انتحار فتح في المؤتمر السابع- منير شفيق
بداية، من ناحية الخط السياسي، كرّس المؤتمر السابع لحركة فتح النهج السياسي الذي سار عليه محمود عباس وفرضه على فتح وم.ت.ف، وسلطة رام الله، بعد استشهاد ياسر عرفات. ولم يقدّم إشارة واحدة توحي بجديد ولو على سبيل ذرّ الرماد في العيون. بل زاد عليه مباركته عملياً لمشاركة محمود عباس في تأبين بيريز. وهي المشاركة التي دافع عنها محمود عباس في خطابه “الكاستروي”، بلا تشبيه عدا امتداده لمدة ثلاث ساعات، ضجّت بتصفيق دونه أيّ تصفيق يناله قائد مظفر عاد على عاصمته مكللاً بالانتصارات. فالهزائم المتتالية التي أنجزها محمود عباس عامَلها المؤتمر السابع لحركة “فتح” باعتبارها انتصارات حققت للشعب الفلسطيني أقصى أمانيّه. فاستحق كل ذلك التصفيق الذي لم يحظ بعشر معشاره ياسر عرفات.
المؤتمر السابع أعلن عملياً أن فتح لم تعُد فتح المنطلقات والثورة والطلقة الأولى. ولم تعُد فتح عرفات حتى التي قادها إلى أوسلو وتعديل ميثاق م.ت.ف وانتهى بندامة، ترجمها بدعم انتفاضة الأقصى التي أدّت إلى استشهاده، ولم تعُد حتى فتح ما بين المؤتمرين السادس والسابع. علماً أن المؤتمر السادس كان أولى خطوات القطيعة الكاملة مع فتح المنطلقات وفتح عرفات النادمة، لتصبح فتح محمود عباس. فالمؤتمر السابع لم يُبْقِ من فتح غير استخدام اسمها زوراً وخداعاً. وبكلمة إنها فتح محمود عباس ونقطة آخر السطر. الأمر الذي إذا تكرّس فمعناه انتحار فتح.
صحيح أن المؤتمر استمر بالمطالبة بإنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة التي عاصمتها “القدس الشريف”، لا يتعدّى أن يكون ذرّاً للرماد في العيون فقد أثبتت مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو ولا سيما، وبصورة صارخة، مرحلة محمود عباس بعد عرفات إلى اليوم، بأن الشعار المعلن شيء والواقع الجاري على الأرض شيء آخر، بل ثبت عملياً أن سياسات محمود عباس وما يقوم من تنسيق أمني يكرسّان الواقع الجاري على الأرض بدليل تفاقم الاستيطان وتهويد القدس والاعتداءات على الأقصى وزيادة بطش الاحتلال من جهة وبدليل، من جهة أخرى، الإصرار على البطش بالمقاومة والانتفاضة من خلال الأجهزة الأمنية، كما العمل على الخط السياسي المتمثل بالتفاوض واستجداء تحريك التسوية، وما أمكن من ضغوط دولية من أجل الحل التصفوي للقضية الفلسطينية والمتمثل بـ”حلّ الدولتين”.
لقد فُصِّلَتْ المشاركة في المؤتمر تفصيلاً على قياس محمود عباس وإن أفلت شيء فقد كان من الشذوذ عن القادة.
يَعلم محمود عباس أن سياسته أعلنت الطلاق البائن مع فتح المنطلقات وحتى مع فتح ياسر عرفات. ولهذا لا يستطيع أن يخاطب أبناء فتح بلغة الإقناع المبدئي، أو السياسي، أو حتى “الواقعية السياسية” التي قادت إلى اتفاق أوسلو. ولا يستطيع أن يخاطب أبناء فتح بأي إنجاز تحقق من خلال سياسة المفاوضات والتسوية ورهاناتها وقد تتالت هزائمها وفشلها حتى ضجّ الفشل منها. فاللغة الوحيدة الممكنة كانت الارتباط بالوظيفة والراتب والتهديد بالحرمان منها بسبب أي اعتراض، أو نقد، حتى لو كانا في منتهى النعومة. ولهذا اعتبر كثيرون من الفتحاويين، وبعضهم من المشاركين في المؤتمر، أن تشكيلة المؤتمر اتسّمت بغلبة المرتبطين بالوظيفة والراتب أو المستفيدين من سوق الفساد.
وهذا وحده الذي يُفسّر التصفيق الذي حظِي به خطاب محمود عباس من قِبَل المؤتمر. أما نفي هذا التفسير فسيقود إلى اتهام المشاركين “الفتحاويين” بأنهم فقدوا عقولهم، إذا كانوا سيصفقون لخط سياسي فشل حتى في أعين من تحمسّوا له يوماً ومارسوه عن قناعة.
حقاً ليس هنالك من سبب مقنع لتفسير الاستقبال الذي حظِي به محمود عباس وخطابه في المؤتمر ومن ثم بيان المؤتمر، وكل ما جرى في المؤتمر، وصولاً إلى ما أسفرت عنه الإجراءات الانتخابية غير السبب المتعلق بالوظيفة وراتبها وقرار الإقالة المُعَّد لكل من يتذكر أنه من فتح المنطلقات أو حتى من فتح عرفات الانتفاضة الثانية.
ولكن كما كان الحال قبل المؤتمر سوف يستمر بعده. وهو اندفاع شباب القدس والضفة الغربية وشاباتهما بالانتفاضة التي اندلعت في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2015 وما زالت مستمرة حتى اليوم. أي سوف تتعمّق الهوّة بين فتح محمود عباس-المؤتمر السابع من جهة وبين الشعب الفلسطيني من جهة أخرى. كما سوف تستمر مسيرة فشل الخط السياسي الذي يمارسه محمود عباس حتى وصوله إلى الانهيار التام.
فبيت محمود عباس أوهى من بيت العنكبوت، ولا قيمة لهذا المؤتمر في دعم أركانه، أو منعه من التهاوي بل أن “فتح” التي جمعها هذا المؤتمر ستفشل بدورها، بل سيسقط سقف ذلك البيت على رأسها ما لم تتشكل معادلة تجنبها هذا المصير الحتمي، أو هذا الرهان الخاسر لا محالة. فنحن إزاء تجريب مجرَّب فاشل. والفاشل لا يلد إلاّ فاشلاً وأشدّ نكراً.
من هنا تكون الكرة قد ألقيت مرّة أخرى في ملعب الفصائل الفلسطينية لتوقف استمرار محمود عباس في قيادة م.ت.ف ومواصلته للتنسيق الأمني. فالرجل مُصرّ على أخذ الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة معه إلى التهلكة.
وإذا كانت المواجهة المباشرة غير مرغوب فيها، فلتكن مواجهة من خلال الانخراط الكلي في الانتفاضة، وفرض خط سياسي مغاير. فأرض القدس والضفة الغربية عطشى لانتفاضة شعبية شاملة والشعب الفلسطيني متحفز للخلاص من خط محمود عباس الكارثي المدمّر.