الميثاق الوطني و عروبة فلسطين – د. غازي حسين
يعتبر الميثاق الوطني الفلسطيني الوثيقة الوحيدة التي نالت الإجماع الوطني الفلسطيني وموافقة جميع الفصائل والقوى والشخصيات والمواطنين الفلسطينيين، وأصبحت نصوص الميثاق المنطلق الأساسي والوحيد للنضال الفلسطيني، وأصبح الميثاق دستور الشعب الفلسطيني وقرآنه وإنجيله، وكذلك لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها.
وأصبح الخروج عن نصوصه خروجاً عن الأهداف والمبادئ، والمنطلقات الوطنية والقومية والدينية وخروجاً عن الشرعية الفلسطينية.
ينص الميثاق على أن فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي، ويؤكد الميثاق على بطلان وعد بلفور غير القانوني وصك الانتداب البريطاني الاستعماري وقرار التقسيم غير الشرعي وقيام “اسرائيل” في قلب الوطن العربي لأن ما بني على باطل فهو باطل مهما طال الزمن.
و ينص الميثاق على تحرير كامل التراب الفلسطيني، وعلى رفض المشاريع والمخططات الرامية إلى تصفية قضية فلسطين أو تدويلها، واعتبار الصهيونية حركة عنصرية ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني والتعايش معه.
إن الالتزام بالميثاق الوطني هو الأساس لترسيخ الوحدة الوطنية، ولتحقيق أماني وأهداف الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية في تحرير فلسطين من الوجود الصهيوني، من كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي ومؤسساته السياسية والعسكرية والثقافية، كما أن الالتزام بالميثاق هو الأساس في تحديد الشرعية، فالخروج عنه أو العمل على إلغائه أو تعديل معظم مواده الأساسية يعني انتهاك خطير لجوهره وخروجاً عن الشرعية الفلسطينية والوحدة الوطنية وأهداف النضال الفلسطيني والقبول بالمشروع الصهيوني وإصباغ صفة الشرعية عليه.
يتناول الميثاق موضوع الكفاح المسلح وينص في مادته التاسعة على أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيكاً، فالميثاق يحدد أسلوب النضال الأساسي لاسترجاع فلسطين العربية وتحريرها من الاستعمار الاستيطاني اليهودي والاغتصاب الصهيوني انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وتجارب الشعوب الأوروبية في مواجهة الاحتلال النازي ومن التجارب التي مر بها النضال العربي من أجل تحرير فلسطين من الاستعمار البريطاني والاستعمار الاستيطاني اليهودي.
ويبيح ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها للشعب الفلسطيني استخدام أساليب النضال كافة بما فيها المقاومة المسلحة لممارسة حقه في تقرير المصير وكنس الاحتلال الصهيوني البغيض للوصول إلى حقه في الحرية والسيادة والاستقلال في وطنه فلسطين وطن آبائه وأجداده أسوة ببقية جميع الشعوب في العالم.
يحدد الميثاق الوطني بأن الطريق الوحيد لتحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني هو الكفاح المسلح أي خيار المقاومة بكلتا جناحيها المسلحة والشعبية، وتنص المادة العاشرة من الميثاق الوطني على أن العمل الفدائي يشكل نواة حرب التحرير الشعبية، ولكن قيادة عرفات وعباس المنحرفة أوقفت العمل الفدائي في الداخل والخارج وتخلت عنه وتدينه ويصف عباس عمليات المقاومة البطولية بالقذرة انصياعاً منه للإملاءات “الاسرائيلية” والمطالب الأمريكية.
تخلىت منظمة التحرير عن الكفاح المسلح والعمل الفدائي والمقاومة المسلحة التزاماً منهما بنصوص اتفاق الإذعان في أوسلو وواي بلانتيشن وخريطة الطريق. وبالتالي تخلت عن هدف التحرير الذي هو جوهر الميثاق الوطني وعن عروبة فلسطين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً للقانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة وأسوة بالتعامل الدولي.
تنص المادة الثالثة عشرة من الميثاق الوطني على أن الوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان متكاملان.
تنص المادة الخامسة عشرة على أن تحرير فلسطين من ناحية عربية هو واجب قومي لرد الغزوة الصهيونية والامبريالية عن الوطن العربي الكبير، ويعني هذا قومية المواجهة وأن الميثاق الوطني يطالب بتحرير فلسطين وتصفية الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني عنصري وتحرير الوطن العربي بأسره من الامبريالية.
وتخوّل المادة الخامسة والعشرون منظمة التحرير الفلسطينية بتحقيق أهداف الميثاق والقيام بدورها الكامل في تحرير فلسطين.
وهنا يتساءل المواطن الفلسطيني: من أجل ماذا تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في القدس بتاريخ 28 أيار 1964 أي قبل احتلال الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة؟
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين المحتلة عام 1948 من الصهاينة الذين جاؤوا من وراء البحار بدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية وبقوة السلاح وباستغلال معزوفتي الهولوكوست (المحرقة) النازي واللاسامية.
ويتساءل المواطن الفلسطيني أيضاً: لماذا قدم شعبنا وأمتنا عشرات الألاف من الشهداء منذ عام 1948 وحتى عام 1967؟ وهل قدم الشعب الفلسطيني والأمة العربية الشهداء الابرار والغالي والنفيس من أجل أن يعترف عرفات وعباس في اتفاق الإذعان في أوسلو بالكيان الصهيوني في 78% من مساحة فلسطين؟.. وهل قدموا الغالي والنفيس وعذابات النكبة والغربة من أجل قيام سلطة فلسطينية صنعتها “اسرائيل” لحماية المستعمرات اليهودية والمستعمرين اليهود في الضفة الغربية ولحمايتها وتهويد القدس؟.. هل ضحى الشعب العربي الفلسطيني وضحت الأمة العربية بمئات الآلاف من الشهداء ومئات المليارات من الدولارات من أجل أن يتنازل عرفات وعباس عن أكثر من 80% من فلسطين للعدو التاريخي للعرب والمسلمين لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري و عنصري وإرهابي في قلب البلدان العربية والإسلامية واوحش دولة فاشية على كوكب الأرض؟
تضمن برنامج العمل السياسي والتنظيمي للثورة الفلسطينية الذي أقرته جميع فصائل الثورة الفلسطينية والمجلس الوطني في دورته الثامنة في آذار 1971 أن الكفاح المسلح هو الطريق الحتمي الوحيد لتحرير كامل التراب الفلسطيني. وأكد البند الأول من هذا البرنامج على التزام منظمة التحرير الفلسطينية التام بمبادئ الميثاق الوطني والتزامها بالنضال في سبيل تحرير كامل التراب الفلسطيني وعودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه فلسطين.
ونص البند الثاني من البرنامج على أن “الهدف الأساسي والمركزي للثورة الفلسطينية هو تحرير الوطن المحتل تحريراً كاملاً وتصعيد الكفاح المسلح ضد العدو” وأكد البرنامج أن الكفاح المسلح هو الشكل الرئيسي للنضال من أجل تحرير فلسطين ووجوب الالتزام بالميثاق الوطني التزاماً كاملاً.
ويستخلص المواطن الفلسطيني من الميثاق ومن البرنامج السياسي والتنظيمي للثورة الفلسطينية النقاط التالية:
-فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي.
-بطلان وعد بلفور وصك الانتداب وتقسيم فلسطين وقيام “اسرائيل”.
-رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ورفض التعايش معه مهما طال الزمن.
-التمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني.
-الكفاح المسلح الطريق الحتمي الوحيد لتحرير كامل التراب الفلسطيني.
-رفض المشاريع الرامية لتصفية قضية فلسطين أو تدويلها.
-اعتبار الصهيونية حركة عنصرية وأبشع الحركات العنصرية في تاريخ البشرية.
-قيام الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس الالتزام الكامل بالميثاق الوطني.
استغل عرفات منظمة التحرير ومؤسساتها ومكاتبها وأموالها والنضال البطولي لشعبنا الفلسطيني وانتفاضة الحجارة لخدمة انحرافه السياسي وتوجهاته المشبوهة لتكريس الانحراف السياسي والعسكري في منظمة التحرير الفلسطينية. واستخدم أساليب الترغيب والترهيب ونشر اليأس والقنوط وفرديته واستبداده واعتماده على اللون الواحد وعلى الانتهازيين والجهلة والمشبوهين وإبعاد المناضلين والشرفاء الملتزمين بالميثاق عن المنظمة ومؤسساتها. واستخدم أجهزة القمع المختلفة (وصل عددها إلى 14 جهازاً) والاقتتال الفلسطيني– الفلسطيني والفلسطيني- العربي والتصفيات الجسدية لفرض هيمنته المطلقة على صنع القرارات السياسية والعسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية. وتخلى عن البندقية والكفاح المسلح والتحرير. وحوّل منظمة التحرير من منظمة مقاتلة إلى منظمة سياسية تعمل على التوصل إلى حل سياسي لحل مشاكل “إسرائيل” وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الشعب العربي الفلسطيني يتمسك بخيار المقاومة وبالميثاق الوطني وإسقاط اتفاقات الإذعان في أوسلو وواي بلانتيشن ومحاكمة المنحرفين والمستسلمين والمفرطين أكثر من أي وقت مضى.
أظهرت تجارب شعوب العالم أن مصير اتفاقات الإذعان وكيانات الاستعمار الاستيطاني والأنظمة العنصرية إلى الزوال. زال الاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر و زالت النازية من ألمانيا ونظام الأبارتايد من جنوب أفريقيا ومصير الكيان الصهيوني الى الزوال.