بحاجة لتعريف أنفسنا من جديد – توجان فيصل
قبل أعوام كتبت مقالة بعنوان “يا مداحين” إذ استحضرت مبالغة كتاب صحفيين في”المدائح” صورة جوقة “المداحين”،حيث المغني بين فقرة وأخرى يخاطب “جوقته” قائلا “يا مداحين” فترد الجوقة من فورها “هي”.. فيكمل المغني “قولوا على با سعدة يا صلاة الزين..” ويوغل في مدح أبي سعدة حد زعم أن “على زنودة يقفوا صقرين على كتافه يبنوا قصرين”. وأقر بأنني أدندن الأغنية لجمالياتها الفنية البحتة.. ولكن مؤخرا فوجئت بأن ما يقفز لمخيلتي ملحّناً هو “يا شحادين”! وأسمع في مخيلتي رد الجوقة “هي”، ولكن لا دندنة بـ”صلاة الزين” تلي، فمشاعري يمتزج فيها النفور بالمهانة لكون “الشحدة” تتم باسمي وباسم وطني الأردن الذي هو في غنى عن كل هذا لأنه “غني” بكل معنى الكلمة، غني بثروات أرضه وبشعبه.
هذه الشحدة تحيل الأردنيين لما يشبه الطفل الذي تتناقله المتسولات بزعم أمومته، وصولا لزعم أن الحكومة تقيم أود ستة ملايين ونصف المليون أردني بما يصل لدعم خبزه والتلويح المكرر برفع الدعم عنه. ولأن دعم الخبز”الحاف” ومن نوعية محددة مهما بولغ فيه لا يبرر تسول المليارات، يجري زعم دعم مشتقات الطاقة التي أسعارها في الأردن أعلى منها في أمريكا. وكل ما يتسول ويجبى جباية فاحشة يعود “للعاملين عليها”! ولو تمت محاسبة حفنة من كبار الفاسدين لأمكن تسديد كامل مديونية البلد وإنعاش اقتصاده. ولكن الحكومة الحالية، والتي سبق وقلنا إنه جيء بها للواجهة لتخدم كل الفاسدين، تستسهل تسول المنح بالذات (كما بين كاتب اقتصادي لم يدخل لحينه في “جوقة” الحكومة) لأن” الحكومة تستفيد كثيرا من المنح الخارجية التي تتلقاها تحت مظلة معالجة تداعيات الأزمة السورية، والأرقام غير معلنة، لكنها، حسب مصادر مطلعة، أرقام كبيرة تزيد كثيرا عن حجم المساعدات التي تتلقاها الخزينة المركزية”!
وصدمتنا ليست بحكومة بمهمة ومواصفات كهذه، بل لأن دخول أحد الصحفيين البارزين دخل على الخط يجعل التسول باسمنا. وهو بالفعل يتحدث عن “الأردن” وكونه :”الجزيرة” وسط منطقة تشتعل فيها النيران من كل الاتجاهات؟ ملاذ اللاجئين؛ قبلة الأقليات المضطهدة؛ وجهة المستثمرين الهاربين من الحروب؛ دولة المواجهة مع إسرائيل وحامي حمى القدس والمقدسات؛ ورأس الحربة ضد المتطرفين”.. بعض التصحيحات تلزم لكل وصف (وهي تصحيحات موثقة ببينات دامغة) وسنكتفي ببيان أن كثرا من مؤسسي وبناة الأردن منذ ما قبل اقتطاعه “منطقة عازلة” في سايكس– بيكو، هم الآن “أقليات مضطهدة ” في وطنهم.. وأن كثر من “المستثمرين” الهاربين من حروب هربوا “بغنائم ” تلك الحروب.
ولكن مع أخذ كل التغزل الذي يستحق الأردن أضعافه لغير ما أورد الكاتب، نعود لما يرفقه الكاتب من حقائق في الكفة الأخرى،هي أيضا منقوصة أو محرّفة بما يخدم التسول عليها وليس القضاء على جذورها، فيقول: “كل هذا لدولة تغرق في مديونية ثقيلة، وفاتورة طاقة تكسر الظهر، وعجز موازنة مزمن ومستفحل، ومعدلات فقر وبطالة قياسية، وعجز مائي جعلها على رأس قائمة الدول الأفقر في العالم، وتحديات ديموغرافية مؤرقة، ومجتمع يتلوى من ارتفاع كلف الحياة”.. ويستبق الردود عليه بالاعتراف بأن “الأردن على هذه الحال منذ قيام الدولة صحيح، لكن التاريخ ليس خطا مستقيما؛ ثمة انعطافات مفاجأة تغير المسار وتأخذ في طريقها الإمبراطوريات، فكيف بالدول الصغيرة. التحديات التي واجهناها من قبل كانت بحجم الدعم الذي تلقيناه وبحدود قدرتنا على الصمود. عوامل الصمود الداخلي تآكلت تقريبا، ونحن بصدد تعريف أنفسنا من جديد.
والأخيرة تبدو نبرة إيجابية كونه يعني الخروج من “الدور الوظيفي”، لولا أن الكاتب الي يستخف بمِنَح “المليار” كما يستخف بحقيقة أن أجهزة الدولة تبذر مجادلا أن ضبط النفقات لن يسد فاتورة العجز، ويقول “السياسة الرسمية الأردنية لم تقرع جرس الإنذار بعد، بل تجامل (المانحين التقليديين) أكثر من اللازم” ويضيف “يمكن للأردن، ببساطة، أن يخفض فاتورة نفقاته إذا تحلل من التزاماته تجاه قضايا المنطقة، لكن الثمن سيكون باهظا على الجيران. وله أيضا أن يدخل في مساومات إقليمية على حساب تحالفاته الحالية، وقد ينال مقابلها دعما من مصادر غير تقليدية”!!!
قبل ثلاثة أسابيع صرحت الحكومة بأن وضعنا الاقتصادي في أفضل حال، ولكن بعد التمهيد بهكذا مقال انقلبت الحكومة على ذات تصريحاتها “لتقرع جرس الإنذار” بإعلانها أن الاقتصاد الأردني “في أزمة هي الأسوأ في تاريخه”!
نحن فعلا في أزمة هي الأسوأ في تاريخنا”! صحيح أننا أوجدنا “كدولة وظيفية” عند ترسيم الحلفاء – بعد انتصارهم في حرب عالمية لا أقل- لخريطة المنطقة.. ولكن ليس لدرجة أن نقوم بالوظائف التي يطلبها المانحون وننتقل بينهم، “ببساطة”،حسب من يدفع أكثر!!
نحن فعلا بحاجة لتعريف أنفسنا من جديد!
كاتبة أردنية
بحاجة لتعريف أنفسنا من جديد – توجان فيصل