الوجه الأخر للروائي أشرف العشماوي-كتبت ابتسام السعدون من القاهرة :
هل يصبح أشرف العشماوي أهم كاتب مصري و عربي خلال السنوات القادمة ؟ هذا التساؤل ظل يلح على ذاكرتي قبل واثناء وبعد لقائي معه وأظن انه بات على وشك الحدوث ، العشماوي قلم أدبي مثير للجدل ينتمي لجيل الوسط بدأ الكتابة مبكرا لكنه نشر أعماله مؤخرا تحديدا عندما تخطى الاربعين من عمره نشرت أولى رواياته ” زمن الضباع ” التى كتبها مثل معظم اعماله فى سنوات ما قبل ثورات الربيع العربي بفترة كبيرة لكنها لم تلق قبولا كبيرا وقت نشرها ربما لتزامنها مع ثورة القاهرة الاولى فى يناير 2011 ومع ذلك رحب بها الكتاب والصحفيين والنقاد وكتبت عنها عشرات المقالات والقراءات النقدية وتناثرت انباء عن تحويلها لفيلم كارتون على غرار الملك الاسد ومزرعة الحيوان فهى التجربة الوحيدة لمحاكاة عالم الحيوان على الطريقة العربية مستلهمة روح كليلة ودمنة ومنطق الطير بأسلوب وصفه النقاد وقتها بأنه سينمائي فى كتاباته ويتبع المدرسة الوصفية الفرنسية فى الكتابة الادبية الكلاسيكية و يستشعر معه القارئ أنه يرى بوضوح شخوص الرواية وهى تتحرك وتتكلم وكأن الحياة قد بعثت فيها وهذه المهارة التى يتقنها العشماوي ببراعة ظل حريصا عليها فى كل اعماله بعد ذلك وكانت العلامة الفارقة الاولى فى مسيرته الادبية هى رواية ” تـــويا ” التى لاقت نجاحا كبيرا فور صدروها ولم تمض بضع شهور حتى وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية كواحدة من افضل عشر روايات على مستوى العالم العربي فى مفاجأة من العيار الثقيل فالعشماوي القادم من خارج الصندوق الادبي حيث كان محققا جنائيا عتيدا لسنوات طويلة ومن بعدها قاض فى محكمة الاستئناف فقد راح ينافس قامات ادبية شامخة مثل واسيني اعرج وربيع جابر ويوسف زيدان واحلام مستغامنى وغيرهم ممن رشحوا معه فى ذات العام لنيل الجائزة والتقدير المعنوي ، هو نفسه يقول : لم اتوقع هذا النجاح واشعر اننى الان على الطريق الصحيح
بعدها أصدر العشماوي رواية ” المرشد “ وهى سياسية اجتماعية طويلة كتبها عام 2004 ثم اضاف اليها فصلين بعد الثورة قبل نشرها عام 2013 وهى ذاتها التى لفتت انظار المخرج على بدرخان فاشترى حقوق تحويلها لمسلسل رمضانى سيعرض بعد شهور قليلة واصفا اياها انها مليئة بالخطوط الدرامية وهو ما اثار تساؤلات فى الوسط الثقافى حول ما اذا كان بعض الروائيين يكبون من اجل تحويل اعمالهم لدراما مرئية ؟ الاجابة ان الغالبية تتمنى ذلك وبعضهم يتعمد الكتابة بهذه الطريقة لكن للعشماوي رأي اخر فهو يقول فى احدى مقابلاته التلفزيونية : انا لا اكتب الا لكى افكر مع القارئ بصوت عال ولا يهمنى اى رأي سوى القراء ولا اسعى لتحويل اعمالى الى سينما او تلفزيون وان اتت لا يهمنى بكم ابيعها بقدر معرفة من سيقوم على كتابة السيناريو والحوار ومن سيؤدى البطولة ، أنا أحب الكتابة وأرى انها لعبة ممتعة وأنا استمتع بها ولا يهمني ان اكون محترف .
فى روايته الاخيرة ” البارمان “ فوجئ العشماوي وغيره بفوزها بجائزة افضل رواية من الهيئة العامة للكتاب لعام 2014 وعن تلك الجائزة قال ببساطة عقب فوزه مباشرة وهو يغادر منصة التتويج : لا أعرف حيثيات الفوز لروايتي البارمان وربما لم تقدم معها أعمال كثيرة تنافسها ، لا يمكن أن تكون هى الافضل على الاطلاق ولكن ربما اعتبروها أفضل ما عرض عليهم كلجنة تحكيم انا سعيد بفوزي ولكننى انتظر رأي القارئ بشغف ، لا اكتب للحصول على جائزة ولا اتصور كاتبا يفعل ذلك ولكننى فرحان بتقدير الدولة لعملي الادبي شكرا لكم . انتهى كلام العشماوي وسكت معه كل قلم كان ينتوى مهاجمته فالرجل لم يدع بطولة ولم يقبل مجاملة وقال ما يشعر به بصدق وصراحة وربما كان ذلك احد اهم اسباب نجاحه انه يعرف اين يقف وما المسافة بينه وبين الاخرين .
مؤخرا أثير فى الوسط الثقافي أن هذا الجيل والجيل الذى سبقه والذي يليه سوف يتوقفون عن الكتابة وانهم ظاهرة ادبية غير حقيقية بدءا من الاسواني مرورًا بأحمد مراد وعصام يوسف والعشماوي وهشام الخشن وانتهاء بالجيل الجديد مثل عمرو الجندي ومحمد صادق وشريف عبد الهادي واحمد القرمالاوى فهم مجرد ظواهر مؤقتة ستنتهى قريبا
حملت سؤالي للعشماوي فاكتفى بابتسامة ولم يعلق وبعد ضغط والحاح مني قال باقتضاب : القارئ هو الذي يحدد من يبقى ومن يتوقف لا احد يملك السيطرة على عقول القراء واختيار نوعية القراءة وهذا الزخم والتنوع والكثرة الموجودة على الساحة مفيدة وليست ضارة فى المطلق والبقاء سيكون للأصلح ، لا يمكن منع احد من الكتابة وكل لون ادبي مطلوب فلدينا قراء متنوعون و لكن لدينا ايضا كتاب وروائيين مبدعين لم ياخذوا حقهم مع انهم يجب ان يتصدروا المشهد الثقافي مثل أشرف الخمايسي وعمرو العادلي واحمد عبد المجيد وحسن كمال وغيرهم ، هؤلاء مبدعون حقيقيون لا جدال ، المسألة ليست فى الاكثر مبيعا او ان هذا الكاتب لطيف او شيك او دمه خفيف او حتى فى المقدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى ببراعة انا شخصيا لدي صفحة رسمية ولكن يديرها اشخاص متخصصون فى الدعاية هذه ليست مهمتى او مهنتى ، فنحن لسنا شركات دعاية المفروض اننا مبدعون فى الاصل او هكذا نريد ان نقدم انفسنا ، وبالتالي علينا ان نحترم القارئ ونقدم الافضل له بل ونقدم اعمال غيرنا اذا ما كانت جيدة هذا ما افعله وسأظل افعله ولا يهمني رأي من يهاجم اعمالى بلا موضوعية فهذا لا يستحق مجرد الرد عليه وانا منذ دخولى الوسط الثقافى وانا لا ارد على هجوم ولا اعتقد ان هناك جديد يدعوني الى تغيير وجهة نظري ، أنا لم ولن اهاجم اى كاتب من اى جيل ولا احب الدخول فى معارك من هذا النوع رغم ان هناك على الساحة من يسيئون للرواية ويضللون القراء لكنني مؤمن بأنك لن تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت سينكشف امرهم حتما يوما ما وسيبقى الافضل والحقيقي وسيذهب المزيف الى حيث ألقت انما الهجوم عليهم سيعطيهم اهمية وسيشعرهم بأن لهم قيمة ادبية ، هذه وجهو نظرى وانا مقتنع بها.
سألته بمكر عن رأيه فى زملاء جيله وكتاباتهم الادبية اجاب بدبلوماسية يحسد عليها : اقرأ لهم جميعا واعتز بصداقتهم ومعرفتهم على المستوى الانساني . عدت اسأله عن تقييمه فقال بهدوء: اقول لهم رأيي بيني وبينهم اذا ما قرأت مسودة اما اذا كانت مطبوعة فحقهم علي ان احضر حفلات التوقيع وابارك لهم ويظل رايي بيني وبينهم ايضا لكن اذا ما طلبوه مني .
فى بداية سؤالى عن منع روايته البارمان من دخول دولة الكويت رغم تكريم وزارة الاعلام الكويتية له على هامش معرض الكتاب الماضى .. قاطعني بحدة قائلا لا اريد الحديث فى هذا الامر حتى لا يظن البعض اننى اروج للرواية فقلت له ولكنها الان فى الطبعة العاشرة ولا تحتاج لهذا الترويج ان فرضنا صحته؟ فقال : انا لا اعرف لماذا منعوها ولم اكن بمفردى هناك عشرات الروايات تم منعها ويبدو ان موظفا فى الرقابة الفنية هناك رأى فيها ما يستوجب المنع وهم احرار فى بلدهم انا لا املك ان افرض عليهم اى شئ .
قبل ان ألملم اوراقي قلت له يبقى سؤالين الاول عن كونك مقل جدا فى حفلات التوقيع بالمقارنة بزملائك فأنت تقيم حفلا واحدا فى العام بينما غيرك يقيم حفلا كل شهر وانت لك قاعدة قراء تسمح لك بعمل حفلات كثبرة جدا ومبيعاتك خير دليل ؟ قال العشماوي : لا احب حفلات التوقيع وافضل الندوات والقراءات النقدية عليها واشعر بحرج شديد ان ادعو الناس لحضور حفلة توقيع وكأنني اقول لهم هيا تعالوا اشتروا كتابي!! الامر بالنسبة لي غير محبذ ولكن فى الفترة الاخيرة اقمت حفلتين الاولى فى المعرض والثانية بعدها باربعة شهور فى مكتبة الديوان وكانتا ناجحتين جدا الحمد لله ومؤخرا ذهبت الى العديد من نوادي الكتاب لمناقشة روايتي وذهبت الى ورشة الزيتون الادبية لمناقشة روايتي وتعلمت منهم الكثير وأرى انهم الافضل فى المناقشات الادبية فى مصر كلها ، وهذا أمر أفضله عن حفلات التوقيع التى لا أحب كثيرا اقامتها عمال على بطال .
سؤال اخير تقليدي عن روايتك القادمة ؟ ابتسم وهو يجيب : تاريخية اعمل عليها منذ عامين ونصف العام ومازلت فى مرحلة المراجعة النهائية لها ، ولم يزد حرفا