الوكيل في مؤتمر هرتسليا
بقلم نضال حمد
من هو الوكيل؟
انه رئيس وزراء حكومة الطوارئ التي قامت بتشكيلها السلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة بعدما سيطرت حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة. كلفه بذلك شريكه في عملية السلام محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
ولد سلام فياض سنة 1952 بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية المحتلة، يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة تكساس. بدأ مشواره أستاذا للاقتصاد بجامعة اليرموك في الأردن ثم عمل في البنك الدولي بواشنطن بين عامي 1987 و1995 . عمل أيضاً ممثلا لفلسطين قي صندوق النقد الدولي حيث كان مقره في القدس المحتلة حتى عام 2001 . وشغل منصب وزير المالية في الحكومة التي سيطرت عليها فتح بين 2002 و2005. وأشاد به المجتمع الدولي لما أدخله من اصلاحات اقتصادية، كما ويعزى اليه الفضل في الحملة على الفساد الرسمي. وينظر له باعتباره ليبراليا ويحظى باحترام على نطاق واسع بين المنظمات الدولية والجهات المانحة. استقال فياض من الحكومة في أواخر عام 2005 لتأسيس وإدارة كتلة الطريق الثالث كحزب مستقل. وحصل الحزب على مقعدين في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني 2006. وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي جمعت حماس بفتح في فبراير/شباط 2007، كان فياض هو من التقى بالدبلوماسيين الأمريكيين وبذل جهدا في إقناع الاتحاد الأوروبي باستئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية. وفي أبريل/نيسان 2007 التقى فياض بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بشكل غير رسمي – وكان ذلك أرفع اتصال بين مسؤول أمريكي ووزير من حكومة الوحدة الوطنية.
كيف وصل الوكيل الى منصبه الحالي؟
لما استفحل الفساد في صفوف أركان السلطة الفلسطينية وفاحت روائح السرقات والرشاوى والاختلاسات، والصفقات المشبوهة، حيث أصبح غالبية لصوص الوطن والمنفى من أثرياء فلسطين المحتلة، فأقاموا قصورهم و مبانيهم وأسسوا تجارتهم، فالتجارة بالوطن والقضية لم تعد تكفي، لذا كان عليهم المتاجرة أيضاً بدماء وعرق الناس.. فعلوا ذلك ومازالوا يفعلون.. لكن روائحهم الكريهة وصلت في تلك المرحلة الى جميع انحاء المعمورة، فكتبت ونشرت عنهم وسائل الاعلام في كل مكان، وخاصة في الدول المانحة، تلك التي قدمت وتقدم المعونات المالية للسلطة الفلسطينية. أي الدول التي حولت أموالها تلك قسما كبيرا من الشعب الفلسطيني الى متسولين، والتي رهنت القرار الفلسطيني (المستقل )، وبالمناسبة في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم دمرت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وحوصرت لسنين تحت القصف والقتل من أجل الحفاظ على هذا القرار الفلسطيني المستقل. وكان ذلك في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، اثناء تواجده في تونس والمنافي العربية الأخرى.. للأسف لم يحفظ هؤلاء التضحيات الجسام التي قدمتها جماهير المخيمات، يبدو أنها كانت للتكتيك مع أن الفنان الفلسطيني عبدالله حداد مغني الثورة الفلسطينية المعاصرة أنشد على مرأى ومسمع ياسر عرفات وكل قادة فلسطين في عدن (اليمن الجنوبي سابقاً ) أغنيته الشهيرة ( يا معود إلا التكتيك)..
رهنوا قرارهم المستقل للدول المانحة وللأموال التي تمنح لهم بالتأكيد مقابل مقابلات ومقبلات ومقابل يرضي كل من يضع إصبعه في مؤخرة فلسطين …
المهم في أزمنة حكومات عديدة تناوب على رئاستها أحمد قريع ومحمود عباس بان الفساد وبانت الوجوه الزائفة، وأكتشفت فضائح مالية كثيرة. فقررت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي تعيين سلام فياض وزيراً للمالية. عارض عرفات ذلك لكنه عاد وتراجع تحت ضغوطات الادارة الأمريكية وما يسمى المجتمع الدولي والدول المانحة كذلك .
واصل فياض صعوده في عمله حتى أصبح رئيساً للوزراء، وفي عهده صار ماكان يعرف بالفدائي الفلسطيني، هذا الذي قاتل في جنوب لبنان وحصار بيروت، صار بحاجة لبطاقة فيزا كارت حتى يستطيع تقاضي مرتبه من مؤسسة المالية في السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهذا أيضاً كان شرطا أمريكيا خضعت له السلطة العتيدة في رام الله ..
تغييب عرفات أبرز كل من فياض وعباس
فرضت أموال الدول المانحة نفسها على قادة السلطة الفلسطينية فقبلوا بفياض رغماً عنهم، ثم عاد هؤلاء أنفسهم وقبلوا بأبي مازن رئيساً للوزراء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم بايعوه جماعيا وقبلوا به خليفة لياسر عرفات بعد وفاة الأخير. فصار قائداًعاماً لفتح، ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وللسلطة الفلسطينية ولما يسمى دولة فلسطين ..
أخذ كل شيء على طبق من ذهب بعدما كان مضى على استقالته من كل تلك المؤسسات ستة اشهر … انها مدرسة فلسطينية مختصة بصناعة قادة المصادفة .. على ما يبدو أنه كان هناك تناسق وتناغم بين فياض وعباس، ولا ندري إن مازال هذا التناغم قائماً حتى يومنا هذا. ففياض خاض الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت سنة 2006 وحصلت قائمته على مقعدين في المجلس التشريعي الذي هيمنت عليه حركة حماس. قائمة فياض نالت مقعدين بينما تحالف قوى اليسار باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نال أيضا مقعدين، فيما قائمة الشعبية حصلت على 3 مقاعد. يعني 5 مقاعد لكل اليسار الفلسطيني بكل ما له من تاريخ ثوري ومقاوم معمد بالدماء والتضحيات والعطاء والتشرد والفداء، ومقعدان لعابر سبيل وصل قبل سنوات قليلة للعمل وكيلاً للأمريكان وللأوروبيين في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. كان لا بد لهذا الشيء أن يدعو الى القلق الشديد، وأن ينذر بعواقب خاصة إذا ما نظرنا لمشاركة سلام فياض الأخيرة في مؤتمر هرتسليا للأمن القومي الصهيوني.
بالرغم من وجود قرار لدى رئيس السلطة عباس بعدم اللقاء بالجانب الاحتلالي قبل تجميد الاستطيان ( يبدو أنه قرار شكلي).
هنا يبرز سؤال هام مادام هناك قرار أو موقف سلطوي في رام الله يشترط ذلك لتجديد المفاوضات ولقاء الصهاينة لماذا ذهب فياض الى هرتسليا ؟
وهل هذا الوكيل يعمل على نفقته ولحسابه الخاص؟
خاصة أن أهم ما يصبو اليه هو استمرار تدفق الأموال من الدول المانحة. واستمرار علاقاته وروابطه القوية مع كيان الاحتلال الصهيوني.
هناك وكلاء في كل فلسطين المحتلة ..
ختاماً لا بد من التذكير بأن الوكيل العائد من هرتسليا ليس وحده في فلسطين المحتلة، فهناك للأسف وكلاء منتشرون في كل البلد بطولها وعرضها، يقدمون الخدمات ويتلقون الهبات والمنح والمساعدات. مقابل ذلك نجدهم يقدمون الرعاية والحماية للعملاء والجواسيس أمثال عدنان ياسين، ويواصلون التنسيق الأمني المثير والمثمر مع الجانب الصهيوني، والذي يتم برعاية أمريكية يومية.
ويبدو أن هذه المرحلة من عمر الشعب الفلسطيني هي بلا منازعة مرحلة وكلاء الاحتلال .. والى أن تنتهي هذه المرحلة وتزول وكالة الوكلاء عن الوجود، على الشعب الفلسطيني أن يستعيد تراثه المقاوم ووقفات عزه المجيدة. فبدون ذلك ستتحول كل فلسطين المحتلة الى وكر للعملاء ووكالة لوكلاء الاحتلال .
04/02/2010
* مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org