بعد الأفريقية…فتوحات نتنياهوية اسلامية!-عبد اللطيف مهنا
إنها ليست سوى اشهر قليلة انقضت على فتوحات نتنياهو الإفريقية حتى اتبعها بأخرى اسلامية. فتوحاته الأخيرة المعروفة إبان جولته الصاخبة في القارة السمراء أعقبتها محاولات أخرى في الآونة الأخيرة في رحاب آسيا الوسطى، إذ بعد أن ودَّعه الرئيس الأذري الهام علييف بمثل ما أُستقبل به من حفاوة ليست بالمستجدة بالنسبة للصهاينة في العاصمة الأذرية باكو، حط رحاله على الرحب والسعة في العاصمة الكازاخستانية استانا، وهناك كان لنتنياهو أن يقف مزهواً إلى جانب مضيفه الرئيس المُعتَّق نور سلطان نزارباييف قائلاً:
“لقد رأيتم اليوم زعيما دولة مسلمة ودولة يهودية يتصافحان”…عبارة لخَّص فيها الغازي جوهر استهدافات غزوته الظافرة، لكنه كان صريحاً لأسبابه بالطبع، وفي المقدِّمة منها ما يريد توظيفه داخلياً، عندما لم يني فأرجع الفضل لما يزهو به لما سبق وأن حققته صولاته وجولاته من تحت طاولة النظام العربي الرسمي، عندما اشار إلى جملة من “تغييرات مثيرة” في علاقات الكيان الصهيوني مع العالم العربي رغم أنها، وفق وصفه، “مستترة عن الأعين”. بمعنى آخر، إن فتوحاته الاسلامية هذه لم تك لتتم على مثل هذا النحو المُيسَّر وكان لها هذا الحصاد الذي اراده واستهدفه لو لم ترتكز على مقدماتها ومسوِّغاتها العربية، هذه المقدِّمات المستترة والمفضوحة التي هى أيضاً من صلب ما سهَّل له فتوحاته الأفريقية ومهَّد لها.
في اذربيجان لم يك من شيء على غير العادة، أو ليس بالمتوقَّع بالنسبة لعلاقة الكيان الصهيوني بهذا البلد بالذات، والذي تربطه بالصهاينة علاقات أمنية متينة وتليدة، والذي يستخدمونه هم والناتو كمحطة تجسس على ايران، إذ المعروف أن هناك قاعدة استخباراتية صهيونية في اذربيجان، كما أن هذا البلد يزوِّد الكيان بنصف احتياجاته من النفط، وإن ما يربو على المئتي شركة صهيونية تعمل به، وفي الأعوام الأخيرة فحسب استوردت باكو اسلحةً من تل أبيب بما يعادل الخمسة مليارات دولار.
أما في كزاخستان، التي كانت تزوَّد الكيان ب20% من احتياجاته النفطية، فقد تم لنتنياهو توقيع جملة من الاتفاقات التعاونية متعددة الأوجه والشاملة لمجالات منها الأمنية والتقنية والزراعية والطيران المدني. كما تسنى لنتنياهو أن يطلق من استانا تهديداته الموجَّهة لأيران، وربما الأهم عنده كان طلبه من مضيفه نزارباييف تأييد بلاده للكيان الصهيوني في مطالبته بمقعد في مجلس الأمن في العام 2019.
قبل رحلته الإسلامية كان نتنياهو يطمئن مُتعقِّلي صهاينته المتوجسين من عزلة دولية بسبب من سياساته المتطرِّفة الصادمة للرأي العم الدولي مؤكداً لهم بأن “لإسرائيل مستقبل وردي في الأمم المتحدة”. أما اثناء هذه الرحلة فأخبرهم بأن إحدى الغايات الأساسية من هذه الرحلة الأذرية الكازاخستانية هى “النية لتغيير وتحطيم الأغلبية التلقائية ضد اسرائيل في المحافل الدولية، أنا أريد أن أُحدث انقلاب في العالم الإسلامي، العالم العربي يتأثر، كما قال لي زعماء عرب نشأوا على ثقافة الدعاية ضد اسرائيل”.
في زمن الصعود ومراحل المد القومي التحرري المجيدة كانت دوائر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الثلاث، العربية والإفريقية والإسلامية، هى الماثلة والثابت في حسبان مشروعه الوحدوي التقدمي النهضوي ومعاركه التحررية وواسطة عقدها القضية الفلسطينية، وعليه، لم يك بالمستغرب إن اضفت إليه فضاء دول عدم الانحياز، أن دول العالم المعترفة بمنظمة التحرير الفلسطينية أيامها كانت أكثر من تلك المعترفة بالكيان الصهيوني، وكانت الأمم المتحدة في ذلك الوقت تصنِّف الصهيونية كحركة عنصرية، لكنما بعد كارثة “كامب ديفيد”، وما ترتب من مذبحة للإرادة السياسية العربية، وما تلى من مسبحة مراحل انحدارية او صلت الأمة إلى حضيض راهنها، فتناً وشرذمةً وتطييفاً ودمويةً، فإن الدائرتين الأخيرتين قد تركتا مشاعاً سهلاً للتمدد الصهيوني، والأشنع منه أنه حتى الدائرة الأولى، أو العربية ذاتها، هى اليوم قد باتت نهباً لما دعاه نتنياهو ب”التغييرات المثيرة”، المكشوفة منها و”المستترة عن الأعين”، وبفضل منها حقق نتنياهو ما استهدفته فتوحاته الأفريقية، والمضي في “انقلابه الأسلامي”، ويريد من ثم مقعداً لكيانه الاستعماري الغاصب في مجلس الأمن الدولي!
وإذا ما استطردنا فلزام القول بإنها انما بعض من استراتيجية صهيونية تليدة. بداية التمست نسج وشائجها فيما دعوها بدول الطوق غير العربي اقليمياً، ووجدوا ضالتهم حينها في تركيا وايران الشاه واثيوبيا هيلاسلاسي، هذا دون أن ننسى بالطبع انتقالهم دولياً في بدء البدء من الحضن الأمبراطوري البريطاني البائد إلى الحضن الإمبريالي الأميركي الوارث والواعد، واليوم أما وقد لاح لهم بداية افول حاضنتهم الكبرى هذه، هاهم تحسباً وبتؤدة يوطدون علائقهم وينسجون عرى وشائجهم ويجتهدون لتوثيقها ما استطاعوا مع الصين القادمة وروسيا العائدة والهند الناهضة، بينما العرب يصدق عليهم قول الشاعر الكميت: ولا ادري ولست اخال ادري….أأيقاظ أمية أم نيام ؟!
…فتوحات نتنياهو الأفريقية و”انقلاباته الإسلامية”، تؤازرها “تغييرات” ما تحت الطاولة العربية “المثيرة”، و”المستترة عن الأعين”، ناهيك عن المعلنة والمكشوفة والمفضوحة، تردفهن وتواكبهن غزوات الموساد في مشارق دنيا العرب ومغاربهم، وآخرها اغتيال شهيد فلسطين التونسي المهندس محمد الزواري في صفاقص التونسية…والفتوحات والانقلابات وما يردفهن، لم يك ليحدثن لو ان العرب هم العرب وفلسطين العرب ما زالت عند عربها هى البوصلة…
*بعد الأفريقية…فتوحات نتنياهوية اسلامية!-عبد اللطيف مهنا