انتهت الهدنة المصرية.. ما السقف السياسي لحرب غزة الثالثة؟ – سامي الأسطل
انتهت الهدنة المصرية.. ما السقف السياسي لحرب غزة الثالثة؟ – سامي الأسطل
من المعلوم أن المعركة السياسية أصعب بكثير من معركة ميدان الحرب, لأنها كشف بيان النتيجة الطبيعية للحرب ومكاسب كل طرف, لاسيما وأنها تعبّر بوضوح عن جدلية النصر والهزيمة بشكل مختصر, وتعتبر معيار الإملاء والخضوع بوضوح, وربما تسمح طاولة المفاوضات تحقيق أهداف لم تتحقق في ميدان المعركة. لذلك ستكون المعركة السياسية صعبة وطويلة وساحة للضغط, أو يكتفي الجميع بتضميد الجروح بإسعافات أولية, وتبقى الجروح الملتهبة لتطفو على السطح مرة أخرى من جديد.
ولا شك أن اتفاقيات خاتمة الحروب التي من خلالها يظهر المهزوم بشكل واضح؛ حيث بان ذلك في معاهدات الحروب المختلفة مثل: معاهدة مؤتمر بوتسدام التي كبلت الطرف الخاسر وقلمت أظفاره, أمام هذه المحددات تكمن خطورة المعركة السياسية, وفي الغالب تقدر حالات النصر والهزيمة بمقاييس وأوزان محدده وواضحة, بعيدا عن الدعايات والادعاءات الانتخابية والحسابات الحزبية لأطراف النزاع؛ من اجل الوصول للحقيقة, ويمكن التعرف وتفنيد هذه الحالات في ضوء الوضع الخاص لقطاع غزة منقوص السيادة والذي لازال يعاني وطأة الاحتلال ويسوده الطابع المدني المحض.
يبدو أننا الآن في مواجهة المركز ضد المركز. ففي السابق وضعت إسرائيل خطة إستراتيجية تحت اسم “المركز ضد الأطراف” وتعبر هذه الخطة عن صياغة للمنطقة وفق الشكل الذي ترتئيه إسرائيل والممثل في تحويل العامل الضاغط المحيط بإسرائيل والمسمي دول الطوق إلي دول تحت فك الكماشة, أي تحويلها من دول محاصِرة لإسرائيل إلي دول محاصَرة ـــ تحت الحصارـــ من خلال التحالف الإسرائيلي مع تركيا وإيران وبعض الأنظمة في سبعينات القرن الماضي, وقد ظلت هذه الخطة إلي فترة طويلة عامل ضامن لأمن إسرائيل إلي أن قامت الثورة الإيرانية وتولي اردوغان زمام الحكم, وقد فعلت ذلك إسرائيل في جنوب لبنان, لكن الوضع الآن مختلف تماما حيث أصبح المركز ضد المركز, باختصار غزة تضرب تل أبيب وتل أبيب تضرب غزة.
ويبدو أن إسرائيل تكتشف يوما بعد يوم وحربا بعد حرب أنها ليست أمام عدو فحسب, بل أمام شعب له طموحاته وحاجاته ومتطلباته, على نفس الأرض التي تحلم بها, بل أكثر من ذلك على نفس البيوت التي هجروا منها, هذه هي الحقائق التي طالما حاولوا طمسها طويلا, وتغييب هذه الملامح الحية؛ لكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا إلى ذلك أبدا, ولن تخفت العزائم والهمم لأجل ذلك يبدو أن الصراع الحقيقي الممثل بمواجهة الشعبين قادم لا محالة, وفي كل الساحات الفلسطينية, في غزة وأراضي48 والضفة الغربية.
إن حرب البيوت والمساجد والمدارس والمشافي في غزة ليست الأهداف العسكرية التي يمكن لدولة ذات سيادة اتخاذها أهدافا لحرب معلنة, وإن المتابع لأهداف إسرائيل المتبعة منذ حرب العام 2008م وحرب 2012م كانت مختزلة في الصواريخ والعمل على وقفها, وهذا الأمر أشبه بالمستحيل طالما أن ثلاث حروب لم تفلح في ذلك, بل كانت النتائج أن جميع فصائل المقاومة امتلكت من الخبرات ما يؤهلها للتطوير وزيادة فاعلية مثل هذه الأسلحة, إذا الأهداف الإسرائيلية لن تتحقق, أما عن نتائج هذه الحرب فلا شك أن نتائجها على الدوام على عكس هوى إسرائيل.
ما تم من مجازر ضد الإنسانية هي من إجرام العدو الذي سيحاسب عليها يوما وليست من مسئولية المقاومة, وعلى كل الأحوال إسرائيل مهانة إن انتصرت في غزة أو هزمت, فلن تفارقها ويلات المذلة أمام سكان محاصرين منذ سبع سنين, وما تم من استهداف لكل المدن الصهيونية يعتبر كسر لهيبة هذا الكيان, وإن مستوى ونسبة تحقيق الأهداف المرسومة والمخطط لها وفق سيناريوهات الخطط الرئيسية المعدة والطارئة لم يكن في صالح إسرائيل.
في حقيقة الأمر ما استهدفته إسرائيل هو استهداف للمدنيين والمؤسسات المدنية فضلا عن تدمير البيوت الآهلة بالسكان؛ لكن هذا الإجراء لم يحل المعضلة التي تواجهها إسرائيل, والممثلة بضرب عمقها وحتى لو قتلت عشرات الآلاف من المدنيين لن يؤثر هذا علي قوة المقاومة وتحصل إسرائيل علي وصمة الإبادة الجماعية التي اقترفتها في الثلاث حروب.
يجب أن تقف المقاومة خلف حكومة التوافق وأن تقف حكومة التوافق خلف المقاومة بأي شكل من الأشكال, وتمتين الوحدة الوطنية ومن ثم توظيف جميع الجهود من أجل الهدف الرئيسي العاثر والمتمثل في إزالة الاحتلال, وبإزالته تتحقق جميع الأهداف الآنية, وأعتقد أن المقاومة لديها من المرونة ما يمكنها القول بأنها تنزع سلاحها يوم التحرر وتحقق السيادة الوطنية الفلسطينية على ربوع فلسطين وحدودها وبحرها وجوها وبرها, ودون ذلك سيبقى الوضع على صفيح ساخن يلهب المنطقة.
كاتب وأكاديمي*