بمـاذا ينشغل الفلسطينيون ؟! – عبد اللطيف مهنا
في هذه الأيام عالمنا منشغل بترامب، والأمة العربية بدمها المراق مشارقاً ومغارباً، بفجائع لحظة تتناهش فيها الأمم أطرافها الأربع وتعبث الفتن بأحشائها، ومرحلة هى فيها من تفرَّقت ايدي سبأ ولا يشد بنيان نظامها المتنابذ المتهالك بعضه بعضا. أما الصهاينة الجاثمون في القلب منها، في فلسطينها المحتلة، فلا يشغلهم أمر بمثل ما يشغلهم التفنن في انتهاز ما جاد عليهم به هذان الزمنان، الكوني الفاجر والعربي الرديء، من لحظة هي ولا أنسب منها لمضيهم قدماً في ابتداع شتى السبل الدافعة بعجلة التهويد الممنوعة من التوقف وتسريع خطاها لابتلاع ما لم يبتلع بعد من الجسد الوطني الفلسطيني المستباح، مادياً ومعنوياً، ارضاً وانساناً، بمعنى وجوداً إن هم استطاعوا… آخر قوانينهم التي يناقشها الآن الكنيست هي من مثل، “تبييض الاستيطان”، وكبت المؤذنين، أو اسكات المنائر…هذه الانشغالات تقتضي طرح سؤال، أو هي بالمقابل تستدعيه، هو وبماذا ينشغل الفلسطينيون؟
الفلسطينيون هنا، وفقما يصنِّفهم العقدان الأوسلويان الأعجفان، اثنان:
الفلسطينيون الفلسطينيون، والأوسلويون الفلسطينيين…الأولون هم كعادتهم، إنهم، وهم العُزَّل المستفرد بهم، مشغولون بأمر واحد ما ثم غيره ولا من بديل له ولا من خيار لهم سواه، إنه الصمود والصمود وابتداع فن البقاء…الوجه الآخر للمقاومة، والمقاومة بما ملكت ايمانهم، أو ما ظل يتجلى في متوالية هاته الهبَّات والانتفاضات، أو هاته المحطات النضالية المسربلة بالتضحيات الأسطورية المرافقة وجوباً لصراع وجود تناحري مديد، والبالغة حتى الآن الثمانية عشرة، وآخرها راهن انتفاضة الفدائيين…وهنا لا نغفل ما عرفت بالثورة الفلسطينية المعاصرة، تلكم التي أُغتيلت تدرُّجاً بدءا بما عُرف بالبرنامج المرحلي، وأجهزت عليها اوسلو، ولم تني فالحقت بها المنظمة، حين تم العبث بالميثاق الوطني لتحويلها من منظمة كفاح وتحرير إلى ادة بصم وتمرير.
…والفلسطينيون الأوسلويون، الذين احتفلوا قبل أيام تحت حراب الاحتلال بما يسمونه اعلان الاستقلال، والمقصود هنا هو اعلان الجزائر العام 1988، أو أحد سابق تلكم الهيلمانات الممهدات لهذا الراهن البائس، أو تلكم التي ساقت إلى شائن الإجهازين اللذين مر ذكرهما…هؤلاء، ترى بماذا هم منشغلون الآن؟!
الثنائية الفلسطينية، التي أحد طرفيها الشعب وطناً وشتاتاً، والآخر الزمرة النافذة بقدرة الاحتلال، ومشيئة التواطوء الكوني، وحاضنة العجز العربي البالغ حد السمسرة وحضيض التآمر، انتجت في الساحة خطين نقيضين، أو ضدين يفترض أنهما لا يلتقيان، هما المفرِّط المساوم والمعترض المقاوم، وهذا بعض من تمظهره ما يعرف راهناً ب”الانقسام”، والذي تم مسخه باعتباره مسألة فصائلية ثنائية وليس حالة وطنية، فتزييف مطلب الحوار لرأبه، والمفترض أن يكون وطنياً، بحصره أيضاً ثنائياً واستبعاد باقي قوى الساحة…أو ما خلاصته محاولة إدارة هذا “الانقسام” والتعايش معه تحت السقف الأوسلوي لا أكثر.
…إنه كل ما يشغلهم ويريدون اشغال الساحة به…إدارة “الانقسام” في المستنقع الأوسلوي الآسن…أي لا مراجعة نهج كارثي، ولا تغيير مسار مدمر، ولا عودة عن ايغال في مهلكة تنازلية تصفوية. وعليه، تأتي محاولات الهروب من هاته المستحقات جميعاً، وتفادي ضرورة ووجوب اللجوء لبرنامج اجماع حد ادنى وطني مقاوم ، أو الذي عليه وحده فحسب تتوحد الساحة، إلى مسخرة انتخابات محلية شكلانية تحت احتلال، والتعلق البائس بحبال سراب مؤتمر باريس الافتراضي المرفوض صهيونياً والممنوع اميركياً.
في خطاب رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود في ظل الاحتلال الأخير كان كل ما تفوه به لا يمكن ترجمته لسوى ما يعني أمراً واحداً، إنه الإعلان دونما قصد عن إفلاس نهج واعتراف دون افصاح بكارثية خاتمته، أو اشهار لوصوله حضيض راهنه، وليس العودة عنه…كان كل همه هو قطع الطريق على دحلان الرباعية العربية، وعليه، كان قرار محكمته “الدستورية”…التي لا تستند إلى دستور أصلاً، وأُنشئت لخدمة تفرُّد من لاشرعية له، لا وطنية أصلاً وفق قوانين النضال، ولا قانونية بموجب قانون اوسلوستانه، ذلكم لانتهاء ولايته منذ أمد…قرارها، بإعطائه حق رفع الحصانة عن من يرغب في رفع الحصانة عنه من أعضاء مجلس أوسلوستانه التشريعي!
…والأدهى هو إعلانه في ذات الخطاب بأنه يعرف قاتل الراحل ياسر عرفات، وفيما بدى وكأنما هو تهديد بالكشف عن اسمه، الأمر الذي طرح سؤالاً حجمه اتسع على مدى ساحة بكاملها، وطناً وشتاتاً…وما دمت تعرفه فلم صمت كل هذا الذي ذهب من زمن؟! واما وقد كشفت الآن عن معرفتك فما الذي يدعوك لعدم الكشف عمن تعرفه؟!
…هناك من يقول بأن المسألة سيعلن عنها في مؤتمر حزب السلطة المنتظر، ويعزو توقيت ذلك للأسباب الدحلانية ويربطه بها…
…لم يك العالم ليشيح عن عدالة القضية الفلسطينية بمثل هذا القدر، ولا منشغلاً عنها بترامب أو غيره، وما كان راهن الأمة المريع على فداحته ليصرفها عن قضية قضاياها على هذا النحو، ولا كانت مغالاة الصهاينة في عربدتهم التهويدية قد بلغت ما بلغته، لو لم تك أوسلو، وإيصال الأوسلوستانيين لأنفسهم والقضية إلى ما وصلوا وأوصلوها إليه…وصل التماهي مع الاحتلال حد تزامن المداهمات الصهيونية الباطشة لمدينة نابلس مؤخراً مع اشتباكات أمن السلطة مع من تسميهم “المطلوبين” في احيائها، وأن يطارد “الحرس الرئاسي” هؤلاء “المطلوبين” في عيناتا الخاضعة للاحتلال المباشر، أي خارج سلطة السلطة، ويعود بهم معتقلين إلى رام الله!!!