.
وقد ازدهرت السلفية في القرن الثامن عشر في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، بما في ذلك في شبه الجزيرة العربية، والتي ترعرعت فيها الحركة السلفية ونجحت وتشكلت تحت اسم الحركة الوهابية التي استمرت حتى يومنا هذا. أما سياسياً فقد اتخذت السلفية موقفا غامضا بعض الشيء، فمن جهة اعتمد السلفيون على النصوص التي تمنع التمرد على الحاكم مهما بلغ ظلمه أو إثمه، أيضاً تم تحريم المشاركة السياسية طوال الوقت على أساس أن “الديمقراطية” هي بدعة غربية وبالتالي حرام- من وجهة نظرهم.
ومن جهة أخرى فإن هذه التيارات السلفية نفسها التي تدعو إلى المعارضة العنيفة إلى حد حمل السلاح ضد الحاكم إذا لم يطبق الشريعة الإسلامية، وفقاً لمفهوم الشريعة لديهم، وبالتالي السلفية يرسم خطا رفيعا بين سياستين متناقضتين تماما، بحيث تكون مهادنة.
ويفسر هذا التناقض الخط الرفيع الذي يتخذه السلفيون بين المهادنة والذي لا يعتبر في نفس الوقت موافقة من السلفيين على شكل الدولة القومية العلمانية الحديثة، وبين حمل السلاح ضد السلطة في بعض الأحيان. السلفي والإخوانى يتمتع بسادية هائلة جدا أى بلوغ اللذة والسعادة من خلال تعذيب الآخرين أو رؤيتهم وهم يتعذبون ويتألمون ، وأيضا من خلال ابتداع أساليب لتعذيبهم وإيلامهم .. وكلما زاد ألمهم ومعاناتهم زاد إحساس السلفى والإخوانى باللذة والنشوى والسعادة .
الفرق بين السادى العادى وبين الإخوانى والسلفى أن السلفى والإخوانى يلطع ساديته ويلصقها فى الدين ، فى الإسلام .. السلفى والإخوانى تربى فى طفولته تربية تعيسة وفى أسرة مفككة ولم يعش طفولته كما يجب لكل الأطفال .. فعانى من الحرمان والحقد والنقمة ، وعومل بقسوة ، فنشأ متعصبا ظلاميا يهوى تدمير المجتمع ويتمنى تخريب الدولة .
وفوق ذلك ، واتته الظروف والفرصة حين سافر إلى السعودية منبع الكبت والإرهاب والأمراض النفسية التى نقلها سلفيوها وآل سعودها (مؤسستها الدينية والسياسية منذ 1932 ومنذ ابن عبد الوهاب قبلها بقرون) للشعب هناك .. حين سافر إليها بغرض العمل .
أو حين تعرف على بعض عملاء السعودية من السلفيين والإخوان .. فلاقى عنفهم وغلظتهم هوى فى نفسه .. السلفي والإخوانى ككل مريض نفسى يكره المرأة ويكره الجميع إلا نفسه فيلصقها بالدين .. فإذا أحب شيئا قال إنه من الدين .. وإذا كره شيئا قال إنه بدعة وإنه كفر وشرك وفسق وفاحشة إلخ وإنه ليس من الدين … فلأنه يكره المرأة ورابطة الزواج اعتبر الدبلة بدعة وتشبها بالكفار والرومان الوثنيين ، ولأنه يكره المرأة اخترع وجوب بقائها فى البيت وعدم خروجها ، واخترع لإذلالها وكبح جماحها وكسر إرادتها فكرة النقاب والحجاب ، وكعلامة على أنه تمكن من إخضاع وبرمج وغسل مخ هذه المرأة … وككل مريض نفسى هو يكره الفنون والإبداع والأفكار الإنسانية الناعمة ، وحقوق الإنسان والأخوة الإنسانية ، وهو يكره المخالف له فى الأيديولوجية أو فى المذهب أو فى الدين ، ولكن لا يقول إننى أكره فلانا ، بل يقول : فلان كافر أو أيديولوجيته كافرة ووثنية ، أو مذهبه كفرى أو دينه محرف كفرى . فبذلك كفر الشيعة والصوفية والعلمانيين والجمهوريين واليساريين والمسيحيين وكل من يخالفه فى الفكر والمذهب والدين ، وكل من ينتقده . دخلت السلفية مصر في مطلع القرن العشرين من خلال الحركة الوهابية في بلاد الشام متمثلة في جماعة أنصار السنة، التي أنشأت فرعا لها في القاهرة وأصبحت المؤسسة السلفية الكبرى في مصر، وفي وقت لاحق مع زيادة الاتصال مع المملكة العربية السعودية عززت السلفية وجودها في مصر، خاصةً من خلال تأثير مشايخ السلفية في السعودية، ومن خلال انتقال الأفكار وأنماط الحياة التي جلبها العمال المغتربون العائدون من المملكة العربية السعودية. وقد فتحت جمعية أنصار السنة مراكز لها في المدن الصغيرة والمتوسطة، مثل دمنهور والمنصورة والإسكندرية ثاني أكبر مدينة في مصر التي أصبحت المركز السلفي الأكثر نشاطاً على مستوى الجمهورية.
وحازت السلفية أيضا على شعبية كبيرة في العديد من محافظات مصر حيث انتشرت المكتبات السلفية والزى السلفي، ورغم أن المظاهر السلفية نادرة نسبيا في صعيد مصر، حيث الأضرحة والممارسات الصوفية هي الغالبة، فإن مدنا مثل الأقصر، أسيوط، وسوهاج مثلت قواعد للعنف ومركزاً للجماعة الإسلامية، التي شنت هجمات إرهابية على المدنيين والسياح خلال 1980 و1990 وفي عام 2002. واعتمدت السلفية حتى وقت قريب في نشر أفكارها على الشبكات الاجتماعية المتمثلة في الأهل والأصدقاء والجيران ورفقاء المسجد، فقد كانت السلفية لا مركزية ولا هرمية على المستوى المحلي أو الوطني حتى وقت قريب، إلى أن تم اتخاذ القرار بتشكيل أحزاب سياسية ودخولهم إلى عالم السياسة؛ مما مثل موقفا منافيا لأفكار السلفية التقليدية. ظلت نظرة السلفيين إلى المرأة أسيرة الأنماط التقليدية في الفقه الإسلامي القديم، الذي يطلق عليه البعض فقه البداوة، فالسلفيون يرون أن فكرة تحرير المرأة في العصر الحديث، أو منح بعض الحقوق الاجتماعية والسياسية لها- يعد بداية الانحراف في الأمة الإسلامية عن الخط العام للدين، ويعتبرون أن أصل هذه المشكلة يعود إلى الاحتكاك بالغرب وتأثر بعض المسلمين به، أمثال رفاعة رافع الطهطاوي الذي ألف في بداية القرن الماضي كتابا سماه ”المرشد المعين للبنات والبنين”، حول تعليم المرأة وإشراكها في الحياة العامة، وقاسم أمين صاحب الكتابين الشهيرين “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”، هذه الكتب التي أثارت الأفكار حول العلاقة بين المرأة والدين، وذلك من خلال التطرق إلى رأي الدين في أربعة أمور، هي الحجاب، مشاركة المرأة في الحياة العامة، تعدد الزوجات، والطلاق.
أما المشاركة في الحياة العامة فقد كان التيار السلفي يتوسل بأدلة كثيرة من بينها حديثان رواهما البخاري في صحيحه. الحديث الأول عن ابن عباس، وفيه يقول: “لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أهابه، فنزل يوما منزلاً فدخل الأراك فلما خرج سألته فقال: عائشة وحفصة .. ثم قال: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا، من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا»، أما الحديث الثاني فقد رواه أبو بُكرة نفيع بن الحارث، قال:” لما بلغ النبيَ صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، وهم في تفسيرهم للحديثين لم يتبعوا السياق التاريخي واكتفوا بقبول النص على علته كما هو . ورغم أن التيار السلفي أعمل عددا من التحولات التي مست منظومته العقدية والفكرية خلال العقد الأخير، خاصة في مصر وبعض بلدان الخليج التي انتقل فيها التيار السلفي من العمل الدعوي إلى العمل السياسي عبر المشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان، كما هو الحال في الكويت على سبيل المثال، مع ما جره ذلك استتباعا من تحولات تخص الموقف من الديمقراطية، إلا أن الموقف من المرأة ظل واحدا من الثوابت التي لا تقبل المساس بها، وظلت قضية المرأة هي القضية الأكثر جدلاً والأكثر تكتماً لدى السلفيين، مما يفسر حالات الممانعة كلما تعلق الأمر بمطالب اجتماعية مهما كانت بساطتها، فالسلفيون يعتبرون كل ما له علاقة بالمرأة مرتبطا بشخصية الأمة الإسلامية وخصوصيتها وتميزها، كما يرون أن القضية النسائية هي المدخل الأول للتغريب والعلمنة وتقليد الغرب، وطالما أن القوانين المنتشرة في العالم الإسلامي هي قوانين أوروبية وأن قضية الأسرة والأحوال الشخصية هي الحصن المتبقي في الأمة، فإن المرأة بالتالي هي عنوان هذا الحصن الذي إذا سقَط سقط معه باقي البناء، كما يرى أصحاب الفكر السلفي.
وإن كانت جماعة الإخوان لا تختلف كثيرا ً في نظرتها للمرأة ولكنها أتاحت لها فرصة أكبر للتحرك في الساحة الاجتماعية والسياسية، باعتبار المرأة عنصر أساسي في الحراك الاجتماعي وهو ما فهمته الجماعة وأدركته جيدا، فنرى أن الجماعة لم تمانع أبداً من ترشيح المرأة للمناصب السياسية، مع التحفظ على منصب رئيس الجمهورية فقط، والمرأة عند الإخوان لم تكن محررة أبداً، ولكنها كانت أداة طوال الوقت لتحسين صورة الجماعة وإبرازها على أنها النموذج الإسلامي الليبرالي.
المرأة السلفية والعمل
على الرغم من الرفض والاستنكار الذي يوجهه الخطاب السلفي لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية، إلا أنهم يؤكدون في نفس الوقت على أهمية وجود المرأة على الساحة في شكل المرأة الداعية، واتفق معهم في ذلك جماعة الإخوان حيث ساقت هي والسلفيون نفس الأسباب التي تدعو المرأة للمشاركة في العمل الدعوي، وهي كالتالي:
أولا: أن الدعوة الإسلامية تكليف عام للنساء والرجال:
وهنا تظهر التأويلات التي تقول إنَّ المرأة مساوية للرجل، في حين تختفي هذه التفسيرات عند المطالبة بحقوق المرأة في المشاركة في العمل السياسي.
ثانيا: المرأة نصف المجتمع، وهي التي تربي نصفه الآخر، وهنا يعي السلفيون والإخوان كما تيار الإسلام السياسي كله دور المرأة في التنشئة والأمومة، فمن خلالها يترعرع جيل جديد على نفس الأفكار.
ثالثا: النساء طاقة عظيمة، فالفكر السلفي عامةً يؤمن أن المرأة مصدر طاقة كبيرة وعنصر فعَّال في المجتمع، قادر على التحرك والتجنيد بشكل أسهل من الرجال خاصةً في الدوائر القريبة منهم؛ لذلك استخدموا بشكل جيد جداً داخل دور العبادة وفي الدوائر الاجتماعية لنشر الأفكار السلفية وأفكار جماعة الإخوان بشكل أكبر خاصةً بين النساء. وهذه الطاقة يؤكد عليها القيادي الإخواني التونسي راشد الغنوشي: “ومن الضروري تأكيده في هذا السياق أن النساء يملكن طاقات هائلة للدفع، فإما أن يدفعن المجتمع (الزوج، الأخ، الأب، والأبناء) إلى معالي الأمور وعزائمها، وإما أن يدفعنه إلى المخدرات والسفاسف”.
رابعا: للنساء أدوار خاصة هن أفضل فيها من الرجال
يرى السلفيون أن وجود العنصر النسائي الإسلامي في المؤسسات التي تكثر بها النساء كالمؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية، ومراكز التجمع النسائي، بغاية تبليغ الدعوة الإسلامية، وإظهار النموذج الإسلامي النسائي يفوق في أهميته حتى الضرورات الاقتصادية بالنسبة للحركة الإسلامية، ويرون أن مجالات مثل التربية والتعليم، والدعوة والإرشاد، والشئون الصحية خاصة المتعلقة بالمرأة، والشئون الاجتماعية، ورعاية الأحداث والخدمات الاجتماعية، والبحوث والدراسات الاجتماعية، ورياض الأطفال، ودور المعاقين، ومجالات الإعلام والصحافة والمعلومات، كلها مجالات مهمة تنشط فيها المرأة بشكل أكبر من الرجل. خامسا: وجود تنظيمات نسائية خاصة في المجتمع، وهذه التنظيمات التي يراها الفكر السلفي عامة تلعب دوراً مخرباً لكيان المجتمع الإسلامي؛ لذلك يجب أن تواجه بقيادات نسائية إسلامية.
ويرى السلفيون والإخوان معاً أنّ هذه التنظيمات تمثل خطرا يأتي بالدرجة الأولى من كونها وعاء لتجميع وإفراز قيادات نسائية مؤثرة في المجتمع، وغالباً ما تكون معادية في توجهها للاتجاه الإسلامي، كما أنّ هذه التنظيمات تصبح بؤراً لتجميع الفعاليات النسائية وتوجيهها بشتى الاتجاهات المنحرفة كما يقولون.
لذلك يرون أنه من الضروري إزاء ذلك تكوين قيادات نسائية إسلامية تكون قادرة على النفاذ إلى هذه التجمعات النسائية والمزاحمة على قيادتها وتوجيهها الوجهة الإسلامية المطلوبة أو تكوين تجمعات إسلامية حين يتعذر الاستفادة من التجمعات القائمة. تعد فكرة مشاركة المرأة كفاعل أساسي في العمل السياسي بالنسبة لتيار الإسلام السياسي هو شيء مناف لأفكارهم، خاصةً تلك الأفكار التي تحرم طوال الوقت وجود المرأة في الشارع، وتحركها وتؤمن بمبدأ أن “صوت المرأة عورة”، ولكن في بلد تبلغ فيها القوة التصويتية للمرأة حوالي 25 مليون صوت تقريبًا، بما يساوي نحو 48.5% من إجمالي عدد الناخبين، فإن دعاوى مثل مكوث المرأة في بيتها معناها فقدان تيار الإسلام السياسي لكتلة تصويتية كبيرة جدا ً، فالمرأة هنا كارت رابح جدا لقدرتها على الحشد والتحرك، فحتى السلفيون بفكرهم الغير مرن مثل الإخوان يتخلون عن فكرة تحريم خروج المرأة ومشاركتها في العملية السياسية عند هذه النقطة، فلا مانع من خروجها واصطفافها في الطوابير لصالح مرشحهم الخاص. أما الدور السياسي الثاني لنساء الإخوان، فتمثل في ما يعرف “بالاستغلال السياسي”، والدفع بالنساء من قبل قيادات مكتب الإرشاد، واستغلالهن في فترات الانتخابات البرلمانية، والانتخابات المحلية، حيث ترى قيادات التنظيم أن النساء كتلة تصويتية تستغل سياسيا؛ نظرا لارتفاع نسبتهن التي تقترب من ضعف الكتلة التصويتية للرجال. فوفقا لشهادة القيادية الإخوانية انتصار عبد المنعم في أحد الحوارات الصحفية، استطاع قيادات الإخوان، منذ عام 2005، الدفع بالنساء في السياسة، وأنه صدرت أوامر من مكتب الإرشاد بتغيير شكل ملابسهن من النقاب والخمار إلى الحجاب المودرن، وتستكمل انتصار في شهادتها أن نساء الإخوان قمن بحمل النساء من منازلهن، والتوجه بهن بأتوبيسات خاصة إلى مصلحة الأحوال المدنية لاستخراج البطاقات الانتخابية. وتستكمل عبد المنعم في شهادتها أن المحرك الأساسي فيما يعرف بالاستغلال السياسي للنساء هو التأصيل الشرعي لفكرة الانتخابات، وأن الإخوان دفعوا بالنساء سياسيا بما يتفق مع أهدافهم المرحلية، وأصبغوا ذلك بسند شرعي، حتى يقال إن لديهم فكرا جديدا عن المرأة، فقد وقفت نساء الإخوان على المنصات وأمام الجمهور، وسُمح لهن بطرح أفكارهن التي هي في الأصل ثقافة إخوانية متفق عليها.
ومن أشهر نساء الإخوان اللائي لعبن هذا الدور بعد انتهاء المحنة الأولى للإخوان، وحتى قبل ثورة يناير، الدكتورة وفاء مشهور، ابنة مرشد الإخوان الأسبق، مصطفى مشهور، والدكتورة أماني أبو الفضل، وهدى عبد المنعم المحامية، والدكتورة مكارم الديري، والدكتورة منال أبو الحسن، والدكتورة نفوسة عبد الباسط، والدكتورة سميحة غريب، والدكتورة سماح عبد العاطي، والدكتورة أمل خليفة، وسحر المصري.
وبعد ثورة يناير، ارتفع معدل الاستغلال السياسي لنساء الإخوان، وصدرت أوامر من مكتب الإرشاد بتكثيف نشاط الأخوات في القرى والنجوع والمراكز، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حيث قام نساء الإخوان بعقد اجتماعات مكثفة بالنساء في القرى، وفي بيوتهن، وكن يذهبن إلى بيوتهن لإقناعهن بالتصويت لصالح مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية السابقة، مستخدمات الدين في إقناع نساء الأرياف والقرى للتصويت لصالحه. ومن أهم أسباب توجه قيادات مكتب الإرشاد للضغط على النساء، واستغلالهن سياسيا قبيل الانتخابات الرئاسية هي تراجع رجال الإخوان عن الإقناع، نتيجة فقدان الثقة بعد سيطرة الجماعة على البرلمان، وعدم تلبيتها لمتطلبات من انتخبوهم. منذ عام أو أكثر وقبل أن تتضح المعوقات وتنكشف الصعوبات أمام الثورة المصرية ، وقبل أن تظهر حقيقة الثورة المضادة ، و حقيقة جميع الأطراف المشاركة والفعالة في محاربة الثورة المصرية لوقفها وإجهادها أو تعطيل مسيرتها أو إجهاضها قبل تحقيق مطالبها الأساسية في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، بدأت الحرب المضادة بافتعال أحداث متكررة لإشعال فتنة طائفية بين الأقباط والمسلمين وبدأ هذا مبكرا جدا في أطفيح ، وإمبابة ،
وموضوع كاميليا وعبير ، وقد ناضل السلفيون بحشد مليونيات للمطالبة بحرية الأخت كاميليا التي اتضح أصلا أنها لم تشهر إسلامها وأن المسألة كانت فيلم هندي أمني له أهداف مرحلية وقتية مقصودة ومدروسة ومحددة ، وحين تلاشى تأثيره ظهر فيلم جديد ، وكان يقوم بدور البطولة في هذا الفيلم نجوم الدعوة السلفية والدليل القاطع أنه كان فيلما هنديا أن الموضوع انتهى من الأذهان وحلّ محله موضوع آخر هو موضوع عبير وتتوالى المواضيع تلو المواضيع من هذا النوع ودائما ما يقوم بدور البطولة قيادات الدعوة السلفية سواء في عقد جلسات الصلح لتحويل مصر لدولة اللاقانون ،
أو لحشد مليونيات للمطالبة بالحرية لأخت ليست من الأخوات حسب فهمهم ، كما كان دورهم المتكرر في حشد ملايين الناس للمطالبة بالحرية لأختنا عبير أو أختنا كاميليا ، على الرغم أن أخواتنا عبير وكاميليا لم يمسسهما أحد بسوء ، ولم يجبرهم أحد على تعرية أجسادهما لفحص العضو التناسلي ، ورغم ذلك وقف السلفيون يطالبون بالحرية لكاميليا وعبير بدون وجه حق ضمن مؤامرة للضحك على المصريين وادعاء الخوف على الدين ، وفي المقابل لم يحرك فيهم ساكنا الحكم ببراءة من قام بكشف العذرية على بنات مصر بدون وجه حق ، وتقبلوا الحكم بصدر رحب وانعدمت فيهم النخوة والرجولة والشهامة والإنسانية على الرغم أنهم يقولون أن صوت و جسد المرأة عورة وليس من حقها بل يحرم عليها التحدث أو كشف وجهها أمام الأجانب (الأغراب) ، فهل السكوت وتغطية الوجه واجب شرعي على المرأة وكشف العذرية وفحص عضوها التناسلي واجب شرعي أيضا.؟. لعنة الله عليكم أيها السلفيون.
الفكر السلفي الوهابي يُحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل والدراسة ويُحرم جلوس البنت بجوار الولد في مدرج الدراسة أو على سلم الكلية، ويُحرم أي نوع من العلاقات الإنسانية البريئة والشريفة بين الذكر والأنثى ، الوهابية تحرم النظر للمرأة وسفر المرأة بدون محرم ، الوهابية تحرم الخلوة بين رجل وامرأة لأن الشيطان سيكون ثالثهما ، لكن رغم كل هذا وافقوا وخضعـوا وركعوا وانبطحوا أمام جريمة كشف العذرية على حرائر مصر ، طالما الجريمة تخدم مصالحهم العليا فالسكوت واجب شرعي. أحد أسباب وصول الوضع الاجتماعي المصري إلى حالة الالتهاب الديني هي حالة الاستلاب السياسي التي يعانى منها الشباب المصري. فالجمود السياسي فى مصر منذ انتصار حرب العبور لايمنح الشباب الصاعد أية فرصة للمشاركة فى صنع أحلامه وبناء مستقبله الجماعي والفردي، فالشباب فى كل مجتمع هو طاقة هذا المجتمع المتجددة التى تنطلق دائما متجاوزة جيل الآباء حاملة مشاعل أحلامها الخاصة التى عادة تتجاوز أحلام الجيل السابق، ولكننا فى مصر فى ثلث القرن الاخير نجد الأبواب مغلقة امام هذا الجيل، فلم تستطع القيادة السياسية والثقافية خلق وبلورة حلم وطنى مشترك جذاب يمنح الشباب الامل وفرص العمل وحرية الاختيار والابتكار.
وراحت السياسات الاقتصادية تتخبط بين برامج خصخصة غير منضبطة تحكمها الشللية والمنفعة الشخصية.. وبرامج مالية ومصرفية سمحت بقدر هائل من النهب للمال العام حتى سمعنا عن ظاهرة “نواب القروض”! وبين هذه وتلك واجه الشباب وحش البطالة بمفرده فاضطر الكثيرون الى الهجرة وآخرون الى الجلوس على المقاهي التى اصبحت مفتوحة حتى فى اضيق الحارات طوال الليل والنهار بشكل لا نعرف له مثيلا فى بقية دول الارض. لقد تجمد الوضع السياسي فى مصر على مدى ربع قرن بلا تغيير فى الاسماء الماسكة لخيوط الحكم والسياسة والثقافة والاعلام والاقتصاد والمال.. بما حجب عن الجيل التالى كل فرص العمل والامل معا.
لقد سلبت جماعة صغيرة الساحة السياسية والاقتصادية والثقافية بكل مفاتيحها واختطفتها لحسابها الخاص تاركة جموع الشباب من الاجيال التالية لمصيرها من فقر واهمال وجهل وبطالة، فلم يكن امام هذه الملايين من الشباب سوى الانطواء تحت لواء من يقدمون لهم فرصة اللجوء الى الله، فعلى الاقل يحصلون على نصيب لهم من الآخرة بعد ان ضاع عليهم نصيبهم من الدنيا! وهكذا كانت حالة الاستلاب السياسى سببا هاما من اسباب تفاقم حالة الالتهاب الدينى، وبالعكس كان شبح وصول الاخوان الى الحكم على موجة الالتهاب الدينى احد اهم اسباب سكوت ورضا بعض القطاعات المصرية بالنظام.. مكرسة بذلك حالة الاستلاب السياسي باعتبارها أهون الشرين. فى دوامة رهيبة لاتبدو لها نهاية مشرقة. المرأة في مصر تواجه الآن واحدة من أكبر المحن في التاريخ، لأن التربة السياسية والإعلامية في ظل حكم الإسلام السياسي أصبحت ممهدة تماما للعودة إلى الوراء تحت راية الدين والسنة والأخلاق، ودعاوى الاختلاف عن الغرب والحفاظ على العادات والتقاليد.. بل ووصل الأمر إلى بذل كل الجهود الممكنة لتمرير ما يسمى بـ “قانون ازدراء الأديان” على المستوى الدولي. ولا أحد يعرف بالضبط أي أديان! وهل المقصود بذلك هو الدين الإسلامي فقط، أم الديانات التي يعترف بها المسلمون! أم جميع الأديان التي يعتنقها كل سكان الكرة الأرضية!! ولماذا أصلا “قانون ازدراء الأديان” وليس “قانون ازدراء العقائد والثقافات”، وما هي حدود هذا القانون، وهل سيتعارض مع حرية الفكر والإبداع أم لا؟!!ونجد عند أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الذي يعد المرجع الرئيسي لهذا التيار، تصورات لقضية المرأة تسير في منحى يتيح للذهنية السلفية أن تصوغ ضوابط محددة في النظر إلى العنصر النسائي. فابن تيمية يرى مثلا أن المرأة قرينة العبد المملوك، وأنه كما على العبد الخدمة فعلى المرأة الخدمة أيضا، ويفسر الآية القرآنية «وخلق الإنسان ضعيفا»(النساء 28) بقوله: «أي ضعيفا عن النساء لا يصبر عنهن» . والغريب أننا نجد نفس التفسير عند مفسرين آخرين أمثال ابن كثير والقرطبي والطبري والسيوطي في»تفسير الجلالين»، لكننا نجد عند القرطبي نوعا من التميز في التعامل مع الآية، إذ يقول في تفسيره»الجامع لأحكام القرآن»:»والمعنى أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه، وهذا أشد الضعف فاحتاج إلى التخفيف»، فهو تعامل مع الآية بوصفها تنطبق على نوع الإنسان بإطلاق، أي جنسي الرجل والمرأة، وإن كان يضيف مستطردا:»وقال طاوس : ذلك في أمر النساء خاصة».
ويمكن الاستدلال بمثال آخر، للتدليل على طبيعة النظرة السلفية للمرأة، من الشيخ محمد صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية قيد حياته قبل وفاته عام 2001، وأحد مراجع السلفية التقليدية أو العلمية، إذ يقول في كتابه»مجموع الفتاوى والرسائل»، الجزء العاشر:»اشتُهر بعض الناس بإطلاق السيدة على المرأة، فيقولون مثلا: هذا خاص بالرجال، وهذا خاص بالسيدات، وهذا قلب للحقائق، لأن السادة هم الرجال، قال تعالى: »وألفيا سيدها لدى الباب}» وقال: »الرجال قوامون على النساء}» (الأنعام:62)، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن النساء عوان عندكم) أي: بمنزلة الأسير، فالصواب أن يقال للواحدة امرأة وللجماعة منهن نساء».
المقابل هناك جمود في الواقع الثقافي تجاه هذه المسألة. ويعود سبب هذا التناقض في نظرنا إلى كون الأدوار الجديدة التي انخرطت فيها المرأة السلفية حصلت بطريقة مفاجئة وغير متوقعة، ولم يسبقها تنظير مسبق. فقد حصل هذا التحول في الواقع العملي، وذلك خلافا للتيار الإخواني الذي حصل لديه التحول في قضية المرأة انطلاقا من التفكير النظري عبر عقود من الجدل والنقاش، سواء بداخله أو فيما بينه وبين خصومه، مما أعطى نوعا من التراكم لديه فيما يتعلق بهذا الموضوع. وتمثل السلفية المصرية حالة نموذجية لمسألة التنازع بين مبدأ الضرورة ومبدأ الاختيار المبدئي أو التعامل الاجتهادي مع قضية المرأة لدى التيار السلفي عموما. فبالرغم من أن حزب النور السلفي مثلا حسم في العديد من محاور النقاش حول المشاركة السياسية، وخاض الانتخابات التي أجريت عقب ثورة 25 يناير 2012، إلا أنه بقي أسير تلك الأنماط التقليدية في النظر إلى المرأة. فقد اعترف ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، التي تعتبر حزب النور ذراعا سياسيا لها، أن ترشيح نساء في لوائح الحزب الانتخابية كان للضرورة، بسبب اشتراط قانون الانتخابات على الأحزاب السياسية ترشيح نساء ضمن قوائمها، وعندما رشح الحزب نساء وضع مكان صورهن ورودا بدل صورهن الحقيقية، خلافا للرجال، وهو ما كان مثار استياء عام في أوساط الحركات النسائية والأحزاب السياسية والرأي العام المصري. في خضم كل هذه الترهات والمهاترات، نرى فتاوى تطالب بإقرار سن زواج المرأة من 8 سنوات لأي رجل في أي سن وإمكانية استمتاع الرجل بها وبجسدها كما يحلو له إلى أن تأتيها الدورة الشهرية، وأن المرأة غير المختونة ناقصة الإيمان، وأن المرأة لا يحق لها أن تتولى منصب القاضي ومناصب أخرى. هذه الدعاوى والفتاوي والمطالب تقترن بممارسات على أرض الواقع من قبيل التضييق على النساء في فرص العمل والهجوم على مدارس الفتيات (كما حدث في مدرسة الإمام علي في مدينة رفح) والتحرش بالسيدات في الشوارع والمواصلات العامة، ومحاولات تسييد أنماط معينة من الملابس ومنح صاحباتها فرص أكبر للعمل والظهور الإعلامي. كل ذلك مقدمة خطيرة لممارسة العنف المباشر في وضح النهار ضد كل المواطنين عموما، وضد المرأة بشكل خاص. وهو أيضا مقدمة لمنح مجموعات دينية محددة الحق في التأديب والتهذيب ودخول البيوت والتفريق بين الأزواج ومعاقبة المواطنين في الشوارع كما حدث أكثر من مرة وأسفر ذلك عن إزهاق أرواح في وضح النهار..
لا شك أن تزويج الفتيات القصر شكل صارخ من أشكال التحريض على ممارسة العنف ضد المرأة على المستوى الجسدي والنفسي. وربط إيمان المرأة بجسدها شكل من أشكال ممارسة العنف الروحي والثقافي والنفسي ضدها. والخطير في هذه الدعوات والفتاوى أن أصحابها يحاولون تمريرها في نصوص الدستور مبررين ذلك بأحاديث دينية وبأنها عودة إلى السنة المحمدية. لدرجة أن هناك مطالب بإحالة هؤلاء الأشخاص إلى المحاكمات بتهمة ازدراء النبي وازدراء الإسلام والتحقير من شأنه. بل وترتفع أصوات النخب حاليا في مصر بضرورة إنقاذ الدين الإسلامي من التشويه. ولكن الفضائيات الدينية لا تبالي بأي شيء وتواصل دعواتها للتحريض على العنف والتمييز ضد النساء تحت راية الدين والسنة.
مثل هذه الدعاوى والفتاوى والمطالب أصبحت جزءا من الممارسات اليومية لتيارات إسلامية كثيرة في المساجد والفضائيات والصحف. البعض يرى أن التيارات السلفية هي التي تقوم بذلك بعد أن أفسح لها النظام السياسي الديني – الإخواني المجال الإعلامي والدعوي. وأرجع ذلك إلى أسباب كثيرة من بينها، أن الإخوان لا يستطيعون بالفعل التحكم في التيارات السلفية أو السيطرة عليها بعد أن أطلقوها. وكذلك إلى خوف الإخوان من احتجاجات التيارات السلفية، وبالتالي خسارة أصواتهم في أي استفتاءات أو انتخابات مقبلة. والأخطر، هو أن الإخوان ونظامهم السياسي يحاولون استثمار سقطات السلفيين وممارساتهم وشعوذاتهم وفتاويهم المخالفة لكل الأعراف الإنسانية للمفاضلة بين الإخوان والسلفيين بهدف البقاء في السلطة والاستيلاء الكامل على مفاصل الدولة، والتغطية على الاحتجاجات العمالية، والفشل في إحقاق أبسط الحقوق الاجتماعية والتشريعية والسياسية.
هكذا يغمض النظام السياسي الديني – الإخواني في مصر عينيه عن ممارسات السلفيين وفضائياتهم وتحريضهم على العنف ضد المرأة، وكل ذلك من أجل إحكام قبضة مكتب الإرشاد على السلطة من جهة، وتمرير الدستور المعيب من جهة ثانية، وعدم الصدام مع الجماعات الجهادية المسلحة من جهة ثالثة. وفي الوقت نفسه يعتمد الإخوان المسلمون خطابا ديماجوجيا استسهاليا لإقناع الغرب بتقديم المساعدات والقروض والاستثمارات، ويقدمون وعودا وتعهدات خادعة ومماطلة للمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عموما، وحقوق المرأة على وجه الخصوص. غير أن محاولات تمرير الدستور حاليا تمر بمصاعب ومواجهات ليس فقط مع النخب والأوساط القانونية والتشريعية، بل مع أعضاء الجمعية التأسيسية ذاتها. إذ قدم البعض استقالته من هذه الجمعية متهما إياها بالخضوع التام لتنظيم الإخوان المسلمين ومكتب إرشاده وبأنها تسعى إلى تصفية الثورة ومطالبها، وبأنها تعمل على تمكين الإخوان المسلمين من مستقبل مصر وإدخال البلاد ضمن تحالفات تضر بالأمن القومي وبالمصالح القومية لمصر.
وبدأ البعض الآخر من أعضاء الجمعية البارزين بفضح ممارسات تيارات الإسلام السياسي التي تسيطر على الجمعية، والكشف عن الأسس التي تم على أساسها اختيار الأعضاء بالمحاصصة السياسية وعدم تمثيل الجمعية التأسيسية لكل فئات الشعب وشرائحه الاجتماعية والسياسية والدينية..
وإذا كان انسحاب الكاتب علاء الأسواني من صفوف المساندين للرئيس الإخواني في مصر، وتصريحاته عن خيبة أمله في الرئيس والنظام السياسي، يذكرنا بتصريحات الكاتب الروسي فالنتين راسبوتين بشأن انسحابه من فريق الرئيس السوفيتي الأول والأخير ميخائيل جورباتشوف، فغالبية المثقفين الذين اجتمعوا مؤخرا بالرئيس الإخواني في مصر خرجوا من اللقاء بخيبة أمل وامتعاض شديدين، إذ أدركوا أنهم استُخدِموا لشرعنة النظام الديني الجديد، وهمس الكثيرون منهم أنهم اكتشفوا أثناء اللقاء أن الأمور اختلطت عليهم وأصبحوا لا يعرفون بالفعل من يحكم مصر ومن يديرها من وراء الكواليس..
على هذه الخلفية القاتمة تماما، تتواصل دعاوى التحريض على العنف والتمييز ضد المرأة وتدمير روحها وجسدها باسم الدين والعادات والتقاليد. وتدور صراعات، إن كانت وهمية ومصطنعة، فهي أيضا تبث العنف الاجتماعي والديني وتعلي من شأن التخلف والظلامية. كل ذلك يترافق مع حملة تشويه للدين الإسلامي من المحرضين أنفسهم وتشويه وازدراء للرسول وللمبادئ الأساسية للدين الإسلامي، ومحاولات قصر كل شيء على فهمهم للإسلام باعتباره الديانة الوحيدة التي يجب أن تتسيد. والأخطر أن جهودهم تتركز بشكل مَرَضي على الجنس ووأد كينونة المرأة وتقليص وجودها منذ ولادتها وقصره فقط على إمتاع سيدها الرجل بداية من سن 8 سنوات بعد تشويهها جسديا وروحيا لكي تكون مكتملة الإيمان لتلبية الرغبات المريضة والشذوذ العقلي والجنسي!! ونسترجع بعض القضايا الاساسية التي تحولت الي مشاكل بينه وبين الاخوان ،وفيها نري فكر ابن عبد الوهاب حاضرا ينطق به الاخوان في مؤتمر العلماء الذي ناقش بأمر عبد العزيز خمسة قضايا او مشكلات، كلها تعبر عن العقلية السائدة ،ونسترجع تلك المشكلات الخمس:
هل يطلق الكفر علي البدو والمسلمين الثابتين علي دينهم القائمين بأوامر الله ونواهيه؟ والواضح هنا ان الاخوان يحكمون بكفر الوهابيين الاخرين الذين يؤيدون عبد العزيز ودولته ولكن لم يقوموا بالهجرة الي الهجر او المستوطنات الجديدة- ومعني هذا ان محنة التكفير امتدت لتشمل حتي الاخوة في المذهب وفي الخندق الدفاعي ذاته ،بسبب انهم لم يهاجروا مثل الاخوان الي القري الجديدة .ومن الطبيعي ان الاخوان احتاروا في فهم ادلة محمد بن عبد الوهاب الذي يستخدم ايات القرآن وفق نظريته في التكفير والاستحلال.وايات القرآن تتحدث عن مؤمنين يعانون الاضطهاد في بلد ظالم يقولون تحت وطأة العذاب (ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها :النساء 75) هنا تكون الهجرة واجبة علي المستطيع، والله تعالي يعفو عن العاجزين عن الهجرة (النساء 98)اما ان يهاجر بعض الناس دون ان يظلمهم احد ولكن لكي يتدربوا علي القتال والغزو وكراهية الاخرين والاستعداد لحربهم بعد تكفيرهم، فلا شأن لهم بالهجرة النبوية، وهجرة المسلمين الذين كانوا مضطهدين في مكة .لقد دعا ابن عبد الوهاب للهجرة وفهم منها المطوعة او فقهاء الهجر ان من لم يهاجر فهو كافر حتي لو كان من الوهابيين فاصبحت مشكلة . واضيفت لها مشكلة اخري وهي خاصة بارتداء الزي المعتاد للاخوان ،وهو زي الامام محمد ابن عبد الوهاب وهو العمامة دون العقال المعتاد ،ولأنهم اعتبروا انفسهم وحدهم المسلمين فقد اصبح سهلا اتهام غيرهم ممن لا يرتدي العمامة الوهابية بأنه كافر حتي لو كان يعتقد مثل اعتقاد الاخوان .وبالتالي فاذا كان الوهابيون الاخرون خارج نطاق الاخوان متهمين بالكفر مرشحين للاعتداء عليهم وعدم اكل ذبائحهم.. فكيف بالاخرين ؟ ولخطورة هذا التساؤل في التأسيس لحرب اهلية بين الاخوان وبقية الوهابيين فان مؤتمر العلماء واجه القضية بكل حسم، خصوصا وان اولئك العلماء كان معظمهم من الحضر وممن لا يقيمون في الهجر، ولذلك افتي العلماء بما يقرب التكفير لمن يكفر الاخوة الوهابيين ،وجعلت للمعاداة والموالاة مرجعية موحدة هي الولاية السياسية والولاية الشرعية .
أي ان عبد العزيز وعلماءه فقط هم الذين يحددون الكفار المرشحين للاعتداء عليهم في الدنيا والمرشحين ايضا عندهم للدخول في النار في الاخرة .. طالما ان بأيديهم مقياس الشريعة الالهية ..وهنا وقف العلماء في صف ابن سعود ،وكان حججهم سياسية اكثر منها فقهية مع ان ظاهر المشاكل كان فقهيا اكثر منه سياسيا . قول تعالى للبشر جميعا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ : الحجرات 13 ) أى انه خلقهم جميعا من أب واحد وأم واحدة ، أى هم أخوة ينتمون لنفس الأب والأم ، وقد جعلهم أجناسا مختلفة وشعوبا مختلفة لا ليتنازعوا ويتقاتلوا ولكن ليتعارفوا ، والتعارف لا يكون الا بالعلاقات السلمية والتلاقى الحضارى وقبول الآخر والاستفادة من تجربته الانسانية وتراثه الحضارى ، والانفتاح على ثقافته والتسامح فى الاختلاف معه ايمانا بأن التنوع مطلوب لازدهار الحضارة العالمية الانسانية، اما من ناحية التدين فان أكرم الناس عند الله تعالى هو الأكثر تقوى ، وليس الاكثر ثروة او جاها او ذكاءا أو علما او حسبا ونسبا اوجمالا أو صحة او شبابا. وهذه التقوى سيكون مرجع الحكم عليها لله تعالى وحده يوم القيامة ، ومن يزعم تزكية نفسه الآن فقد عصى الله تعالى الذى قال (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) النجم 32 )اذن ليس فى الاسلام المقولة الوهابية التراثية التى تقسم العالم الى معسكرين ، وتحتم الجهاد ضد المعسكر الآخر باعتباره ( دار حرب ) فى مقابل ( دار الاسلام ) ، فماذا عن الآخر فى الاسلام فى ضوء ما ذكره القرآن الكريم عن الكفار والمشركين وقتالهم والجهاد ضدهم ؟
الآخر فى الاسلام هو كل معتد ظالم ، و كل ارهابى يقتل الأبرياء والمسالمين
هنا نؤكد ما سبق قوله من أن معنى الاسلام فى السلوك هو السلام فى الأرض وهو فى العقيدة الاستسلام والانقياد لله تعالى وحده. المسلم فى العقيدة هو من يسلم لله تعالى وجهه وقلبه وجوارحه ، وذلك هو معنى الاسلام العقيدى القلبى الذى يرجع الحكم فيه لله تعالى وحده يوم القيامة ، و ليس لمخلوق أن يحكم فيه والا كان مدعيا للالوهية متقمصا لدور الله تعالى رب العزة ومالك يوم الدين.المسلم فى السلوك هو كل انسان مسالم لا يعتدى على أحد ولا يسفك دماء الناس ظلما وعدوانا. وهذا هو المجال الذى نستطيع أن نحكم عليه ، فكل انسان مسالم مأمون الجانب هو مسلم بغض النظر عن عقيدته واتجاهه ومذهبه وفكره ودينه الرسمى. تشريعات الجهاد فى الاسلام هى لرد العدوان فقط ، والاستعداد للقتال هو لارهاب العدو المعتدى وتخويفه وردعه مقدما حتى لا يقوم بالاعتداء، أى هى لحقن دماء العدو والدولة المسالمة أيضا ، حتى لا يغتر الخصم الراغب فى الاعتداء على العدوان متشجعا بضعف الدولة المسالمة. ومن هنا فان مصطلح الارهاب فى القرآن الكريم الوارد فى قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال 60 ) يختلف عن مفهوم الارهاب فى عصرنا الذى يعنى الاعتداء وقتل المدنيين والمسالمين. وقد تكررت بحوث لنا فى هذا الموضوع تثبت ان الاسلام هو دين السلام ، وأن العرب هم الذين انتهكوا تعاليمه السلمية قديما وحديثا. وهم بذلك ينطبق عليهم بسلوكهم مصطلح الكفر والشرك بالمفهوم القرآنى الاسلامى.
الشرك والكفر بمعنى واحد فى مصطلحات القرآن ، وهما معا لهما معنيان حسب العقيدة والسلوك ، وكلا المعنيين يناقضان معنى الاسلام فى العقيدة والسلوك.
الكفر ـ أو الشرك ـ فى العقيدة يعنى اتخاذ آلهة أو أولياء مع الله . والتدين العملى للبشر ـ خصوصا المسلمين ـ ممتلىء بتقديس البشر والحجر ، مع اعلانهم أنه لا اله الا الله. ولكن بغض النظر فان كل فريق يعتقد أنه على الحق ويتهم الآخرين بأنهم على الباطل. لذا فمرجع الحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون انما يكون لله تعالى يوم القيامة ، فهو جل وعلا القاضى الأعظم ، وقد اختلف الناس فى ذاته وصفاته ونسبوا له كذا وكذا ، لذا فهو الذى سيحكم فى هذا الأمر ، وليس لأحد أن يتدخل فى هذا الدور الالهى المؤجل الى يوم الدين الا فى معرض النصح والارشاد والعظة طلبا للهداية.
الشرك ـ والكفر ـ بمعناه السلوكى هو الاعتداء والظلم والبغى والطغيان والاجرام ، وهذه كلها مفردات الشرك والكفروالمشركين والكافرين فى القرآن الكريم . هذا الشرك السلوكى نستطيع أن نحكم عليه بسهوله طبقا للأعمال الاجرامية التى يقوم بها المجرم . نحن هنا لا نحكم على قلبه أو على ما يدعيه من عقائد ، وانما نحكم على أفعاله الاجرامية ، على سفكه للدماء وانتهاكه للحرمات ، وافساده فى الأرض ، نحكم على سرقته ونهبه وهتكه للأعراض،وتعذيبه للابرياء. ودائما ما يكون الأبرياء ضحايا لهذا الكافر المشرك بالسلوك . مشكلتنا ـ كمسلمين ـ أننا نحكم بالعكس تماما. من ينطق بشهادة الاسلام نجعله مسلما مهما ارتكب من جرائم . وقد يكون هناك زعماء مصلحون مسالمون يعملون الصالحات النافعات ينتمون للمسيحيين أو الاسرائيليين أو البوذيين أو العلمانيين ، اولئك هم مسلمون حسب معنى الاسلام السلوكى الذى يعنى السلم ، ولكننا نعتبرهم مشركين كافرين ونحكم على عقائدهم متناسين أن الأولى ان نصلح عقائدنا نحن وهى مليئة بتقديس الأضرحة والأئمة بأكثر مما يفعله غير المسلمين. طبقا للسلوك وحده فكل دعاة السلام فى الأمم المتحدة وخارجها هم أعظم المسلمين وان لم ينطقوا بشهادة الاسلام . غاندى ومارتن لوثر كنج و مانديلا وكل دعاة حقوق الانسان من الغربيين هم المسلمون الحقيقيون فى مجال السلوك. وطبقا للسلوك وحده فان مجرمى الحرب هم أشد الناس كفرا وظلما وعدوانا ، ليسوا فقط هتلر وموسولينى و ستالين بل يضاف اليهم الخلفاء غير الراشدين الذين اعتدوا وغزوا و استعبدوا الشعوب الأخرى واحتلوا أراضيهم ، ثم من سار على نهجهم مثل آل سعود وطالبان وصدام حسين وابن لادن والظواهرى وبقية سفاكى الدماء الذين حولوا العراق والجزائرالى سلخانة . ليس فى الاسلام تقسيم العالم الى معسكرين ، وليس من الاسلام الاعتداء على الآخرين واحتلال أراضيهم مثلما فعلت قريش فى دولة الخلفاء الراشدين ودول الخلفاء غير الراشدين . قريش كانت المقصودة بوصف الكفر والشرك حين نزل القرآن ، فقد مارست الكفر والشرك العقيدى بعبادة الأولياء والأوثان على أنها تقربهم الى الله تعالى زلفا. ومارست قريش الكفر السلوكى والشرك السلوكى بمعنى الاعتداء واضطهاد المسلمين المستضعفين واكراههم فى الدين مما اضطرهم الى الهجرة الى الحبشة مرتين ، ثم هاجروا أخيرا الى المدينة. قريش لم تتركهم فى حالهم فتابعتهم بالغزو والقتل والقتال فى وقت صبر المسلمون كعادتهم لأنهم كانوا ممنوعين من رد العدوان.
ثم جاءهم الاذن بالقتال فتغير الموقف تدريجيا الى أن صار لصالح المسلمين حربيا ودينيا ، وأصبحت قريش منعزلة فى وقت انتشر فيه الاسلام وأدركت فيه جماهير العرب سخافة عبادة الأوثان والقبور، رأت قريش فى النهاية أن مصلحتها تحتم عليها الدخول فى الاسلام فدخلت فيه متأخرا بعد تاريخ طويل من عداء الاسلام. أسلمت قريش قبيل موت النبى ، وبعد موته استعادت سيطرتها على دولة النبى بعد موت النبى ، منتهزة فرصة حرب الردة ، فحوّلت الانتصارعلى المرتدين الى استمرار فى الغزو فاعتدوا على الروم ومستعمراتهم فى الشام ، وقضوا على الدولة الفارسية ، وبدأ ما يعرف بالفتوحات الاسلامية التى تناقض الاسلام، والتى بسببها اقتتل الصحابة ، ونتج عن الخلاف السياسى اختلاف فى التدين ، وانقسام المسلمين الى أحزاب كل حزب بما لديهم فرحون ، ونسوا تحذير رب العزة من الانقسام الدينى وكونه دليلا على الوقوع فى الشرك العقيدى والشرك السلوكى أيضا (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (الأنعام 153 ، 159 ) (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم31 ـ 32 ) لتبرير الاعتداء ولتسويغه باسم الاسلام افتروا حديثا نسبوه للنبى محمد يقول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ..) وجعلوا هذا الاعتداء على الغير جهادا . وباعتداء المسلمين على دولة الروم بدأت الحرب بين الامبراطوريتين ، ولكل منهما دين مختلف فى الظاهر ، وان كان نفس التدين فى الواقع ؛ التدين القائم على التسلط والظلم والاعتداء والاكراه فى الدين واستخدام الدين فى ظلم الناس ونشر الفساد فى الأرض. كان هذا هو منطق التدين فى العصور الوسطى ، وبه تم سفك دماء الملايين من الفريقين ، وكل منهم يحسب أنه يحسن صنعا ، وكل منهم يتهم المعسكر الآخر بالكفر ويرى نفسه محتكرا للحق. ثم صحت أوربا وتخلصت من سيطرة الكنيسة والكهنوت والاكليروس ، وبدأت طريق الاصلاح العلمانى العقلى والاكتشاف العلمى . ثم حاولت مصر أن تنهج نفس الطريق مع بداية القرن التاسع عشر، وحققت خطوات لولا أن عادت خرافات وأساطير وتشريعات العصور الوسطى تحملها الوهابية ودولتها السعودية التى تمثل أردأ فكر أنتجه المسلمون فى القرون الوسطى. وبفضل البترول تم نشر هذا الفكر السلفى المناقض للاسلام تحت اسم الاسلام فى أكبر خديعة تعرض لها المسلمون طوال تاريخهم. وفى اطار هذه الخديعة الكبرى جرى استدعاء كل مظاهر التعصب الدينى واستئصال المخالف فى المذهب وفى الدين وفقا لحد الردة او الجهاد ضد دار الحرب أى الغرب. وحتى فى عملهم السياسى فهم يمارسون أردأ انواع السياسة التى لا تتورع عن التآمر على الخصم والحليف معا ، ويصل التآمر الى القتل ، وقد قتلوا كل من قدروا على قتله ممن تعاون معهم ، ونآمروا على كل أحسن اليهم. تآمر الاخوان على الدولة السعودية نفسها. استضافت السعودية الاخوان بعد أن انقلب عليهم عبد الناصر، فوفرت لهم المأوى والعمل داخل المملكة وخارجها شريطة ألا يمارسوا العمل السرى داخل المملكة ـ طبقا لسياسة عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية. ولكن مالبث الاخوان أن أقاموا لهم بدعوى التثقيف حركة معارضة قوية للسلطة السعودية من بين أبناء المملكة السعودية، وقد عبرت هذه الحركة عن نفسها بعد حرب الخليج ، وقابلتها السلطات السعودية بالعنف فهرب بعض زعمائها للخارج ومنهم المسعرى والفقيه، ومن رحم تلك المعارضة السعودية خرج أسامة بن لادن أكبر ارهابى فى هذا العصر. ضحايا الاخوان من السياسيين بدأ بأحمد ماهر والنقراشى ، ولم ينته بالسادات وأحمد شاه مسعود والملك يحيى فى اليمن. ومؤامراتهم الفاشلة ضمت كثيرين من الملوك والرؤساء ، من حسنى مبارك وأعمدة دولته ، وحتى الأمير عبد الله ـ ملك السعودية الآن، حيث تآمر على قتله الدكتور عبد الرحمن العمودى ، واحد من أكبر عملاء السعودية فى أمريكا ، ولكنه فى الخفاء تآمر على اغتيال عبد الله باتفاق مع معمر القذافى ، ويقضى الآن العمودى عقوبة السجن مدى الحياة فى أمريكا. ضحايا الاخوان المسلمين من الأقباط والمصريين والسياح يصل الى الآلاف . صحيح ان من يقوم بالقتل هم من جماعات مختلفة من الجهاد الى الجماعة الاسلامية وغيرها، الا انه توزيع أدوار أرساه حسن البنا الذى جعل له جهازا سريا للاغتيال ، وكان يسارع بالتبرؤ من الجناة اذا اكتشف أمرهم. فالإخوان يمثلون واجهة الاعتدال بينما يمثل الشباب الارهابى العصا التى تخيف النظام وتحمى بطريق غير مباشر شسوخ الحركة من الاعتقال أو أن يغتالهم النظام. وتلك الجماعات مع وجود اختلاف ظاهرى بينها الا انه لا يصل الى العقائد والأهداف ، فقد خرجت تلك الجماعات من عباءة الاخوان ، ونشأوا على تربيتها. والخلاف طبيعى داخل تلك النوعية من الحركات ، وقد اختلف الأخوان النجديون مع سيدهم ومنشىء حركتهم عبد العزيز وحاربوه . وتلك الجماعات بشبابها وعملياتها الارهابية تؤدى دورا محسوبا بدقة فى حركة الاخوان السياسية فى اللعب مع النظام فىالداخل والقوى السياسية الأخرى فى الخارج. لو جاءت الانتخابات بعرش السلطة للاخوان اليوم ما رضوا به. معنى وصولهم بالديمقراطية للحكم انهم سيكونون عرضة للمساءلة الديمقراطية ، وهذا يوقعهم فى مأزق حاد لا يستطيعون معه الا الفشل ، فليسوا مؤهلين للحكم والمساءلة ، وليست لديهم حلول للمشاكل ، بل مجرد شعارات براقة دون مضمون واقعى أو خطة علمية عملية للاصلاح.بل هم ضد الاصلاح أساسا. لذا يركز الاخوان على التربية لاعداد المجتمع للايمان بالحاكمية التى تعنى البيعة للحاكم بالسمع والطاعة المطلقة ، حتى يحكم باسم الله تعالى دون أن يكون مسئولا أمام (الرعية ) بل فقط أمام الله تعالى يوم القيامة. وهذه هى أسوأ أنواع الديكتاتورية. يحتاج الاخوان الى حوالى عشرة سنوات ليصلوا بالشعب المصرى الى هذه الحالة من الغيبوبة العقلية حتى يركع لهم طائعا ليركبوا ظهره باسم الحاكمية.
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العامورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية