الملتقى الثالث للثقافة العربية في مدينة خريبكة المغربية
د . موسى الحسيني
امراة الانجازات الكبرى
بمناسبة نجاح الملتقى الثالث للثقافة العربية في مدينة خريبكة المغربية
عندما يلتقي الانسان بالاستاذة الكاتبة والناشطة الجمعوية المغربية ياسمين الحاج ، ومنذ اللقاء الاول سيكتشف انه امام نموذج مميز للمراة العربية بخصائص نادرة ، من الخلق والالتزامات الوطنية والقومية التي يندر وجودها في ايامنا حيث تسودها قيم التخريب العولمية وتشوه المفاهيم ، وانهيار الاعتبارات الاخلاقية والوطنية .
ذلك هو انطباعي الاول ، ايضا ، عندما التقيتها لاول مرة في صيف عام 2012 ، ادركت اني امام قامة شامخة تتطلع بحماس في ان تسهم في عملية التنمية الجارية في المغرب ، مدركة اهمية البعد العربي لتحقيق هذه التنمية . تعيش هموم شعبها المغربي بقوة ، كما تعيش هموم امتها العربية بعمق مشاعر لاحدود لنبلها .وهي اضافة لهذا وذاك شحنة وطاقة من الاستعداد للعمل وتجاوز اللغو الذي يستبدله الاخرين وسيلة للهروب من الالتزام بالمسؤولية .
كان من الطبيعي ان تتعرض امراة بهذا الحجم من العطاء والامل الى حسد وغيرة الكثير من ضعاف الارادة ، ومن اصابهم خور وشلهم العجز والكسل ، فتهربوا من المسؤولية وتخلفوا عن الانجاز ، فكرهوا من يحسسهم بعجزهم ، يبحثون عن هفوة هنا او هناك مهما كانت غير ذا معنى ، عند من يتميز بالابداع ويتطلع لمواجهة مشكلات الوطن والامة ، والمساهمة في وخز العقل العربي وحفزه للقفز وراء تراكمات التخلف والتشوش التي يعيشها ، وتنمية قدرته على مواجهة مشكلات التخلف والجهل وما تعيشه امتنا من حالة نكوص شاذة تخرجها عن مسارات تاريخ البشرية ، وتدفعها الى هامش حركة التقدم التي تعيشها الانسانية جمعاء ، ليغدو وجودها كامة ليس الا وجوداَ عبثياَ في مسارت التيه والضياع بل وتهديد الهوية .
تمكنت هذه المرأة الحديدية ( وهذه التسمية تعود للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بالمختار ) من تحقيق منجزات قد تعجز مؤسسات كبرى بامكانات لاحدود لها ، في تحقيق ما حققته هذه الاستاذة ياسمين ، دون حتى ان تلقى الدعم اللازم والكافي لتغطية نشاطاتها ، تعوض نقص الدعم بارادة حديدية واصرار لانجاح خطواتها ومشاريعها . فهي اضافة لما حققته من نشاطات محلية في توعية مواطنيها لاضرار المخدرات ، وتنظم دورات تقوية للفتاة القروية وطالبات البكلوريا كخطوة باتجاه المساهمة في تنمية وتطويرالقدرات الثقافية والعقليةلابنة القرية في منطقتها في خريبكة ، تستحضر القوافل الطبية لمعالجة الفقراء مجانا في مدينتها ، وتنظم الندوات للدفاع عن حق المراة المغربية ، وتتفاعل كتابة مع حالات الانتحار التي ظهرت بين شباب مدينتها ، وتنتقل للخوض في مشكلات المثقف والثقافة العربية ،هموم بحجم مشاكل الامة من الاحواز الى مراكش ، مشكلات تحني ظهر من يتورط بحملها .
كثيرا هي الانجازات الثقافية والاجتماعية ما يصعب حصره. الا ان همومها المحلية والوطنية لم تشغلها عن همومها العربية التي تمتد على مساحة الوطن العربي ، فنظمت خلال السنوات الثلاث الماضية من معرفتي بها ثلاث ملتقيات تحت شعار ( الثقافة في خدمة التنمية والسلم الاجتماعي ) ، حاولت ان تجمع بها ما تستطيع من مثقفين ونخب عربية من الاقطار العربية المختلفة ، املا منها ان تسهم بصنع تفاعل المباشر بين نخب المثقفين المغاربة و النخب العربية الاخرى ، ما يمكن ان يكون طريقا للتفاهم والوصول لقناعات مشتركة خطوة باتجاه صنع العقل العربي القادر على تحمل مسؤولياته لتخطي ما تعيشه الامة من محنة كبرى ، وانقسامات غير عقلانية .
استمرت الاستاذة ياسمين بذلك طيلة ثلاث سنوات دون كلل او ملل ، مغامرة بامكاناتها المحدودة لايحبط ارادتها قلة الدعم الذي تقدمه لها المؤسسات المعنية بالامر ، غير مبالية بخسارة وبيع مدخراتها ومصاغاتها عندما تضطرها الظروف لذلك .
صحيح ان الملتقى الثالث جاء بمستوى من المشاركة اضعف من الملتقيين الاول والثاني ، بسبب شحة الدعم ، وحرص بعض المثقفين على تامين تذاكر السفر المجانية وهو ما لم تقدر عليه جمعية منتدى الافاق للثقافة والتنمية . كذلك جاء موعد انعقاد الملتقى مصادفة مع فترة الامتحانات التي اعاقت الكثير من الاساتذة عن المشاركة . وكان ضعط الوقت بمناسبة قرب قدوم شهر رمضان الذي الزم المقيمين على الملتقى اختيار هذا الوقت الحرج . الان الملتقى كان ناجحا بكل مقاييس النجاح . ويظل صرحا وعلامة مميزة في تاريخ الثقافة العربية ،وظاهرة جديد في مسارات اللقاءات الثقافية التي تتشكل بارادة مثقفين انفسهم بعيدا عن الاطر الرسمية والحكومية التي عهدناها في مسارت الثقافة العربية . فالملتقى كان انجاز كما قلت قد تعجز مؤسسات كبرى عن تحقيق مثيل له يحسب لارادة المراة الحديدية .
لم تتوقف هموم الاستاذة ياسمين عند حدود مدينتها او قطرها ، او حدود عالمها العربي ، بل راحت وبارادة صلبة تريد غزو العقل العربي في المهجر لتصحح صورته عن المراة المغربية ، وعطائها ومساهمتها في عملية التنمية الجارية في المملكة المغربية ، فقامت بالتعاون بين جمعيتها منتدى الافاق للثقافة والتنمية ومركز لندن للاستشارات والدراسات والتدريب ، بتنظيم ندوتين عن الادب النسوي المغربي في العاصمة البريطانية لندن . شاركت بالندوتين ستة شاعرات واديبات واعلاميات مغربيات اضافة لها . بندوات ناجحة جدا بحساب الندوات المشابهة التي تعقد عادة في العاصمة البريطانية .مع التركيز عن انها تمثل نشاطات قد تعجز مؤسسات كبرى عن تحقيقها .
كاي نخلة شامخة ، تتعرض الاستاذة ياسمين لحملات تشويه . ويتحول الحسد والغيرة عند بعض الفاشلين الى ارهاب ، يامل بقمع الابداع والاعمال الكبيرة . وفي حملة سابقة من هجمات الارهاب الفكري ، شنها بعض انصاف المثقفين تلك قبل سنتين ضد الاستاذة ياسمين ، كتبت ما يلي : ” ياسمين هذه مزهرية ورد تجمعت فيها كل الوان العشق لامتها العربية ووطنها الكبير ، فهي تسوح في ولائها وكتاباتها من تاييد المقاومة العراقية للاحتلال الى الحزن والهم والحسرة على احتلال سبتة ومليلية ، مرورا بالهم الاحوازي والفلسطيني والسوري ، فكل الوطن العربي ، وهمومه همومها حتى انها تجد نفسها معنية كمثقفة بظاهرة التاسلم التي يجتاح الوطن العربي ، فتكتب عنها بقهر وحرقة بامل ان تسهم بوقف هذه الهجمة التترية التي تجتاح اوطاننا وتخرب الحرث والزرع وتنشر القتل والموت والخراب .
تجذر حب العروبة والانسانية جمعاء ، حتى لم يبقى بقلبها مكان لعشق اخر ، شابة واعدة بميزات قيادية مميزة ،” ، يشهد لها بذلك كل من يتعرف اليها عن قرب او يتابع نشاطاتها .
وكل يوم اشعر اني ما اخطات فيما كتبت ، وتنظيم الملتقى الثقافي الثالث ، مؤشر جديد يؤكد على قوة وعزيمة امراة مؤمنة بقضايا امتها ووطنها ومدينتها . جعلت من خريبكة منبرا ومنارا ثقافيا عربيا جديد ، وهي تستقبل كل عام مجموعات من النخب العربية . اتذكر في اول اعلان نشرته الاستاذة ياسمين عن الملتقى الاول للثقافة العربية ، وذكرت مدينة خريبكة دون ان تحدد موقعها في المملكة المغربية ، سال اكثر من واحد على الفيس بوك ( اين تقع مدينة خريبكة هذه ) ،اما الان وبعد تردد اسم خريبكة على مئات المواقع والصحف وهي تنقل اخبار ونشاطات منتدى الافاق للثقافة والتنمية ، ما يؤهل الاستاذة ياسمين لتكريم خاص ووسام خاص من قبل السلطات المحلية للمدينة . فالمعروف ان الكثير من المدن في العالم تصرف عادة الملايين من الدولارات بهدف التعريف بمدنها ، وفرتها الاستاذة ياسمين بنشاطاتها ، من خريبكة الى لندن .
على ان للاستاذة ياسمين بادرة سبق اخرى ، فهي اول من ادخلت القضية الاحوازية ، ثقافيا ، الى المغرب ، واعتبار النخب الاحوازية جزء من النخب العربية الاخرى ، فبادرت لدعوتها للمشاركة في كل هذه النشاطات . يبدو ان بعض الفعاليات المغربية بدات الان بعد سنة من مبادرة الاستاذة ياسمين ، الى الانتباه لذلك والمبادرة بدعوة النخب الاحوازية للمشاركة ببعض النشاطات المغربية . واعتقد ان هذه السيدة تستحق الشكر على ذلك من كل الاخوة الاحوازيين ، بمختلف فصائلهم ، فهي تعاملت معهم كنخب وطنية ثقافية دون الانحياز لهذا الطرف او ذاك التنظيم ، وفق ما يطرحه عليها برنامجها كملتقى يهتم بالنشاطات الثقافية والتنموية ، وليس فعاليات او تجمع لحركات واحزاب سياسية .
فتحية للاستاذة ياسمين الحاج ، وتهاني لها ولكل اعضاء منتدى الافاق للثقافة والتنمية على هذه الانجازات ، ونجاح الملتقى الثالث للثقافة العربية الذي انعقد في خريبكة للايام 5-7 حزيران /جون 2015 .ونتمنى لهم جميعا القوة والعزيمة لمواصلة مثل هذه النشاطات والانجازات الكبيرة ، ونشد على ايادي الجميع خاصة الاستاذ سعيد نصري ، ومحمد رايس ،وكل الاعضاء الاخرين من ذكور واناث ، على ما بذلوه من طيبة وكرم وجهود استثنائية لارضاء وراحة الضيوف ، جميعا .