المرحوم الأستاذ محمد اليوسف – أبو حسان – حياة قصيرة ومثيرة- نضال حمد
الأستاذ المرحوم محمد يوسف اليوسف – أبو حسان 1943-1988
الأستاذ محمد يوسف اليوسف – أبو حسان – كان مربياً ومعلماً معروفاً ومحبوباً ومهاباً وأشهر من نار على علم كما يقولون في بلادنا ومخيماتنا، وبين التلاميذ الفلسطينيين في مدرسة حطين المتوسطة التكميلية بمخيم عين الحلوة. فقد كان أحد أشهر المدرسين في المدرسة إذ عرفه الطلبة أستاذاً مزيحاً لكن بنفس الوقت جاد جداً وقت الجد. ولا يتردد في قمع المشاغبين ووقف المتطفلين عند حدهم.
كان يحلو له ترداد هاتين الكلمتين اثناء المزاح مع الآخرين (تلحس بعضك). كما كان يحب المزاح والنكات والحديث مع الطلبة، وكأي صفصافي كان يتحدث بلهجته الصفصافية الجليلية، يتحدث عن بلدته الصفصاف وعن الجليل وكل فلسطين. وكان من أوائل منتسبي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومن أوائل أعضاء ومؤسسي الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين فرع لبنان.
والده هو المرحوم أبو محمد اليوسف المعروف “بيوسف السمرة” في أوساط أهل الصفصاف وفي حارتنا ومخيمنا عين الحلوة. وهو زوج ابنة عم والدي الحاجة زهيا حمد رحمها الله. جدير بالذكر أن للحاج المرحوم أبو محمد اليوسف قصة درامية إذ ربما هناك ناس لا يعرفون أن والده كان هاجر من الصفصاف في فلسطين المحتلة الى أمريكا في ثلاثينيات القرن الفائت، أي قبل نكبة فلسطين واحتلالها من قبل الصهاينة. بعد النكبة بسنوات انقطع الاتصال به. ثم فيما بعد للأسف تعذر الاتصال مع ذريته التي بحسب ما سمعناه وعلمناه من بعض أفراد العائلة أنها موجودة على ما يبدو في الأرجنتين. إذا لا أحد يعلم ماذا حل بالأب بعد السنين الطويلة التي أمضاها في الأرجنتين قبل وفاته بالتأكيد، وبعد تشرد شعبنا بسبب النكبة. هذه القصة واحدة من قصص العائلات الفلسطينية التي تشردت ومن ثم في اثناء النكبة سنة 1948 لجأت الى لبنان بعد سقوط واحتلال فلسطين من قبل العصابات اليهودية الصهيونية. فالعم أبو محمد مع إبنه البكر محمد وأبنته مريم فروا الى لبنان واستقروا في حارة الصفصاف، قرب بيت عائلتي في مخيم عين الحلوة.
ولد الأستاذ محمد – أبو حسان – في قرية الصفصاف قضاء صفد في فلسطين في 28-2-1943. ثم لجأ مع عائلته الى لبنان بعد ان احتلت عصابات اليهود الصهاينة قرية الصفصاف في 28-10-1948 ومنذ ذلك الوقت أصبح لاجئاً وعاش كذلك حتى وفاته في 29-2-1988 وهو اليوم الذي تلا يوم ذكرى ميلاده.
كان الأستاذ محمد كما أسلفنا في مقدمتنا عنه من الشباب الفلسطينيين المندفعين والمتحمسين وطنياً وثورياً. منذ البدايات شارك في نشاطات عديدة وأعمال وطنية لا تعد ولا تحصى. فقد آمن كما يقول نجله غسان “بقضيته الفلسطينية المقدسة، بقضية فلسطين الوطن الحنون الذي لا بديل عنه. وعمل جاهداً منذ شبابه مع بقية الرّفاق. كما حافظ على العمل الوطني وكسب محبة الناس حتى من الفصائل الفلسطينية الأخرى”.
عرفناه منذ الصغر مناضلا من عائلة مناضلة التزمت بمبادئ ومفاهيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان أبا حسان من أعمدة الجبهة التعليمية والتربوية والسياسية في مخيم عين الحلوة ومنطقة صيدا. أحبه كل من عرفه لطيبته ودماثته وحسه الفكاهي وإلتزامه الوطني وأخلاقه العالية. فقد كان يمثل شخصية إبن البلد الحقيقي.
بدأ الأستاذ أبو حسان عمله بالتدريس في سن مبكرة كما توفي في سنة مبكرة. فخلال رحلته الطويلة في عالم التعليم والتدريس، كان مثالاً للإخلاص والتفاني. وفي هذا الصدد يقول نجله غسان: “كان دؤوباً وناصحاً ورمزاً للأستاذ والأخ والأب الناصح لتلاميذه الغيّور على مصلحتهم، وحثهم على الدراسة والمثابرة والعمل الوطني لتحرير فلسطين كل فلسطين والعودة الى الوطن”.
أستاذنا المرحوم محمد يوسف اليوسف درس في مدارس الأونروا ثم أكمل دراسته الثانويه في المدرسة الانجيلية، مدرسة الأمريكان في صيدا، ثم سافر الى القاهرة وحصل على شهادة الثانوية العامة الرسمية.
عند عودته إلى لبنان إلتحق بالاونروا لتدريس اللغة الإنجليزية وكان يكمل في نفس الوقت دراسة ليسانس لغة إنجليزية في الجامعة اللبنانية. أكمل مسيرة التدريس بعد تخرّجه من الجامعة الى عام 1979، عندما ترك لبنان وسافر للعمل في شركة النفط زادكو، وهي حقل تطوير زاكوم في الخليج العربي. بعد وقت بعثت به الشركة الى كارديف في ويلز ببريطانيا عام ١٩٨٤ لاتمام دراسات عليا. ورغم تفوقه وتألقه هناك في الشركة إلا أنه في عام 1987 اضطر للعودة الى لبنان هو وعائلته لأسباب يعرفها أهل الصفصاف ولا داعي لذكرها هنا.
أحد الطلبة والرفاق استذكر شيئاً عن الأستاذ محمد فبعث لي التالي: “عند بدء العمل في بناء روضة الشهيد غسان كنفاني في مخيم عين الحلوة، كان فقيدنا الغالي يذهب عندما يكون هناك “صبة” سقف، لكي يساعد ويوفر على الجبهة أجرة عامل باطون، فيحمل تنكة الباطون على كتفه ويصعد بها… رحمه الله مهما قلنا وكتبنا لا نوفيه حقه . لقد كان انساناً وطنيا ومتفانيا في خدمة قضيته وشعبه”.
عند العودة الى مدينة صيدا اللبنانية قام بتدريس اللغة الانجليزية للصفوف المتوسطة والثانوية في مدرسة صيدون الوطنية مجدليون – صيدا، الى أن آتته المنية فتوفي بجلطة قلبية يوم 29-2-1988. نعته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واتحاد المعلمين الفلسطينيين. كما نشر نعيه في مجلة الهدف. أقيمت له جنازة ضخمة شاركت فيها جميع فصائل المقاومة الفلسطينية بالاضافة الى حشد جماهيري من أبناء وبنات الشعبين الفلسطيني واللبناني، ومن طلبة مدرسة صيدون الوطنية. كذلك من أهالي الصفصاف ومخيم عين الحلوة وكل محبيه وتلامذته وطلابه في مدرسة مخيم عين الحلوة. دفن الأستاذ أبو حسان في مقبرة صيدا بلبنان. له المجد والخلود وعلينا الوفاء.
نضال حمد في 14-6-2021