بشأن بيان المثقفين العرب حول القدس – عبداللطيف مهنا:
لن استحضر هنا غرامشي، ولن اتحدث عن المثقف العضوي، لكنما، وفي مرحلة انحدار زاخرة بثقافة الانهزامية والدونية والاستلاب، ترعاها الأنظمة والأنجزة ورعاة الأخيرتين من متسيدي العالم وناهبية، تكتظ منابرنا بجيوش من المثقفين والمتثيقفين، من ذوي قرون الاستشعار الانتهازية بالسليقة، والمؤهلين بغرائزهم للرقص على دفوف كل المضارب ..
في هكذا مرحلة، أقل ما يقال إننا في حاجة للمثقف الحقيقي، الذي يفترض فيه أن يكون حاملاً بحق لهموم أمته .. بمعنى أن يكون مؤتمناً على قضاياها، حارساً لثوابتها، ذائداً عن مسلَّماتها، راوٍ لروايتها لكنه صراع وجود لاحدود تخوضه لأكثر من قرن خلى، وإذ فُرض عليها مستوجب مواجهته، كخيارضرورة ومستوجب بقاء، فدوره المفترض أن يكون مبشّراً برؤيتها لحسمه .. وأقله، أن لا من علاقة له بالتكتيكي كالسياسي وإنما بالاستراتيجي كمثقف..
“بيان المثقفين العرب حول القدس” كان انحيازاً شائناً للفئة الانحدارية الأولى، معبراً عن ثقافتها، ناطقاً بلسان انظمتها، وبلكنة أنجزتها، ورطانة متسيديهما .. مجاف لأبسط أبجديات صفات الفئة الثانية من حاملي هموم ناسهم وأمتهم .. لم يتبنَّى لغة الأوسلويين وعرب التسوية فحسب، بل والرواية الصهيونية للصراع أيضاً، وعلَّق مسألة حسمه على أريحية “المجتمع الدولي” المتصهين، فتصهين موقِّعوه لغةً وروايةً وحسماً !
.. مثلاً، جاء فيه: إن “القدس جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967” .. “الأراضي” وليس فلسطين، أي مستخدماً ذات التعبير الاحتلالي والتسووي التصفوي الأوسلوي والعربي والدولي .. و”عام1967″، أي تجاهل القدس الغربية و78% من فلسطين المستلبة إثر النكبة الأولى عام 1948، وإذ لا من ذكر لهما، فلا من ذكر أيضاً لستة ملايين لاجىء مشرَّد في دنيا الشتات ..
بيان لكأنما الذي صاغه واحد من كتبة مكتب كبير المفاوضين، أو ومدبّجي بيانات المفاوضات حياة .. بيان مدان ومن لايدينه من المثقفين من غير موقعيه حُشر في زمرتهم.