الواقع يكسر قواعد التحليل السياسى- د. رافت حمدونة
تهدئة ، مصالحة ، عملية عسكرية تكتيكية محدودة ، حرب عسكرية شاملة ، تسوية سياسية ، مفاوضات سلمية ، مدريد ، أوسلو ، كامب ديفيد ، أنابوليس ، خارطة الطريق ، الدولة الفلسطينية ، الحكم الذاتى ، الانقلاب ، الحسم ، الانقسام الفلسطينى ، الشرعية ، اللجنة الادارية ، الحصار، الحوار، صفقة القرن ، مصطلحات يومية وموسمية وأحداث متراكمة ، وسياسات متقلبة .
أشفق حقيقة على زملائى وأصدقائى المحللين السياسيين في فلسطين ، وأعتقد جازماً بقدراتهم وامكانياتهم وسعة أفقهم ، وبعمق تفكيرهم ، ولكن للأسف ” هنا ” الشىء مختلف تماماً ، كوننا أبعد من اسقاط أسس التحليل والنظريات والفلسفات السياسية على الواقع المتغير والمفاجىء، لكثرة التقلبات اللحظية غير المتوقعة ، ولعدم وجود ضابط وناظم وحالة استقرار سياسى واقتصادى تعطى المجال للمحلل لتقديم رؤيته وربطه للأحداث والنقاط ، وأعتقد لو عاش بيننا آباء الفلسفة السياسية القديمة والحديثة من عهد الاغريق إلى عصر التنوير والتاريخ الحديث والمعاصر ، من أفلاطون ” تلميذ سقراط وأستاذ أرسطو ” وابن خلدون والفارابى ، وآباء الفلسفة السياسية الحديثة كهوبز وجون لوك وجان جاك روسو وكانط وهيغل وسارتر، ومايكل أوكشوت، وجون رولس، ويورجن هابرماس ، وميشيل فوكو، ورولس ، وماركس ونيتشه ، لشعروا بما يشعر به محللينا في فلسطين ولربما المنطقة بكاملها ، وكانوا أكثر شفقة على المواطن المترقب لكلماتهم ، متشوقاً لحالة من التفاؤل في خضم حالة التشاؤم العامة ، كونه يفكر بهواجسه ، ويتخوف على مستقبله وأبناءه وأحفاده ، ويحلم بحياة كريمة عكرتها الظروف والأجواء .
لو كان آباء الفلسفة السياسية بيننا لتوجسوا خشية من الكتابة ، ولكانوا أكثر رهبة لاجراء مقابلة تحليلية عن الواقع وقراءة للمستقبل على فضائية أو وسيلة اعلام فلسطينية أو عربية أو دولية ، هنا الواقع يختلف ، لكثرة التحالفات والتدخلات والضغوطات ووسائل الترغيب والترهيب ، ولأفشلتهم المتغيرات الدراماتيكية ، والأطماع الصهيوينة ، والأحلام الاسرائيلية ، والأهداف والممارسات والأساطير العنصرية التى لا دين لها ولا أخلاق ولا اتفاقيات .
هنا لا لنظريات السلوك السياسى ، ولا مجال لاسقاط الفلسفة المثالية ، أوالفلسفة الواقعية ، والبراجماتية بشكل دائم ، ولا للتفسيرات الفيزيائية المادية ، ولا للميتافيزيقية ” الماورائية ” ، هنا في فلسطين وفى غزة الأمر مختلف تماماً ، التنظيمات كثيرة ، والتحالفات والمعتقدات والبرامج والأجندات مختلفة تماماً ، هنا سياسة ” لا الحرب ولا السلام ” معاً ، وهنا إدارة الصراعات والأزمات لا حلها ، وهنا البقاء على قيد الحياة مكسوراً مجبوراً موجوعاً جائعاً مذبوحاً مقتولاً تطحنك المصالح التى لا مصلحة للمواطن فيها شىء .
في فلسطين يصعب على المحلل الاعتماد على دراسة العلوم السياسية في التحليل والرؤية ، ولا يمكن الانطلاق من نظرية السياسة وتطبيقاتها ووصف وتحليل النظم السياسية وسلوكها ،هنا أبعد ما نكون من النظرية السياسية، والفلسفة السياسية، وتحليل السياسات ، والتطور السياسي والقانون الدولي ، والاتفاقيات الدولية في السلم والحرب وفى مبادىء حقوق الإنسان ، ومن استقراء العلاقات بين التنظيمات ، وعلى أى أساس ومع الدول والغير .
وحتى نتجاوز أزمة المحللين ، وأزمة تساؤل المواطنين الذى أعياهم وأوجعهم الحال والتفكير ، ولتحقيق عزتنا وسيادتنا واستقلالنا وكرامة شعبنا ، علينا أن نكون أخلاقيين ، ونتسلح بوحدتنا ، وبالمشروع الفلسطينى القائم على مواجهة الاحتلال ، والعمل على تحقيق المصالحة التى لا تحتاج الا للشعور بالمسؤولية التاريخية ، والبعد عن المصالح الحزبية ، وتغليب مصلحة المواطن الذى أعيته وأوجعته وأقعدته المناكفات الداخلية على حساب المصلحة الوطنية .
…………….
** أسير محرر ، حاصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية
d.rafathamdona@gmail.com