اوروبا الميركيلية…نذر اليسار وبوادر الفاشية!
عبداللطيف مهنا :
إن جاز لنا اختصار الغرب، كجهة كونية فاعلة في القرار الدولي، بالولايات المتحدة الأميركية، كمهيمنة ومحتكرة لمواقفه وقراراته المتعلقة، أو استتباعه لها، أو رضاه بدور المكمِّل لسياساتها، فإنه يجوز لنا أيضاً اختصار الاتحاد الأوروبي، لاسيما بعد الدراما اليونانية الأخيرة، بألمانيا الاتحادية، لجهة السطوة الميركلية الراهنة فيه، والتي لايُنقص من عتوِّها، المستند إلى قوة اقتصادية فاعلة وموسومة بالجشع والشراهة والنزوع الى التوسُّع، بعض من نشوزات بريطانية، أو مشاكسات فرنسية، أغلبها أقرب الى المكابرات.
سنتعرَّض لاحقاً إلى ما أُغفل، أو تغوفل عنه، أو غطتَّ عليه ضوضاء ما اثاره الدرس اليوناني المر ومآلاته العلقمية، لكننا سنتوقف أولاً أمام ما لا يُختلف على خلاصته، وهى أن ظاهرة سيريزا اليونانية، بغض النظر عن نهاياتها، قد اثارت رعب متخمي القارة ومتنفِّذيها، وفي المقدِّمة الدائن الألماني الأكبرلفقيراتها، من وصول لم يك حقاً بالمباغت لما يعدونه أقصى اليسار الى السلطة، الأمر الذي بعث لدى بروكسل هواجس لاينقصها ما يبررها من احتمالات تكرارها لدى بقية هاته الفقيرات المأزومات واللائي يعشن تحت طائلة ما يفرض عليهن من ضروب التقشف المرهقة…اسبانيا التي لها سيريزاها، أو بديموسها، أوما قد تأتي به انتخاباتها نهاية عامها هذا، والبرتغال، وإيطاليا ومناخات اليسارية المقيمة، وايرلندا وشين بيتها القومي النزوع المنتظر لفرصته في الإنتخابات المقتربة.
غلو ميركل العقابي، أو انقلابها لأسقاط اليسار السيريزي، بإعادة فرض وصفة العلاج الفاشل مع مضاعفتها للمعضلة اليونانية، مرغمةً المريض على مواصلة تعاطيه لذات الدواء التقشفي القاتل والمذل، لاينم عن قلة حيلة اوروبية لحل مشكلة ديون أثينا، أو أي مديونيات أخرى تثقل كواهل مساكين القارة الآخرين، وإنما كان لتأديب هؤلاء ومنعهم من مجرَّد التفكير باحتذاء المثال السيبراسي، بمعنى اجبارهم على الاختيار بين استمراء بؤس الحال في بيت طاعة اليورو، أو الخروج منه إلى كوارث الإفلاس. الأمر الذي استثار حالة شعبية لاتخلو من تنام للعداء للصرامة الألمانية الفجة، والتي من شأنها أن اعادت الى الأذهان رواسب ماض الماني مرعب يكمن في الوجدان الأوروبي، ودفع لارتفاع اصوات تنبِّه الى ما تستشعره من ململة لدى مستضعفي القارة قد يكون لها مابعدها على مصير الاتحاد الأوروبي. من هؤلاء البولندي دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي المحذِّر من بوادر”نفاذ صبرعلى نطاق واسع”، وإذ هو يراه “ليس بالمسألة الفرديه”، وإنما “تجربة لمشاعر اجتماعية”، فعليه، هو عنده “مقدمة ثورة”!
ما يحذِّر منه توسك هو وارد حقاً، لكنما ماهو الأخطر منه ماقلنا آنفاً أننا سنتعرَّض له لاحقاً، وهو في اعتقادنا ما يعتمل في الحديقة الخلفية لاتحاد ميركل الأوروبي، ونعني بها اوروبا الشرقية، حيث طغت مشاكل أطرافه الجنوبية المفلسة فحجبت قلقاً منضبطاً في حظائره الآستثمارية الشرقية المستباحة، لكنما الأقل قدرةً حتى على ابداء التذمُّر، ولاسباب هى، الى جانب حاجتها لمساعدات الاتحاد ، وابتعادها قليلاً حتى الآن من حافة الإفلاس، تحوَّلها الى شبه مستوطنات لشركات متنفِّذيه النهمة، وتحوُّل غرب الاتحاد المتخم الى ملاذات للأيدي العاملة الرخيصة لسيول من شبيبتها العاطلة عن العمل…هذا القلق، إذ يعزز من حضور قوى اليمين القومي المتطرف، يأخذ تعابيره أيضاً في تنامي الفاشية السافرة والمستترة التي تجد في العداء للمهاجرين متنفسا لها…ولنأخذ المجر مثالاً:
فوز حزب “يوبِّك”، اليميني المعادي للغجر والمهاجرين ومعهم الاتحاد الأوروبي، في الإنتخابات التشريعية العام الماضي، بما نسبته 20,54% من الأصوات. وظهور عصابات فاشية معادية للأجانب تطلق على نفسها “بيتار” في استدعاء تاريخي للمقاومة المجرية للإحتلال النمساوي…في الأسابيع الأخيرة كانت هناك حادثة هزَّت الشارع المجري، حين اقدمت مجموعة من بينها حارس سجن على الإعتداء على شاب مجري تشوبه سمرة، لأن الده من اصل كوبي، وشقيقه وصديقته المجرية الخالصة بالضرب المبرح الذي تسبب في نقل الأخيرة للمستشفى واجراء عملية جراحية لها، لإعتقاد المعتدين أنه لاجىء…هذا قد يحدث في أي مكان في أوربا هذه الأيام، لكنما الأخطر هو أن التحريض ضد المهاجرين قد بات سياسة شبه رسمية، استدعت قلقاً واحتجاجات ومظاهرات من قبل فئات مثقفة شاجبةً ومحذِّرةً من نتائجها…من بينها يافطات تنصبها البلديات تقول: “إذا جئت للمجر فأنت مجبر على احترام القانون والثقافة المجرية”، وإقرار بناء سور بارتفاع اربعة امتار على طول الحدود مع صربيا لمنع تدفقهم، وكله يهون مع استطلاع رسمي لأراء الشعب عبر رسائل وجهها رئيس الوزراء لكل مواطن بريدياً، تحت مسمى “استشارة”، تشتمل على 12 سؤالاً متعلقاً توحي بربط ما بين الهجرة والإرهاب…أول سؤال فيها يقول: هل تظن أن المجر يمكن أن تتعرض للإرهاب؟!
قد يكون للمجر البلد الصغير محدود الامكانيات مبرراً لرفضه استقبال المزيد من هذا السيل المتدفق من المهاجرين عليه، والذي اكثر من نصفه هذا العام من كوسوفو، أي اوروبي ولأسباب محض اقتصادية، ويقصد المجر عبوراً لا مستقراً الى حيث الشمال الغني، لكنما قوانين الاتحاد تجبر بلد الوصول على استيعاب واصليه بغض النظر عن قدرته على استيعابهم…النمسا، مثلاً، استدعت السفير المجري احتجاجاً على عدم قبول بلاده اللاجئين المعادين اليها لقدومهم منها، وتسبب بحث مقترح توزيع المهاجرين على دول الاتحاد بأزمة دبلوماسية بين بروكسل وبودابست، حينما وصفه فيكتور اوربان رئيس الوزراء المجري بأنه “بلغة بسيطة سخيف ومجنون”…بوادر التهتك في الثوب الأوروبي ليس مرده الثقوب اليسارية وحدها وإنما الإهتراءات الفاشية أيضاً، واللذين يغذيهما التغول النيوليبرالي، واقتصار رتقه على فرض وصفة من قبل حائكه الألماني!