الميليشيات المغلفة بشعارات المطالب الشعبية – د.عامر صالح
لكل متتبع للوضع السياسي في العراق يرى ان خيار الدولة الآمنة المستقرة في العراق هو خيار صعب وبعيد المنال, حيث صراع قوى الدولة واللادولة على اشده, وان خيار اللادولة يطفح على سطح الأحداث ليؤكد مجددا أنه خيار شرس تجسده قوى سياسية ميليشياوية من داخل البرلمان العراقي وخارجه او بتواطئ الأخير مع قوى برلمانية عرفت بتشددها وكراهيتها للدولة كخيار للأمن المجتمعي الشامل, وان قوى الدولة تعاني الأمريين لفرض ارادتها على التراب العراقي بفعل غياب موازين القوى وضعفها لصالح قوى الميليشيات المدججة بالسلاح التي تستبيح الأمن الفردي والمجتمعي وتبعث على اللااستقرار وتهديد السلم المجتمعي وخلق فوضى مستديمة تستجسيب لأجندة الخراب والارتهان الى القوى والدول الأقليمية التي لا يعنيها ان يكون العراق بلد مستقلا ومعافى من التدخلات الحارجية والأجندة السياسية الداخلية ذات الطبيعة العقائدية المتحجرة والمعادية لفكرة بناء دولة المواطنة وعلى اسس عابرة للأنتماءات الطائفية والأثنية.
ان استعراض ميليشيات ما يسمى ” ربع الله ” لقواتها يوم الخميس بتاريخ 2021ـ03ـ25 في بغداد يمثل عينة تجسد بوضوح امتداد لأستعراض ميليشيات سابقة هي الأخرى تعبث في الأمن والأستقرار وتهدد حياة الناس اليومية, وللميليشيات المذكوره بأختلاف مسمياتها تاريخ اسود في العراق منذ بداية العملية السياسية في العراق بعد اسقاط نظام الطاغية صدام حسين, من حروب طائفية استنزفت فيها مئات الألولف من ارواح الأبرياء, الى ما تمارسه يوميا من ابتزاز للمواطنين واستلاب اموالهم وحرق محلاتهم ومصادرة ممتلكاتهم واغتيال اصحاب محلات ومؤسسات مختلفة تمارس مختلف المهن الطبية والرياضية والترويحية العامة الى جانب فرض طقوس الأكراه ومغادرة العادات والتقاليد الخاصة بالتنوع الديني والمذهبي والأثني الى جانب اضفاء السوداوية المقيتة على الحياة العامة في محاولة منها لتحويل العراق وخاصة العاصمة بغداد الى قندهار ثانية, وقد ساهمت تلك الميليشيات بأغتيال اكثر من 700 منتفض تشريني وجرح واعاقة اكثر من 30000 ألف شخص, والمئات منهم يقع ضمن الأعاقات المنتهية وغير القابلة للعلاج.
وفي الوقت الذي تبرأت هيئة الحشد الشعبي من جماعة “ربع الله ” وكذلك القوى الأسلاموية البرلمانية مما يضع تلك القوى المستعرضة في عزلة كما ينبغي ويسهل امر محاسبتها من قبل قوى الدولة والحكومة, إلا ان الأمر هنا مختلف تماما عن السياقات الطبيعية والعقلانية عندما ترفع الحصانة عن تلك القوى والتي يفترض ان تساق الى العدالة حالا, ولكن على ما يبدو الأمر في العراق مختلف, فالحكومة تدعو الى التهدئة وعدم الانجرار الى الاقتتال الداخلي, والحكومة تعرف حق المعرفة من هي القوى الاستعراضية المسلحة والى اين تنتمي, وبالتالي فأن رئيس الوزراء العراقي يعرف جيدا ما هي موازين القوى وما هي تحالفات تلك القوى الميليشياوية داخل البرلمان وخارجه, وبالتالي فأن رئيس الوزراء وحكومته هو الحلقة الأضعف في الصراعات السياسية والمليشياوية بحكم كونه لا يمتلك كتلة برلمانية تعينه في تنفيذ برنامجه الحكومي والذي من ضمنه سيادة الدولة وحصر السلاح المنفلت كما يدعي, ولكن الوقائع الميدانية تؤكد ان ضعف رئيس الوزراء متهالك فهو لا يستطيع إلا ان يراهن على انتخابات قادمة سواء كانت مبكرة او في توقيتها الرسمي لتغير موازين القوى السياسية الاجتماعية, ولكنه قد لا يعي او متغافل ان هناك خطوات جذرية يجب العمل بها قبل الشروع بالانتخابات, وابرزها حصر السلاح بيد الدولة وتوفير بيئة انتخابية آمنة بعيدا عن قوى الميليشيات وتأمين رقابة اممية صارمة على الأنتخابات.
مما يثير سخرية الشارع العراقي ان تلك القوى الميليشياوية تنادي بأصلاح الاوضاع الأقتصادية وقد جسدتها جماعة ربع الله في ” مطالبها ” مثل ارجاع سعر صرف الدولار, واقرار الموازنة, عدم تسليم الموازنة الى البرزاني دون دفع مستحقات النفط والمعابر, وتحذير عملاء امريكا في العراق, تلك المطالبات هي لدغدغة مشاعر الشارع العراقي بعد ان فشل الأسلامويون وفقدوا رصيدهم الجماهيري بعد 18 عشر عاما من الفشل, وهذه الموضوعات تحتاج الى كفاءة سياسية لمعالجتها وليست قوى ميليشياوية لا تفقه غير لغة السلاح والقتل والخراب.
ولكن بالتأكيد فأن مطالب ” ربع الله ” تتناغم مع مطالب قوى اسلاموية داخل البرلمان العراقي لها تحالفاتها مع القوى الاقليمية الخارجية, ومن هنا يأتي ضعف الكاظمي في مقارعة ” ربع الله ” وغيرهم حيث التحالفات المستميته لتنفيذ اجندة الجوار الذي يرغب في رهن حياة العراقيين كاملة بدوامة الصراع الأيراني الامريكي ولكي يبقى العراقيون وقودا مستعرا لذلك الصراع العبثي, ويكفي هنا الأشارة الى أن تهريب العملة الذي قضى عليه رفع الدعم عنها سبب خسائر أخرى كبيرة للاقتصاد الإيراني الذي كان يشتري العملة الأميركية الرخيصة بسبب الدعم ويستفيد من فرق السعر الكبير الذي يصل إلى عشرين في المئة من قيمة تلك العملة, فالقضية ليست دعوى للأصلاح الاقتصادي بل هي دعوى لأنقاذ الجار الخاسر من ذلك, وهذا ما يجسد فحوى ومبرر الدعوى المتحايلة للميليشيات المسلحة لعودة سعر صرف الدولار السابق.
وعلى ما يبدو فأن الدولة العراقية لا تتجه نحو استعادة هيبتها وفرض قوانينها رغم ما يدور من حديث بشأن جهود تبذل لتحقيق ذلك، بل إن تحركات الميليشيات بين الحين والآخر على الأرض وأنشطتها المعلنة واستعراضاتها المسلّحة المتحدية للسلطات السياسية والأمنية في قلب العاصمة بغداد تظهر أن الدولة تسلك مسارا عكسيا باتّجاه المزيد من فوضى السلاح وتغول الفصائل ذات الارتباطات والأهداف العابرة لحدود الدولة نفسها, وقد ستشدد تلك الفصائل بهجومها على العملية الديمقراطية حال اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية, وسيدعمها من داخل البرلمان ذات القوى بمزاجها الميليشياوي لتخريب كل شيء مقابل مغانمها السلطوية الانتخابية وتحالفاتها العابرة للحدود العراقية.
استعراض ربع الله كما غيره من الاستعراضات يجسد اشد الحالات تعسفا وانتهاكا للدولة ومؤسساتها واشد جرما في اختيار السلاح لغة للحوار عبر استعراض العضلات المسلحة وفرض ارادة القوة المتخلفة عقليا وفكريا مقابل الحوار الوطني السلمي لأنقاذ الوطن من براثن الطائفية والعرقية المتخلفة, اما شعارات الأصلاح الأقتصادي والخلاص من الاحتلال فتلك مهمات يدركها العقل المدني استنادا الى حاجة شعبنا للبقاء الصالح وتحسين ظروف العيش الكريم ولا للسلاح المنفلت دخل في ذلك !!!.