المياه الداكنة/2019/: – مهند النابلسي
*المياه الداكنة/2019/: جرأة غير مسبوقة تحاكي الأفلام الوثائقية :يطرح تغول وفساد وتلويث الشركات الكبرى للبيئة
*في مكاشفة صريحة ، يواجه محامي جريء (مارك بوفالو) /بدور تقمصي لافت/ وفي اطار شخصية شريفة ونزيهة ومخلصة/ يوايجه لوحده شركة دوبونت /عملاق الصناعة الكيماوية العالمي المتغول/ بحقيقة كون منتجها الرئيسي “التفلون” /وهي الطبقة العازلة المستخدمة في طناجر ومقالي الطهو والقلي/، بحقيقة كون هذه المادة ، تتسبب بكافة انواع السرطانات: الكلى ، الكبد، تقرح القولون، كما أنه يواجهها بحقيقة كون مياهها الصناعية العادمة، قد تسببت بأمراض عصبية قاتلة للمواشي والأبقار في المزارع المجاورة لمصنعها ومعاملها، كما أن نفس هذه المياه قد تسبب شربها بتشوهات وجهية للمواليد وببروز العيون للخارج.
*بدأت القصة في العام 1998، عندما زار مزارع ومربي ابقار عجوز ناقم المحامي المذكور، مصطحبا أدلة مكتوبة وطلب منه زيارته في مزرعته لمعاينة وضع أبقاره البائس،وقد انتهت القصة بعد العام 2012 بعد أن حاولت دوبونت تجاهل الشكاوي والتلاعب بنتائج فحوصات الدم ورشوة الضحايا، لكن معظم محاولاتها البيروقراطية الفاسدة باءت بالفشل عملا بمقولة الفيلم المعبرة “بأن للحقيقة رجلا بالداخل”…
*وهو هنا هذا المحامي المكافح الذي ضحى باستقراره العائلي وصحته، حيث تعرض لانهاك عصبي كبير وصدمة دماغية، جعلته مريضا يرتجف، ولولا الرعاية المباشرة المركزة لتوفي ، مضحيا بحياته وعائلته ومستققبله!
*وبالرغم من انكشاف وفضح دور الشركة العملاقة، الا انها حاولت التملص بتجاهل الموضوع وتعليقه، حيث تبين ثبات مسؤوليتها الواضحة عبر الآف فحوصات الدم التي اجريت للسكان المرضى المعنيين، وتبين أن المسؤولية تقع تحديدا على مسرطن كيماوي يدعى “سي8″، وقد تم الكشف عنه في مناطق المياه الست في “فيرجينيا الغربية”، حيث تعدت نسبة تواجده لأكثر من 1500 جزءا في المليون.
*ثم تبين للمحامي اليقظ المتابع أنه بالرغم من كل الشكاوي والفحوصات والدعاوي والاجراءآت القانونية العقابية، والوعود بالتعويض المالي وبازالة التلوث ومنع اسبابه، الا أنه لا توجد طريقة سهلة للخلاص ومعالجة المشكلة، فقد استمرت ادارة الشركة المتنمرة الفاسدة بالسعي لاستخدام كافة اساليب المراوغة والتملص، ودعم المسؤولين الحكوميين الفاسدين، لتفادي الالتزام بالمعايير المهنية والسلوكية، والمباشر بالتعويضات والعلاج ومجابهة تداعيات الوباء…
*فلقد انتشر الوباء واستفحل في المياه الراكدة، وانتج سرطانات قاتلة وعيوب جينية وعاهات وجهية وتشوهات بالعينين: ولجأت الشركة المتسببة لدفع400 دولار لكل فاحص دم ، لارضاء السكان دون الالتزام بما يترتب على ذلك من نتائج، وكان المطلوب منها دفع تعويضات قدرها 70 مليون للسكان المتضررين، وقد وصل عددهم لحوالي سبعين الفا، ثم طلبت زوجة المحامي من شركته أن تكف عن جعله دوما يشعر بالخيبة والفشل ، مما تسبب له بحدوث نوبات ذعر عصبية مستديمة!
*ثم ظهر فجاة شقيق مصاب بسرطان الخصية منددا بمسؤولية الشركة عما حدث لشقيقه، فلم تثمر جهوده هنا ايضا لمحاسبة الشركة ومقاضاتها.
*لكن المهزلة تكمن بكون استغراق قراءة نتائج فحوصات الدم لأكثر من أربع سنوات، بغرض المماطلة والتسويف والتهرب من المسؤولية القانونية والتعويضات الضرورية للسكان المحليين.
*لقد تحولت القضية في الأخير لمحكمة اوهايو الفيدرالية، كما اجريت في العام 1981 تجارب على الفئران الحوامل، كما تعرضت سبع نساء حوامل لضرر باجنتهن…
*بالرغم من شيطنة البعض للسينما الهوليوودية ووصفها بالتجارية الغير ملتزمة، الا أن بعض أفلام هذا النوع من السينما يعتبر تحفة سينمائية سردية هادفة، مثل هذا الفيلم /الكاشف الفاضح/تحديدا وغيره من الأفلام المشابهة التي تعرضت بعمق وتشويق لأحداث بيئية-اجتماعية سياسية الخ باسلوب متعمق توعوي يدين الأنظمة والممارسات القائمة بلا هوادة وواقعية وقد انجزت كمعظم هذه الأفلام بطريقة وازنة وموضوعية والتزاما بمعايير الانتاج السينمائي ، وفيما يتبجح أصحاب ما يسمى السينما البديلة بانتاجاتهم السينمائية، ويروجون لها بحماس في المهرجانات ونوادي السينما، الا أني اجد الكثير منها فقير المضمون وخطابي ويفتقر حتى للمقومات السينمائية الحرفية المطلوبة، وحتى أن بعضها يفتقر لأدوات السينما المطلوبة الجاذبة للجمهور بحجة ضعف الامكانات والتمويل والدعم والله اعلم!