الهجرة الى الجحيم – نضال حمد
هذه رسالتي الى أبناء شعبي الفلسطيني وأبناء أمتي العربية…
أشهد أنني رفعت صوتي وحذرت وبلغت…
لا شك أن غالبية الشباب في مخيماتنا الفلسطينية في لبنان وسوريا يفكرون بالهجرة الى أوروبا خاصة والى الغرب بشكل عام، لأن ظروف حياة غالبيتهم الساحقة صعبة ومعقدة. ولأن كل ما يدور ويجري في بلادنا العربية يعمل على خدمة فكرتهم تلك.
ربما بالنسبة للبعض أصبحت الهجرة حلماً يعملون لأجل تحقيقه بلا كلل أو ملل. لكنهم لا يعلمون أن (الحياة على نفقة بيت مال المشركين) ماعادت كما كانت قبل عشرات السنين، فأوروبا تغيرت كثيراً خلال السنوات الثلاثون الأخيرة. إذ لم تعد قوانين الهجرة واللجوء سهلة كما كانت وبالذات فيما يخص الفلسطينيين من حملة الوثائق اللبنانية. فغالبية دول أوروبا تعتبر أنه لا توجد مشكلة تواجه فلسطينيي لبنان وأن حق اللجوء لا ينطبق عليهم.
هذا من جهة أما الأمر الأصعب فهو كيفية الوصول الى أوروبا والحصول على حق اللجوء. فكثير من الشباب جربوا طرقاً عدة اخترعها المهربون الذين يتاجرون بحيوات ومصير اللاجئين والمهاجرين وكل ما يهمهم هو الحصول على المال، ولا تهمهم كثيراً حياة الناس.
أذكر أنني قبل أكثر من سبع سنوات نشرت رسالة موجهة الى اللاجئين الفسلطينيين من لبنان الذين كانوا يبيعون بيوتهم وممتلكاتهم ويسافرون الى روسيا ومنها الى شمال النرويج لتقديم طلب اللجوء فيها. قلت لهم أن النرويج لا تمنح الفلسطينيين من لبنان حق اللجوء على أراضيها وأنها سوف تقوم بتسفيرهم عاجلاً أم آجلاً. لم يلتفتوا لكلامي وحتن أن بعضهم شتمني وأدعى “أنني أعيش مبسوط هناك ولا أريد لهم أن يعيشوا مبسوطين مثلي”… المهم كل الذين وصلوا الى النرويج لم يحصلوا على إقامات وتم تسفيرهم بعد شهور والبعض الآخر منهم فر منها الى ألمانيا. بعد سنوات إلتقيت بأحدهم في لبنان وبآخر في برلين وأكدوا لي أن كل ما سبق وقلته لهم حصل معهم. تلك تجربة حية لشبابنا من كل مخيمات لبنان أرجو أن تتذكرونها وتأخذونها بعين الاعتبار.
منذ سنة وآلاف اللاجئين والمهاجرين عالقون في الغابات وعند الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا. ولولا بعض المتبرعين والمتبرعات والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي تعنى باللاجئين لكانوا ماتوا جوعاً بكل ما في الكلمة من معنى. بعضهم عانى الأمرين في الغابات وفي المعتقلات ولازال يعاني ولا لأحد يلتفت لمأساتهم.. كما جاءت حلارب روسيا واكرانيا فأنشغلت اوروبا كلها بهذه الحرب ولازالت ونسيتهم ولازالوا منسيين.
أما حرس الحدود البولندي فلديه تعليمات مشددة من الحكومة البولندية بعدم التساهل مع أي لاجئ. فهم ليسوا فقط لا يسمحون بتقديم طلبات اللجوء في بولندا في مخالفة واضحة لقوانين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بل أنهم يعتدون في بعض الحالات على اللاجئين ويذلونهم ويمنعونهم من الاتصال بالمحامين وبالدوائر القانونية لكي لا يتسنى لهم تقديم اللجوء في بولندا، ثم يعيدون تسفيرهم الى بلدانهم. حتى أن الشعب في بولندا منقسم على نفسه في هذا الموضوع وغالبيته ضد استقبال اللاجئين. على فكرة نفس الشيء موجود في غالبية دول شرق ووسط أوروبا وبالذات التي كانت دولاً اشتراكية. فهي بنفس الوقت تعاني اقتصاديا ومالياً ولا توجد فيها امكانيات مثلمنا هو الحال في ألمانيا واسكندينافيا وبريطانيا.. فهي دول فاقدة للتعددية الثقافية كما هو الحال في الغرب الأوروبي وشمال القارة، حيث توجد ثقافة متعددة وجاليات أجنبية ومهاجرين ولاجئين من كل الأشكال والأصناف.
الوصول الى الدول التي لازالت تمنح حق اللجوء مثل بلجيكا أمر معقد وصعب للغاية ومن النادر أن يصل اللاجئ الى هناك عبر دول شرق أاوروبا أو ايطاليا واليونان وبلغاريا وتركيا. مثلاً لو وصل اللاجئ الى بلغاريا عليه أن يقطع براً عدة بلدان كي يصل الى بلجيكا. وجواً سوف لن يستطيع لأنه لا يملك وثائق سفر وإقامة في بلغاريا أو غيرها.
مؤخراً حاولت مجموعة شباب من مخيم عين الحلوة لازالت عالقة في تركيا منذ أكثر من سنتين أن تصل براً الى النمسا عبر الحدود التركية البلغارية عن طريق الغابات. بالفعل بعد 50 كلم سير على الأقدام وصعود وتسلق الجبال… وبعد نفاذ مؤونتهم ومياههم ومرض بعضهم، وصلوا الى بلغاريا… لكن عندما سلموا أنفسهم للشرطة هناك وبعلم الصليب الأحمر، قامت الشرطة بتعذيبهم وسرقتهم وإرجاعهم الى تركيا بعدما قامت بتكسير أصابع وإنوف وأيدي وأضلع بعضهم. ثم سرقت ملابسهم وأموالهم وهواتفهم النقالة وكل ما كان معهم من أشياء ثمينة… ولم يقدموا لهم ولا حتى للمرضى منهم أي دواء وعلاج وماء وطعام..
على الصعيد الآخر شاهدنا المآسي التي حصلت في البحار وخاصة قرب سواحل سوريا واليونان وتركيا وقبرص ومالطا وايطاليا حيث غرقت المراكب ومات غالبية الركاب.. وحيث أهمل أو ساهمت قوات خفر السواحل الاوروبية وبالذات اليونانية في عملية الغرق والموت. كما أن مافيا الهجرة واللاجئين الموجودة في لبنان وتركيا وغيرها، هي مجموعات قتلة ومجرمين تتاجر بحياة الناس ويجب اعتقالهم ومحاسبتهم وكذلك اعتقال ومحاكمة ومحاسبة من يحميهم ويقف خلفهم.
هذه رسالتي الى أبناء شعبي الفلسطيني وأبناء أمتي العربية…
أشهد أنني رفعت صوتي وحذرت وبلغت…
١-١١-٢٠٢٢
نضال حمد: كاتب فلسطيني من النرويج ورئيس تحرير موقع الصفصاف الاخباري من أوسلو