الى الصديقين الطيبين د. اسماعيل و ابراهيم في بولونيا الايطالية …
الى الصديقين الطيبين د. اسماعيل و ابراهيم في بولونيا الايطالية …
في مثل هذه الايام من سنة 1983 كنت ضيفا جديدا حل للتو بصحبة مجموعة من الجرحى والمرضى على بلدية المدينة التاريخية، الرائعة الجمال، الساحرة بألوانها الحمراء، حيث ان أسقف مبانيها ومنازلها غالبا ما تكون قرميدية وباللون الأحمر. كما انها تشتهر بالأقواس التي تنتشر في معظم شوارع وميادين المدينة القديمة بالذات. بالأضافة لوجود دير كبير للرهبان (سان لوكا) يقع على مقربة من المدينة و يمكن القول انه امتداد لها. إذ يستطيع الانسان ان يصل من قلب المدينة القديمة الى الدير سيرا على الاقدام. وهذا الشيء لاحظته عندما زرت المكان قبل عشرة ايام. فمعظم الزوار من اجيال واعمار منوعة ومختلفة كانوا يصعدون ويهبطون تلة الدير سيرا على ألاقدام وعبر السلالم الحجرية التي تمتد من الدير الى الشارع العام المؤدي الى قلب بولونيا.
وفي مكان غير بعيد عن ذلك المكان توجد مستشفى ريتسولي الذي نزلت فيه من لحظة وصولي الى بولونيا. هذا المستشفى ايضا عريق وشهير ومعروف ومازال يحتفظ بطابعه التاريخي ورونقه القديم وشكله الجميل. عدت اليه قبل عشرة ايام بعد 31 سنة غياب. فوجدته أجمل وأوسع مما كان يوم غادرته.
هناك في صالة كبيرة ومجهزة للندوات والمحاضرات في المستشفى قمت بعرض وتوقيع كتابي (فجر العصافير الطليقة)، الذي ترجمته للايطالية الشاعرة والاديبة المغربية د. اسماء غريب. حضر العرض والتوقيع جمهور لا بأس به، حوالي 60 شخصاً. وهذا العدد في هذه الايام يعتبر عددا كبيرا نسبة لما نراه وللاعداد التي تحضر هكذا ندوات.
في المستشفى التقيت بمعارفي القدامى وبأصدقائي وصديقاتي من الطليان والعرب و الفلسطينيين. فحضرت السيدة ايفونا وابنتها باربرا اللتان عاشتا معنا شهورا وقامتا بخدمتنا ومساعدتنا حتى غدونا اصدقاء واشبه بعائلة واحدة كبيرة طليانية فلسطينية ولبنانية. سبق وكتبت فصلا كاملا عن ايفونا وتجربتي معها.
حضر ايضا الاصدقاء د. اسماعيل الذي ودعني واودعني القطار في المحطة يوم مغادرتي بولونيا متجها الى فلورنسه. وحضر ايضا ابراهيم التعمري الذي كان عند الظهر في استقبالي وانتظاري في محطة قطارات بولونيا، التي بدورها تبدلت كثيرا خاصة انه اصبح فيها قسم جديد .. بينما القسم القديم من المحطة بقي كما تركته نهاية سنة 1983. حضر معه الندوة نجله المتألق داوود، الذي للاسف اضطر رغم عدم رغبته ان يقوم بتصوير وقائع الندوة لانني لم اجد غيره ليقوم بذلك. داوود شاب صغير في مقتبل العمر، لكنه يسبق عمره من حيث التفكير وحمل فلسطين في قلبه وعقله، كما حملها سيدنا عيسى على درب الآلام وسار متمسكا بها ولم يتركها ابدا.
عائلة ابراهيم كما عائلة د. اسماعيل اخجلوني لكثر وحسن الضيافة والكرم والاستقبال. معهم شعرت وكأنني في فلسطين او في مخيمي عين الحلوة.
قضيت ليلتي الاولى عند اخي ابراهيم وليلتي الثانية عند اخي اسماعيل. تعرفت هناك على عائليتهما،تعرفت على الأخت الفاضلة ام داوود زوجة اخي ابرهيم وعلى ابنه الآخر الصغير بكر وابنته حلا… أم داوود زودتني بكيس زعتر مازال ينتظر الذبح على الطريقة النضالية…
إلتقيت عند أخي اسماعيل بنجله فادي الذي يقارب على الانتهاء من مرحلة الدراسة الجامعية. وتعرفت ايضا على زوجته المعلمة الايطالية بيانكا. السيدة الجليلة التي رافقتني هي واسماعيل في جولة سياحية في دير سان لوكا وفي شوارع بولونيا وبين وتحت اقواسها المتناسقة والمنتشرة في كل مكان. السيدة بلانكا أبدت إعجابها بكلمتي التي قدمت فيها كتابي حيث كانت حميمية جدا وفيها شكر وامتنان وعرفان للشعب الطلياني الذي استقبلني وعالجني انا ورفاقي الجرحى بعد مجزرة صبرا وشاتيلا وحصار بيروت سنة 1982 .
بعد ايام من حضورنا للعلاج في ايطاليا في آذار مارس سنة 1983 تعرفت على الطالبين الصديقين اسماعيل وابراهيم واخوان ورفاق آخرين ثم صارت هناك علاقة صداقة بيننا.
في يوم من الايام طلبت من ابراهيم شفرة. يمكن ابراهيم ظن للوهلة الأولى انني اريد ان احلق ذقني التي حملتها معي من بيروت الى ايطاليا. لكن الذي حصل انني كنت اريدها لاجراء عملية نزع لشظايا عديدة في بطني كانت تزعجني وبعضها كان يؤلمني.
عندما جاءني في اليوم الثاني بالشفرة قلت له اجلس يا صديقي وعليك معاونتي على انتزاع هذه الشظايا من بدني. وقمت بنفسي بشق الجلد بالشفرة وانتزاع الشظايا واحدة تلو الأخرى. في هذا الوقت كانت هناك شابة ايطالية تقوم بزيارتنا وهي من جيراننا في الحارة، حيث كنا نسكن في بناء اعد لنا خصيصا. لم تتمالك نفسها حين رأت الدكتور (نضال) وهو يقوم بنزع الشظايا على طريقته وبمساعدة الدكتور (ابراهيم). فكادت تهوي على الأرض بعدما شعرت بالغثيان والدوار.
كنت قبل ايام و تعقيبا على تعليق لابراهيم على مقالتي عن الصديق والرفيق الاديب الفلسطيني الكبير رشاد ابوشاور وتركه لصجيفة القدس العربي كتبت لاخي ابراهيم التالي:
عرفتك سنة 1983 طالبا فلسطينيا في مدينة بولونيا الايطالية حيث وصلت بالطائرة وانا على عربة متحركة مدينتكم الحمراء قادما من بيروت التي ودعت فيها سنة 1982 رفيقي رشاد ابوشاور، الذي بدوره كما آلاف الفدائيين ابحر من بيروت الى تونس، فكتب روايته الشهيرة (الرب لم يسترح في اليوم السابع). وهي تمثل 7 ايام رحلة السفينة من بيروت الى تونس. كان الوداع في شهر آب اللهاب خلال نهايات الحصار فالرحيل.
في بولونيا كنا معا انا وانت نفتش في جسدي المهشم عن الشظايا فنقتلعها تدربا على اقتلاع الاحتلال من جسد وطننا فلسطين. اقتلعنا الشظايا اما الاحتلال فدوره قادم لا محالة..
كنت ولازلت يا صديقي تنتمي لفلسطين فبعد فراق دام عشرات السنين عدت والتقيت بك في بولونيا لاجدك فلسطينيا اكثر مما كنت يوم تعارفنا. ولأجد (داوودك) ابنك البكر فلسطينيا اكثر مني ومنك.
يا صديقي .. في زمن الانبطاح والمحسوبيات والبيع العلني للقضية يبقى الأوفياء وحدهم وقودا للقضية.
دمت اخا ورفيقا وصديقا.
***
صديقي وأخي د. اسماعيل ..
كنت ولازلت كما انت فلسطيني الفكر والوفاء ..
ابن مخيم ينجب زعترا وزيتونا و انتماء ..
شكرا لك ولعائلتك على كل مالاقيته عندكم من محبة وضيافة.
يتبع*
نضال حمد – 26-4-2013 اوسلو
نضال وابراهيم بولونيا ايطاليا 1983
نضال واسماعيل بولونيا ايطاليا 1983
نضال وابراهيم واسماعيل وداوود وآخرين بولونيا ايطاليا 2014