انتظرتنا فلسطين طويــلا، فهل يطــول الانتظار؟- محمد سيف الدولة
· فى عام 1948 انتظر الفلسطينيون وعد الدول العربية لهم بتطهير الارض من العصابات الصهيونية وإعادة الـ ٨٠٠ ألف فلسطينى المُهجَّر والمطرود الى ديارهم مرة اخرى خلال شهور قليلة، فانهزم العرب وانتصر الصهاينة واحتلوا مزيدا من الأرض وأصبح اللاجئون اليوم بالملايين.
· فانتظروا الجولة الأخرى من الحرب بعد النكبة والهزيمة وتوقيع اتفاقيات “الهدنة المؤقتة”، فاذا بالهدنة تطول وتمتد لعقود طويلة، الى أن تحولت فيما بعد الى اتفاقيات سلام دائمة.
· ومع ذلك قرروا الصبر والانتظار مجددا، فربما تتخلص ثورات وحركات التحرر العربية بعد الحرب العالمية الثانية، من الاستعمار وتحقق الاستقلال والوحدة وتعد القوة العربية اللازمة لتحرير فلسطين، فوقع عدوان ونكسة ١٩٦٧، وقررت الدول العربية تأجيل هدف تحرير فلسطين الى ما بعد ازالة آثار العدوان.
· فانتظرونا حتى نزيل هذه الآثار، فلم نستطع ازالتها الى اليوم، الا قليلا.
· ثم قامت حرب ١٩٧٣ التى أسقطت أسطورة جيش (اسرائيل) الذى لا يقهر، فانتظروا الفرج. فإذا بمصر تنسحب من الصراع وتصالح العدو الصهيونى وتعترف به.
· فانتظروا باقى الدول العربية فى جبهة الصمود والتصدى أن تضطلع بهذا الدور، فانهارت الجبهة على صخرة الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 وغزو العراق للكويت 1991، وحرب تحرير الكويت 1992.
· وحين حاول الفلسطينيون بناء قوتهم الذاتية والاعتماد على أنفسهم والاستقلال بمقاومتهم بعيدا عن هيمنة الدول العربية واجنداتها واختراقاتها، وقاموا بالاشتباك مع العدو، تلقوا سلسلة من الضربات القاصمة والغادرة على ايدى الدول العربية بدءا بايلول الاسود 1970 ومرورا بتل الزعتر 1976 ثم بالاجتياح “الاسرائيلى” للبنان وطرد المقاومة ومذبحة صابرا وشاتيلا مع صمت وتواطؤ عربى رسمى عام 1982.
· لتتعرض قيادتهم فى المنافى الى ضغوط عربية هائلة بتوجيهات وتعليمات امريكية، بان يلقوا السلاح ويعترفوا (باسرائيل) ويتنازلوا لها عن 78% من فلسطين، ويكتفوا بالمطالبة بالضفة الغربية وغزة فقط. لتنكسر منظمة التحرير وترضخ وتخضع، بينما رفضت غالبية الشعب الفلسطينى وأفرخت أجيالا جديدة وبديلة من حركات مقاومة.
· وبدلا من الاحتضان العربى الرسمى لحركات المقاومة الوليدة ودعمها بكل السبل، حاصرتها غالبية الانظمة العربية، وتبنت الموقف الامريكى الصهيونى بتصنيفها كمنظمات ارهابية.
· وحين فرض الاحتلال حصارا قاتلا على غزة منذ 2007، انتظر الفلسطينيون ان نقوم بفك الحصار وكسره ونفتح لهم ابوابنا ومعابرنا، فإذا بِنَا نشارك في حصارهم.
· وحين قامت (اسرائيل) بحروبها العدوانية المتكررة على غزة وأسقطت الاف الشهداء، وانتظر الفلسطينيون الدعم والتضامن العربى. فاذا بهم يصدمون بمواقف عربية منحازة للعدو، وأخرى تكتفى بدور الوسيط.
· وبعد ان ينتهى العدوان ويهدأ غبار المعارك، ويطالب الفلسطينيون باعمار ما دمرته الحرب، يتداعى المجتمع الدولى والدول العربية معا، مطالبين بنزع سلاح المقاومة كشرط للاعمار.
· وحين ييأس الفلسطينيون من الانظمة العربية وينظرون الى الشعوب العربية لعلها تغضب وتثور وتصحح الأوضاع وتسقط المعاهدات على طريقة الشعار الشهير “علشان نحرر القدس، لازم نحرر مصر”. فاذا بهم يجدونها مكبلة بالتبعية والاستبداد والفقر ومحظور عليها مواجهة (اسرائيل) أو دعم فلسطين.
· فلما قامت الثورات العربية انتظر الفلسطينيون مجددا ان تتحرر الشعوب العربية من التبعية وتصنع الحرية وتبنى دولها الحديثة المستقلة القادرة على العودة لدعم القضية الفلسطينية فاذا بفلسطين تختفى من برامج وأجندات غالبية قوى الثورة تجنبا لاستفزاز الامريكان ومجتمعهم الدولى! الى أن قام الأمريكان ومجتمعهم الدولى بقيادة التحالف العربى والاقليمى لاجهاض هذه الثورات.
· وبعد تعثر وفشل الثورات العربية، عادت الانظمة العربية القديمة لتصبح ومعها كل النظام الرسمى العربى، أكثر تجاهلا وتهميشا للقضية الفلسطينية، وأكثر عداءا لحركات المقاومة، وأكثر قربا مع (اسرائيل).
· بل حين أطلق الرئيس الامريكى “ترامب” رصاصة الرحمة على عملية السلام 1993-2021 تحت اسم “صفقة القرن” التى اعطت القدس والجولان وحق الاستيطان بلا حدود (لاسرائيل)، وانتظر الفلسطينيون من النظام العربى الرسمى ان ينتفض ويعلن رفضه وغضبه من غدر الحليف والراعى الامريكى، ويقرر الانسحاب من كل اتفاقيات ومبادرات السلام، ولكنهم فوجئوا بالعكس تماما، حيث هرولت عديد من الدول والدويلات العربية لمباركة الصفقة واقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع (اسرائيل) بل والارتماء فى احضانها.
· وحين رحل ترامب، توقع الفلسطينيون ان يتراجع هؤلاء المطبعون الجدد الذين ربما أُكرهوا على التطبيع بسبب خوفهم الشديد من غضب الرئيس الامريكى الراحل، فاذا بهم بعد رحيله، يتمادون فى تطبيعهم ويستكملون ما بدأه ترامب ووضع أسسه.
· ومن ناحية أخرى، كلما حاول الفلسطينيون إنهاء الانقسام الفلسطينى وتوحيد صفوفهم فى تحدى لقيود وشروط اتفاقيات اوسلو مع العدو الصهيونى، وطلبوا دعم الدول العربية لمواجهة الضغوط “الإسرائيلية” والامريكية، اكتشفوا ان الأنظمة العربية نفسها تدعم الانقسام وتغذيه وتتواطأ مع (اسرائيل) لاجهاض اى وحدة او توافق.
· وحين بدأت أيدى (اسرائيل) تمتد الى المسجد الأقصى والمقدسات الاسلامية والمسيحية، تصور الفلسطينيون ان الدول العربية والاسلامية لا يمكن ان تتركهم وحدهم فى مواجهة هذا العدوان الخطير الذى يمس المقدسات الدينية “المشتركة” التى لا تخص الفلسطينيين وحدهم، وانها حتما ستقدم كل انواع الدعم والتضامن والضغط على المجتمع الدولى لإنقاذ القدس والمقدسات من براثن الاحتلال والتهويد، ففوجئوا بدلا من ذلك ان الصمت والتواطؤ العربى الرسمى قد استفحل وتطور الى تنسيق وتطبيع وتحالف استراتيجى كامل مع (اسرائيل)، فى ذروة قيامها بتنفيذ مخطط التقسيم الزماني للمسجد الاقصى.
· والقائمة تطول ..
· لقد انتظرتنا فلسطين طويلا ولا تزال، فهل يطول الانتظار؟
القاهرة فى 17 مايو 2022