انتصار الديمقراطية في تونس الخضراء ..! – شاكر فريد حسن
من نافلة القول أن تونس الخضراء ، التي قادت ثورات ما يسمى “الربيع العربي” ، اجتازت الامتحان الصعب وعبرت التجربة الديمقراطية بنجاح منقطع النظير ، ولكن يظل الأساس الحفاظ على الخيار الديمقراطي السياسي والاجتماعي الذي تحقق في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أيام ، والتي تميزت بالنزاهة والشفافية بشهادة جميع الكتل والقوى المتنافسة بما فيهم الغنوشي وجماعته .
وقد أظهر التونسيون في هذه الانتخابات الاستثنائية قدراً كبيراً من المسؤولية الوطنية والتاريخية والوعي السياسي والانتخابي ، فقرروا مصيرهم ومستقبلهم بإرادتهم ، ولم تغرهم أو تنطلي عليهم الشعارات البراقة والوعود الكاذبة التي أغدقها عليهم تيار الإسلامي السياسي .
لقد خسرت حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي لصالح “نداء تونس” التي حققت انتصاراً ونجاحاً باهراً ، ودفعت ثمن مواقفها وسلوكها وإخفاقاتها وفشلها في حكم البلاد ، وعدم تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار السياسي والاقتصادي أثناء توليها الحكم في الفترة الانتقالية . وبذلك تحرر الشعب التونسي كالشعب المصري من سطوة الإسلام السياسي .
وبدون أدنى شك أن نتائج الانتخابات تشكل هزيمة وانتكاسة كبرى للتيار الإسلاموي الأصولي السلفي ممثلاً بحركة النهضة ، التي لم تنفذ وعودها بانتشال الشعب التونسي وقطاعاته المختلفة من براثن الفقر والجوع والفاقة والبطالة وعوامل الجهل والتخلف ، وإيجاد الحلول لأزماته الاقتصادية والاجتماعية وفرض الأمن في تونس ، التي شهدت في الأعوام الأخيرة أعمالاً إرهابية وبلطجية وممارسات قمعية بحق النخب والقوى والأحزاب اليسارية والتقدمية والعلمانية و والليبرالية ، وضد مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والمنظمات النسوية ، فضلاً عن التصفيات الجسدية والاغتيالات السياسية التي طالت المناضل شكري بلعيد ، والمناضل محمد إبراهيمي من قادة الجبهة الشعبية التونسية .
وثمة عامل أخر ساهم في تراجع وخسارة حركة النهضة وهو ما تردد عبر وسائل الإعلام عن مشاركة نساء تونسيات ببيع أجسادهن في سورية في إطار ما يسمى بـ “جهاد النكاح” ودعم المعارضة المسلحة وقوى التطرف والإرهاب التي تحارب النظام الوطني والتقدمي السوري .
إن الخريطة السياسية في تونس ستتغير بعد هذه الانتخابات الديمقراطية ، التي تمثل علامة فارقة في الحياة السياسية والانتخابية التونسية ، التي أفرزت وأنتجت مشهداً سياسياً مختلفاً ومغايراً لذلك المشهد الذي عرفه الوطن التونسي في المرحلة الانتقالية السابقة ، والمطلوب الآن من قوى الثورة والتعيير والتقدم التونسية صيانة السلم الأهلي ، والعمل على تغيير الخطاب المتشدد التحريضي المثير للفتن بخطاب عصري وحضاري يدعو للتسامح وتقبل الآخر ، وإشاعة روح المحبة والأخوة والسلام بين أبناء المجتمع . وفي النهاية يبقى السؤال : هل تشهد تونس في المستقبل القريب إقامة حكومة وحدة وطنية تقود البلاد في المرحلة القادمة ..؟!