انتخابات اتحاد موظفي “الأونروا”.. سياسية أم نقابية؟ – زاهر أبو حمدة
أي استحقاق انتخابي في حد ذاته قيمة ديمقراطية يعبّر الناخب من خلاله عن رأيه ويثبت موقفه. وفي دولة مثل لبنان، يُحرم فيها الفلسطيني من المشاركة في أي انتخابات فلسطينية تصل إلى عدم تحقيق تمثيل صحيح في اللجان الشعبية، تصبح انتخابات اتحاد موظفي “الأونروا” مؤشراً على الميل السياسي عند اللاجئين. فالموظفون في الوكالة الدولية فلسطينيون ولديهم أهواء سياسية بغض النظر عن محاولات اخفائها. ثلاثة آلاف موظف مدعوون الى الاقتراع وتشكيل المجلس التنفيذي المؤلف من تسعة مقاعد. ولكن يبقى السؤال: هل هي انتخابات بوجه نقابي خدماتي أم أنها سياسية فصائلية؟
تتنافس قائمتان، الأولى أعطت نفسها اسم “نقابيون مستقلون”، وطبعاً هم غير مستقلين بل يتبعون حركة “حماس” والقوى الاسلامية ومن يدور في فلكهم. ومن المستغرب أن العنوان لا يحمل صفات وطنية وشعارات لها علاقة بالقضية الفلسطينية. وهنا تحاول “حماس” الظهور بأنها تعمل لصالح الموظفين وتسوّق نفسها أمام داعمي الوكالة لا سيما الأميركيون والأوروبيون أن الأمور الوطنية لا تعنيها كثيراً وربما توافق على طروحات تفرضها الوكالة لاحقاً، كما حصل مع “اتفاق الإطار” بين “الأونروا” والادارة الأميركية وبنوده الكثيرة المجحفة بحق النضال الفلسطيني. فهي تلتزم “الحيادية” كما تنص قوانين الوكالة، أما اللائحة المدعومة من حركة “فتح” و”منظمة التحرير الفلسطينية” و”جمعية المشاريع الخيرية” فأعلنت بوضوح تام عنوانها وأهدافها تحت اسم “العودة والكرامة”. وتقصدت اللائحة ذلك باعتبار أن الهدف الأساس للوكالة وموظفيها هو العمل حتى عودة اللاجئين وحفظ كرامتهم ومن ضمنهم الموظفون. هذا ليس تفصيلاً بسيطاً في سياق المبادئ والقيم والأهداف العامة والخاصة.
ومن المفارقات العجيبة في أداء “حماس”، أنها كانت تعتبر وكالة “الأونروا” منذ تأسيسها مؤامرة على اللاجئين وحق العودة، لكنها عادت وبدلت موقفها ودخلت في قطاعاتها، وتحاول السيطرة على مفاصل العمل فيها وتوظيف أعضائها فيها. وهذا ما حصل عند توقيع “اتفاق أوسلو”، فهي رفضته وحاربته إلا أنها عادت ودخلت في مؤسساته وواجهت كي تحصل على حصتها من مكاسبه. لذلك، تبدو المعركة الانتخابية بصورتها الديموقراطية هي في الأصل نهم للسيطرة على المؤسسات، وإن لم تفلح في ذلك تؤسس هيئات بديلة تواجه ما هو موجود في الأصل. وعلى سبيل المثال، رفضت الدخول في مؤسسات “منظمة التحرير الفلسطينية” وأسست “المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج” وانبثقت عنه مؤسسات متعددة لتصارع المنظمة لا أكثر.
يتضح أن المنافسة على انتخابات “الأونروا” ورقة لإثبات قوة كل طرف. وصحيح أن “نقابيون مستقلون” فازت بالغالبية في جولة عام 2019، لكن ماذا قدموا كنقابيين؟ جواب هذا السؤال: صفر، بل أدنى من صفر في المحصلة النقابية والخدماتية. لا بل حاولوا سرقة إنجازات غيرهم وفي مقدمها ما أنجزه مدير برنامج الصحة في إقليم لبنان الدكتور عبد الحكيم شناعة. وربما الأوضاع الصعبة في العامين الماضيين من الانهيار الاقتصادي في لبنان وجائحة كورونا، كشفت أن لائحة “نقابيون مستقلون” لا تملك الخبرة أو المبادرة. وكان الامتحان الأخير، اضراب الأستاذ أنور موسى عن الطعام أمام مقر “الأونروا” في لبنان، فلم يفعل النقابيون المستقلون أي شيء لأخذ حقوقه في التوظيف حتى تدخلت “فتح” وعالجت الموضوع وضمنت له الترشح للتوظيف كما أراد. والأخطر أنها تحاول عكس الخطاب السياسي في فلسطين المحتلة على الانتخابات الحالية. فهم يجترون خطاب “التنسيق الأمني” المشهور على ألسن قادة “حماس”، في حين لا يرون تنسيق “نبي هدوء” في غزة، والأهم لماذا يستخدمونه؟ لسبب بسيط وهو: الإفلاس.
وبغض النظر عمن سيفوز في هذه الانتخابات السياسية بامتياز، يبقى الهم الأساس الحفاظ على الوكالة كمؤسسة خدماتية وقانونية وسياسية، والعمل على مساعدة اللاجئين أولاً والموظفين ثانياً. لكن هل إذا فازت “حماس” ستعمل لكل الموظفين واللاجئين أم فقط لأبناء الحركة وأعضائها؟ التجربة تؤكد أن الفئوية وخدمة التنظيم مقدمتان على خدمة الشعب بأكمله، واللاجئون في المخيمات يعرفون ذلك تماماً والأدلة كثيرة.