بين العدالة والقانون – عبد الستار قاسم
من تجاربي مع القضاء الفلسطيني واطلاعي على العديد من القضايا، لا أكاد ألمس حديثا قضائيا عن فلسفة القانون، وما أراه أن القرارات القضائية تستند إلى نصوص قانونية قد لا تخدم العدالة أحيانا. والاعتماد على النصوص فقط لا يقره فلاسفة القانون لأن القانون قد لا يقيم عدالة وقد يسبب ظلما. ولهذا قال بعض فلاسفة القانون إن “القانون حمار.” أي لا يتبع إلا النص الجامد دون أن يلتفت يمينا أو شمالا.
نصرة الحق وإقامة العدالة هما غاية القانون، وإذا تناقض القانون مع العدالة فإن العدالة تعلو على اعتبار أن العدالة هي الغاية والقانون هو الأداة. العدالة تعلو والقانون يلقى جانبا عند التضارب. لم أجد في القضاء الفلسطيني حتى الآن من يلجأ إلى فلسفة القانون تجنبا للوقوع في الظلم والخطأ القضائي. ربما أكون مخطئا حيث أنني لم أطلع على كل القضايا، لكن ما أراه يؤيد ما أقول.
فمثلا، إذا نصب أحدهم عليك بمائة ألف دينار، وقلت عنه إنه نصاب فإنك أنت الذي يقع تحت طائلة القانون وليس النصاب على اعتبار أنك شهرت به وأسأت لسمعته. المفروض أن تكتب فيه قصيدة ثناء ومديح على اعتبار أنه يمثل روح من يضع القانون.
هناك قوانين أردنية تعمل بها السلطة الفلسطينية مثل القانون رقم 16 لعام 1960، وهي قوانين تتمشى مع الاستبداد والطغيان، وهي بالتالي تمالئ اللصوص والنصابين والخون. وهذا منطقي لأن طواغيت واستبداديي العرب يمثلون اللصوصية والنصب والاحتيال والتحايل والقمع والبطش. هؤلاء الطواغيت يختصون بملاحقة المحترمين أصحاب القيم الرفيعة والأخلاق العالية، ويدلّعون من هم على شاكلتهم ويوفرون لهم الحماية والرعاية. هؤلاء حزب واحد يلتقون آيديولوجيا وممارسات لا أخلاقية. والقانون الأردني يلائم السلطة الفلسطينية التي لا تختلف في طغيانها واستبدادها وفسادها عن أنظمة العرب. حماية اللصوص والنصابين واجب وطني مقدس مثله مثل التنسيق الأمني.
وكم من الفلسطينيين تمت ملاحقتهم لأنهم ذكروا السلطة الفلسطينية بما فيها من سوء؟ ومنهم من حكمه القضاء ظلما وبهتانا. هؤلاء هم على حق والسلطة الفلسطينية على باطل، لكن نص القانون يقول عكس ذلك. القاضي كغيره من الناس يرى الفساد والظلم والطغيان، حتى أنه يراه داخل مؤسسة القضاء، وبسبب سطوة النص القانوني عليه، لا يستطيع إلا أن يقضي ظلما، والويل له يوم الدين.
وما هو أسوأ أن هناك ما يسمى قرار بقانون يصدر عن شخص لا يحمل أي صفة قانونية سوى أنه مجرد مواطن فلسطيني. لا حق لهذا الشخص الذي ينصب نفسه عنوة رئيسا للسلطة الفلسطينية أن يشرع أو يصدر قوانين، وليته يحرص على حقوق الناس في أحكامه غير الشرعية. كل هذه القرارات بقانون لا قيمة لها ويجب ألا يأخذ بها أحد. هي غير مشروعة وغير شرعية. قلت هذا يوما لأحد القضاة فقال لي “أنت تريد توريطنا.” قلت أورطك الآن أيسر من أن تتورط عند رب العالمين.”
المشكلة أن جمهور المحامين والقضاة يسيرون على درب القرار بقانون، بينما من واجبهم وفق الأمانة التي يحملونها، والقسم الذي أدوه أن يرفضوا كل ما يصدر عن رئيس السلطة الفلسطينية حتى لو كان من قبيل الإجراءات الإدارية. كان هناك مجلس تشريعي، وتم تعطيله وثم حله دون أن تجري انتخابات تشريعية ورئاسية.
الأمم لا تنهض بدون عدالة توفر للناس الأمن والاطمئنان، وتشجعهم على التعاون والعمل الجماعي. وإقامة الدولة لا تتم بالظلم والاعوجاج والتمييز بين الناس على أسس عنصرية مثل العنصرية التنظيمية الشائعة في الأرض المحتلة/67.