بعض الوفاء للمنتج السينمائي الراحل تيريه كريستيانسن صديق فلسطين الكبير – نضال حمد
توفي الممثل والمنتج والمخرج السينمائي النرويجي الشهير تيري كريستيانسن الصديق الكبير للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية. عمل بصمت وبدون تبجح وضجيج وكجندي مجهول في انتاج فيلم “دموع غزة” الشهير من اخراج زوجته المخرجة النرويجية فيبيكي لوكيبيرغ التي لازالت تحمل لواء القضية الفلسطينية.
توفي تيريه يوم السابع والعشرين من شهر تشرين الأول – أكتوبر 2021 حيث فارق الحياة بعد عناء مع مرض عضال. تيريه ودع الدنيا تاركاً خلفه سجلات طويلة ومشرفة من العطاء الفني والثقافي. توفي تيريه قبل حلول عيد ميلاده ال 77 بثلاثة أيام كما ورد في اعلان وفاته في صحيفة افتنبوسطن أكبر صحف البلاد اليومية.
اشتهر المخرج النرويجي تيريه كريستيانسن بمسلسلات وأفلام عديدة وكان من الشخصيات الفنية والسينمائية النرويجية الرفيعة منذ ريعان شبابه. كما أنه زوج الممثلة والمخرجة والمؤلفة النرويجية المعروفة فيبيكي لوكيبيرغ، التي يعرفها القراء والمتابعون العرب من خلال الفيلم الوثائقي الشهير، العابر للقارات “دموع غزة” من انتاج الراحل تيريه كريستيانسن سنة 2010. كما أن تيريه كريستيانسن أنتج معظم أفلام زوجته المخرجة فيبيكي لوكيبيرغ. واشتهر بافلام عديدة منها
“Høvdingen” و “Løperjenten” و “Hud”.
في العام 1984 كتب سيناريو وانتج وأخرج ومثل في فيلم “الرئيس”. .
في سبعينيات القرن الفائت كان مديراً لتسجيل البرامج التلفزيونية. كما وشارك في العديد من تلك البرامج عبر تلفزيون “إن إركو”
NRK
من سنة 1970 الى 2008 شغل تيري كريستيانسن منصب مدير السينما والمدير الثقافي في بلدية “أوس” وكان في ذلك الوقت أصغر مخرج سينمائي في النرويج.
في عام 2012، تم تشخيص حالته بأنه مصاب بسرطان نخاع العظام. لوكبيرج وكريستيانسن لديهما ابنتان، واحدة منهما تدعى ماريا. ولها يوم كانت بعمر 21 عاماً قصة مميزة، فقد حصلت معها حادثة غير مسبوقة في النرويج وهي التالية:
سنة 2004 أقامت مدرسة للتصوير الفني معرضا لطلبتها في مجلس المدينة نهاية شهر مايو/أيار الفائت. تعود ملكية المدرسة لرجل يهودي من أصول مغربية يدعى “اميل فاديدا”، هذا الشخص فاجأ الجميع عند قيامه بحذف صورتين تمثلان عملاً فنياً يعود للطالبة الشابة ماري كريستيانسن (ابنة المخرجين والمنتجين والممثلين النرويجيين المعروفين تيريه كريستيانسن وفيبيكا لوكيبيرغ).
واحدة من الصور مثلت شابة تجلس عارية وهي تدير ظهرها للمصور وعلى رأسها الكوفية الفلسطينية وقد كتب على ظهرها “إسرائيل”، وعند تقاطع حرف “السين” مع حرف “الراء” اللاتينيين، ظهر الحرفان وكأنهما الصليب المعقوف شعار النازية.
أما الصورة الأخرى فتظهر شاباً يهودياً يعزف على البيانو وهو يرتدي القلنسوة اليهودية وأمامه على البيانو يظهر العلم الأمريكي، وقصدت الفنانة الشابة بالصورة المذكورة إظهار و إيضاح اللعبة الأمريكية “الإسرائيلية” المُحكَمَة.
طبعا تصرف فاديدا له تفسيره الخاص للصورتين. لكنه تفكيره المحدود والمحصور في نقطة واحدة فقط لا غير، هي الدفاع عن “إسرائيل” وجرائمها وعنصريتها، ولا يخلو الأمر من الإثارة والسخرية فهذا الرجل فاديدا، الذي يدير المدرسة المعروفة، كان جندياً في جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، لذا فعمل فني مثل أعمال ماري كريستيانسن يرمز للقمع والإجرام “الإسرائيليين” ويظهر الضحية الفلسطينية لن يلقى ترحيباً من فاديدا وأمثاله من الصهاينة حتى في بلد حر وديمقراطي مثل النرويج.
هذا واعتبرت ماريا وعائلتها ما قام به فاديدا عملاً أرعناً وسياسياً منحازاً بالدرجة الأولى. وقالت ماري أنها حصلت على موافقة لمتابعة دراستها في غلاسغو في اسكتلندا بناء على تلك الصور التي نالت إعجاب المدرسة الاسكتلندية ولم تنل إعجاب فاديدا. الجدير ذكره أن مدرسة فاديدا تتلقى دعما ماليا من الحكومة النرويجية.
المرحوم تيريه وزوجته المخرجة فيبيكي أدانا بشدة تصرف فيديدا ووقفا بقوة الى جانب ابنتهما ماريا. تلك كانت المواجهة الأولى بين العائلة واللوبي الصهيوني في اوسلو والنرويج واوروبا والعالم. لكن المواجهة الأكبر والأخطر حصلت بعد انتاجهما الفيلم الوثائقي “دموع غزة” سنة 2010. الفيلم الذي فضح جرائم الصهاينة في غزة وصورها كما هي من أرض الواقع. فنال جوائز عديدة في مهرجانات عالمية مختلفة.
قالت لي فيبيكي انها عرضت على موسيقار افلام يهودي أمريكي وضع موسيقى الفيلم وكانت تخشى أن يرفض ذلك. لكنه عندما شاهد الفيلم ووحشية الاحتلال وافق فوراً ولم يلتفت للمطالب المالية لأنها وزوجها تيريه لم يكونا يملكان المال الكافي لذلك.
سنة 2012 اتصل بي أصدقاء في ايطاليا وسألوني عن الفيلم ومخرجته ومنتجه وإن كانا يرغبان المشاركة في مهرجان أفلام الأرض الذي يقام سنوياً في مدينة كالياري عاصمة جزيرة سردينيا الايطالية. اتصلت بهما وشرحت لهما الأمر. وافقا على المشاركة وسافرنا الى كالياري للمشاركة في مهرجان أفلام الأرض في آذار مارس سنة 2012. هناك عرض الفيلم فأبكى الجمهور الايطالي ونال الثناء والمديح من النقاد واللجنة المختصة وحاز على الجائزة الأولى. قبل نهاية المهرجان اضطرا فيبيكي وتيريه الى مغادرة كالياري والسفر لارتباطهما بعمل وأوصاني أن استلم الجائزة نيابة عنهما. وكتبا رسالة للمهرجان وإدارته وجمهوره هي التالية:
(نأمل أن يكون هذا مصدر إلهام كبير للفلسطينيين في النرويج. هذه رسالتنا للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومصيره. نحن مجرد رسل لله.
نعبر عن فرحتنا الخاصة لقيام “نضال” باستلام هذه الجائزة نيابة عنا ويسرنا أن ينوب عنا في استلام الجائزة، فهو قام بعمل محمود… وهو الذي قاد حملة دؤوبة وبلا كلل للفت نظر النرويجيين الى ما يحدث في فلسطين. كما أن جهوده في لبنان سنتي 1982-1983 نكن لها احتراماً كبيراً…).
عزيزتي فيبيكي
قلبي معك ومع أطفالكما في هذه اللحظات الصعبة. فلسطين تحبكما أنت وتيريه وماريا وأطفالكما كلهم.
لترقد بسلام روح المثقف والمنتج الفني الكبير تيريه كريستيانسن، صديق شعبنا وقضيتنا الصادق والوفي.
نضال حمد
الخامس من يناير – كانون الثاني 2022