بل هى مواقع ومدن يمنية! -عمرو حمزاوي
«غارات عنيفة للتحالف العربى على مواقع الحوثيين»، «مقاتلات التحالف العربى تهاجم مدن الحوثيين»، بمثل هاتين الصياغتين الخادعتين تناولت الصحف المصرية استمرار العمليات العسكرية للسعودية وحلفائها على اليمن.
مواقع ومدن الحوثيين هى مواقع ومدن يمنية، والحوثيون هم مواطنون يمنيون ولم يهبطوا على البلاد التى غابت عنها السعادة خلال العقود والسنوات الماضية لا كغزاة أجانب ولا كمخلوقات فضائية، والمجتمع اليمنى لم يئن تحت وطأة الصراعات الطائفية والمذهبية المدمرة التى تحاول أطراف إقليمية فرضها عليه واختزاله فى ظلماتها والتلاعب بمقدراته لخدمة مصالحها ومشاريعها التوسعية واستعراضات قوتها، والغارات والمقاتلات والعمليات هى شواهد حرب تشنها آلات عسكرية عربية ضد شعب عربى فقير يعانى اليوم كارثة إنسانية مروعة.
تبرر جامعة الدول العربية، التى أصبحت إرادة السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجى الأخرى هى الأوضح سيطرة والأكثر فاعلية داخل أروقتها، الحرب ناقلة للخطاب الرسمى السعودى ومتبنية لمفرداته من الدفاع عن حكومة اليمن الشرعية إلى مواجهة التهديدات الإيرانية لأمن العرب القومى. بينما تصمت الجامعة على نحو مريب عن الخسائر البشرية والمادية للحرب، وعن الكارثة الإنسانية التى يعانيها الشعب اليمنى من جراء نقص إمدادات المياه والغذاء والدواء ومستلزمات الرعاية الصحية الأخرى. وكأن دماء الضحايا المدنيين لا تستأهل اهتمام الجامعة، وكأن المرافق العامة التى دمرتها الحرب على اليمن هى مرافق دولة لا تتمتع بعضوية الجامعة، وكأن الشعب اليمنى ليس بشعب عربى تمثل حماية سلمه وأمنه وبقائه مهمة رئيسية من مهام الجامعة.
تصمت الدوائر الحكومية والرسمية فى مصر عن تواصل الحرب على اليمن، وتمدد المشاركة العسكرية للجيش المصرى فيها دون نقاش عام جاد وفى تجاهل شبه تام لحق المواطن والرأى العام فى معرفة أهداف وتفاصيل مشاركة الجيش ــ معرفة من غير إضرار بسلامة القوات المصرية وبمقتضيات الأمن القومى، وتسكت عن مقولات الطائفية والمذهبية ومقولات العداء الكامل «لإيران وأذرعها» فى بلاد العرب التى تسوقها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى الأخرى للتبرير الفاسد للحرب، وتمتنع عن الإشارة إلى الخسائر البشرية والمادية التى أنزلت بالشعب اليمنى الذى تحتفظ ذاكرته الجمعية لمصر والمصريين بمكانة خاصة جوهرها دعم الجمهورية فى الستينيات وإرسال قوافل المدرسين والأطباء والمهندسين والموظفين للمساعدة فى بناء المجتمع الحديث ــ وليس تدميره، وتترك مصر الحكومية والرسمية الحديث العربى عن «دعم اليمن والوقوف إلى جانبه بعد عودة الشرعية ووضع الحرب أوزارها» لتصريحات «المكرمة الملكية» ولوعود العواصم الخليجية.
يخدع الإعلام المصرى، إن بسبب التوجيه المستمر من قبل الدوائر الحكومية والرسمية أو بسبب سيطرة النخب الاقتصادية والمالية عليه وتحالفها مع منظومة الحكم/ السلطة وخشيتها من إغضاب مراكز الثروة فى الخليج والكثير من مصالحها ترتبط بها، الرأى العام تارة باستنساخ التبرير الطائفى والمذهبى الفاسد للحرب على اليمن، وثانية باستنساخ العداء غير العقلانى لإيران ــ التى بالقطع تتعارض بعض مصالحها وأدوارها مع المصالح العربية ومع الأمن القومى العربى، غير أن الحوار والتفاوض معها لهما فاعلية أمضى بكثير من المواجهات العسكرية والحروب المباشرة أو بالوكالة، وثالثة بالصمت عن الخسائر البشرية والمادية وبالتورط فى إسقاط تصنيفات فاسدة على الشعب اليمنى (السنة والشيعة) وفى الاستعلاء على دماء اليمنيين، ورابعة بالامتناع عن المطالبة بمعرفة أهداف وتفاصيل المشاركة العسكرية المصرية فى الحرب. وكما الإعلام، كما النخب الفكرية والثقافية والحزبية باستثناءات محدودة.
منكم أعتذر أصدقائى أهل اليمن، وباسمكم واسم قيم العروبة الحقة والإنسانية المخلصة سأظل أطالب بوقف الحرب والبحث عن حلول سلمية وتفاوضية تستعيد سلمكم وأمنكم وتنقذ المجتمع والدولة من دينامية التفتت الصومالى ومن براثن الإرهاب ومن صراعات القوى الإقليمية الطامعة والمدفوعة بأجندات طائفية ومذهبية غريبة عنكم.
عمرو حمزاوي أستاذ مساعد العلوم السياسة بجامعة القاهرة وعضو سابق في مجلس الشعب درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.