المروءة والشهامة صفات انقرضت من المصريين – د. عادل عامر
المروءة والشهامة صفات انقرضت من المصريين – د. عادل عامر
أنت مالك – خليك في حالك – امشي وشوف مصلحتك – خدلك جنب يا اخويا هذه عبارات نسمعها كثيرا في الشارع إذا اعترضت على أخطاء أو حاولت منع وقوع جريمة أو حماية فتاة من سلوك مشين أو فك اشتباك بين شخصين أو مجرد التدخل لحل أزمة حتى ولو كانت كلامية زمان كانت الجد عنة والشهامة صفات أصيلة في الإنسان المصري واليوم تبدل الحال وأصبحت الجد عنة موضة قديمة وانعدمت المروءة بين الناس خوفا من بطش البلطجية وتجنبا للوقوع تحت طائلة القانون وسين وجيم ولو كنت مبلغ عن جرم وقع في الشارع وكنت أنت الشاهد الوحيد هل ظهرت متغيرات جديدة في المجتمع زى زيادة عدد السكان والتزاحم والاختناقات القيمية واختفت الصفات الطيبة مثل الشهامة والكرم والمروءة والنخوة والأمانة والصدق وحب المحيطين بالإنسان من الأسر والجيران أصبحنا في مأساة حقيقية كلمة أنت مالك وخبيك في حالك أصبحت هي العبارة السائدة في العديد من الظروف والمواقف كان زمان عندما يعاكس شاب فتاة تمشى في الشارع تجد ألف شاب يرده ويقوله كده عيب ويعتبر إن هذه الفتاة لها حق الخصوصية والأمان في الشارع بالا تتعرض للإيذاء سواء بكلمة أو اى تصرف لا اخلاقى من ضعاف النفوس الآن يحدث معاكسات بالكلمات وتطاول بالايدى وتحرش ولا احد يقترب ولا يحاول الدفاع ولو حتى بالكلام احزننى كثيرا الشاب الذي شنق نفسه على كوبري قصر النيل أين المارة هل كانوا مخدرين وهل اكتفوا بالفرجة فقط لمدة زادت عن ساعة ونصف ساعة هل أصبحت الشهامة مخيفة ولها ثمن يفكر صاحبها ألف مرة قبل إن يقدم عليها ابن البلد..شهامة وأمانة الحارة والقرية هي مصنع الرجال……. وابن البلد يحمل علامة الجودة كأهم إنتاج مصري 100%….. فهو المروءة والنخوة.. الجد عنة والشهامة… التعاون والأمانة… الوقوف بجوار البسطاء والمظلومين.. عدم التعرض ل”بنت الحتة” وإذا تعرضت لأذي ذهب لنجدتها… الجار لجاره…… وصاحب صاحبه.. يرحب بضيوفه ويستقبلهم ببشاشة وكرم مذهل حتى يكاد يعطيه كل ما في بيته… أنيق ونزيه ولو كان لا يملك إلا قوت يومه.. نظيف و”رايق” ورغم فقره لا يمد يده…
البعض يقول إننا افتقدنا تلك المعاني الجميلة. وإن قاموس أخلاق المجتمع المصري لم يعد يعرف تلك المفردات.. وإن المحبة بين الناس تحولت إلي عداء……. والعتاب أصبح بالقتل وسفك الدماء… وإن ابن البلد الذي كان لا يرضيه “الحال المايل” لا يعجبه الآن الامتثال للقواعد والقوانين.. وإن الفساد هو لغة العصر…
وما تحدثنا عنه في البداية لا يوجد إلا في الأفلام أو الأحلام. أو هو رابع المستحيلات مع الغول والعنقاء والخل الوفي… والدليل ما نراه ونسمعه ونشاهده كل يوم في الشارع…
وما نقرأه في صفحات الحوادث بالصحف يجعل البعض يعتقد أن “ابن البلد” الذي في مخيلتنا قد انقرض مع أيام الزمن الجميل وانتهي عصره وأيامه تماماً “كالطرابيش” أو “الحلزونة” و”اللمبة الجاز”…
ولكن هؤلاء لا يعرفون المعدن الأصيل للمصريين… الذي قد تطغي عليه الماديات في بعض الأوقات نتيجة لظروف تاريخية واقتصادية طارئة… لكنه منذ 7 آلاف سنة وكلما غطي التراب أخلاقه نفضه سريعاً فيعود “الألماظ” يتلألأ من جديد… ومن لا يصدقنا يرجع للتاريخ أو يقرأ ما نقدمه اليوم من نماذج لابن البلد المعجون بالشهامة والأمانة وسنظل نراهن عليه لآخر العمر. من العنف اللفظي والاستعداد للتعدي على الأخر جسديا أمر ملحوظ لدى أفراد المجتمع العربي. ربما الخوف في نفوس الناشئة أدى إلى نشوء ثقافة الصمت فيحدث الالتزام الخائف الذي يؤدي بدوره لظهور السلوك الانتهازي الذي يستخدم العنف كإحدى مفرداته.
العنف في الأسرة والشارع والمدرسة والجامعات وداخل أقبية السجون كلها باتت ظواهر تستحق التوقف عندها من الجهات المختصة. المجتمع مصدر للحماية والتضامن من أجل الأطفال مثلا ولكنه يمكن أيضاً أن يكون مكاناً للعنف بما في ذلك عنف الإقران والعنف المرتبط بالمسدسات والأسلحة الاخري, وعنف العصابات والشرطة, والعنف الجسدي والجنسي, والاتجار بالبشر. وقد يكون العنف مرتبطاً أيضاً بوسائط الإعلام وبالتكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال. وقد وُثقت في السنوات الأخيرة عمليات البلطجة الحاسوبية من خلال الانترنت أو الهواتف المحمولة. ومن أجل البدء في حل هذه المشكلة علينا إصلاح النظام السياسي وجعله أكثر إنسانية واحتراما لحقوق الإنسان وأن توضع قوانين واضحة لا لبس فيها حول شكل النظام الاجتماعي السياسي السائد في أي بلد, أي أن تكون هناك سلطة واحدة لا تعلو عليها سلطة العشيرة أو الطائفة أو الدين. وإذا وضعنا هذا الأساس نستطيع الانتقال نحو خطوة بناء نظام تربوي غير قائم على القسر والإجبار.
ومن خلال سن قوانين تحمي المرأة والطفل وهما الأكثر تعرضا للعنف في مجتمعاتنا نستطيع توفير بيئة مناسبة لتطور مجتمعاتنا باتجاه نبذ العنف وإدانته. وللعنف أيضا جذور في طبيعة النظام الاقتصادي القائم ومدى الضمانات الاجتماعية التي تستطيع تقديمها الدولة للأسر التي لا تستطيع توفير غذاءها اليومي, الدراسات كلها تثبت بأن الأسر التي يعاني فيها أحد الأبوين من البطالة يزداد العنف فيها وإذا علمنا بأن الرجل هو المعيل الرئيسي في مجتمعاتنا وبنسبة كبيرة. مسببات العنف متعددة لكن الذي يهمنا منها المسببات الاقتصادية والاجتماعية وبالذات في اغلب الدول العربية وهناك العنف المتولد نتيجة ارتفاع الأسعار والفساد وهذا يولد بغضا وشحناء بين أبناء المجتمع وكذلك تعبئته بالكراهية.
فقد لاحظت في شهر رمضان أكثر من مشاجرة بين صاحب التاكسي والراكب وبين صاحب السوبر الماركت مع المشتري وبين المراجعين في الإدارات مع الموظفين وكلها ظواهر من المؤكد أنها تزول بزوال المؤثر أو السبب. اما شمولية التشخيص فعلماء الاجتماع والمتخصصون لهم نظرة أكثر معرفة ومن الممكن ان نسمع وجهة نظر علمية أكثر تشخيصا لهذه الظاهرة التي تعكر صفو الاستقرار والسكينة في أوساط المجتمع. لعلّ من الضروري أن يتم الحديث دوما عن ضروب من العنف لا, بل يمكن التوقف أخيرا عند نوعين منهما وواضح أن العنف الأكبر هو العنف الرسمي, وهو الغطاء لأي عنف آخر ويبقى السؤال منذ ضريبة هابيل الكبرى:
إلام العنف وكيف نعيش في عالم بلا عنف يبقى السؤال قائما أجل. العنف وبكل أشكاله أداة هدم للمجتمعات والإفراد – وباختصار أسبابه وتعريفه التالي: العنف سلوك سلبي نابع من نفس ضعيفة المفاهيم الدينية والدنيوية تجلت بردة فعل مغايرة للسلوك السوي. العنف محصلة اعتماد النفس البشرية على المؤشرات الدنيوية البحت من دون الارتكاز على التعاليم الدينية كقاعدة – والتي جاءت بكل المعايير كضابط ومهذب لسلوكيات البشر.
العنف ردة فعل لانعدام العدالة وتوزيع الثروة وتكافؤ الفرص والتمايز الطبقي. العنف ردة فعل لعدم تواؤم ما بين يحمله الإنسان من دين وقيم وأخلاق وعادات وتقاليد والوافد من الأخر المغاير لها “حضارة من دون ثقافة تؤدي للانحطاط” العنف ردة فعل للإحكام الجائرة والنظريات الفوقية المتوحشة والمتسلطة “سياسة من ليس معنا ضدنا” العنف ردة فعل للفرد المنوي إلغائه من الأخر “فقدان الديمقراطية” العنف يتوالد عن تشابك الآراء وعدم القدرة على التمييز ما بين الصح والخطأ لعدم وجود قاعدة ثابتة متفق عليها المجتمع “الكل يغني على ليلاه”.
ان مفتاح الحل يكمن في الديمقراطية وحتى تتوفر هذه الجملة المستحيلة لابد أن يربى الناس التربية الديمقراطية الحقة ابتداء من الأسرة ثم تمتد إلى المجتمع وفقا لقاعدة “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” إذا لابد من وجود الإنسان الديمقراطي والمثقف الشعبي الذي ينزل من الأبراج العاجية إلى الشارع العربي ويتحمل مسؤولية أكثر من 250 مليون إنسان عربي مغيب تماما في غيبوبة شاملة: حتى الديمقراطية نفسها لا تعني شيئا بالنسبة للمؤسسات الاستعمارية, لان الديمقراطية تعمل على تهيئة جو صحي ومعافى لتوعية الشعوب العربية والغرب يستغل هذه الشعوب ولا يريدها أن تعي وتنهض لذلك يسعى لتقويضها بوساطة طابوره الخامس والسادس المذكورين آنفا بإعادة إنتاج مرحلة انتهت إلى مرحلة جديدة قوامها الشعوب تقرر. تنامي العنف بشكل لافت للانتباه في الدائرة الاجتماعية للعرب وصار بمثابة الهواء الذي يتنفسونه والغذاء الذي يواصلون به الحياة يبدأون به صباحهم ويتمون به يومهم عند المساء ويعرف العنف بأنه النشاط الذي يتصرف به أحدهم تجاه إنسان آخر ويخلف له الضرر المادي والمعنوي.
ومظاهر العنف عديدة تبدأ بسوء التفاهم والخلاف والشجار لتفضي إلى التصارع والتباغض والتكاره وتبادل الاتهامات والشتم والسب لتصل إلى التصادم والتقاتل مما يعني التحارب والثأر والقصاص وهو أشد أشكال العنف المؤسس الذي يتحول إلى عنف جماعي وطبقي تمارسه الدولة على الإفراد من أجل حفظ النظام ويمارسه الإفراد ضد الدولة من أجل التغيير الاجتماعي والتوق إلى ما هو أفضل. وأسباب العنف عديدة أهمها السبب الطبيعي خاصة استعمال الكائن قدراته الطبيعية للمحافظة على البقاء, ثم سبب اقتصادي وهو صراع الدول على الموارد الاقتصادية مثل الماء والطاقة والمعادن النفيسة والغذاء وبالتالي يتحول التنافس على الأسواق من مجرد تنافس تجاري بين شركات إلى حروب دامية بين الدول: وهناك سبب سياسي يرجع إلى ولادة الإيديولوجيات ورغبتها في الانتشار والهيمنة ونية الحكام المحافظة على كراسيهم ومصالحهم مما يجبرهم على استعمال القوة لتحقيق ذلك, لكن السبب الأكثر إحراجا هو السبب الديني والعقائدي لأنه يمكن أن يبرر تبريرا إيمانيا ويطلق عليه العنف الطاهر والمقدس رغم ما يخلفه من ضحايا أبرياء ومن توترات مذهبية واحتدامات طائفية بغيضة. تحية طيبة باختصار ومن دون إطالة ان سبب العنف اللفظي والجسدي والروح العدوانية المتفشية في جسد العرب المسلمين في القاعدة هي الثقافة الدينية والمسؤولية تقع أولا على رجال الدين ومن بعدهم المؤسسات التعليمية? هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة و ما هو عدل في نظرها. أو هي انتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه. أو هي انتهاك و خرق للقواعد و المعايير الأخلاقية للجماعة. و هذا التعريف تبناه الأخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية