اليرموك والزنغرية – علي بدوان
دفاتر اليرموك (173)
اليرموك والزنغرية – علي بدوان
تُشكِّلُ عشيرة الزنغرية مكوناً من المكونات السكانية لمخيم اليرموك وعدد من التجمعات الفلسطينية اللاجئة فوق الأرض العربية السورية منذ العام 1948. فقد دخل أبناء بلدة (طوبا الزنغرية) الفلسطينية الى الأرض السورية بإتجاه الجولان عام النكبة، إنطلاقاً من بلدتهم التابعة لقضاء مدينة صفد والقريبة جداً من الحدود السورية، وأقاموا في الجولان في عدة مناطق كان أهمها منطقة البطيحة، وهي منطقة مشهورة في الجولان وتقع الى جانب بلدة الحمة.
لجأ كل أهالي بلدة (طوبا الزنغرية) عام النكبة بإتجاه الأراضي السورية، الا أن أعداداً قليلة منهم، إستطاعت العودة لفلسطين بعد فترة قصيرة من اللجوء لسوريا، وتحديداً من منطقة البطيحة في حادثة فريدة من نوعها رواها لنا أحد وجهاء وشخصيات البلدة، الشيخ خميس جرادات الزنغري، حيث قال بأن من عاد الى الزنغرية من بلدة (البطيحة) في الجولان بعد فترة قصيرة من اللجوء الى سوريا، لم يتجاوز سوى (12) شخصاً، كان على رأسهم (جمعه الجفراني) وقد جائت عودته السرية ومن معه تسللاً، وإقامته في فلسطين بعد أن نال منه بالضرب (دركي ــ رجل شرطة) أثناء توزيع غذاء (التمر) على اللاجئين الفلسطينيين في بلدة البطيحة في الجولان، بسببٍ من خروجه عن الدور، فعاد الى عائلته وصمم على العودة لفلسطين سراً وتسللاً مع عدد من الشباب، وهو ما كان، وأستطاع ومن معه أن يبقوا وأن يتحركوا في فلسطين، وفي بلدتهم (طوبا الزنغرية) الى حين قيام دولة الإحتلال بإجراء التعداد السكاني للمواطنين العرب عام 1949 وحصره بالموجودين ومنحهم “الجنسية الإسرائيلية” بعد ذلك.
هؤلاء الشباب الـ (12) وعائلاتهم، الذين عادوا الى فلسطين تسللاً بعد وقتٍ قصير من النكبة، إستطاعوا أن يُعيدوا زرع بذورهم على أرض وطنهم وبلدتهم (طوبا الزنغرية)، في ذرية وصلت أعدادها الآن في (طوبا الزنغرية) لنحو (700) مواطن فلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948، زيتوناً مُتجذراً على أرض الوطن.
أما أعداد أهالي بلدة الزنغرية في سوريا الآن، فتقارب نحو (9000) نفر، تعرضوا لثلاث نكبات : نكبة العام 1948 من فلسطين الى الجولان، ونكبة عام 1967 والنزوح من الجولان نحو دمشق، ونكبة المخيمات والتجمعات الفلسطينية في الأزمة الراهنة.
أقام معظم أهالي الزنغرية بعد النزوح من الجولان في مناطق دمشق التالية : مخيم السيدة زينب (مخيم قبر الست)، جوبر، مخيم اليرموك، مساكن الزاهرة، مخيم جرمانا، مخيم سبينه، مخيم خان الشيح، فيما ذهبت قلة قليلة منهم الى الأردن ولبنان، وكان منهم في لبنان، في مخيم البداوي، عائلة المرحوم عمر قطيش عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
يتميز أهالي (الزنغرية) بإقبالهم الشديد نحو العلم والتعلم، وبرزت من بين صفوفهم الأعداد الكبيرة من الأطباء والمهندسينن ومن خريجي مختلف الإختصاصات من الجامعات السورية وغيرها.
ولايسعني هنا، إلا أن أشير لأحد أبناء (الزنغرية) في سوريا، للدكتور عدنان صالح أحمد، الدكتور الإختصاصي بأمراض الكلية، ورئيس قسم في مشفى الأسد الجامعي بدمشق، والذي إستقبلني وعالجني عدة مرات (دون مقابل) في عيادته الطبية في (جوبر قرب سوق المانطو) بكل محبة ومودة، أثناء المحنة التي تعرضت لها بسببٍ إصابتي في العمل الوطني الفلسطيني، فكان خير الأطباء علماً وتبحراً في ميدان عمله، وخير الناس خلقاً ودماثة وتواضعاً.