الموقف الأمريكي من القدس المحتلة يقود الى اشعال ا لحروب الدينية قي الشرق الاوسط
د. غازي حسين
وقَّعت الولايات المتحدة الأمريكية مع «إسرائيل» في 19 كانون الثاني 1982 وبالتحديد في اليوم الأخير لولاية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان المؤمن بالمسيحية الصهيونية على وثيقة خطيرة جداً ومعادية للعروبة والإسلام تتناول وضع القدس العربية المحتلة وسميت «اتفاق إيجار وشراء الأرض» حصلت الحكومة الأمريكية بموجبها على قطعة أرض من أملاك الوقف الإسلامي والأملاك الفلسطينية الخاصة في القدس الغربية المحتلة عام 1948 لبناء السفارة الأمريكية عليها.
وكانت الحكومة الأمريكية قبل التوقيع على هذه الوثيقة تعتبر القدس كياناً منفصلاً خارج نطاق السيادة (الإسرائيلية). ويعني التوقيع على هذه الوثيقة اعترافاً ضمنياً أمريكياً بسيادة «إسرائيل» على القدس المحتلة، وفي الوقت نفسه يحرم القانون الدولي الحصول على أرض من سلطة الاحتلال عن طريق الاستئجار أو الشراء.
أكدت إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس أن الأرض التي استأجرتها الحكومة الأمريكية في القدس المحتلة هي من أراضي الوقف الإسلامي، وبالتالي لا يحق (لإسرائيل) كدولة احتلال أن تتصرف بها كما لا يحق للولايات المتحدة أن تستأجرها انطلاقاً من القانون الدولي.
اتخذ الكونغرس الأمريكي المتصهين في 22 أيار 1990 القرار رقم 106 الذي نص على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وصدر قانون نقل السفارة الأمريكية عام 1995 بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض الأمريكي بين دولة الاحتلال والمفاوض الفلسطيني الهزيل، حيث تم فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي. وجاء قرار الكونغرس أيضاً عشية انعقاد قمة عمان للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي خططت لها ورعتها الولايات المتحدة لفرض التطبيع وهيمنة العدو الإسرائيلي على الاقتصادات العربية، وحل أزماته الاقتصادية، وأصبحت السياسة الأمريكية سياسة إسرائيلية بسبب خضوع الكونغرس والرئيس الأمريكي للوبيات اليهودية وتخاذل محور المعتدلين العرب واستمرارهم في بيع فلسطين لليهود قطعة قطعة.
مضمون القانون الأمريكي الجائر:
احتوت ديباجة القانون الأمريكي القذر على كافة المزاعم والخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية في مدينة القدس العربية. وتنكَّر القانون في الوقت نفسه لتاريخ وواقع القدس والسيادة العربية الإسلامية عليها، لاسيما وأن السيادة على القدس ثلاثية الأبعاد: فلسطينية أولاً، وعربية ثانياً، وإسلامية ثالثاً. وتضمن القانون ثلاثة بنود: الأول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة أي تكريس الاحتلال (الإسرائيلي) للقدس بشطريها المحتلين، وشرعنته. والثاني: يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ«إسرائيل»، ويدعم الاحتلال والضم والتهويد والدفاع عنه. والثالث: يلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وإقامة مبنى السفارة فيها حتى عام 1999 أو متى يحين الوقت لذلك.
وخصص القانون المبالغ اللازمة لأكبر عملية قرصنة واغتصاب وتهويد وانتهاك للديانة الإسلامية. ووافق عليه مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (93) مقابل (5) أصوات ضده، وأعلن الرئيس بيل كلنتون أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم بتنفيذه.
صمتت معظم الدول العربية صمتاً مريباً ومخزياً وتفاوتت بعض الردود التي صدرت عنها بين التعبير عن شكر الرئيس كلنتون (لأنه لم يؤيد القانون ولكنه وقّع عليه) وبين إبداء الدهشة والأسف، مما يدل دلالة واضحة على تخاذل معظم الحكام العرب وإذعان العديد منهم وعلى رأسهم الطاغية المخلوع حسني مبارك للمزاعم والأطماع اليهودية والإملاءات الأمريكية على حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في مدينة الإسراء والمعراج. يعني القانون الأمريكي الظالم الاعتراف الأمريكي بالاحتلال الإسرائيلي للقدس، والاعتراف بها عاصمة موحدة لـ «إسرائيل» ويتناقض مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تعتبر القدس أرضاً عربية محتلة يجب الانسحاب منها. ويدل دلالة واضحة على تحوّل قضية القدس إلى قضية داخلية في الولايات المتحدة، وتراجعاً حقيراً من إدارة الرئيس كلنتون عن المواقف التي أعلنتها الإدارات الأمريكية السابقة ومكافأة أمريكية همجية (لإسرائيل) المعتدية على حروبها العدوانية، وانتهاكاً فظاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
مجرم الحرب بوش يوقع قانوناً يعتبر القدس بشطريها المحتلين عاصمة لـ«إسرائيل»:
وقع الرئيس بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً أقره مجلس الشيوخ الأمريكي ينص على أن «القدس الموحدة» عاصمة للكيان الصهيوني، مما أثار الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية.
وجاء هذا القانون الأمريكي الموغل في الهمجية والتوحش والعداء للعروبة والإسلام ليمس في الصميم أعدل وأقدس قضية عربية وإسلامية، وينذر بأوخم العواقب على الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة وفي العالم أجمع.
يؤكد هذا القانون الخطير على الانحياز الأمريكي السافر لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة وتبنيه والدفاع عنه. وستكون مخاطر هذا القانون كارثية على الأمن والسلم في المنطقة وفي العالم، وشجع العدو المحتل على الاستمرار في التطرف والتصلب وتهويد الأرض والمقدسات في القدس بشطريها المحتلين خلافاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، وحقوق العرب والمسلمين في مدينة الإسراء والمعراج.
وجسّدت هذه الخطوة الأمريكية الخطيرة إهانة كبرى لمشاعر جميع الشعوب الإسلامية. وشكلت إخلالاً بالتزامات الولايات المتحدة الواردة حتى في كمب ديفيد وأوسلو، وخروجاً على الموقف الأمريكي المتضمن بتأجيل النظر في قضية القدس. ووجهت الخطوة الأمريكية الجائرة صفعة لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعتبر القدس مدينة محتلة ينبغي الانسحاب منها ووجوب تفكيك جميع البؤر والأحياء والمستعمرات اليهودية فيها واعتبرتها غير شرعية ولاغية.
وصعّد هذا القانون الأمريكي الحقير الكراهية والبغضاء لأمريكا والتي غدت أكثر دولة مكروهة في العالم بسبب دفاعها عن الاحتلال (الإسرائيلي) وتهويد القدس وإشعالها للحروب العدوانية ولاستخدامها القنابل النووية في نيكازاكي وهيروشيما.
وصف المطران هيلاريون كبوجي، مطران القدس في المنفى هذا القرار الأمريكي بأنه يعكس الانحياز الأمريكي الأعمى لـ«إسرائيل» وهو خرق فاضح للشرعية الدولية واستهتار وتحد واحتقار للعالمين العربي والإسلامي.
ينتهك القانون الأمريكي الذي وقعه مجرم الحرب الرئيس بوش مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ويجسِّد الانحياز الأمريكي الأعمى للعدو الإسرائيلي، وخطوة أمريكية إضافية تمس مشاعر المسلمين والمسيحيين الذي يعتبرون القدس مدينة مقدسة تحتضن رموزاً دينية بالغة الأهمية، وهي مدينة الإسراء والمعراج وأولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتضم كنيسة القيامة أقدم كنيسة في العالم.
استنكر خطباء المساجد في معظم البلدان العربية والإسلامية في خطبة الجمعة بتاريخ 11/10/2002 خروج الولايات المتحدة الفظ على أحكام القانون الدولي والحق العربي والإسلامي. وأشاروا أنه يشكل تحدياً سافراً لمشاعر العرب والمسلمين، وشددوا على أن القدس مدينة عربية منذ تأسيسها وقبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وأن الأمة العربية والإسلامية ترفض القانون الأمريكي جملة وتفصيلاً.
أبعاد القانون الأمريكي:
وجه القانون الأمريكي الجائر حول القدس ضربة قاتلة للأمن والسلم والازدهار في المنطقة إلى عدة عقود من الزمن، لأنه شجع الاستعمار الاستيطاني اليهودي في قلب الوطن العربي وجعل دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي وعلى رأسهم الفاشي نتنياهو يصرحون بأن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محررة وليست محتلة. ويرفض حتى اليوم وقف الاستيطان وتفكيك المستعمرات اليهودية معتمداً على الدعم الأمريكي داخل الأمم المتحدة وخارجها ومن أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب الذين باعوا فلسطين للمحافظة على كراسيهم.
وتبين بجلاء من خلال قرارات الكونغرس والقوانين التي وقعها ريغان وكلنتون وبوش أن الولايات المتحدة هي الحامي والشريك والمدافع عن الاحتلال (الإسرائيلي) للأراضي العربية في فلسطين والجولان وجنوب لبنان وبشكل خاص في مدينة القدس.
أهان القانون الذي وقعه المجرم بوش المشاعر الدينية لمليار ومئتي مليون مسلم في العالم وثلاثمائة مليون عربي من المسلمين والمسيحيين، وأظهر الرئيس بوش المؤمن بالخرافات والأكاذيب التوراتية والتلمودية أن الولايات المتحدة هي «إسرائيل الجديدة» في القارة الأمريكية. وظهر أن وحشية بوش وشروره وحروبه ومعاداته للعرب والمسلمين تفوق عدوانية ووحشية هتلر، لأنه كان يتمتع بروح انتقامية توراتية تلمودية من المسلمين والإسلام وبجنون العظمة التي لا مثيل لها لدى أي زعيم ظهر في العالم.
لقد قلب القانون الأمريكي حقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والواقع رأساً على عقب لإنكار الكونغرس والرئيس الأمريكي المهووس لمبادئ الحق والعدل والإنصاف والتطاول على المقدسات العربية والإسلامية وعلى الحقوق المشروعة للعرب والمسلمين في مدينتهم مدينة الإسراء والمعراج.
لماذا تجرأ الكونغرس والرئيس بوش على اتخاذ هذا الموقف المنحاز لليهود والمعادي للعرب والمسلمين وعلى تدوين المزاعم والأطماع التي كتبها كتبة التوراة والتلمود في القوانين الأمريكية؟
لماذا يعتدي الكونغرس والرئيس بوش ومن بعده أوباما على الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في القدس المحتلة؟
انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة تعتبر القدس مدينة محتلة. الكونغرس والرؤساء في الولايات المتحدة ويدعم تهويد القدس أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
إن الرسالة التي وجهها القانون الأمريكي حول القدس إلى الحكومات العربية والإسلامية تقول:
«إن الإدارة الأمريكية لا تقيم وزناً لكم ولا تحترم مقدساتكم ومشاعركم ومشاعر شعوبكم، وعليكم أن تركعوا أمام دولة اليهود وتخضعوا لشروطها وتوافقوا على إملاءاتها وتقبلوا بما تخططه لكم وعليكم التعامل وكأنكم تتعاملون مع الولايات المتحدة».
يعبر القانون الأمريكي عن أنانية أمريكية دنيئة من أجل مصالح انتخابية رخيصة لكسب أصوات وأموال اليهود ونفوذهم في الإعلام الأمريكي وذلك في قضية تمس أعدل قضية عربية وإسلامية وهي قضية فلسطين بما فيها القدس والتي ترقى إلى مستوى القرآن الكريم والسنة النبوية ومعتقدات المسلمين في العالم.
يشكل القانون الأمريكي المذكور استفزازاً لمعتقدات ومشاعر المسلمين واعتداء وحشياً على مقدساتهم وعدواناً صارخاً على عروبة القدس وعلى هويتها العربية والإسلامية، ووضع المنطقة على حافة الحرب العالمية الثالثة ويحمل في طياته استمرار الصراع حتى تحرير القدس من الغزاة الصهاينة وزوال (اسرائيل).
ويعتبر المجتمع الدولي أن ضم «إسرائيل» للقدس المحتلة باطل ، وعلى دولة الاحتلال أن تزيل التغييرات الجغرافية والديمغرافية التي فرضتها باستخدام القوة واستمرار الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، فالقدس ملك للعرب والمسلمين، ولا يجوز بموجب العهدة العمرية أن يسكنها اليهود أعداء الله والأنبياء والرسول العربي وأعداء العروبة والإسلام وشعوب المنطقة والسلام العالمي.
ويقود الى اشعال الحروب الدينية لعدة عقود تحرق الاخضر واليابس وتقتل ملايين البشر تحقيقا لخرافة هيرمجدون التي تؤمن بها المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية.