المهابيج في مخيم عين الحلوة ومقهى أبو دياب العلي – 18-
من ذكريات وحكايات عين الحلوة ومقهى أبو دياب العلي – 18-
اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف:
قصتنا اليوم وإن كانت في جانب منها ستتطرق الى مقهى أبي دياب العلي رحمه الله، لكنها ستتحدث أكثرعن المهابيج في المخيم وعن بعض الختايرة وعن الديوان وضيوفه. ستتحدث عن حرارة الاستقبال ولذة طعم القهوة العربية المُرّة، الممزوجة بالهال… كما ستتحدث عن دفء مواقد الفحم وعن الجمر المتوهج احمراراً، خاصة في فصل الشتاء…
هل هناك منكم من لا يتذكر “الدلفة” في السقف، سقف الزينكو و”السطل” أو “الطنجرة” و “الطشت” أو “الجاط” الأواني اللواتي كُنّ أمهاتنا يضعنها تحت “الدلفات” لتتساقط فيها أمطار الشتاء، الدالفة والمتسربة من الأسقف والأسطح، حتى ولكي لا تتبلل أرضية البيت والحصائر والأوعية داخل غرفته أو غرفه القليلة والخ… طبعاً كلنا سمعنا من كبارنا ومن أمهاتنا وآباءنا وأجدادنا وستاتنا، مثلنا الشعبي الفلسطيني التالي “من تحت الدلفة لتحت المزراب”. يضرب هذا المثل على من يهرب من واقع سيء إلى واقع اسوأ منه أو من يخرج من ضيق الى أضيق منه.
من منكم يا أهالي مخيم عين الحلوة وكل مخيمات شعبنا لا يتذكر سيمفونيات الأمطار الشتوية على ألواح الزينكو، التي كانت تُسقف بها بيوتنا المتواضعة. كنت أتابع عزف الأمطار فوق ألواح الزينكو لغاية أن استسلم للنوم طواعية أو بلا إرادتي وربما بسبب التعب والارهاق والنعس. في اليوم التالي نذهب الى المدرسة عبر نهر من السيول والأمطار كان يحول زاروب حارتنا وبيتنا الى وادي وسيل جارف، يجرف في طريقه كل شيء. عندما نصل الى الشارع العام (الفوقاني) المؤدي الى المدرسة، نجد على الشارع كثير من الحُفر التي تجمعت فيها مياه الأمطار الشتوية، فغدت وكأنها مستنقعات مياه منتشرة هنا وهناك. نخبط مياهها بجزمنا الصغيرة ومن ثم نواصل مسيرنا باتجاه المدرسة.
هل تعرفون وتعرفن مِما يُصنع المهباج؟
يصنع من خشب البطم وإذا لم يتوفر أو تعذر الحصول عليه، يكون خشب الخروب أو المشمش بديلاً عنه. أما المهباج فبحسب صديقي دياب العلي وهو بدوي أصيل من جليل فلسطين” فإنه يرمز الى الكرم والجود وحب إكرام الضيف..
أما صناع المهابيج فيمكن اعتبارهم فنانين. لا بل هم فنانين بالفعل. تماماً كمن يقومون بصنع العود والطبل والناي والدف والربابة وغيرها من الآلات الموسيقية. المهباج أيضا من العائلة الموسيقية الايقاعية، اذ لا بد للفنان صانع المهباج أن يتقن صناعته لكي يؤمن “للدقيق” أو “المبهجاتي” هذا إن صحت الكلمة، طريقة تمكن الشخص (دقّيق) المهباج أن يُصدر ايقاعات جميلة، تكون محببة ولطيفة ومقبولة للأذن وللسامع.
فايقاعات المهباج عادة تلقي الحماسة والسرور والدفء وتلهب مشاعر القوم، سواء أصحاب الدار أو الزوار… سواء الضيوف أو أهل البيت من الجالسين حول مناقل الفحم، التي كانت تضع عليها مصبات القهوة العربية. في السهرات يتم التبارز الزجلي والشعري فتلقى اثناء ذلك بعض الأشعار الشعبية . كما يستمع الحضور للزجليات وللأهازيج الشعبية الحضرية والبدوية والفلاحية.
الصديقان دياب وصالح العلي وهما نجلي المرحوم أبو دياب العلي كانا محظوظين لأنهما عاشا أوقاتا جميلة وسنوات حافلة من عمريهما في مقهى والدهما، حيث إكتسبا المعرفة والخبرة من الختايرة، بركة الجليل وكل فلسطين. فهذا سر خزان معرفتهما وذكرياتهما لذا فقد عقبا على إحدى حكاياتنا عن مقهى والدهما، والتي تطرقت فيها لمهباج كنت أراه في بيت عمي الراحل أبو إسماعيل حمد كلما زرته في مخيم شاتيلا. قالا” أنه كانت هناك ديوانيات عديدة في مخيم عين الحلوة، توفرت فيها المهابيح”.
ربما ما ذكره دياب وصالح لا يشملها كلها. لكنني سأعدد ما عرفناه منها:
مهباح أمير “عرب الغوير” حسين العلي والد الأستاذين ابراهيم وصبحي الحسين، حيث كان يضعه في مضافته الشهيرة والتي كانت تستضيف ختيارية المخيم.
مهباج الحاج جروان الحميّد “أبو شكري” من عرب العلمانية.
مهباح أبو حسين سعد الحمد من “عرب الزبيد” وكان يلقب بأبي فلاح.
مهباح موسى العيسى المصلح وهو والد الحاج عيسى المصلح، الذي بدوره يكون والد زوجة شقيقي الشيخ أبو محمد حمد. المرحوم موسى العيسى المصلح هو أيضاً جد الأخ محمد المصلح في مالمو بالسويد وأحمد المصلح في سلوفاكيا وابراهيم المصلح في برلين… تأملوا معي هذه العائلة الفلسطينية فهي مثال ينطبق على غالبية العائلات الفلسطينية، فكل أخ من الأخوة ومعه عائلته يحملون جنسية بلد معين. أما والدهم الحاج، المرحوم عيسى المصلح والذي تعرفت عليه عن قرب خلال زياراتي الى منزل عائلتي في لبنان. حيث كان يأتي لزيارة ابنته “ايمان – أم محمد” زوجة شقيقي جمال. هذا الرجل المتواضع والمحترم، كان طيباً جداً ومسالماً جداً وهادئً جداً، كما كان محدثاً لبقاً، رصيناً وكانت لديه معرفة وإلمام بالعلم والتاريخ والدين. كما كان كريماً وشهماً ومضيافاً مثل والده الحاج موسى العيسى المصلح، الذي كما أسلفنا كان عنده مضافة في بيته ويقدم القهوة المُرّة للضيوف.
فقد كان من ضيوفه الدائمين بحسب الأخوين العلي: “كان دائما في المقدمة الضيف الدائم أبو فيصل شبايطة”. حيث هناك كانت رائحة القهوة بالهال تُفتح قريحته التراثية فور بدء أبو عيسى المصلح بالدق على المهباج.
في الختام يقول صديقنا صالح العلي من مكان اقامته في المغرب حيث ووري الثرى قبل أشهر حبيبنا وصديقنا ابن مخمينا عين الحلوة، المرحوم وليد ابو جاموس. يقول صالح أنه كان هناك أيضاً مهباج في ديوان الحاج عبد المجيد كنعان من بلدة صفورية. نسيت أن أسال دياب وصالح إن كان هناك مهباج تواجد في مقهى والدهما الذي كان لحد ما يشبه الديوانية والديوان ودار الضيافة.
يتبع
في 07-11-2021
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف