النص الكامل لحوار منير شفيق مع فضائية القدس حول الانتفاضة الفلسطينية
– شهدت الشهور الماضية في فلسطين اندلاع ما سمي إعلاميا بانتفاضة السكاكين بعد أن اعتقد الكثيرون أن الانتفاضة الفلسطينية انتهت إلى غير رجعة. ما تحليلك للسياق الذي اندلعت فيه هذه الانتفاضة؟
– في الحقيقة لقد كانت للانتفاضة مؤشرات عدة قبل اندلاعها كان يمكن للمرء أن يتوقعها وإن كان الكثيرون لا يتصورون أن هناك انتفاضة في الطريق وهذا الاعتقاد كان يقوم بدوره على بعض المؤشرات خصوصا تلك التي كانت تنظر إلى أن نخب الشعب الفلسطيني أصبحت غارقة في الحياة اليومية ومنشغلة بالعمل والوظيفة والديون والالتزامات البنكية، أو مستغرقة في أنشطتها ضمن منظمات المجتمع المدني التي انتشرت كثيرا واستوعبت العديد من الأطر والمناضلين السابقين، إضافة إلى السياسة المعلنة للسلطة التي كانت ضد الانتفاضة وكذلك التنسيق الأمني المشدد مع المحتل الصهيوني. هذه هي المعطيات التي كانت يرتكز إليها أولئك الذين يقولون إنه لا يوجد أي احتمال لاندلاع الانتفاضة من جديد.
– طيب ماذا عن المؤشرات التي كانت تبشر باندلاع انتفاضة؟
– إن المراقب للأوضاع الفلسطينية قبل سنة أو سنتين كان يلاحظ أن هناك إرهاصات لقيام هذه الانتفاضة. فمن الناحية السياسية تبين أن السلطة الفلسطينية وخصوصا منظمة التحرير وصلت إلى طريق مسدود فيما يتعلق بإيجاد تسوية أو إنجاح مسار المفاوضات أو تحقيق الهدف الذي تم رسمه منذ اتفاق أوسلو سنة 1993 وهو إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وقد تبين قبيل أربع أو ثلاث سنوات من الآن أن الطريق قد سدّ نهائيا أمام أي مفاوضات وأصبحت السلطة والقيادات الفلسطينية الرسمية التابعة لمنظمة التحرير تدور حول نفسها ولم يعد عندها شيء تضيفه سوى التهديد باللجوء إلى المحافل الدولية وخصوصا إلى المحكمة الجنائية الدولية بظن أن هذا قد يخيف نتنياهو ويدفعه إلى طاولة المفاوضات غير أن هذا الأخير كان مطمئنا تماما بأن أمريكا تضع كل ثقلها للحيلولة دون الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد تبين أن هذه محاولة فاشلة أيضا لا يمكنها أن تحقق شيئا في مواجهة الاحتلال وأقصى ما كان يمكن أن يتباهى به هذا التوجه الرسمي هو القرار الصادر عن هيئة الأمم المتحدة برفع علم فلسطين ضمن أعلام الدول الأعضاء.
– أليس هذا إنجازاً يحسب للسطلة الفلسطينية؟
– هذا إنجاز رمزي وبسيط جدا ليس له أي أهمية إلا للذين يريدون أن يتلهوا بمثل هذه الأمور الشكلية، فالمطلوب هو إنجازات حقيقية وليست رمزية ورغم ذلك فإنني لا أقلل من أهمية هذا الأمر.
– ولكن ألا يعتبر إنجازا مهما بالنظر إلى أنه يحفظ للقضية الفلسطينية الاستمرارية والحياة، ويضمن أن تظل على الأقل على أجندة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؟
– لا أظن، فالمغزى الأساسي لمثل هذا القرار هو أنه لا يزال هناك رأي عام بين بعض الدول الأعضاء في هيئة الأمم يمكن أن يصوت لمصلحة القضية الفلسطينية. وحتى هذا المغزى لم يعد بالنسبة لي شيئا مهما لأن التجربة أثبتت أن كل ما كنا نعطيه أهمية فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة لم تصل إلى النتيجة المرجوة وهي تحقيق مطلب الدولة الفلسطينية. وهذا ما يفسر أن الجميع اليوم أصبح في حالة يأس حتى أولئك الذين كانوا يدافعون عن هذا التوجه واللجوء إلى المنظمات الدولية لانتزاع قرارات لصالح القضية تبين لهم أن هذا الطريق مسدود فلا هو ضغط على نتنياهو ليسحب قواته وينهي الاحتلال، ولا هو استطاع حتى أن يوقف الاستيطان، بل على العكس من ذلك لقد تضاعف الاستيطان مؤخرا واستمر تهويد القدس بشكل أكبر إلى حد اتخاذ قرارات للتقسيم الزماني والمكاني للصلاة بين الفلسطينيين والصهاينة بالمسجد الأقصى. في رأيي إذن يجب أن نتوقف عن التباهي بهذه الأوهام حول وجود اعترافات بالقضية الفلسطينية أو تصويت هذا البرلمان أو تلك الحكومة للدولة الفلسطينية إنها كلها مجرد شكليات وكان من الممكن أن تكون مفيدة لو كان هناك على الأرض عمل حقيقي وميداني يفرض انسحاب الاحتلال والقضاء عليه. يمكن أن نقول إذن إن هناك اليوم أزمة سياسية فلسطينية يقر بها الجميع بما في ذلك أولئك الذين كانوا يقفون وراء اتفاق أوسلو ووراء كل المفاوضات وعمليات التسوية ومنهم الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس أبو مازن الذي يعترف بأن الطريق مسدود وأن نتنياهو لا يريد أن يصل إلى تسوية بل إن أمريكا نفسها نفضت يدها من محاولة عمل أي شيء ودخلت البلاد منذ سنتين في حلقة مفرغة وحالة انسداد. هذا الانسداد إلى جانب تمادي الاحتلال والاستيطان والبطش يعني أن هناك ظروف مناسبة لقيام الانتفاضة كحل لهذا المأزق. وهذا ظهر في عدة أحداث كان من أهمها حادثة استشهاد الشاب الفلسطيني أبو خضير وحرق جثته ففي سياق ذلك كانت ستندلع انتفاضة شعبية عارمة لولا تدخل السلطة الفلسطينية التي هدأت الأوضاع واحتوت الغضب الشعبي. ولكن هذا الغضب وتلك الأجواء كان مؤشرا واضحا على قرب اندلاع الانتفاضة وعلى وجود استعداد وتململ شعبي نحوها. وفي الحادثة الثانية المتعلقة بحرق عائلة الدبابشة ظهر مجددا هذا الغضب الشعبي ثم جاءت الاعتداءات على المسجد الأقصى وفكرة التقسيم الزماني للصلوات داخل المسجد لتشكل الشرارة التي تندلع منها الانتفاضة فعليا بعد أن ظهر أن هناك خطر حقيق وداهم على المسجد خصوصا بعد أن اتخذ قرار التقسيم الزماني لتقسيم الأوقات بين الفلسطينيين واليهود وبدأ الكيان الصهيوني فعلا في تنفيذه وهنا تحركت جماهير القدس وبدأ بتكليف البعض بحراسة المسجد والاعتصام بداخله خصوصا من الشباب وقامت الانتفاضة من القدس وبناء على ذلك تمت تسميتها. ورغم أن البعض سماها في البداية ب”الهبة” إلا أن انطلاقها من القدس كان هو المهم. وأثبت الواقع أن الانتفاضة فرضت على نتنياهو خلال بضعة أسابيع أن يتراجع وأن يعلن صراحة أنه لا يريد أي تقسيم زماني للصلاة في المسجد الأقصى بل إنه تعهد بالحفاظ على الوضع القائم. وهذا يمكن اعتباره الانتصار الأول الذي تحققه الانتفاضة في شهرها الأول.
– أليست السلطة الفلسطينية جزءا من هذه الانتفاضة ألم يكن لها دور؟
– لم يكن لها دور في هذه الانتفاضة فالسلطة ليس لها وجود في القدس ولا تأثير لها هناك، وربما كانت هذه المسألة هي ما زاد الانتفاضة قوة وتأثيرا. ففي الضفة الغربية مثلا بدأت المناوشات فتلتها التدخلات بل إنه في البداية بدأ السكان الفلسطينيون المحسوبون على 48 يتحركون لدعم المحتجين في القدس فأرسلت السلطة الفلسطينية مبعوثين إلى النواب العرب في الكنيست وأقنعهم بأن يضعوا كل ثقلهم لمنع التحركات التي جرت في مناطق 48 . هل يمكن أن تتصور ذلك؟ لقد كان ذلك كارثة سواء من السلطة أو من جانب النواب العرب الذين استجابوا لهذه الدعوة.
– هل تدخل هذه المبادرات في إطار التنسيق الأمني مع إسرائيل؟
– طبعا هذا جزء من التنسيق الأمني والسياسي ولكن الأهم من هذا أن الانتفاضة استمرت بعد كل ذلك. وعندما أصبحت المواجهة يومية وانطلقت عمليات المقاومة بالسكاكين والدهس بالسيارات والاشتباكات على الحواجز بالمولوتوف والحجارة وظهر أن الأمر جدي ومتواصل تبين أنه إلى جانب الانتصار الأول الذي تحقق بتراجع نتنياهو عن التقسيم الزماني بدأت الحملة الإعلامية والسياسية كلها من أجل توصيف ما يجري ب”الهبة الفلسطينية” بدلا عن استعمال توصيف “الانتفاضة”. بدأ هذا الوصف مع محمود عباس أولا الذي سماها هبة ثم تبنتها بعض القوى الفلسطينية الأخرى ومالت وسائل الإعلام بشكل عام إلى تسميتها هبة وحتى مراسلو قناة الجزيرة كانوا يتعمدون أن يسموها هبة.
– ما تفسيرك لهذا التوصيف الذي يتفادى ذكر الانتفاضة ويفضل لفظ “الهبة”؟
– لأن هناك توجها وخطا لدى منظمة التحرير ولدى بعض الدول العربية بتفادي اندلاع أي انتفاضة أو صدام مع الكيان الصهيوني. فالهبة بالنسبة لهم قد تعني أنها مؤقتة وهي مجرد ردة فعل وستنتهي قريبا، لكن تبين أن المسألة أبعد من أن تكون مجرد هبة من أجل المسجد الأقصى وإنما طرحت ما هو أبعد من المسجد الأقصى بعدما أقر نتنياهو بأنه يريد أن يحافظ على الواقع القائم وخصوصا أن الانتفاضة استمرت في شهرها الثاني لتمتد إلى الضفة الغربية وغزة وهناك سقط شهداء أيضا بكثافة وهذا يدل أن الانتفاضة أبعد من قضية المسجد الأقصى وإنما تطرح كذلك مسألة الاحتلال. وقد مرت عليها اليوم أكثر من ستة أشهر وهذا يعني أن لا أحد يقدر أن يصفها بالهبة إلا تجاوزا أو عنادا لأن ما نواجهه فعلا هو انتفاضة بكل ما للكلمة معنى سقط فيها أكثر من 190 شهيدا وآلاف الجرحى وشهدت أحداثا كبيرة، وسقط من الكيان الصهيوني ومن جنوده ما لا يقل عن 34 قتيلا. هذا أكد على قضيتين هما أننا أمام انتفاضة، وأن هذه الانتفاضة طويلة الأمد وسوف تستمر وليست هبة عابرة. وفي خلال هذه الأشهر الستة كانت هناك مشاهد تثبت ما نريد قوله مثل استقبال أمهات الشهداء لجثامين أبنائهن بالحماسة والتأييد وهذا مؤشر على أن الانتفاضة ليست فقط نزوة شباب أو غضبة عابرة أو يأس بل إنه تيار كبير. كما أن هذه الجنازات التي أقيمت لدفن الشهداء بعدما فرض على العدو تسليم الجثامين لأهاليهم ضمت الآلاف من المشاركين مما يدل على نفس عام وتأييد للانتفاضة بل إن محمود عباس نفسه قدم في خلال هذه الأشهر الستة تصريحات تعبر عن نوع من التفهم للهبة كما وصفها، وقال في فترة من الفترات إنها نتيجة لليأس بعد أن أغلقت إسرائيل الطريق أمام المفاوضات والتسوية ويمكننا أن نتفهم يأس الشباب ولا نستطيع لومهم وهذه هبة عفوية ليس وراءها أحد وكأنه يقول للصهاينة لا بد ان تعودوا للتفاوض معي. ورغم تراجعه عن هذا الموقف لاحقا إلا أنه كان تصريحا مهما جدا في حينه، حيث هاجم الانتفاضة مرة أخرى في أحد خطاباته وسماها انتفاضة السكاكين. وبالمناسبة هذه ليست انتفاضة سكاكين.
– لماذا ترفض تسمية انتفاضة السكاكين؟
– رغم أن السكاكين كانت إلى جانب الدهس وسيلة من الوسائل الرئيسية لتفعيل هذه الانتفاضة إلا أنها أشمل من ذلك. وقد تعمد الإعلام للأسف أن يبرز من الانتفاضة فقط هذه الحوادث التي ترفع فيها السكاكين ويستشهد فيها المقاومون أو يقتلون بعض الصهاينة في حين كانت هناك مئات من الحوادث التي تسجل يوميا على الحواجز وتطلق فيها النار ويسقط فيها جرحى على الخصوص من الفلسطينيين ولم يتم الاهتمام بها. وهذه هي الحوادث الأكثر، فعلى سبيل المثال في الشهر الرابع من الانتفاضة كان عدد الجرحى حوالي 14 ألفا وهذا يعني أنه هناك 200 إلى 300 جريح يوميا كل هؤلاء أين أصيبوا وفي أي سياق جرحوا.؟ لقد أصيبوا في اشتباكات يومية مع العدو الصهيوني على الحواجز وبالتالي فالانتفاضة أشمل من بعض حوادث السكاكين والدهس.
– هل استطاعت هذه الانتفاضة بعد ستة أشهر من اندلاعها أن تفرض أهدافا محددة أو برنامجا وأفقا واضحا؟
– أظن أن هذه الانتفاضة حددت أمامنا أربعة أهداف عمليا. دحر الاحتلال، تفكيك المستوطنات، إطلاق كل الأسرى، وفك الحصار عن قطاع غزة كلها مطالب بدون قيد أو شرط. هذه الأهداف يمكن أن تشكل برأيي برنامج الانتفاضة وهي أهداف قابلة للتحقيق، فمن الممكن أن يفرض على العدو بدون قيد أو شرط التراجع من الضفة الغربية والقدس وأن يطلق كل الاسرى ويفك الحصار عن غزة . كل هذه المطالب ممكنة الحصول وإن هذا الأمر ليس سهل الاستيعاب على الذين اعتادوا أن ينظروا إلى العدو على أنه فعال لما يريد وأنه يحتل متى شاء ويهاجم متى شاء.
– ما الذي يدفعك إلى التفاؤل بأن هذه الأهداف كلها سهلة التحقيق؟
– هناك أدلة ومؤشرات عديدة تجعلني أعتقد أنها أهداف قابلة للتحقيق. أول مؤشر هو أن الجيش الصهيوني الذي واجه هذه الانتفاضة جيش مهزوم بأربعة حروب. هزم في حرب 2006 بلبنان، ثم في حروب -2008 و2012 و2014 في قطاع غزة. هذا الأمر ليس بسطيا فهذا الجيش انسحب من جنوب لبنان بدون قيد أو شرط وانسحب من قطاع غزة وفك المستوطنات بدون قيد أو شرط رغم أن القطاع لا يزال محاصرا. هذا يعني أننا نواجه جيشا ضعيفا يختلف عن الجيش الذي كان في السابق إنه جيش مهزوم واقعيا ونفسيا. وهذا الجيش ومنذ الانتفاضة الأولى أي قبل 25 سنة أصبح جيش شرطة. فقد أصبح عمله الاساسي أن ينتشر في الشوارع ويعتقل المطلوبين والمقاومين ويتصدى للأطفال إذا كانت هناك مناوشة، أما الجيش الميداني الذي كانه الجيش الصهيوني لم يعد قائما اليوم. بل أصبحنا أمام قوات أمنية يطلق عليها جيش. وهذا أضعف هذا الجيش كثيرا والذي لفت الانتباه إلى هذا التحول هو هزيمة لبنان في 2006 حيث أن بعض التقارير الرسمية الموثوقة التي صدرت عن الصهاينة أو عن غربيين متعاطفين معهم أشارت إلى أن الجيش الصهيوني دخل في حرب لبنان وهو لا يمتلك قائد كتيبة ميداني واحد لأنه كان مشغولا في مطاردة أطفال الحجارة في الشوارع طوال سنوات. لقد تغير طاقم الجيش خلال 25 سنة وأصبح الضابط الصهيوني يترقى من خلال مطاردته للناس والقيام بأعمال ومهام الشرطة وليس من خلال مناورات ميدانية وحروب حقيقية. الخلاصة أن هذا الجيش ضعيف وهي نقطة جد مهمة. أما المؤشر الثاني فهو يتعلق بالقيادة السياسية القائمة اليوم من حول نتنياهو التي أصبحت متخلفة جدا عن مستوى القيادة التي كانت في السابق. لقد كانت هذه القيادات السابقة نشيطة وطلائعية وتحمل مشروعا وكان أغلب عناصرها قادمين من الخارج ومن أوربا على الخصوص وتجر وراءها تاريخا من النضال هناك في الميدان العمالي بل إن العسكريين منهم كان بعضهم قد انخرط في الجيش البريطاني وبعضهم شارك في الحرب العالمية الثانية. أما القيادة السياسية اليوم فهي متخلفة وتفتقد للثقافة ومتعصبة، تصور أن قياديا مثل ليبرمان عمل لمدة 15 سنة حارسا في ملهى ليلي قبل أن يصبح زعيما حزبيا ومسؤولا. قيادة من هذا النوع المتدين المتعصب قيادة ضعيفة ترتكب الأخطاء وقابلة للهزيمة. ومن المفيد جدا في الصراع مع العدو الانتباه إلى قيادته وإلى مدى ارتكباها للأخطاء في إدارتها للصراع فإن كثيرة الأخطاء فهي سهلة الهزيمة. وإضافة إلى ذلك فإن هذه القيادة أصبحت معزولة حتى عن حلفائها فعلاقة نتنياهو مثلا مع حلفائه أمريكا وأوربا ليس على ما يرام فهي مفعمة بالإشكالات ويعتريها نوع من الفتور وأصبحت العلاقة معه مكروهة. أما المؤشر أو العامل الثالث المتعلق بالمجتمع الصهيوني فيمكن أن نفهمه انطلاقا من عملية نشأت ملحم الشاب الفلسطيني الذي نفذ عملية في تل أبيب بمسدس عوزي ثم بعد ذلك رمى السلاح في حاوية وهرب وبقي مختفيا لمدة أسبوع حتى تم اكتشافه وقتله، وخلال هذا الأسبوع عجزت قوات الأمن عن إلقاء القبض عليه وعاشت تل أبيب التي يعرف عنها أنها المدينة التي لا تنام حالة من الذعر وأصبحت في حالة طوارئ شبيهة بفرض حظر التجول مما يعني أن هناك حالة من الرعب والخوف العام في المجتمع الذي كان في السابق إبان الانتفاضة الأولى والثانية يعيش حياته العادية مباشرة بعد ساعة أو ساعتين من حدوث عملية استشهادية. إضافة إلى هذه المؤشرات الداخلية السابقة يوجد العامل الدولي فأمريكا وأوربا غير مرتاحتان لما يجري وتخشيان الانتفاضة ولا تستطيعان التعامل معها كما تم التعامل مع الانتفاضات السابقة لأن الأوضاع تغيرت دوليا خصوصا مع تصاعد عامل آخر مؤثر هو الرأي العام العالمي وخصوصا الأوربي والأمريكي والذي أصبح بنسبة تصل إلى 70 بالمائة حسب بعض استطلاعات الرأي معارضا لسياسات نتنياهو، لا نقول أنه مع الشعب الفلسطيني، لكنه على الأقل ضد سياسات الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن هذه الانتفاضة إذا تواصلت وتقوت ستؤدي إلى تعبئة وحشد ضد نتنياهو. إذن نحن أمام ظرف مختلف جوهريا عن ظرف الانتفاضتين السابقتين، وأمام موازين قوى أصبحت لصالح الانتفاضة صحيح أن هناك انقساما بين مكونات الشعب الفلسطيني وهناك معارضة من طرف السلطة الفلسطينية وخصوصا من طرف محمود عباس للانتفاضة مع استمرار التنسيق الأمني إلا أنه إذا تمت معالجة هذه المشاكل وارتفع مستوى دعم الانتفاضة لتصبح انتفاضة شعبية شاملة ستتحول إلى نوع من العصيان المدني السلمي الشعبي تغلق من خلاله المدن والقرى والمخيمات ويعتصم الناس في الشوارع ويصرون على ذلك حتى رحيل الاحتلال وتفكيك المستوطنات.
– ما الذي ينقص الانتفاضة إذن لتصل إلى هذا المستوى من التصعيد؟
– أولا هذان الشرطان اللذان تحدث عنهما أي رحيل الاحتلال وتفكيك المستوطنات مهمان جدا لأن لا أحد يستطيع معارضتهما فلا أمريكا ولا أوربا ولا هيئة الأمم المتحدة تستطيع أن ترفض هذه المطالب لأن دحر الاحتلال أمر مسلم به في العالم كله. وثانيا ينطبق الأمر نفسه على الاستيطان بل وحتى على تحرير الأسرى ورفع الحصار عن غزة. هذا معناه أننا أمام أهداف قابلة للتحقيق والوصول إليها أسهل من الحلول الأخرى مثل الحديث عن حل الدولتين الذي يتوقف على المفاوضات وبالتالي يتوقف على إرادة الصهاينة، لكن إذا تعاملنا مع الوضع باعتباره احتلالا واستيطانا يجب أن يزول فإنه سيحرج الجميع ولن يستطيع أحد أن يطلب منك في هذه الحالة أن تذهب إلى المفاوضات. لماذا سنتفاوض مع الاحتلال؟ أما عن العقدة التي سألت عنها وهي الأساسية حول عوائق إمكانية توحيد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ليشارك في الانتفاضة فأنا أرى أن العائق الأساسي فيها هو سياسة السلطة الفلسطينية وإعلان محمود عباس أنه ضد انتفاضة السكاكين، طيب أقول لعباس إذا كانت ضد انتفاضة السكاكين فلتنضم إذن إلى عصيان مدني سلمي واتخذ موقفا مؤيدا أنت وباقي المنظمات غير الحكومية وقد هذه الاحتجاجات. وارفعوا شعار الاعتصام السلمي حتى رحيل الاحتلال إذا كانوا فعلا ضد العنف. إن حل هذه المشكلة يتوقف على ضرورة الاعتراف بأن سياسة التسوية والمفاوضات التي سار وراءها محمود عباس فشلت ووصلت إلى الطريق المسدود ولم يعد لدى عباس ما يقدمه للناس وهو يدعي منذ سنتين أنه سيلجأ إلى المنظمات الدولية من أجل الضغط على نتنياهو دون نتيجة، فما مبرر الاستمرار في هذه السياسات؟
– طيب ماذا عن موقف الفصائل الفلسطينية من الانتفاضة؟
– لقد أعلنت كلها بما في ذلك حركة فتح تأييدها ودعمها للانتفاضة رغم أنها قد تختلف حول بعض القضايا مثل خلافها حول حل الدولتين لكنها كلها متفقة على دحر الاحتلال والاستيطان فلماذا لا ندفع باتجاه دعمها وتأييدها لفكرة العصيان المدني؟
– كأنك تتحدث عن برنامج مرحلي جديد من أجل تحقيق الأهداف التي أشرت إليها.
– لا أريد أن أستخدم مصطلح البرنامج المرحلي لأنه سيء الصيت، ما أريده هو أن يتفق الجميع على مستوى ومرحلة جديدة من النضال الفلسطيني تتوحد فيها كل القوى وبعد انسحاب الاحتلال بدون قيد أو شرط فلنختلف حينها.
– ألا ترى أن تحقيق أهداف الانتفاضة كما رسمتها لا يمكن أن يتم إلا بانتفاضة أخرى على السلطة الفلسطينية أولا؟
– لا، لا نريد انتفاضة على السلطة الفلسطينية.
– لكنك أشرت إلى أن السلطة الفلسطينية عائق أمام تطور وتقوية الانتفاضة لتحقيق أهدافها.
– هذا صحيح لكن ليس كل مكونات السلطة تتبنى هذه الموقف المضاد للانتفاضة. والدليل على ذلك على قرار المجلس المركزي الفلسطيني مؤخرا القاضي بوقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في اتفاق أوسلو وكان بحضور محمود عباس ووافقت عليه اللجنة التنفيذية. لقد كان هذا موقفا قويا. لكن هناك بعض الأطراف في السلطة مصرون على مواقفهم المعارضة للانتفاضة فمدير المخابرات الفلسطينية جابر فرج صرح مثلا قبل فترة بأنه تم إحباط أكثر من 200 عملية مقاومة ضد الكيان الصهيوني كما أن محمود عباس صرح للقناة الثانية أنه في إطار التنسيق الأمني تم تفتيش المدارس وحقائب التلاميذ وتم اكتشاف أكثر من 75 سكينا في مدرسة واحدة. إنهم يعملون ويحاولون لجم الانتفاضة لكن عملهم يظل على استحياء وبدون حق وموقفهم ضعيف، ولذلك نحن لا نريد مقاتلتهم بل نريد أن تدخل فتح في مشروع الانتفاضة.
– هل يمكن أن تدخل فتح في الانتفاضة بالقيادة الحالية؟
– ممكن، أعتقد أن الظروف الحالية قد تفرض على فتح الانخراط في الانتفاضة بمشاركة عباس أو في غيابه. وحتى في حال عدم تحقيق إجماع للفصائل حول هذا الموضوع، فبإمكان الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية وحماس والجهاد أن يتفقوا على هذا الموقف. إن اتفاق هذه الحركات قد يخلق توازنا في الساحة الفلسطينية يفرض على فتح أن تنضم إليهم، وإذا لم يتحقق ذلك فمن السهل أن يرتكب الكيان الصهيوني حماقة جديدة ضد الشعب الفلسطيني تدفع الناس إلى النزول للاحتجاج في الشوارع. مثلا لقد كان المؤكد أن استشهاد الأسير محمد القيق بعد إضرابه عن الطعام سيدفع الجماهير للخروج للاحتجاج. وإذا نزلت الجماهير بهذا الشكل واعتصمت في الشوارع سوف تؤثر على الرأي العام العربي الذي لن يظل متفرجا وسينضم بالضرورة إلى الاحتجاجات الفلسطينية. وهذا كله سيؤثر على الرأي العام العالمي وبالتالي على الأنظمة والحكومات كلها عبر العالم.
– لا أحد يمكن أن يعارض المبادئ والأهداف الأساسية للانتفاضة وشرعيتها لكن هناك عامل آخر هو الذي يؤثر في في مواقف القوى العظمى هو ما تسميه أنت بموازين القوى التي على ما يبدو لا تزال لصالح الكيان الصهيوني الذي لا يزال في موقف قوة والدليل على ذلك تصريح نتنياهو مؤخرا من الجولان السوري المحتل بأن إسرائيل لن تتخلى أبدا عن هذه الأرض.
– من الطبيعي أن يقول نتنياهو مثل هذا التصريح لا ننتظر منه أن يعلن رغبته في الانسحاب وهذا أمر معروف فالمحتل يتشبث بالأرض حتى آخر لحظة ويصرح بأنه سيبقى فيها للأبد. هذا كان موقف شارون مثلا قبل يوم واحد من إعلان فك الارتباط مع قطاع غزة لقد كان يعتبر الانسحاب من غزة يوازي الانسحاب من تل أبيب. لكن في النهاية الرغبات والأهواء شيء، وموازين القوى شيء آخر. وأنا لا أفهم السياسة بالإيديولوجيا بل أفهمها من خلال الوقائع وموازين القوى. إذا قامت معادلة على الأرض تجعل خسائر الاستمرار في احتلال الضفة الغربية أكثر من خسائر الانسحاب فسينسحب العدو وهو يدرك أن الانسحاب في مصلحته. تخيل معي هذا السيناريو لنفترض أن جميع الجماهير نزلت إلى الشوارع هل يستطيع الجيش الصهيوني أن يحتل كل الميادين والشوارع ؟ هذا مستحيل طبعا. وتخيل معي أن هذا النزول واكبه تحرك شعبي عربي وإسلامي وبدأت الأنظمة العربية تتحدث عن الاحتلال بما في ذلك الأنظمة التي تربطها اتفاقات مع الصهاينة فأوربا وأمريكا لن تتحملا رؤية هذا المشهد لعدة أشهر وتصور معي أن الرأي العام الغربي بدأ يرفع الشعارات ويحتج على ما يجري ألن يؤثر كل هذا في الاحتلال؟. هناك عامل آخر مهم في هذا السيناريو هو مسألة الانسحاب بدون “قيد أو شرط” التي تعتبر في نظري أسهل الحلول بالنسبة للكيان الصهيوني.
– كيف ذلك؟
– دعني أشرح لك أولا من خلال مثال انسحاب شارون من قطاع غزة فعندما قرر فك الارتباط مع القطاع تعرض شارون لضغوطات دولية وعربية عديدة من أمريكا وأوربا ومصر وحتى من السلطة الفلسطينية من أجل توقيع اتفاق للانسحاب من القطاع من أجل تثبيت فك الارتباط لكنه رفض. قد يتساءل البعض لماذا رفض شارون أن يعقد اتفاقا للانسحاب ويضع شروطه؟ هل تعلم ماذا كان جوابه؟ لقد قال لو كنت وقعت اتفاقا بالانسحاب فهذا يعني أنني انسحبت من أرض إسرائيل وهذا من المحرمات بالنسبة له، وإذا كنت قد انسحبت من غزة باعتبارها أرض إسرائيل فكيف يمكن أن أثبت أن يافا وحيفا أراضي إسرائيلية. هذا يعني أن من السهل على الكيان الصهيوني أن ينسحب من الأرض التي يحتلها بدون قيد أو شرط على أن يكون ذلك الانسحاب من خلال اتفاق. ثانيا إذا عدت إلى كواليس اتفاق أوسلو ستكتشف أن الاتفاق كاد يفشل بسبب كلمة واحدة هي “الانسحاب من مناطق (أ)و(ب)” فالمفاوض الفلسطيني كان مصرا على التنصيص على هذه العبارة بينما المفاوض الصهيوني أصر على أن يضع بدل كلمة انسحاب عبارة “إعادة الانتشار”. هذا يعني أنهم قادرون على الانسحاب بدون قيد أو شرط وهذا سهل عليهم أكثر من مطالبتهم بدولة وتوقيع اتفاق واعتراف. نحن الآن نطلب فقط أن نعيد الأوضاع مؤقتا إلى اتفاق هدنة 1948 وبعد ذلك لكل حادث حديث.
– لكن ألا ترى أن الوضع العربي الحالي لا يسمح ولا يساعد على انتزاع أي مطلب أو حق من إسرائيل على اعتبار أن جل القوى الإقليمية التي كانت تدعم المقاومة منشغلة اليوم بأوضاعها وصراعاتها الداخلية؟
– أظن أن هذا الوضع العربي الحالي وانشغال الدول العربية بنفسها وصراعاتها هو سيف ذو حدين، فصحيح أنه يحرم الفلسطينيين جزئيا من الدعم الذي كانوا يحظون به لكنه من ناحية أخرى يرفع عن الفلسطينيين ضغطا عربيا كان دائما ذا طابع سلبي، لا يجب أن ننسى أن كل التنازلات الفلسطينية كانت بسبب ضغط عربي حتى إجهاض كل الثورات والانتفاضات الفلسطينية تم بتدخل عربي. فإذا كانت الدول العربية في موقع ضعف ومنشغلة ببعضها فهذا يعني أن الفلسطينيين يمكنهم أن يستفردوا بالعمل وبالقرار، ويمكن بعد ذلك أن تلتحق بها هذه الدول. طبعا هذا لا ينفي أن الوضع العربي الحالي بكل سلبياته لا يدعو إلى الارتياح لكن انعكاساته على القضية الفلسطينية ليست بالضرورة بتلك السلبية التي يعتقدها البعض.
– لكن ألا تعتقد أن هذا الوضع ليس تماما في مصلحة الفلسطينيين ما دام المستفيد الأكبر والأول منه هو إسرائيل؟
– هذه فكرة شائعة في السنوات الأخيرة تدعي أن إسرائيل مستفيدة من الوضع العربي ومن انشغال الجيوش العربية في سوريا ومصر والعراق…كيف يمكن للكيان الصهيوني أن يستفيد من هذا الوضع إذا كان جيشه نفسه ضعيفا ولا يستطيع مواجهة الانتفاضة؟ فكرة استفادة إسرائيل من هذا الوضع العربي تبدو ظاهريا مقبولة وراجحة، لكنني أرى أنها غير صحيحة ببساطة لأن الكيان الصهيوني ضعيف وعلاقته بأمريكا اليوم ضعيفة كذلك فكيف يمكن أن يستفيد؟ الوضع شبيه بمن يعتقد أنه يمكن أن يستفيد من إفلاس البنوك، ما الفائدة من ذلك إذا لم تكن مليونيرا أو بنكا تستطيع شراء المؤسسات المفلسة؟ كان من الممكن أن تستفيد إسرائيل من هذا الوضع لو حدث قبل عشرين أو ثلاثين سنة. والدليل على هذا أيضا أن إسرائيل دخلت في حرب في ظل هذا الوضع العربي الضعيف في 2012 و2014 ورغم ذلك خسرت الحرب مع غزة في ظل حصار عربي.
– أشرت سابقا أنك لا تفضل أن تكون هناك ثورة أو انتفاضة شعبية ضد السلطة الفلسطينية وتفضل أن يحدث هناك تفاهم بين الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح وحماس. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
– أنا برأيي أن هذا التفاهم لا يجب أن يكون بالضرورة بين حماس والسلطة الفلسطينية. وفي نظري إن فكرة إنهاء الانقسام بين حماس وفتح أصبحت متجاوزة وقديمة. إن التفاوض يجب أن يكون بين حماس والجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية ومن يؤيدهم من الفصائل الفلسطينية والمنظمات مع محمود عباس. لا بد أن يتم دعوته للبحث عن حل وعن الاستراتيجية المناسبة لمواجهة الاحتلال وإذا أردت فتح أن تقود هذا المشروع فلها أن تلعب الدور الرئيسي لأن هذا أساسا من مصلحتها. وأؤكد هنا أنه لا يجب أن تنحرف البوصلة نحو صراع داخلي فلسطيني لكنني ألاحظ وكأننا نجر محمود عباس بالقوة إلى الجنة فما يقوم به في فتح يدمر المنظمة ويدمر الفرصة السانحة أمام الشعب الفلسطيني. وإذا تعذر انضمام قيادة السلطة فما على هذه المنظمات الفلسطينية أن تتخذ قرار للاتفاق مع من ينضم إليها من منظمة فتح، وأنا أعلم أن هناك قوى كثيرة بفتح ميالة إلى هذا التفاهم وهذا واضح في كثير من الكتابات ومنها ما كتبه مروان البرغوثي وقدورة فارس وهما صوتان من داخل فتح يقولان بهذا الرأي.
– هل يساهم العمل الذي تقوم به حماس من عمليات للمقاومة وأسر بعض الجنود الإسرائيليين في تقوية الانتفاضة أو إضعافها؟
– أظن أن الوضع الفلسطيني اليوم فيه بعدان: بعد غزة بحماس كقوة عسكرية مقاومة أثبتت وجودها على الأرض وضرورتها التي يجب أن تعزز وتقوى نظرا لأهميتها الاستراتيجية وهو بعد شبيه بوضع حزب الله في لبنان بجيشه وأسلحته وصواريخه. أما البعد الثاني فهو المتعلق بالضفة الغربية والقدس وطريقهما المقاوم يتجسد من خلال الانتفاضة والعصيان المدني السلمي وهاتان الاستراتيجيتان تسيران جنبا إلى جنب.
– ألا يعتبر ذلك فصلا وتشتيتا للقضية؟
– لا يجب أن نفصل بين البعدين فحماس قادرة على دعم الانتفاضة فهي مدعوة في حالة العصيان المدني والاحتجاج إلى النزول للشوارع أيضا بشعارات وأهداف موحدة مع الضفة الغربية والقدس: دحر الاحتلال، فك المستوطنات، الإفراج عن الأسرى، وفك الحصار عن غزة.
* النص الكامل لحوار منير شفيق مع فضائية القدس حول الانتفاضة الفلسطينية 4/5/2016
* نشرتها جريدة المساء المغربية