بين الحياة والفن جد وصفو – د.لبنى مرتضى
يقول شيلر..( الحياة جد، والفن صفو )
وكثيرا ماقوبل هذا القول بسخرية متحذلقة، وعلى اعتبار أن لاشيء يضاهي في الجد المزعوم الفن بوجه عام، إلا أنه من الصحيح أن الفن المثالي عينه ليس خلوا من الجد، ومع ذلك يبقى الصفو، وسط هذا الجد بالذات، وربما رغما عنه، الطابع الرئيسي للفن. فقوة الفردية وظفر الحرية المتركزة داخل ذاتها هما بالتحديد ماينتزع اعجابنا في الصفو المطمئن الهادىء للأشخاص الذين خلقتهم الاعمال الفنية التي و ثناها عن العصور القديمة. وهذا صحيح لا في الحالات التي أمكن فيها الحصول على الرضى والصفو بلا صراع فحسب، بل كذلك في الحالات التى عانى فيها الشخص من مصائب حطمته، هو ووجوده كله. لنأخذ أبطال المآسي على سبيل المثال، فحتى عندما يصورون لنا وكأنهم استسلموا للقدر، ترتد نفسهم إلى داخل أنفسهم قائلة: كذلك كتب علي. هكذا تبقى الذات وفية لنفسها على الدوام، فتتخلى عما سلب منها، بل عزفت عنها من تلقاء نفسها، من دون أن تخسر نفسها بخسرانها إياها. الانسان الذي يجندله القدر يمكن أن يفقد حياته، لكن ليس حريته. هذه الثقة بالنفس هي التي تتيح للإنسان، حتى في ذروة الألم، أن يحافظ على هدوئه ويدلل على الصفو نفسه.
في الفن الرومنسي، يأخذ التمزق والانفصام الداخليان طابعا أكثر حدة، وتبدو التناقضات أبعد غورا وأعمق، وقد تتحول إلى تناقضات دائمة. وعلى هذا النحو نجد اللوحات التي تصور درل آلام المسيح، على سبيل المثال، تكتفي أحيانا بمجرد تصوير تعبير الإهانة والتحقير في سجن العساكر الجلادين والتشويه الكريه لتقاطيع وجهوهم الهازئة، وقد يبدو عندئذ أن التمسك بهذه الازدواجيه، وبخاصة في تصوير الرزيلة والخطيئة والشر ، يتناقض وصفو المثال، وحتى في الحالات التي لاتكون فيها الازدواجية على مثل هذا القدر من العمق والديمومة، كثيرا (ليس على الدوام) مايحل القبح، أو على الأقل للاجمال، محل الجمال الصافي الرائق. ففي مرحلة مغايرة من الرسم الهولندي القديم يقوم الصدق والاخلاص تجاه الذات، وكذلك الايمان واليقين الراسخ الذي لايتزعزع، شاهدا على تصالح النفس مع ذاتها، ولكن دون المضي في هذا السبيل إلى حد الصفو وإرضاء المثال. إلا أننا نستطيع أن نعثر، حتى في الفن الرومنسي على تعبير من الفرح في الخضوع، وعلى تعبير من الهناءة في الألم، ومن الغبطة في العذاب، وهذا بالرغم من أن هذا الفن يمثل الألم والعذاب وكأنهما أعمق نفاذا إلى داخل النفس وإلى قرارة الذات. وحتى في الموسيقى الايطالية التي يهيمن عليها الوقار الديني، يبقى تعبير الشكوى والأنين متأثرا بهذا التلذذ وهذا التحويل للألم. ويأخذ هذا التعبير في الفن الرومنسي شكل الابتسامة من خلال الدموع. فالدموع هي رفيق الألم، والابتسامة هي رفيق الصفو، على هذا النحو تنم الابتسامة من خلال الدموع عن رباطة جأش هادئة رغم العذاب والتوجع. وهذا على أن لاتكون الابتسامة محض تظاهر عاطفي، وألا يكون مصدرها غرور الشخص وعجبه بذاته، وألا تكون نتيجة غنج يرمي إلى بيان تعالي هذا الشخص على صغائر الخطوب وعلى احساساته الذاتية الصغيرة، بل ينبغي أن تعني الابتسامة ظفر الجمال وحريته رغم الآلام .
ومن الممكن على كل حال الفصل على نحو مجرد بين الضحك والبكاء، واستخدام هذا أو ذاك على نحو مجرد أيضا بحسب حاجة الفن.