المرحوم ذيب قاسم الشايب “أبو شحادة” – إعداد نضال حمد
ولد جارنا المرحوم أبو شحادة الشايب في قرية الرأس الأحمر في الجليل الأعلى المحتل سنة 1915 وتوفي في الشتات سنة 1999. لم يكن بيته يبعد كثيراً عن بيتنا ولكنه لم يكن أيضاً ملاصقاً لبيتنا. يمكن القول أنه كان في حارتنا. منزله كان يقع بالقرب من دار جاره وصديقه عمي الراحل أبو علي عليوة (أبو أحمد حمد). أيضاً كان من جيرانه صالح العوض، أبو عثمان من طرعان. كذلك أبو مفيد وأبو سميح وأبو الحكم وأبو نبيل الشايب كلهم من بلدة الرأس الأحمر. كما كان من جيرانه الأخوين المرحومين أبو لطفي (والد الشهيد عفيف) وأبو راشد حميد من بلدة عين الزيتون. وأيضا أبو علي شربل من الصفصاف والأستاذ المرحوم نمر صنع الله الغني عن التعريف إذ يعرفه معظم تلاميذ وطلاب مدارس مخيمنا عين الحلوة… بالمناسبة وهو والد لشهيد وأيضاً والد الصديق نزار صنع الله المقيم في بولندا.
ذاك الجيل، جيل الأسماء التي ذكرتها هو جيل الآباء والأجداد الذي خرج من فلسطين منكوباً ومندحراً ومدمراً ومهزوماً، لكنه لم يستسلم لواقع حال أمة مقسمة ومجزأة ومشرذمة ولا حول ولا قوة لها. ذاك الجيل العظيم أخذ على الفور على عاتقه عملية إعادة بناء نفسه من تحت الصفر، نعم من تحت الصفر وليس من الصفر… من العراء ومن لا شيء الى البناء وحتى الوصول الى كل شيء… نعم الى كل شيء باستثناء التحرير والعودة الى الديار في فلسطين. لم تكن إخفاقاته ولم تكن مسؤوليته بل مسؤولية أمة كاملة… مسؤولية من قادوا الثورة ليوصلوها الى الحضيض، بالرغم من أن مخيماتنا أرفدتها بالدماء وبالشهداء والجرحى جيلاً بعد جيل وبالتضحيات الجسام مخيماً تلو مخيم من مخيم النبطية الى تل الزعتر وصبرا وشاتيلا والخ.
ذلك الجيل الكبير، جيل الأجداد والآباء بنى المخيمات في الشتات وحولها الى مدارس وكليات وجامعات. الى أماكن لتخريج المبدعين والمبدعات والأكاديميين والأكاديميات والناجحين والناجحات من شباب وبنات شعب فلسطين. كما وأعد التربة الخصبة للبدء بمسيرة العودة والتحرير بالعلم والبندقية والفكر والكفاح.
العم ذيب قاسم الشايب (أبو شحاده) قضى حياته عاملاً كادحاً، عمل في كل المجالات التي كانت متوفرة: زراعة، بساتين، مساعد معمرجي وفي البناء… الخ. كان يعمل في كل الأعمال لأجل العيال… كل ذلك في سبيل تربية أولاده وبناته وتعليمهم في أرقي المدارس والجامعات. ففلسطين تستحق ذلك كي نستطيع استعادتها وتحريرها.
حين سألت إبنه رياض عن عائلته قال لي: أبي عمل لأجلنا بكل الأعمال التي نعرفها مثل الزراعة والبناء، فقد كان يريد لأولاده أن يكونوا متعلمين وناجيحن. فالإبن الأكبر (شحاده) تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة الاميركان في صيدا والجامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث حصل فيها على البكالوريوس ومن ثم الماجستير في السياسة والاقتصاد. من بعدها عمل لعدة سنوات في الكويت، في البنك المركزي الكويتي ومن ثم سافر الى امريكا حيث التحق بالجامعة وحصل فيها على الدكتوراه… بعدها عمل لعدة سنوات محاضرا في عدة جامعات امريكية. منها جامعة
Massachusetts
بعدها انتقل للعمل في صندوق النقد الدولي حيث عمل هناك ما يقارب ١٢ سنة. بعدما بلغ سن التقاعد إستدعاه محافظ البنك المركزي الفلسطيني في رام الله ليعمل نائباً له لمدة ٦سنوات..
أما الإبن الثاني وهو (رياض) الذي حدثني عن الوالد والعائلة فهو يحمل شهادة الماجستير في الرياضيات أيضاً من الجامعة الأمريكية في بيروت. درس في المدارس مادة الرياضيات لمدة ١٣ سنة. بالذات في مدارس الانروا في صيدا. كذلك في بعض المدارس الخاصة، مثل المقاصد والاتحاد الوطني والتربيه الحديثه (الكفاح) سابقاً، حيث درس فيها الصفوف النهائية. بعد ذلك أي في عام ١٩٨٧عُيِن مفتشاً لمادة الرياضيات في مدارس الانروا في الجنوب اللبناني، لكنه استقال منها بسبب مشاكل الطرق والمواصلات خلال فترة ما عرف بحرب المخيمات في لبنان. بعدها سافر الى الامارات حيث عمل في مدارسها لمدة ١٣سنه قبل أن يتقاعد.
نصل الى الإبن الثالث (محمد) فقد تخرج من سبلين آلات دقيقة وعمل في أبو ظبي في شركة بترول( زادكو)حتى تقاعده. فيما الابن الرابع انهى تعليمه الثانوي في مدرسه الامركان في صيدا ودخل الجامعة العربية في بيروت حيث تخرج منها بشهادة بكالوريوس في Telecommunications.
بالنسبه للبنات فإن إبنته الأخت (إخلاص) تحمل شهادة الماجستير في اللغة الانجليزية وعملت في معهد سبلين لعدة سنوات ومن ثم رئيسة القسم حتى تقاعدها وهي خريجة الجامعة الأمريكية في بيروت. أما شقيقتها (فاديا) فقد تخرجت من الجامعة اللبنانية وعملت لفتره طويلة في مدارس الانروا قبل الزواج. في حين أن بقية بنات العم أبو شحادة أنهين صف البكالوريا ومن ثم تزوجن.
أذكر دار العم أبو شحادة الشايب منذ نعومة أظافري وطفولتي وهم نعم الجيران والأهل. أما الراحل أبو شحادة فيستحق الأوسمة والنيشاين، تماماً كما غالبية أجدادنا وآباءنا الذين ربونا وعلمونا وثقفونا وقدمونا لفلسطين. لقد قدموا جيلاً ذهبياً من الجنسين، من الذكور والإناث، جيل فجر المشاعر الوطنية والثورية وألهبها في صفوف أطفال وشباب المخيمات. فقدم هؤلاء كل شيء لأجل فلسطين. لكن للأسف فمنذ الخروج من بيروت سنة 1982 ولغاية يومنا هذا فإن هناك تجهيل للأجيال الناشئة في المخيمات الفلسطينية في لبنان… يمكن القول بكل راحة ضمير ولكن بألم شديد أن أجيال اليوم لا تشبه أجيال الأمس بأي شيء.
رحم الله العم أبو شحادة وجيله الذهبي الفلسطيني.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
24-12-2021