انحطاط سياسي وسقوط وطني وأخلاقي
نضال حمد
من عاشر القوم أربعون يوماً صار منهم .. و أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رام الله عاشرت أمن صهيون الاحتلالي أكثر من اربعين يوماً، والعكس هو الصحيح، لذا فقد اختلط الحابل بالنابل وصاروا جميعهم كجهاز أمني واحد يعمل حفاظاً على أمن الاحتلال ومستوطنيه في وطن الشعب الفلسطيني المحتل فلسطين. وأتفق الطرفان على محاربة المقاومة الفلسطينية المسلحة والشعبية (إعتقال المشاركين من حماس أو المحسوبين على الحركات الاسلامية في مسيرات هدم الجدار الأسبوعية في نعلين وبلعين وجيوس وغيرها من المناطق) دليل اضافي على المنهجية الجديدة للمدرسة الأمنية الدايتونية.. وكذلك استمرار ملاحقة المقاومين والمناضلين..
لقد ضيقوا الخناق على كل من يؤيد المقاومة ولو بالموقف والكلام فقط لا غير … وهذه الأعمال من شروط التربية الديسكونية الدايتونية للأجهزة الأمنية السلطوية الفلسطينية … فهل اعتقال المناضلين والأسرى المحررين عمل وطني؟
وهل طرد المحسوبين على فصائل المقاومة من أعمالهم ووظائفهم وحتى ملاحقة الذين يطلقون لحاهم عمل وطني كذلك؟
وهل صارت اللحية أو الذقن تهمة ؟
نعم في أعراف خصيان دايتون هي كذلك .. وفي أعرافهم المستوردة تعني الانتماء للمقاومة أو التعاطف مع أهل الكفاح المسلح أو التذكير بالانتفاضة وقادتها، وبالشهداء الذين قضوا على درب التحرير والكفاح.
فيا أيها المقاوم الفلسطيني إحلق ذقنك حتى تفوت عليهم الفرصة، فهم لا يعرفون السُنة ولا الموضة، ولا يثقون سوى بأساتذتهم الأمنيين القادمين من خلف جدار العار أو من وراء المحيطات. فلحيتك تذكرهم بتشي جيفارا وفيديل كاسترو أعداء معسكر الأعداء …
لا فرق بين مقاوم بلحية أو بدونها ولابذقن او بدون ذقن، إلا بما يقوم به لأجل تحرير فلسطين. بينما هناك فرق بين المقاوم والمسالم المساوم المستلم.
كأنهم يريدون ربط نضال الشعب الفلسطيني هذه الأيام فقط بالمتدنيين والإسلاميين، مما يعني أنهم “ارهابيين” على غرار تسمية الادارة الأمريكية والغرب لكل الحركات الاسلامية المجاهدة .. ويريدون أن يشطبوا من قاموس الشعب الفلسطيني مرحلة النضال الطويلة التي بدأتها حركات المقاومة الفلسطينية المنوعة منذ عشرات السنين، ثم جاءت في وقت لاحق الحركات الاسلامية الفلسطينية لتعيد تجديدها بعدما تخلى عنها أصحابها الأساسيين. وبالذات حركة فتح وكذلك كافة الفصائل الأخرى التي تدور في فلكها وتعيش بفضل أموال الدول المانحة .. الأموال التي تقدم للسلطة الفلسطينية مقابل تنازلات سياسية ومصيرية، والفصائل المنضوية في إطار المنظمة والسلطة، والتي في جلها مرتهنة لرئيس سلطة رام الله ورئيس وزرائه تقبض ميزانية شهرية مقابل تقديم مواقف سياسية .. وتتحجج تلك الفصائل بالوحدة الوطنية وبالممثل الشرعي والوحيد، هذا الممثل الذي صارت عظامه رميم …
السلطة تقبض وتقوم مقابل ذلك بتطبيق شروط وإملاءات مدرسة دايتون، أي تعزيز العمل المشترك مع إحتلال لا يقبل حتى بالوكلاء والمتعاونين من ضحاياه إلا مطايا لعبور مرحلة… أو لأجل أمن “اسرائيل” … ومن أجل هذا فقط لا غير تم ابتداع مدرسة دايتون واخوانه وانشاء نظام أمني فلسطيني سلطوي مرتبط كلياً بالنظام الأمني للاحتلال. إذ من أهداف سلام أوسلو اعادة بناء الفلسطينيين بنية تنسجم مع عملية السلام المزعومة، تستطيع من خلالها أجهزة أمن السلطة تحقيق ما عجز الاحتلال عن تحقيقه خلال كل سنوات احتلاله لفلسطين الكاملة .. لكن هذه المرة بأيدي فلسطينية وبأدوات محلية.
بعد أيام قليلة من زيارة لأجهزة أمن السلطة في مدينتي رم الله و جنين قام بها رئيس جهاز الشاباك “الاسرائيلي” يوفال ديسكين أحد ألد أعداء الشعب الفلسطيني، جاءت زيارة أخرى لقادة صهاينة أمنيين الى مقار أجهزة الأمن السلطوية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، حيث أن كل من رئيس الإدارة المدنية العميد “يوآف مردخاي” وقائد المنطقة الوسطى الجنرال “آفي مزراحي”، حضرا مناورة أجراها الحرس الرئاسي الفلسطيني. ويا له من حرس عظيم ليس لديه مهام سوى قمع الشعب الفلسطيني وعرض عضلاته على المساكين والملاحقين.. وبحضور ثلة من المتهمين والمجرمين والملاحقين “الإسرائيليين ” على خلفية ارتكابهم جرائم حرب وابادة ضد الشعب الفلسطيني، استعرض الحرس الرئاسي مهاراته .. هذا الحرس المبني على أسس لا علاقة لها بالثورة الفلسطينية وبأهداف منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والفصائل الفلسطينية كافة. يبدو أن الحرس المذكور أبلى بلاءا حسنا في المناورة المذكورة مما جعل صحيفة معاريف “الاسرائيلية” تكتب يوم السبت السابع عشر من هذا الشهر “إن العلاقة بين الجيش (الإسرائيلي) وأجهزة الأمن الفلسطينية، هي علاقة مهنية جدا وناجحة جدا في خلق الهدوء الأمني، الذي يحمي كل الأطراف”.
كيف يحمي هذا الهدوء المزعوم أمن الفلسطينيين والجيش الصهيوني يقوم يوميا بالاعتقالات وحواجزه تقطع أوصال الضفة وتحاصر كافة المدن والبلدات وتحول حياة الفلسطينيين هناك الى جحيم لا يطاق.؟
بدورها تباهت صحيفة “معاريف ” بالقول أن الحرس الرئاسي استعرض أمام الحضور طُرق العمل التي يستخدمها في نشاطه ضد التنظيمات “الإرهابية” والعنيفة. التنظيمات الارهابية بنظر الصهاينة هي كل الفصائل الفلسطينية المقاومة بما فيها الأجنحة المسلحة في فتح مثل كتائب شهداء الأقصى وغيرها من المجموعات الفتحاوية التي لازالت تؤمن بالكفاح المسلح وبمنطق المقاومة. ولشدة اعجابه بالحرس الرئاسي والمهام التي يقوم بها ولتشجيعه على القيام بما هو أسوأ منها علق الجنرال مزراحي على ذلك بقوله لوسائل الاعلام : “أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية تعمل بالتعاون مع قوات الأمن (الإسرائيلية)، وعلى رأسها الجيش (الإسرائيلي)، وفي الفترة الأخيرة وطدت علاقات العمل بين الجيش وأجهزة الأمن الفلسطينية التي تقوم بتنفيذ نشاطات ناجعة ضد التنظيمات الإرهابية“.
وتابع: “لأضرب لكم مثلا قبل شهر فقط سُجلت حالتين قامت فيها أجهزة الأمن الفلسطينية بالمساعدة على إخراج إسرائيليين دخلوا مناطق (أ) بالخطأ، وهناك حالة واحدة عندما دخل أحد الإسرائيليين منطقة طولكرم وقد تم إخراجه من قِبَل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتنسيق مع جهات في الإدارة المدنية”. وتابع مردخاي حديثه وأضاف : ” وبعد عدة أيام من هذه الحالة، أعادت أجهزة الأمن الفلسطينية إلى شرطة إسرائيل، مواطن إسرائيلي آخر دخل قرية دورا جنوب مدينة الخليل“.
كل هذا يحدث في ظل تراجعات وتنازلات سياسية يقدمها الجانب الفلسطيني بمناسبة وبدون مناسبة، فاللقاءات السياسية مع القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين والوزراء “الاسرائيليين” مستمرة ولم تنقطع. وما الشعارات العنترية التي تطلقها السلطة الفلسطينية سوى أكاذيب وفقاعات بالونية. لأن الواقع يثبت عجز هذه السلطة وذهابها بعيداً عن تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية، المتمثلة بالتحرير والاستقلال والعودة ودحر الاحتلال وازالة الاستطيان وأجتثات المستوطنين من أرض فلسطين.
طبعاً التنسيق الأمني بين أعداء الحقوق الوطنية وحرية الشعب الفلسطيني وصل الى مراحل متقدمة جداً، والزيارات التي يقوم بها أركان الأمن “الاسرائيلي” ازدادت وأصبحت شيئاً عادياً في الثلاث سنوات الأخيرة. كل هذا يحصل في ظل تهويد غير طبيعي للقدس وسلب أراضي مستمر في الضفة الغربية، وحصار خانق على قطاع غزة. وخدمات مجانية تقدمها سلطة رام الله للكيان الغاصب من سحب تقرير غولدستون الى تحالفات دبلوماسية مع سفراء وممثلي الاحتلال في هيئة الأمم ومجلس الأمن وفي مؤتمرات عالمية ودولية .. مواقف السلطة افشلت الكثير من مشاريع دولية لادانة ومعاقبة ” اسرائيل”. فمن يحاسب هؤلاء على ما اقترفوه بحق الشعب الفلسطيني؟.
في ظل زيارات ديسكين، مردخاي و مزراحي وقبلهم نيتسان ألون قائد قوات جيش الاحتلال في الضفة المحتلة يتبين لنا أن السلطة الفلسطينية عازمة على مواصلة مشوارها الانهزامي والاستسلامي، وعلى التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكذلك على محاربة مقاومة شعبها الفلسطيني مقابل أموال الادارة الأمريكية والدول الغربية.. ويبدو أن آخر ما يهمها الآن هو الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس وطنية تحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني. ولا بد أن مجيء الجنرال الأمريكي مولر ليحل مكان الجنرال دايتون سوف يعزز مبدأ الارتهان السلطوي الفلسطيني الى المحتلين وأعوانهم في الادارة الأمريكية.
بالنسبة للشعب الفلسطيني هذا الأمر يجعل من الضروري له ولحركاته الوطنية المقاومة توحيد الصفوف والالتقاء على برنامج حد أدنى لمواجهة المؤامرة المستمرة، ولاعادة بناء الحركة الكفاحية والانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية، ولفك الحصار الصهيوني – المصري الرسمي عن قطاع غزة … وكذلك للاستفادة من وجود أكبر حركة تضامن عالمية مع القضية الفلسطينية .. فبدون ذلك سوف يصبح الجميع مجرد شهود على سلب ونهب الأرض الفلسطينية واسقاط الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني.
18/07/2010 مقالة الاحد