بصراحة الرئيس عباس منسجم مع نفسه.. هل أنتم منسجمون معه؟
فؤاد أبو حجلة
لم تستفزني تصريحات الرئيس أو مازن في يوم الأرض عن حبه للغناء العبري وإعجابه بموسيقى أبناء العم لأن من يؤمن بالسلام والتعايش مع اليهود في فلسطين ينبغي أن يتفاعل مع ثقافتهم ومع فنهم، ولم يثرني إرساله وفدا رسميا من مناضلي السلطة لتقديم واجب العزاء في الجنرال الإسرائيلي منير عمار الذي كان رئيسا للإدارة المدنية للاحتلال في الضفة ومات مقتولا بحادث طائرة، لأن من يعلن أن الاسرائيليين شركاؤه في “العملية” يجب أن يلتزم باستحقاقات الشراكة ومنها بالطبع واجب العزاء، ولم يغضبني اعلان الرئيس معارضته لانتفاضة السكاكين واعترافه بأن أجهزته الأمنية تقتحم المدارس لتجريد التلاميذ الفلسطينيين من السكاكين، لأن من يجاهر بتقديس التنسيق الأمني مع الاحتلال يجب أن ينفذ التزاماته الواجبة في هذا التنسيق.
بصراحة، محمود عباس منسجم مع نفسه، وهو محتفظ بهذه القناعة منذ ما قبل اتفاق أوسلو بكثير. لذا يبدو فاقدا للقدرة على إثارة الدهشة مهما قال ومهما فعل.
الذي يستفزني كثيرا هو موقف الآخرين. أعني شركاء الرئيس في السلطة وفي الانقسام، فالذين يعملون مع سيادته عن قرب قادة مفترضون في حركة فتح التي رفعت شعار “ثورة حتى النصر” منذ رصاصتها الأولى قبل خمسين عاما، ولم يخبرنا أحد أن الشعار تغير في زمن الدولة العباسية. وكذلك فإن القادة الفتحاويين المفترضين الذين يختلفون مع “الأخ رئيس اللجنة المركزية” يعتبرون مواقفه مجرد اجتهادات غير صائبة يمكن التغاضي عنها من أجل حماية وحدة الحركة والمشروع الوطني! ولذلك فإنهم يكتفون بالتعبير عن اختلافهم مع سيادته بإصدار بيانات مهذبة تنشر على صفحات الفيسبوك، وعندما يضيق صدر سيادته بهذا الاختلاف يتم سحب أو شطب “البوستات”! ويظل المختلفون مع الرئيس أسرى لوظائفهم وامتيازاتهم الممهورة بتوقيع سيادته.
تستفزني أيضا مواقف شركاء الرئيس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فهؤلاء تحولوا إلى اكسسوارات ديمقراطية لتزيين الإطار الجامع للشعب الفلسطيني، وخرجوا، بقدرة قادر، من مواقع المعارضة إلى مواقع الولاء الذي يتطلب تحويل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وباقي الفصائل المنخرطة في مؤسسات المنظمة من تنظيمات ثورية كانت في زمن ما تمثل ضمير الثورة إلى مجموعات انتهازية تختار المشي قرب الحائط وطلب الستر والمخصصات. وما كان يسارا في أزمان التوهج صار يمينا بشعار يساري في زمن الانطفاء.
في الطرف الآخر يستفزني خطاب حركة حماس التي تعلي الصوت في نقد سياسة عباس ومواقفه وتسعى للتصالح مع شريكها في الانقسام إرضاء لأطراف عربية وإقليمية، لكي تضمن الرضى والدعم الضروري لإبقاء الحركة على قيد الحياة الانقلابية في القطاع المقتطع من القطعة الجغرافية الصغيرة للدولة الموعودة.
ولا أعرف حتى الآن إن كان “الجهاد في سبيل الله” يحتمل التهدئة مع الاحتلال والمصالحة مع سلطة التنسيق الأمني مع بني إسرائيل. ولم يخبرنا شيوخ حماس وسدنة مرجعيتها في جماعة الإخوان أن الجهاد لم يعد فرض عين!
صحيح أن ما يجري مستفز، لكنه لا يشيع اليأس، بل يؤكد اقتراب الفلسطينيين من الخروج من هذا النفق المظلم، ولو بالسكاكين التي تستطيع، حين تكون نصالها وطنية، أن تصيغ واقعا جديدا نقيا من تنسيقات السلطة وهرطقات اليسار الزائف وشعوذات اليمين الديني، وأن تهيء لتشكيل واقع جديد وقيادة بديلة لكل هذ الغث والزبد.
سيمضي الرئيس وشركاؤه في لعبتهم حتى نهايتها أو نهايتهم، لكن للأرض نواميسها، ولن يمكث فيها إلا أبناؤها من الفتية الذين يلقون السلام على فلسطين بالعربية الفصحى، ويقولون للرئيس وشركائه “شالوم عليكم، ولا رحمة من الله ولا بركاته”.
كاتب فلسطيني
* رأي اليوم