الواقعيون: إقليميون، وطائفيون، و..مستتبعون – رشاد أبوشاور
الواقعيون: إقليميون، وطائفيون، و..مستتبعون
رشاد أبوشاور
رغم تباينهم، واختلافاتهم، وصراعاتهم أحيانا، فهم يقفون على أرض واحدة، وهدفهم واحد: إنهاء القضية الفلسطينية تماما، لأنها تضر بمصالحهم الضيقة، وبقاء القضية الفلسطينية بلا حل سيتواصل مفجّرا للصراعات الداخلية في أكثر( الدول) العربية ،مشرقا ومغربا، ومهددا( لاستقرار) أنظمة حكم بانفجارات متداخلة: قومية القضية الفلسطينية، واجتماعية سببها الفساد والظلم والفقر..وجشع الحاكمين.,والتبعية للغرب، أمريكا تحديدا راعية الكيان الصهيوني وناهبة ثروات الأمة برضى من حكّام همهم فقط كراسي حكمهم الفردية والعائلية.
الطائفي تآمر على فلسطين علنا، انطلاقا من حقده على تطلعات الجماهير العربية للوحدة العربية التي ترى فيها أملا ببروز وتجلّي دولة عربية واحدة لأمة واحدة تُسّخر كل ثرواتها، وقدراتها، وجغرافيتها، وموقعها لنهوض الأمة، وتحقيق ازدهارها..وهذا، من منظور الطائفي يتهدد( وجوده)، وامتيازات قياداته السياسية والدينية التي تغذّي مخاوفه، وتنمي حساسياته، وتضعه في حالة خوف وقلق من جماهير أمة ينتمي لها لغة وتاريخا وثقافة وحاضرا ومستقبلا، ناهك عن الماضي المشترك على أرض هذا الوطن العربي الكبير.
منذ عقود، وتحديدا منذ رحيل القائد جمال عبد الناصر يوم 28 أيلول 1970،و..سطو أنور السادات على قيادة مصر( الناصرية) العروبية، حاملة هموم الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بدأ التحوّل بمصر وتكرّس ب(زيارة) السادات للكنيست، و..تتويج مفاوضات ( كامب ديفد) بالتوقيع عليهاعام 1979 رغم كل ما فيها من إجحاف بحق مصر، والقضية الفلسطينية التي لم تعد تعني شيئا ( للسادات) و( الساداتية) الإنعزالية الإقليمية التي استتبعت أمريكيا، وما عادت معنية بقيادة مصر للأمة العربية، وبدورها الأفريقي، وحضورها العالمي كركن وطيد في قيادة دول عدم الإنحياز، وصديقة للاتحاد السوفييتي الذي يطول تعداد بنود قائمة أفضاله على مصر والعرب غير المنضوين تحت الهيمنة الأمريكية.
منذ بدأت القضية الفلسطينية بالبروز، وبدأ الاشتباك مع الانتداب البريطاني والتسلل الصهيوني بالرعاية البريطانية، بدأ التواطؤ الإقليمي الرسمي على فلسطين وشعبها، وتجلّى هذا في النداء الذي وجهته قيادات عربية لتوقف الثورة الفلسطينية الكبرى 1936–1936 (ثقة) بالصديقة بريطانيا.
كان توقف تلك الثورة العظيمة يهدف لخدمة استعدادات بريطانيا وتفرغها للانخراط في الحرب العالمية الثانية مع ألمانيا ودول المحور، في حين كان الأحرى بمن وجهوا ذلك النداء أن يضغطوا على بريطانيا لتكف عن تآمرها وانحيازها للهجرة الصهيونية، وأن تلغي تصريح بلفور الذي وضع حجر الأساس لدولة الكيان الصهيوني..مقابل توقف الثورة الفلسطينية، وليس منح بريطانيا المحتلة لفلسطين، والراعية للتسلل الصهيوني، الفرصة لتفرّغ جيوشها المحتلة لفلسطين استعدادا لمعركتها مع ألمانيا.
كانت حرب 1948 فضيحة للأنظمة الحاكمة الإقليمية، بالجيوش الهزيلة المستتبعة، بقياداتها الإنقليزية، وبتنافرها في ميادين فلسطين، وبما فرضته من ( وصاية) على عرب فلسطين ومجاهديها، بحجة أن الجيوش هي التي ستحرر فلسطين، وهذا ما فضحته الحرب وميادينها..ونهاياتها المأساوية التي امتدت إلى ما بعد توقف المعارك والانتقال إلى طاولات المفاوضات التي أضاعت المزيد من أرض فلسطين، وضمها لمشروع الكيان الصهيوني الناشئ..حتى بلغت مساحة دويلته 78%. ( منطقة المثلث ضُيّعت في مفاوضات رودس عام 1949، وأم الرشراش احتلت بعد توقف القتال وسميّت ( إيلات)! وبهذا صار للدويلة الصهيونية ميناء على البحر الأحمر، وتم قطع التواصل بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية).
امتدت حقبة من توعدات الأنظمة الإقليمية وأكاذيبها بأنها تعمل على تحرير فلسطين، وأنها تستعد ليوم الزحف..ولكن الزحف بقي زحفا على أعتاب الدول الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا..ومن بعد الخنوع التام لأمريكا حتى يومنا هذا.
بريطانيا سيدة المشروع الصهيوني، عملت على زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ومع فرنسا تقاسمتا بلاد الشام، ناهيك عن هيمنة بريطانيا على مشيخات الخليج، مع استبقاء الهيمنة البريطانية على مصر، وهكذا نشأت دول عاجزة تابعة تائهة عن هويتها، كرّست أنظمتها بخطاباتها الإقليمية ( المصلحية)، وثبت مع الوقت أنها غير معنية جديا بتحرير فلسطين، وبالصراع مع الكيان الصهيوني ورعاته في الغرب، ولكنها معنية بنعم الحكم وبالحماية البريطانية..وهو ما عنى تطلعها الدائم التآمري لإنهاء القضية الفلسطينية نهائيا.
شكّل بروز ثورة 23 تموز المصرية بقيادة جمال عبد الناصر بداية لتفتح وعي قومي شعبي عارم تنامى إثر العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي( الإسرائيلي)، وصمود مصر سياسيا، ومقاومتها في بورسعيد، وتوجه مصر ( شرقا) باتجاه الاتحاد السوفييتي للتسلّح، ولبناء السد العالي، وللنهوض الصناعي..وبناء مئات المصانع في ( حلوان)، وكل هذا بشّر ملايين العرب بإمكانية نهوضهم، وبناء دولتهم العربية الكبيرة المأمولة..وهو ما يوطّد الأمل بحتمية تحرير فلسطين التي يفترض أنها قضية ( العرب) الأولى بامتياز.
النظام الإقليمي العربي بدأ يرتجف من الخطاب القومي العربي الناصري، ومن حمل جماهير الأمة وانحيازها لأهداف وشعارات تتبنى فلسطين قضية عربية أولى بامتياز، وتفتح وازدهار الوعي الشعبي على أهداف ومبادئ وتطلعات تتجاوز أنظمة ( الإعاقة) للنهوض القومي والعدل الاجتماعي والتحررر من التبعية لاستعمار نهّاب راع لأنظمة الاستبداد والعزلة.
تحققت وحدة مصر وسورية بتاريخ 28 ايلول 1958 وفي مواجهتها ظهر تحالف محلي وعالمي بقيادة أمريكا ومعها بريطانيا وفرنسا، اللتين لم تنسيا هزيمتهما في حرب السويس، والكيان الصهيوني، وأدواتهما في بلاد العرب، ناهيك عن أحزاب من ألوان مختلفة في بلاد العرب، منها خطابها ديني، ومنها خطابها إقليمي..ومنها خطابها طائفي..والعجب العجاب أن منها من خطابها ( يساري)، هو في الجوهر معاد للتطلعات القومية الوحدوية النهضوية في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.
ضرب وحدة مصر وسورية، وانفصال سورية عن مصر بانقلاب عسكري مستأجر( سعوديا) تمويلا، وبرعاية أمريكية، كان قد مهّد لحرب حزيران الكارثية 1967، ناهيك عن مشاغلة مصر وجيشها في حرب اليمن التي انحازت فيها مصر الناصرية لثورة اليمن بقيادة عبد الله السلاّل، فكانت هزيمة حزيران نكبة جديدة لفلسطين، وللتوجهات القومية العربية التي قادتها مصر الناصرية. ولكن مصر المقاومة عادت بدعم جماهيرها في يومي 9و10 يونيو/ حزيران لجمال عبد الناصر..الذي أعاد بناء الجيش وتسليحه، ووضع القيادات الكفوءة في مواقعها المناسبة، وخاض حرب الاستنزاف التي أنهكت جيش الاحتلال الصهيوني ودفّعته خسائر فادحة، ورفعت معنويات جيش وشعب مصر، وهيّأت لمعركة العبور…
في تلك الأوقات كان ظهور الفدائي الفلسطيني في الميدان قد أعطى أملاً وثقة، وبدأ تدفق ألوف الشباب العربي، والفلسطيني في المقدمة، للانضمام للحرب الفدائية، وكان لمعركة ( الكرامة) التي خاضها الفدائيون والجيش الأردني في آذار 68 أثر كبير في استنهاض الهمم وارتفاع الروح المعنوية جماهيريا، فها هو جيش الاحتلال يتم تمريغ أنفه في رمال الكرامة وما حولها، شرقي نهر الأردن، في مواجهة حقيقية بعد هزيمة حزيران المرّة.
رحيل ناصر..وزمن السادات!
والجيش المصري، والمقاومة الفلسطينية تحقق حضورا في اشتباكها مع الاحتلال في الضفة، وفي عمق فلسطين، وعلى أرض جنوب لبنان، رحل جمال عبد الناصر..وقفز السادات إلى الحكم، ومن بعد بدأت مسيرته بالتكشّف موقفا إثر موقف، وخطوة إثر خطوة، وتجلّت توجهاته مع توقف حرب أكتوبر 1973.
منذ ( كامب ديفد) بعد زيارة السادات للقدس، بدأ الخطاب الإقليمي الإنعزالي في التسيّد، رغم ادعاء بعض نظم الحكم رفضها لخطوة السادات ( التطبيعية) مع الكيان الصهيوني، والتي هي صلح تام خانع للكيان الصهيوني، ترافق مع تدمير القطاع العام في مصر، والتخلي عن النهج الاشتراكي، والقطاع العام، ونشر خطاب: احنا مالنا ومال العرب؟ كل واحد يقلّع شوكه بإيده! بالترافق مع ( زمن الانفتاح)…
يقول وزير خارجية مصر إسماعيل فهمي المستقيل احتجاجا على خنوع السادات لكيسنجر وبيغن وكارتر: لما تم إخبار السادات بحرب ( إسرائيل) على جنوب لبنان في آذار عام 1978..كان تعليقه الساخر الشامت: خليهم يدوهم علقة!
التنازل في كامب ديفد عن القضية الفلسطينية، والقدس، ودولة للفلسطينيين..أوصل السادات إلى: خليهم يدوهم علقة!.
يعني: ليمسحوهم بلغة السادات، يعني فلتنته القضية الفلسطينية بإنهاء المقاومة الفلسطينية بحرب (إسرائيلية) يباركها السادات!.
هنا جوهر الخطاب الإقليمي الذي دشنه السادات، والذي ترافق فيما بعد مع الخطاب الطائفي التآمري في لبنان، والذي تجلّى في مذابح : تل الزعتر و صبرا وشاتيلا…
الخطابان الطائفي والإقليمي يتحالفان معا في التآمر على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وعلى كل قوة مقاومة، كما هو حال حزب الله في لبنان.
الطائفي والإقليمي معركتهما التآمرية على فلسطين واضحة ومفضوحة، وستستمر إلى أن يتم دفنها تماما بنشر الوعي القومي العربي والانتصارات في ميادين المواجهة بدون مهادنة.، وبوضعهما بالضبط في موقعهما التحالفي مع كل أعداء الأمة، وفي المقدمة أمريكا والكيان الصهيوني.
لا بد من أن تعي قوى المقاومة وتُميّز بين صديقها..وعدوها، فهي لا تخترعهما، ولكنهما يسفران عن وجهيهما بمواقفهما وانحيازاتهما، وأي تسامح، أو تقليل من خطرهما، سيؤدي لخسائر فادحة، وهو ما حصل للقضية الفلسطينية، ولقوى الثورة العربية.
هنا نسأل: كيف قبلت القيادة الفلسطينية أن تكون أمريكا المنحازة والراعية للكيان الصهيوني ( وسيطا نزيها)؟! على ماذا راهنت في التاثير على مواقف أمريكا و( جرّها) لاتخاذ موقف بمنح الفلسطينيين دولة..ولو على جزء من أرض فلسطين؟ بالإقناع مثلاً، أم بيقظة ضمير قادة أميركا الصهاينة؟ هل يمكن أن توقف أميركا دعمها العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والديبلوماسي.. للكيان الصهيوني؟ و: هل ستتخذ موقفا من مواصلة الكيان الصهيوني ابتلاع الأرض الفلسطينية وتمدد الإستيطان؟!
كيف تكون القيادة قيادة وهي لا تعرف انحياز أمريكا التام للاحتلال لكل فلسطين، وتغطية أمريكا لمواصلة الاستيطان والتهويد يوميا مع تواصل الدعم المالي والعسكري والديبلوماسي الأمريكي؟
الرخاوة، والليونة، بحجة ( الواقعية) أوصلت قضيتنا إلى حالتها الراهنة، فالمتآمرون عليها لم يتغيروا، ولن يغيروا إلاّ مضطرين..والشطارة و( الفهلوة) لا تحرر أرضا، ولا تعيد حقوقا، وهذا ما جرى منذ توقيع أوسلو في حدائق البيت الأبيض 13 أيلول 1993…
لقد ضيّع ( الواقعيون) ثلاثة عقود على القضية الفلسطينية، بعد أوسلو، وضيّعوا المزيد من الأرض، ومكنوا قرابة المليون مستوطن من التوسع في الضفة الغربية..وها هي أرض الضفة تضيق وتضيق يوميا بحيث لم تبق مساحة متواصلة ( لمحافظة) تتصل مدينتها بقراها بدون حواجز المستوطنات التي تتوعد بمزيد من التوسع!
هذا منجز من هزأوا من أصحاب الشعارات (الخشبية)، يعني: تحرير فلسطيني، والصراع صراع وجود لا صراع حدود، وفلسطين قضية عربية أولى بامتياز..لا فلسطينية إقليمية.
سياسة التنازلات(الواقعية) عن الميثاق القومي الفلسطيني، عن تحرير فلسطين، عن أن قضية فلسطين هي القضية العربية، الشعبية، بامتياز، والأولى التي تجمع ملايين العرب، أدت إلى الرهان على الأنظمة..والنأي بالنفس عن الجماهير العربية السند الحقيقي لفلسطين القضية والشعب، وأراحت الأنظمة من ضغط الجماهير العربية، ويقظتها تجاه فلسطين، وإيمانها بأن المشروع الصهيوني لن يتوقف عند حدود فلسطين، وأن الكلام ( الأخوي) التافه الذي لا يقدم شيئا لفلسطين..وأن بعض الدعم المالي..لا يشكلان موقفا قوميا جدا ومصيريا تجاه الصراع العربي الصهيوني.
أوسلو منذ البداية لم يُقّر بشئ عملي للفلسطينيين، فلا دولة فلسطينية بحدود واضحة، ولا قدس بلا استيطان ولا تهويد، ولا حق عودة للاجئين الفلسطينيين..فعلى ماذا كان ( المفاوضون الفلسطينيون ) يفاوضون؟*
اعترفت تلك القيادة الفلسطينية ( بدولة إسرائيل) نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية مقابل اعتراف بها ممثلة للفلسطينيين!!
بالمناسبة: ما هي حدود الدولة ( الإسرائيلية) التي اعترف بها المفاوض الفلسطيني؟
لم يعترف ( المفاوض الإسرائيلي) بدولة فلسطينية، وهو لن يعترف أبدا إلاّ بالقوّة..أما كيف نحقق القوّة فهذا موضوع آخر، وهنا أستذكر القائد جمال عبد الناصر وقوله الثوري البليغ المستمد من تجارب الشعوب، والذي ينطبق تماما على صراعنا العربي مع عدونا الصهيوني: ما أخذ بالقوة لا يُسترّد إلاّ بالقوة.
لقد حقق النظام الإقليمي العربي ما أراد، بدفعه الطرف الفلسطيني الرسمي بشتى الأساليب، وتشجيعه على ( الواقعية)، وفتح مسارات أمامه ( للتواصل) مع الصهاينة، وهيّأه لتقديم تنازلات..وكل هذا بهدف غسل النظام الإقليمي العربي الرسمي التابع المتواطئ يديه من القضية الفلسطينية، ولقد روّج لمصطلح: الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي)، وهكذا تلاعب بجوهر القضية والصراع، وعمد إلى تضليل الجماهير العربية وعزلها عن قضيتها: الصراع العربي مع المشروع الصهيوني الذي لن يكف عن أطماعه، ولن يوقف تآمره على كل قضايا شعوب أمتنا العربية…
لقد حوّل النظام الإقليمي بخبث ودهاء مفهوم الصراع من صراع عربي( إسرائيلي) إلى صراع فلسطيني ( إسرائيلي)..وهو يكرر هذا المصطلح في كل وسائل إعلامه ليغرسه في نفوس ملايين العرب، وبهذا يرسّخ ( الثقافة) الإقليمية تجاه فلسطينن ويبرر مواقف هذا النظام الإقليمي وذاك.
أترون كيف أوصل الخطاب الإقليمي التنصلي من عروبة فلسطين القضية وقزّمها وأقلمها..واندفع ( للتطبيع) مع الكيان الصهيوني، ايضا، بحجة ( الواقعية)..و( خدمة) شعب فلسطين!!
أما والمؤامرة على فلسطين باتت مفضوحة، والأطراف المتآمرة تندفع في تنفيذ مؤامرتها بقيادة أمريكا، في زمن إدارة ترامب، وفي زمن استفحال الخطاب الإقليمي العربي الرسمي، وبعد فشل رهانات أوسلو على سلام مع الكيان الصهيوني الذي لن يتخلّى عن أطماعه في الإستحواذ على كل فلسطين، والهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على الوطن العربي..شريكا لأمريكا، فماذا يتبقى للقوى القومية العربية، وفي مقدمتها شعب فلسطين المُجرّب..سوى رفع شعار: قومية معركة فلسطين، وعروبة الصراع مع الكيان الصهيوني، ووضع أمريكا في مقدمة الأعداء، وعدم التسامح مع قوى الرجعية العربية ورأسها النظام الحاكم في نجد والحجاز.
لا بد من موقف نقدي جذري لمسيرة ( التصالح) مع الكيان الصهيوني منذ السادات الخائن لمصر وللأمة العربية. ولا بد من فضح تبعية أنظمة النفط والغاز في الخليج أمريكيا، وفتحها لأراض تحكمها لتكون قواعد أمريكية، وهذه مهمات قومية عربية، وليست مهمة شعب فلسطين وحده.
يجب أن لا نتفاجأ من هرولة المطبعين الخونة، فعندما كنا نخوض معركة بيروت 1982 كان ( شارون) المجرم يعانق قادة الطائفيين في بيروت الشرقية، ويتامل حرائق بيروت الغربية من فوق سطح فندق( الكسندر) مستمتعا كنيرون بحرق نصف بيروت، وبجوراه ( قادة) طائفيون بملابس عسكرية يتلمظون متعة وهم يتأملون بيروت والطائرات تغير عليها وتقصف بنايات بيروت بصورايخ فراغية مدمرة!
الإقليمي والطائفي حليفان للصهاينة وتابعان بنذالة لأمريكا، وعدوان لنهوض الأمة، وللقضية فلسطين..هكذا كانوا، وهكذا سيبقون حتى تلفظهم جماهير الأمة من محيطها إلى خليجها.
وتبقى فلسطين قضية عربية أولى بامتياز,,قضية جماهير ستنهض رافعة علمها بالترافق مع شعارات الحرية والعدالة والوحدة العربية.
وتبقى فلسطين ( ثقافة) قومية عربية نهضوية، ويبقى دور المثقف بانتظاره ناشرا للوعي، مواجها لكل انحراف، متصديا ( لثقافة) الطائفيين ، والإقليميين، وأدعياء الواقعية المُضللين الذين رغم فشل طروحاتهم..ما زالوا يصرّون على مواصلة نهجهم، رغم إفلاسهم.
ختاما: لا يمكن الفصل بين الثقافة والسياسة في الصراع العربي الصهيوني، وقضايا تحرر الإنسان العربي، وخوض ملايين العرب لمعركة النهوض العربي لأخذ دورهم مع الأمم الناهضة…
*( أتمنى على القرّاء المعنيين قراءة مذكرات وزراء خارجية مصر، وكتاب الصحفي المصري محمود فوزي المعنون: كامب ديفد: في عقل وزراء خارجية مصر، المنشور في القاهرة عن منشورات مدبولي عام 1990) وسيذهل مما يقرأ عن ما فعله السادات، وأسباب استقالات أولئك الوزراء من الخارجية، الواحد بعد الآخر، وقد رأوا وشهدوا زحف السادات على أعتاب أمريكا، ممثلة بكيسنجر اليهودي الصهيوني، وإضاعة أقدس قضية: القضية الفلسطينية، والقدس، وهيبة مصر وحقوقها وسيادتها على سيناء بالكامل، وبدون قوات دولية، وتحديد السلاح وعدد الجنود المصريين، و..عزل مصر عن العرب، والعداء للاتحاد السوفييتي الصديق)
* ( أنصح بقراءة كتاب الدكتور رشيد الخالدي (وسطاء الخداع) المترجم للعربية والصادر عن منشورات المؤسسة العربية، وهو مستشار الوفد المفاوض في واشنطن برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي الذي رفض أن يتزحزح عن طلب الاتفاق على إيقاف الاستيطان..فكان أن التفت قيادة تونس من وراء ظهر وفد واشنطن متجهة في الظلام إلى أوسلو..وهناك لم تصر( القيادة الواقعية) على إيقاف الاستيطان، وسارت على ( العميات) معتمدة على ( نزاهة) أمريكا، ووفاء قادة الكيان الصهيوني الذين جنحوا للسلام!!