انتحار في سورية أم استشهاد في فلسطين؟- نضال حمد
كنت يوم أمس أتناقش أنا ابن فلسطين والمشرق العربي مع صديق عربي من مغرب بلادنا العربية. وكان جل الحديث يدور حول موضوع سورية.
قلت للصديق الذي اكتشفت أن موقفه مثل موقفي في الموضوع السوري، قلت له إن الأزمة السورية قسمت الأمة كلها من كل بيت وعائلة الى كل تحالف و مجموعة وحزب ومنظمة و الخ ..
أكد صديقي بدوره على صحة هذا الكلام وأضاف شيئا كنت بوارد قوله وهو أن النظام السوري ليس نظاما عميلا ومرتبطا بأمريكا والغرب والصهاينة كما نظام حسني مبارك. بالرغم من قمعية أجهزته الأمنية. لذا الذي حصل في سورية أحدث الانقسام الكبير. و أضاف صديقي المغربي أنه خسر كثيرين من أصدقائه بسبب الموقف الخلافي من سورية.
وكانت أديبة سورية مرموقة، صديقة ورفيقة أسرَت لي قبل أيام قليلة بنفس الشيء، وقالت أنها خسرت أصدقاء عمر بسبب الخلاف على سورية.
وأنا لا استطيع الادعاء أنني خسرت أحدا بسبب سورية فمن يقف مع أمريكا أو تقف أمريكا معه ليس صديقي ولن يكون كذلك وإن كانَ فقد أصبح مثل ” كانَ” فعل ماضي ناقص…
شخصيا أبني مواقفي على ثوابت لا يمكن أن أحيد عنها وهي أن أمريكا ليست صديقا ولن تكون كذلك لا للفلسطينيين ولا للعرب ولا للمسلمين ولا لأاحرار وشرفاء العالم. وأن كل من يتحالف معها ويقف في صفها أو تقف هي في صفه ليس صديقا ولا حليفا ولا يمكن أيضا الوثوق به.
أما بالنسبة للإخوان المسلمين في مصر وسورية بالذات فقد كانوا دائما على علاقة طيبة بالغرب الاستعماري سواء في بريطانيا أم في أمريكا. وفي أحد خطاباته قال الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر : ” في سنة 1954 كنا نتفاوض مع الانجليز علشان الجلاء، وفي نفس الوقت كان الإخوان المسلمين يعقدون اجتماعات سرية مع أعضاء السفارة البريطانية وقالوا لهم اننا سنستطيع ان نستولي على السلطة وسنستطيع ان نعمل كذا وكذا وتفاوضوا معنا .. وكان الإخوان المسلمين كحزب لا يمثل أبدا الشعور الذي نشعر به في مصر. المرشد لحزب الإخوان المسلمين في ذلك الوقت أيام ما كنا بنحارب في القناة سُئِل: ما هو موقفكم من الحرب في القناة؟ قال نحن والله دعوة واسعة وأنتم هنا في مصر قد تكون مصلحتكم أنكم تحاربوا في القناة ونحن نرى أن المصلحة في أن نحارب ببلد آخر. هذه دعوة الإخوان المسلمين كلام كله تضليل وتجارة بالدين”.
هذا الكلام أعلاه ليس لأي شخص عابر، لأنه كلام للزعيم جمال عبد الناصر قيل قبل عشرات السنين. ومناسبة استحضاره وكتابة هذا الموضوع جاءت على هامش تضليل وتجارة الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، الذي وظف حديثه يوم الجمعة لأتباعه وللمسلمين بتوجيههم وتحريضهم على سورية. وكذلك طلب من الحجاج في بيت الله الحرام أن يدعوا على الصين وروسيا وإيران لأنهم أعداء الأمة. وكأنه يختزل الأمة في جماعته، أي جماعة الإخوان المسلمين.
نفهم موقفه من النظام السوري الحاكم لأنه ينبع من حقد إخواني دفين وقديم ضد كل التيارات والأحزاب والأنظمة القمعية العربية. وتجربتا مصر الناصرية وسورية البعثية تؤكدان صحة ذلك. كان القرضاوي منذ بداية اندلاع أحداث سورية من المحرضين الأوائل على الثورة ضد النظام وباستخدام كل السبل الممكنة، وذهب أكثر من ذلك حين حلل قتل الناس هناك وأباح للمقاتلين الإسلاميين قتل وسحل كل من يعارضهم ويقف في طريقهم. وأباح التدخل الخارجي لأعداء الأمة المعروفين، سواء أمريكا أو حلف الأطلسي. وبنفس الوقت اعتبر الذين يتحالفون مع النظام السوري مثل روسيا والصين وإيران أعداء للأمة. وطالب بالدعاء ضدهم. لأن الشعب السوري يقتل بأسلحتهم وبمشاركتهم, وكان حادا جدا في العداء لإيران والتحريض ضدها وهذا أمر خطير لأنه يعزز الفتنة بين المسلمين السنة والشيعة.
قال القرضاوي في خطبة الجمعة : “يجب أن نعلم أن الذين يقاتلونا ليس النظام السوري وحده، بل يقاتل معه الصينيون والروس والإيرانيون الذين يقاتلون برجالهم وأسلحتهم وأموالهم ويقدمون الملايين للميزانية السورية”. لاحظوا كيف قال “الذين يقاتلونا”.. ترى هل يقصد الذين يقاتلون الإخوان المسلمين والسلفيين في سورية أم ماذا؟ وهل يختزل القرضاوي الشعب السوري بكل طوائفه ومذاهبه والذي يتعرض للقتل والإرهاب اليومي بجماعته فقط لا غير؟
على كل حال فقد تابع القرضاوي قائلا : “إيران أيضاً هي عدوتنا، عدوة العرب، قتلى سوريا قتلهم الإيرانيون والصينيون والروس والجيش السوري.. الإيرانيون يقفون ضد العرب لأجل أن يقيموا إمبراطورية فارسية، الشاه السابق لم يقتل شعباً كما قتلتم أنتم، وكذلك عن طريق حزب الله الذي يرسل رجاله للقتال بسوريا ويعودون منه بالصناديق”.
انظروا التحريض في كلام القرضاوي عن حزب الله واتهامه للحزب بالقتال في سورية والعودة بالغنائم. يعني لا يكفي انه يحرض بل ويكذب أيضا ويدعو للفتنة ويتنكر لحزب الله الذي أوى بعض جماعته من برد وجوع، هو وسورية، يوم تقطعت بهؤلاء السبل، وأغلقت أمامهم كافة البلدان والعواصم بما فيها مكة المكرمة والدوحة حيث يتكرش القرضاوي.
ورأى القرضاوي أن الإيرانيين “خانوا رسالتهم وباتوا يقتلون المسلمين دون بأس لأنهم ليسوا على مذهبهم،” وأضاف: “الله سيحاسبهم حسابا عسيرا، يا أيها الإيرانيون اتقوا الله في المسلمين في سوريا وارحموهم وإلا ستأتيكم نقمة الله عاجلة،” قبل أن يوصي الحجاج بالدعاء على الإيرانيين والروس والجيش السوري.
في الوقت الذي يشن فيه القرضاوي كما رأيتم هجمات متتالية ضد إيران تبشر بتسعير الفتنة المذهبية التي لا يستطيع احد الهروب منها لأنها صارت موجودة في كل مكان ونسمع الأحاديث عنها ونقرأ عن الاشتباكات المذهبية بين المسلمين في وسائل الإعلام والفضائيات التي أعدت للفتنة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي بالذات. في هذا الوقت يعلن التيار السلفي الأردني وهذا التيار يضم متشددين ومتطرفين إسلاميين أردنيين وفلسطينيين أردنيين عن إرساله مقاتلين الى سورية، وينعى أيضا اثنان جديدان من أتباعه قضيا وهما يهاجمان الجيش العربي السوري في درعا.
وقال القيادي البارز في هذا التيار محمد الشلبي الملقب بـ’أبي سيّاف’ ليونايتد برس إنترناشونال، إن ‘اثنين من أنصار التيار استشهدا خلال عملية عسكرية نفذاها ضد الجيش السوري النظامي في مدينة درعا جنوب سورية’.
استشهدا!؟ .. أليس كلاهما القاتل والمقتول من المسلمين إذا تقاتلا في النار؟
على كل حال فليكن ولكن لماذا لم يذهبا للاستشهاد في فلسطين المحتلة ومقاتلة الصهاينة الذين يدنسون الأقصى والقدس منذ عشرات السنين. فالذي يستطيع الوصول الى سورية للانتحار هناك يمكنه عبور الحدود الأردنية الفلسطينية الشاسعة والممتدة على مئات الكيلومترات. والاستشهاد فعلا لا قولا في أرض الرباط والجهاد الحقيقي، على أرض فلسطين المحتلة.
هل امتناع هؤلاء عن قتال الصهاينة وتوفر الرغبة الجامحة لديهم بمقاتلة إخوانهم العرب والمسلمين شيء عادي أم أنه أمر يفوق الأشياء العادية ويدعنا نفكر قليلا بما قاله اليوم الشيخ جهاد العايش الداعية السلفي الإسلامي الفلسطيني المقيم في الكويت، في حديث لوكالة أنباء الأناضول حيث اعتبر من وصفهم بـ”أصحاب الفكر الجهادي” مخترقون من أجهزة مخابرات وجهات مشبوهة – لم يسمها – تدفعهم لتنفيذ أهداف وأجندات وصفها بالمظلمة. وأضاف كذلك :”من يطلقون على أنفسهم السلفيين الجهاديين ليس لديهم القدرة على شرح نظامهم وفكرهم وعقيدتهم أو موقفهم من قضايا العالم الإسلامي”.
ولكن الشيخ العايش حدد شيئا هاما أيضا حين قال إن :”المنهج السلفي يؤمن بالجهاد المسلح وقتال اليهود المحتلين لأرض فلسطين، وهو واجب شرعي ليس فيه أي شك”. وهنا تكمن المشكلة مع جماعة السلفية وأبو سياف وغيرهم من التيارات الجهادية، فهم لا يقاتلون في فلسطين المحتلة ولا يشهد لهم التاريخ بأنهم قاموا بأي عمل هام ضد العدو الصهيوني منذ نشأته وحتى يومنا هذا. بصراحة هذا الأمر يدفع الإنسان للتفكير والسؤال لماذا؟
نضال حمد