الملائكة تحرس فلسطين
الملائكة تحرس فلسطين
بقلم: نضال حمد*
4 نيسان 2002
تحت جنح الظلام تقدمت دبابات الظلاميين نحو مخيم جنين، هذا الذي خرج من أزقته عشرات الاستشهاديين، أولئك الذين أعادوا الاعتبار لتوازن الرعب، من خلال أشلائهم التي تناثرت على شوارع وساحات المدن الفلسطينية المغتصبة من القدس الشريف الى مستعمرات الضفة والقطاع.
تقدمت دبابات الإرهابيين تدعمها الطائرات والأباتشي وكل ما توصلت له آلة الحرب الصهيونية الأمريكية من جديد، ظنا منها بأنها سوف تستطيع القضاء على الثورة المستمرة في فلسطين والملتهبة في جنين ومخيمها الأبي.
نقول لهم لا ومليون لا، لأن لجنين ابطالها المرابطون على خط النار تحرسهم ملائكة الله في السماء وملائكة الانتفاضة على الأرض.
يتعامل الجيش الصهيوني مع مدن وقرى وبلدات ومخيمات فلسطين وكأنها مناطق مستباحة، يحلو له فيها فعل الأشياء التي يريدها، فيقتل المدنيين ويعدم العسكريين الأسرى ويترك الجرحى ينزفون حتى الموت. كما أنه يحاصر المناطق التي يحتلها من كل صوب وحدب، فلا يسمح للهواء ولا للريح بالهبوب، كما أنه يحاول منع الأوكسجين عن شعب فلسطين، المحروس بملائكة الله على الأرض وفوق الأرض وتحت الأرض. فملائكة بلادنا تقاوم كي توقف هدير جنازير الدبابات وكي ينام بسلام الحمام الممنوع من النوم والتحليق والطعام.
إنهم يمنعون الطيور الحقيقة من الطيران لكنهم يسمحون للطيور المعدنية الأمريكية بالطيران والتحليق فوق سماء فلسطين، فيحرمون تلك الطيور من النوم والأمان والاطمئنان والراحة والسلام.
ويسلبون حياة المواطن، بل وحياة أقرب الناس… ثم يتركونه مع جثث ضحاياهم تحت سقف واحد وفي غرفة واحدة، بلا ماء ليغسل به وجه أمه المغدورة أو أخاه المقتول برصاصهم..
كما رأيتم في بيت لحم … يجلس الفلسطيني الأبيّ والقويّ بإيمانه بالقرب من جثة أمه وشقيقه، في غرفة واحدة، شبه واقفة وشبه باقية، بعدما دمرتها قذائف الإرهابيين الصهاينة قتلة الضحيتين المدنيتين.
يقول الرجل أنهم قتلوهما قبل حوالي ثلاثين ساعة من الان، أي انه بقيّ بجوار الجثتين كل هذه الفترة… أي انهم يقتلون الناس ويسجنونهم في بيوتهم مع من تبقى حياً من العائلة..
انه الإرهاب اليهودي الأصولي، والفكر الصهيوني الذي يطبق اجراماً في فلسطين… أنها (إسرائيل) النازية حتى النخاع الشوكي. واذا كنتم لا تصدقون ما أقول، أذهبوا وزوروا رام الله وبيت لحم وجنين وطولكرم وقلقيلية وسلفيت ونابلس وسوف تجدون مليون دليل، سوف تجدون ألف معسكر مثل أوشفيتس و تربلينكا.
انها (إسرائيل) قرينة عزرائيل…انها الدولة المارقة والكيان الدخيل والمصطنع، كيان الغدر والشرّ المطلق…
إنها (إسرائيل) الإرهابية الفاشية التي تمثل أكبر شرور العالم الحديث… (إسرائيل) المؤسسة الحربية التي أخذت الفكرة الاستئصالية من النازية، وأخذت الاجرام من التجربة الفاشية كذلك والعنصرية من التجربة الابارتهايدية في جنوب افريقيا وروديسا، ثم طورتها ومزجتها معا وصنعت منها نظرية أمنية حربية يهودية تنسجم مع النظرية الصهيونية العنصرية. تلك التي كانت تمثل حلم أيديولوجي وعقائدي وديني وتجاري واستيطاني توسعي عنصري، يخدم اليهود المنتفعين منه والمرتبطين بالامبرياليات الأوروبية والعالمية.
تلك الصهيونية التي سلبتنا فلسطين وجعلت علمها بلون البحر أزرق مع خطين يرمزان أنها من النهر الى البحر أو من الفرات الى النيل.
هي نفس الصهيونية التي ساعدت النازيين في ذبح اليهود الأوروبيين الذين رفضوا الرحيل والسفر الى الأرض الفلسطينية، الأرض التي كانوا يقولون للناس انها ارض بلا شعب لشعب بلا أرض.
هؤلاء الصهاينة لم يفكروا إلا بمصالحهم ومشاريعهم وساهموا في معاناة يهود العالم. كما أنهم جلبوهم الى بلادنا لتصبح المعاناة مزدوجة، معاناة لهم ومعاناة لنا. لكن نحن أصحاب الأرض وسكانها الأصليين، الذين تم طردنا وتشردنا من دورنا وتمت سرقة بلادنا وقتل ذرياتنا على أيديهم لن نسلم بوجودهم مهما كانت التكلفة.
نحن أحفاد الأجداد في المخيمات والمعسكرات نحرس حق العودة بالسلاح وبالصدر العاري وبالأحلام والحقائق والوقائع والأفعال …
نحرس حق العودة الذي لا عودة عنه مهما طال الحصار والتضييق ومهما طالت المجزرة وامتدت المذبحة…
نحرسه اليوم في مخيمات الضفة الغربية وغزة كما حرسناه بالأمس بهمة أطفال الأربيجي في مخيمات الأردن ولبنان وسوريا …
نحرسه اليوم بهمة أطفال الحجارة وشباب وشابات الصدر المزنر بقنابل من سجيل، وببارود من الجليل والخليل…
نحرسه بعنفوان من غزة ورام لله ونابلس وجنين وبإرادة شعب لا يُسلم للاحتلال بأرضه فلسطين، لأن حدود حريته أكبر وأطول من خطوط الطول والعرض.
هذا هو شعب الفدائيين … شعب فارس عودة وآيات الأخرس وأم نضال فرحات، ام الشهيد الحيّ، التي ترد على ادعاءات المدعين، وافتراءات المفترين… انها مثال العنفوان الأمومي الملتهب حنانا وحنينا وقناعات ورضا… انها أمنا كلنا وكلنا أولادها… انها الأم التي تشبه الأم أم ناظم، أم الشهداء في مخيم شاتيلا … انها الرمز في التضحية وشهادة الوفاء في زمن المتسلقين على شواهد قبور الشهداء…
انها الحقيقة التي ترعب الجزارين والقتلة وأسيادهم وأزلامهم…
انها الأم التي تهب الحياة و معنى الموت لأجل الحياة، لأنها تؤمن بأن تكون شهيدا حياً خير من أن تبقى ميتاً في الحياة …
هل عرفتم إذن من هم الملائكة؟
انهم أبطال فلسطين، من جيل الحجارة الجديد، جيل العزيمة والشهادة وحب الموت من أجل الحياة …
انهم أبناء فلسطين الشهداء الأحياء..
ومن الملائكة اللواتي يحرسن فلسطين لا بد أن تجدوا أم نضال فرحات وأم ناظم وكافة أمهات الشهداء والمجاهدين في فلسطين.