المسيجية الصهيونية وصنع القرارات الأمريكية حول فلسطين – د. غازي حسين
تأثرت قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني بالمزاعم والأطماع التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود والمسيحية الصهيونية واليمين السياسي والمحافظون الجدد على صنع القرارات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الغربي.
وعلى الرغم من أهمية الوطن العربي للمصالح الغربية بسبب موقعه الجغرافي الهام ووجود أكبر احتياطي للنفط فيه انحازت الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية كلية للعدو “الإسرائيلي”.
وتبنت مواقف معادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة وحركة التحرر الوطني العربية وللعروبة والإسلام.
وظهر بجلاء تأثير الفكر المسيحي البروتستانتي (الطهوري) أو ما يطلق عليه البعض بالمسيحية الصهيونية على صناعة القرارات الأمريكية فيما يتعلق بقضية فلسطين وقضية القدس، ورسّخ الفكر الطهوري ثلاثة مبادئ انغرست في صميم المجتمع الأمريكي وهي: أولاً: الإيمان بعودة المسيح على الرغم من عدم وجود عودة ثانية للمسيح. ثانياً: هجرة اليهود إلى فلسطين، لأن عودة المسيح مشروطة بقيام “إسرائيل”، وقيامها لا يتحقق إلاَّ بهجرة اليهود إليها وترحيل الفلسطينيين منها، ثالثاً: تأسيس “إسرائيل” في فلسطين وجعلها دولة لجميع اليهود في العالم، وحكم العالم ألف سنة من القدس وعليها ملك من نسل داود تحقيقاً لخرافة هيرمجدون.
لعبت هذه العوامل دوراً أساسياً في تهجير اليهود إلى فلسطين وصدور وعد بلفور غير القانوني ونظام الانتداب الاستعماري لتنفيذ وعد بلفور وفتح أبواب فلسطين على مصراعيها لهجرة اليهود إليها وصدور قرار التقسيم غير الشرعي، واستغلال الصهيونية للقرار واستخدام القوة وإشعال حرب عام 1948 لتأسيس “إسرائيل” وارتكاب النكبة المستمرة باستغلال الهولوكوست النازي لإقامة الكيان الصهيوني ولتبرير الهولوكوست “الإسرائيلي” على الشعب العربي الفلسطيني ومصادرة أراضيه وتهويدها وإشعال الحروب اليهودية والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ووضعت اللوبيات اليهودية الأمريكية والمحافظون الجدد والانجيليون الأمريكيون «إسرائيل» فوق القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية، لأنها إرادة يهوه لشعبه المختار.
وتعود نشأة الأصولية المسيحية على أيدي المهاجرين البروتستانت الذين هاجروا من بريطانيا في القرن السابع عشر بسبب الاضطهاد الذي كان يعانيه البروتستانت في أوروبا، واعتبروا أمريكا الملجأ والملاذ لهم بوصفها أرضاً جديدة. وعُرف هؤلاء البروتستانت بالطهورين.
وتتلخص أهداف الحركة الطهورية (التدبيرية) بما يلي:
1 ــــ قيام “إسرائيل” وعودة اليهود إليها.
2 ـــ هجوم أعداء الله على إسرائيل ووقوع معركة هيرمجدون النووية.
3 ــــ انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين من البشر.
4 ــــ ظهور المسيح وإنقاذه لأتباعه.
5 ــــ إيمان من تبقى من اليهود بالمسيح.
6 ـــ انتشار السلام في مملكة المسيح ألف عام.
7 ـــــ مهمة هذه الحركة أن تعجّل في عودة المسيح ويتطلب ذلك:
أولاً: وجوب إضعاف العرب عسكرياً. ثانياً: تلبية جميع مطالب “إسرائيل” المالية والسياسية والعسكرية. ثالثاً: تعزيز ترسانة “إسرائيل” النووية.
ويجسِّد التحالف بين “إسرائيل” والولايات المتحدة تحالف عقائدي (ديني) واستراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي ينطلق من النبوءات التوراتية والانجيلية والمصالح الاستعمارية لأمريكا و”إسرائيل”.
ووصلت السخافة حداً يتمنى فيه الكثير من أفراد الشعب الأمريكي لو أنه ولد يهودياً، لينعم بالانتساب إلى شعب الله المختار، الذي يقاتل الله عنهم في جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين.
وينظر هؤلاء إلى أن اليهود هم جند الله في أرضه، وأن الفلسطينيين (والعرب) هم إرهابيون وجنود الشيطان، وأن أقلية من الأمريكيين يعتقدون بعكس ذلك، ولا يملكون ما يملكه اليهود من النفوذ والأموال.
ويلاحظ المرء في أمريكا أن المسيحيين الانجيليين يؤمنون بالخرافات والأساطير والأكاذيب والأطماع التي أوردها كتبة التوراة والتلمود أكثر من اليهود أنفسهم إرضاء لليهود لكسب ودهم وتأييدهم.
ويحتل دعم “إسرائيل” الأولوية لدى المسيحية الصهيونية على تعاليم السيد المسيح. ويدعو الانجيليون الأصوليون أتباعهم إلى تأييد “إسرائيل” ودعمها عسكرياً ومالياً وسياسياً، ويؤكدون لهم بما أنهم يؤيدون الصهيونية و”إسرائيل” فهم على الطريق الصواب وفي الجانب الرابح دائماً.
وتقول الكاتبة الأمريكية غريس هاليسل عن مارفن أحد زملائها في رحلة الحج إلى القدس (كغيره من اليمين المسيحي الجديد) إنه يشعر بالنشوة لأنه مع الحليف الرابح “إسرائيل”. وذكر في المقطع 110 الذي يتحدث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ويملأ الأرض بجثث غير المؤمنين، والمقطع 137 الذي يعرب فيه عن الانتقام من أطفال بابل وإلقائهم فوق الصخور. وأضاف مارفن في حديثه مع الكاتبة هاليسل:
وهكذا يتوجب على “الإسرائيليين” أن يعاملوا العرب بهذه الطريقة. وقال لها مارفن (بغباء): «إن على الأمريكيين أن يتعلموا من “الإسرائيليين” كيف يحاربون». ووصل الخرف والشعوذة والهلوسة وفقدان أي حس بمبادئ الحق والعدالة حداً قال فيه: «إننا نحن المسيحيين نؤخِّر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأرض الفلسطينية».
وأوردت غريس هاليسل في كتابها «يد الله» ما قاله لها أندي غرين الذي هاجر إلى إسرائيل عام 1975 حول مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويدها: «ليس للعرب أي حق في الأرض، إنها أرضنا على الإطلاق هكذا يقول الكتاب المقدس، إنه أمر لا نقاش فيه أن الأقوى هو الذي يحصل على الأرض».
وتشير الكاتبة الأمريكية إلى كتاب المؤلفة اليهودية فيوريخت «مصير اليهودية» التي كتبت فيه تقول:
«وضع (الإسرائيليون) مصيرهم بيد الجيوش والأسلحة، وبتشريفهم الجنرالات أكثر من الأنبياء، لا يختارون الحياة وإنما يختارون الموت».
وتطرقت الكاتبة هاليسل إلى ما قاله “إسرائيل” شاهاك عن طبيعة الصهيونية حيث قال: «إن طبيعة الصهيونية هي البحث الدائم عن حام ومعيل، في البداية توجه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا، والآن يتوجهون ويعتمدون كلياً على الولايات المتحدة». وقد أقاموا هذا الحلف مع اليمين المسيحي الجديد لكي يبرر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل.
وأكدت الكاتبة الأمريكية وجود عشرات الملايين من المسيحيين (الانجيليين) الأمريكيين يعتقدون أن القوانين الوضعية يجب ألاَّ تطبق على مصادرة اليهود واسترجاعهم لكل أرض فلسطين، حتى ولو تسبب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة فإنهم يعتقدون بأنهم تصرفوا بمشيئة الله.
ونظّم التحالف المسيحي الأصولي في منتصف تشرين أول 2002 مؤتمراً في مركز المؤتمرات في واشنطن أعلنوا فيه: «أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد على حماية “إسرائيل” والحفاظ عليها بكل ثمن، وتوسيع حدود البلاد الحالية ونسيان فكرة فلسطين المستقلة، ليس لأسباب جيو سياسية ولكن لأنه ظهر في الإنجيل».
ودعم الرئيس بوش الابن هذا التحالف، وانتمى إلى أحد تنظيماته الأكثر تطرفاً، ويوجه زعماء هذا التحالف ومنهم المرشح الجمهوري لانتخابات الرئيس لعام 2016 ترامب باستمرار الإهانات للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعمل باستمرار على دعم وتأييد “إسرائيل” ونصرتها مهما ارتكبت من حروب عدوانية ومجازر جماعية وتطهير عرقي.
وتعتبر المنظمات الدينية البروتستانتية التي تنضوي في إطار التحالف أن المدخل لنيل النعمة الإلهية مستحيل إنْ لم يمر بمحبة اليهود والاعتراف بحقوقهم في استعادة أرض “إسرائيل” التاريخية.
وتحدث أولمرت الوزير في حكومة السفاح شارون أمام التحالف المسيحي في واشنطن وقال:
«الله معنا وأنتم معنا» وكان أمامه لافتات مرفوعة داخل القاعة تقول:
«إن كل شبر من الأراضي المقدسة ملك ل”إسرائيل”، وأنه يجب ألا يسمح بقيام دولة فلسطينية على الإطلاق».
وطالبت بعض التنظيمات من المسيحيين الصهاينة الأمريكيين بإعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ويوظف آل سعود الاسلام لقتل المسلمين وتحقيق الاستراتيجيات الامريكية لقاء الحماية.
وأقاموا ثلاثة مراكز دائمة للحوار مع الحاخامات اليهود وهؤلاء المتصهينين المعادين للعروبة والإسلام وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والداعمين دائماً وأبداً ل”إسرائيل” مهما ارتكبت من حروب عدوانية ومجازر جماعية ووضعوها فوق القانون الدولي والقرارات والعهود والمواثيق الدولية لتغيير الاسلام واستثماره في خدمة الولايات المتحدة و”إسرائيل”. وتعتبر المسيحية الصهيونية والمحافظون الجدد ومعظمهم من اليهود واليمين السياسي الامريكي ممثلاً بالرؤساء ريغان وبوش الابن ونائبه ديك تشيني وترامب ونلئبه مايك بنس من أكثر الاتجاهات السياسية تأييداً لتهويد القدس وكل فلسطين وتدمير المسجد الاقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه مما ربما سيشعل نيران الحروب الدينية لعدة عقود في الشرق الاوسط وتجلب الخراب والدمار للعالم بأسره.وتصاغ القرارات الامريكية حول قضية فلسطين اعدل قضية في تاريخ البشرية تجسيداً للتحالف الشيطاني بين هذه الاتجاهات.