انتصار متواضع ودلالاته انهزامية! – عبداللطيف مهنا
جميل أن تجود عليك مرحلة تراجع وانكسارات عربية، كهذه التي تكابدها أمتنا راهناً، بانتصار ما، حتى ولو كان جد متواضعٍ. لكنما المبالغة في تضخيمه، كجاري الاحتفالية الفلسطينية والعربية التي أعقبت فشل مشروع نك هيلي لإدانة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، فأمر، فوق كونه يعكس بائس حال المبالغين، فهو فاضح في دلالاته.
فلسطينياً، نُظر للأمر من زاويتين تعكسان مشروعين متضادين. انهزامي تسووي تصفوي أخذ أصحابه حد هاوية التعاون الأمني مع الاحتلال للمحافظة على أمن احتلاله، أو ما يعني فيما يعني مساعدته في اتمام عملية التهويد. ذلك أن أصحابه قد وجدوا في نجاح المناورة الكويتية في الجمعية العامة، والتي تحسب للكويت وليس لهم، ضالتهم في ان ينسبوا لنفسهم فتحاً في متعثّر مراهناتهم المزمنة على “الشرعية الدولية”، هذه التي اثبت الصراع لثلاثة ارباع قرن خطل المراهنة عليها.. أصحاب هذا المشروع تناسوا ما اوصلهم مشروعهم إليه…ذلك حد اعتبارهم صمود غزة المُقاومة محاولةً مشبوهةً لتمرير “صفقة القرن”، و”تنسيقهم الأمني المقدَّس” مع المحتل مواجهةً لها!
..والثاني مقاوم محاصر وظهره إلى الحائط، وفي هذه المرحلة العربية الأشد انحداراً وسوءاً بدى في حال من خلعه قومه، وبعضهم، وهنا نتحدَّث عن الأنظمة، تآمر عليه أوصنَّفه ارهابياً. هذا الاتجاه، وقد يعذر وهو في مثل هكذا حالة، رأى في مجرَّد فشل إدانة المقاومة المشروعة، وفيما يفترض أنه حلبة من حلبات “العدالة الدولية”، نصراً مؤزراً على عدو الأمة الأكبر الذي تمثله نك هيلي.
مشروع هيلي الفاشل نجح في الإشارة إلى خطورةٍ من شأنها أن اثلجت صدور الصهاينة. دق ناقوس خطر تراجعٍ بائنٍ في دعم من كانوا يدعمون، أو حتى يتظاهرون، بدعم الحقوق الفلسطينية، ومن كانوا يدينون، أو لا يملكوا إلا إدانة، الاحتلال والقول بمشروعية مواجهته. 87 دولة أيّدت إدانة المقاومة الفلسطينية، و57 عارضت إدانتها، و33 امتنعت عن التصويت. لم تعد الجمعية العامة كما كانت، أي المناصرة الدائمة للحقوق الفلسطينية بعكس مجلس الأمن، وإن كانت قراراتها غير ملزمة. انتهى عهد الأغلبيات الساحقة، وكثير مما كانوا يعارضون الاحتلال باتو يعارضون المقاومة…سجَّل التصويت على قرارها الفاشل اختراقاً صهيونياً وازناً، افريقياً، وآسيوياً، واميركياً لاتينياً، وأرَّخ تشييعاً للموقف الهندي التاريخي المؤيد لقضايانا إلى مثواه الأخير، ناهيك عن كونه، وربما هذه من حسناته، قد فضح المفضوح أبداً وهو النفاق الأوروبي المعتق.
عربياً، من محاسن الصدف أن جميع الدول العربية قد صوتت ضد مشروع إدانة المقاومة، لكن هذا المشروع كشف أيضاً ما كشفه فلسطينياً لجهة عرب الفسطاطين، وزاد فأرانا مدى القبح الذي وصلته الانهزامية العربية الرسمية التي هي ذات الفسطاط الأكبر، وفي أسوأ مظاهرها المتهتكة، ذلك حينما يتحدث المندوب السعودي، باسم مملكته، واسم ثلاثة دول يدرن في أنواء فلكها، هن البحرين، والإمارات، واليمن، مديناً في كلمته وقبيل التصويت مقاومة الشقيق لعدوه وعدو الأمة، ولا يتورع فيها عن قول من مثل “إننا نشجب اطلاق القذائف الصاروخية على مناطق مدنية (إسرائيلية)”!
لا من غرابة ولا ثمة من عجب، فالكيان الصهيوني إن هو يهدد الأمة العربية فهو لا يهدد أغلب أنظمتها، بل ولعله الأحرس عليها من نفسها، وهذه مقتنعة بأن رضى حاميها الأميركي من شعوبها هو رهن بصهينتها، وهكذا فهي، أما وحال الأمة لا يردع، تتبرع الآن بجاري اندلاقها المتصهين بما من شأنه أن بات الحاث والمبرر للإشاحة الكونية المتزايدة عن عدالة قضية الأمة المركزية في فلسطين…تماما مثلما سبق فبررت الانهزامية الأوسلوستانية الفلسطينية لها نفض يدها من التزامها القومي اتجاه هذه القضية.. أبو مازن سبق المندوب السعودي فأدان حماس من على ذات المنبر.
المندوب السعودي لم يأت بجديد يخالف التليد المضمر لحقيقة مواقف مملكته والمشيخات التي في ضواحيها من عدو الأمة ومنذ أن كان الصراع. هذه التي استظلَّت بالتبعية البريطانية آن أن قامت دولتها الثالثة بالسيف، ومن ثم بالأميركية لسبعين عاما خلت…الجديد هو تهتُّك ما كان مستوراً والجرأة على اشهاره…تصف “معاريف”: التعاون بين الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات بأنه ” يفوق الخيال”، وتزيد فتقول بأن “الدول الخليجية قد قبلت ب(إسرائيل) قائدةً لها، ومنحتها التفويض” في مواجهة العدو البديل، الذي هو إيران، وإلى حد إن “اشهر سيناريست لن يكون قادراً على توصيف طابع التعاون بين الجانبين”.
فشل مشروع هيلي، والمبالغة في تضخيم انتصارات تواضعت هو في أفضل حالاته بعض التماس تعويضي يخفف من مرارات هزائم تراكمت. وإذ بفشله فضح ما فضح، فهو لا يحجب حقيقة أن مشكلة هذه الأمة تبقى في الضعة الانهزامية الرسمية المستشرية، وغياب الإرادة السياسية المنسجمة مع توق جارف يعتمل في وجدان أمة جريحة…أمة ذات عناد استشهادي يأبى الهزيمة وعصي مهما حلكت المراحل على الانكسار…ومن لا يرى ما هو خلف خادع سكينتها البادية، فلديه مشكلة وعي بما ستأتي به رياح ضرورة البقاء، ويعاني نقصاً في الحس التاريخي، وأُميَّة في قراءة قدرية جغرافيتها.