الى اخي وصديقي جاسر الحسين .. لا تزال الأشجار عالية يا جاسر
الى اخي وصديقي جاسر الحسين .. لا تزال الأشجار عالية يا جاسر .. ولم نزل نرى كراكوف في حضرتك ..
لا أتصور انني في كراكوف دون ان اجتمع مع صديقي جاسر وأجلس معه على قارعة الطريق أمام مطعمه الشهير أكروبوليس حيث حكايات الاغريق الذين يحبون فلسطين ويقفون معها بلا تحفظ.
في كراكوف عرفت جاسر انسانا فلسطينيا عصاميا بدأ مسيرة حياته من الصفر، شاب كادح ومناضل صلب وطالب مجتهد، جاء الى كراكوف من حقول الحمضيات والتبغ في جنوب لبنان المقاوم ومخيماته.
فلسطيني العينين والكفين والقلب والانتماء، ابن مخيم، ولاجئ ابن لاجئ، هجرت عائلته من بلدة البصة في الجليل الفلسطيني الأبي. ولد وشب وترعرع في مخيمات صور وعلى تلالها وفي بساتينها تحت أشجار الليمون والحامض والاسكيدنيا، هناك تعلم حب الوطن وانتمى مثل كل أبناء جيله لثورة رفعت شعارات التحرير والعودة والنصر. كان يربي الأمل متسلحا بالثورة المستمرة، وكان يعتني بالثورة كما اعتناؤه بالأشجار والزرع في بساتين صور.
لم ينس جاسر طفولته والشقاء الذي عاشه في حياته بالمخيم بعدما تخرج من الجامعة بتوفق وبدبلوم أحمر لا يحصل عليه إلا القليلون من الطلبة المجتهدين والناجحين المتفوقين فوق العادة. ظل هو، هو ذاك الطفل القادم من مخيمات العز والانتماء للفقراء في كل مكان على هذا الكوكب، لذا حرص على أن لا يلبس ثوبا غير ثوبه، الذي لبسه في المخيم. وحرص على مساعدة الفقراء والمحتاجين بلا تردد. وتمسك بقوة بالصداقات والعلاقات الانسانية وعض على جراح تسبب بها بعض الرفاق والأصدقاء ولم يقطع علاقته بهم. وهذه شهادة جديدة تضاف لسجل الشهادات التي يحملها بشرف الرجولة والانسانية الحقة.
لا يوجد في بولندا وفي كراكوف من لا يعرفه أو لا يعرف كرم جاسر وشهامته ونخوته وأصالته، إنه شخص جدير بلقب الانسان المثال. يلبي طلب أي محتاج ومعتاز وجائع ومقطوع… ويعرف ذلك كل فقراء شارع (غرودزكا) الشهير في قلب المدينة البولندية التاريخية، كراكوف. مدينة الثقافة والملوك والتاريخ. جاسر علم من أعلام كراكوف كان وسيبقى.
إن كان هناك شيء شدني لزيارة كراكوف والتي اعتدت زيارتها أكثر من مرة في العام الواحد فهو وجود جاسر هناك. بالنسبة لي أهمية جاسر في كراكوف مثل أهمية النصب التذكاري لأبي الشعر البولندي ومتنبي بولندا آدم ميتسكيفيتش، لكل بولندي يعتز بمتنبي بلده.
سبق وكتبت عن جاسر هنا في صفحتي بالفيسبوك وليتني أعثر على ما كتبته في السنوات السابقة. لأن ما كتبته كان كُتب في أيام غير هذه الأيام… ويوم كان جاسر لا يعاني من أي طارئ وعارض صحي. أهمية كتابتي اليوم عن هذا الصديق الوفي والانسان النبيل والشهم تكمن في أن جاسر مريض وفي المستشفى. أتمنى له الشفاء العاجل والخروج بأقل الخسائر وأن يعود صقراً يعجز المرض أو فراش المستشفيات عن استباحته.
كتابات كنت خططتها في مطعم جاسر بكراكوف :
طبعا جاسر والعاملين والعاملات في اكروبوليس عامل هام من عوامل زياراتنا الى كراكوف .. فمع الشيف جاسر أو الرفيق جاسر يمكنك التحدث والنقاش والحوار في كل القضايا. ولا أنسى أيضا أنه معه يمكنني تدخين الشيشة في اكروبوليس وعلى شارع غرودزكا. ولكن أيضا هناك عوامل أخرى لزيارة المدينة ومنها وجود أصدقاء أحبة مثل جاسر و منهم الشاعر الجميل الصديق يوسف شحادة و “فارس كراكوفيان” الصديق عمر فارس وآخرين من أكروبوليس حتى مقهى الشيشة في ال: ماوي رينيك.
من اوراقي الجديدة في كراكوف ..
على كرسي خيزراني، في مطعم اكروبوليس، عند شارع غرودزكا، في كراكوف التي تتوهج تاريخا. جلست متأملا الناس، مشاة يعبرون الشارع غير آبهين بآلة التصوير .. ورود تزين الحوض الذي يلف اكروبوليس. جاسر منشغل بعمل مع جمعة، والزبائن يضيقون الخناق على الموائد. في الشارع زهرات بولونيات أفحن العطر على الرصيف العتيق. حبق وزنبق وياسمين، فل وريحان وحياة تعج بالآدميين.. هنا تذكرت سنوات الشباب والجامعة، وما تركت هناك على الارصفة، وفوق الطاولات، و في المقاهي، من قصائد حب وحرية .. هنا والآن اعيد نثر احرفي على الشارع والمشاة، وعلى الناس وعلى الذكريات. هنا في أكروبوليس يلتهب الجمر فوق حجر الشيشة، تعبق رائحة التفاح المنبعثة من المعسل في المكان، لتلتقي بتفاح الصبايا المارات فوق رصيف غرودزكا.. يعود جاسر من جديد، فيما انا لازلت اعيش حلمي القديم متجددا.
( نضال) ..
*كتبت في اكروبوليس صيف 2012 .
مطعم اكروبوليس حيث كنت منذ بداية شهر شباط – فبراير الجاري وحتى يوم امس صباحا اقضي معظم وقتي في مدينة كراكوف البولندية. هو مطعم صغير وجميل، يقدم طعاما يونانيا و عربيا. وصاحبه صديق حميم و رجل شهم قلّ نظيره في هذا الزمان الرخو. على شارع غرودزكا في كراكوف من لا يعرف جاسر الحسين لا يعرف كراكوف. تحية له ولكل العاملين والعاملات في اكرابوليس.
نضال حمد – أوسلو